ايصال الطالب الي المكاسب المجلد 4

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان واسم المؤلف: ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

تفاصيل المنشور: تهران : موسسة كتابسراي اعلمي ، 1385.

خصائص المظهر: ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

لسان : العربية

ملحوظة : الفهرسة على أساس المعلومات فيپا

ملحوظة : هذا الكتاب هو وصف"المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" يكون

عنوان آخر: المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف8م702133 1385

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 85-16816

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

[تتمة المكاسب المحرمة]

[تتمة النوع الرابع ما يجرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه]

[تتمة السادسة و العشرون الولاية من قبل الجائر]

[تتمة و ينبغي التنبيه على أمور]
[الثالث: انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه يظهر من الاصحاب أن فى اعتبار عدم القدرة على التفصي من المكره عليه و عدمه اقوالا]

الثالث: انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه يظهر من الاصحاب ان فى اعتبار عدم القدرة على التفصي من المكره عليه وعدمه اقوالا ثالثها: التفصيل بين الاكراه على نفس الولاية المحرمة، فلا يعتبر و بين غيرها من المحرمات فيعتبر فيه المعجز عن التفصي و الّذي يظهر من ملاحظة كلماتهم فى باب الاكراه: عدم الخلاف فى اعتبار العجز عن التفصي اذا لم يكن حرجا، و لم يتوقف على ضرركما اذا اكره على اخذ المال من مؤمن فيظهر انه اخذ المال و جعله

______________________________

التنبيه (الثالث) من تنبيهات الولاية (انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه يظهر من الاصحاب ان فى اعتبار عدم القدرة على التفصي) و التخلص (من المكره عليه) مطلقا (و عدمه) مطلقا (اقوالا ثالثها: التفصيل بين الاكراه على نفس الولاية المحرمة فلا يعتبر) عدم القدرة على التفصي، فاذا قال الوالى: لزيد اقبل الولاية، و الا ضربت ولدك، و كان بامكان زيد انجاء ولده من الضرب بكل سهولة، جاز قبول الولاية المحرمة، لانه مكره عليها، و ان امكنه التفصي و التخلص من المحذور (و بين غيرها) اى غير الولاية (من المحرمات فيعتبر فيه العجز عن التفصي) لتحقق الاكراه.

فلو قال: اشرب الخمر و الا ضربت ولدك و امكنه انجاء الولد لم يجز شرب الخمر (و) لكن (الّذي يظهر من ملاحظة كلماتهم فى باب الاكراه: عدم الخلاف فى اعتبار العجز عن التفصي) فى صدق الاكراه المجوز للحرام مطلقا- (اذا لم يكن) التفصي (حرجا، و لم يتوقف) التفصي (على ضرر)

كما اذا كان فى انجاء ابنه- فى المثال المتقدم- حرج، لانه يوجب سهر الليالى و قطع الفيافى، او ضرر بصرف مال عظيم يضر بحاله.

و مثال ما اذا لم يكن حرج و لا ضرر (كما اذا اكره) زيد- مثلا- من قبل الوالى (على اخذ المال من مؤمن فيظهر انه اخذ المال و جعله

ص: 5

فى بيت المال، مع عدم اخذه واقعا، او اخذه جهرا ثم رده إليه سرا، كما كان يفعله ابن يقطين و كما اذا امره بحبس مؤمن فيدخله فى دار واسعة من دون قيد، و يحسن ضيافته، و يظهر انه حبسه و شدد عليه.

و كذا لا خلاف فى انه لا يعتبر العجز عن التفصي، اذا كان فيه ضرر كثير.

و كان منشأ زعم الخلاف ما ذكره فى المسالك فى شرح عبارة الشرائع مستظهرا منه

______________________________

فى بيت المال، مع عدم اخذه) للمال (واقعا، او اخذه) اى المال من المؤمن (جهرا ثم رده إليه سرا) حتى لا يكون تصرفه فى المال حراما و ان كان اخذه أيضا اذا لم يكن برضاه حرام- كما لا يخفى- (كما كان يفعله ابن يقطين) وزير هارون الطاغى (و كما اذا امره) الجائر (بحبس مؤمن فيدخله فى دار واسعة من دون قيد، و يحسن ضيافته، و يظهر) للجائر (انه حبسه و شدّد عليه) كما يروى ان السجان ليوسف عليه السلام كان يضرب الحائط بالعصى و يظهر يوسف التأوه و الصراخ، ليعلم الملك الجائر انه يضرب يوسف عليه السلام اطاعة له، حيث امر السجان بذلك

(و كذا لا خلاف فى انه لا يعتبر) فى صدق الاكراه (العجز عن التفصي اذا كان فيه) اى فى التفصي (ضرر كثير) كما لو توقف التفصي عن امر الجائر بان يصرف الف دينار- مثلا-.

(و كان منشأ زعم الخلاف) فى المسألة- كما ظهر من شيخنا المعاصر- (ما ذكره فى المسالك فى شرح عبارة الشرائع مستظهرا منه) اى فى حال

ص: 6

خلاف ما اعتمد عليه.

قال فى الشرائع- بعد الحكم بجواز الدخول فى الولاية دفعا للضرر اليسير، مع الكراهة و الكثير بدونها- اذا اكرهه الجائر على الولاية، جاز له الدخول و العمل بما يأمره، مع عدم القدرة على التفصي منه الا فى الدماء المحترمة، فانه لا تقية فيها، انتهى.

قال فى المسالك- ما ملخصه-: ان المصنف ذكر فى هذه المسألة شرطين.

______________________________

كون المسالك استظهر (خلاف ما) اى الفتوى التى (اعتمد عليه) صاحب الشرائع، فان صاحب الشرائع افتى باشتراط العجز عن التفصي، فقال المسالك: و اشتراط العجز عن التفصي غير واضح.

فتوهم شيخنا المعاصر من هذا الكلام ان فى مسألة التفصي خلافا بين الفقهاء، و الحال انه ليس كذلك- كما سيأتى توضيحه-.

(قال فى الشرائع- بعد الحكم بجواز الدخول فى الولاية دفعا للضرر اليسير، مع الكراهة) للدخول ان كان الضرر يسيرا (و) مع الضرر (الكثير بدونها-) اى بدون الكراهة، ما هذا لفظه: (اذا اكرهه الجائر على الولاية، جاز له الدخول) فى الولاية (و العمل بما يأمره، مع عدم القدرة على التفصي منه الا فى الدماء المحترمة فانه لا تقية فيها انتهى) كلام الشرائع.

(قال فى المسالك- ما ملخصه-: ان المصنف ذكر فى هذه المسألة) اى مسألة قبول الولاية من الجائر (شرطين).

ص: 7

الاكراه.

و العجز عن التفصي، و هما متغايران، و الثانى اخص.

و الظاهر: ان مشروطهما مختلف.

فالاول شرط لاصل قبول الولاية.

و الثانى: شرط للعمل بما يأمره.

ثم فرع عليه ان الولاية ان اخذت مجردة عن الامر بالمحرم فلا يشترط

______________________________

الاول (الاكراه) من الجائر.

(و) الثانى (العجز عن التفصي، و هما) اى الشرطان (متغايران و) الشرط (الثانى اخص) فيمكن تحقق الاكراه مع امكان التفصي، و يمكن تحقق الاكراه بدون امكان التفصي.

(و الظاهر: ان مشروطهما) اى المشروط بهذين الشرطين (مختلف) (فالاول) اى الاكراه (شرط لاصل قبول الولاية) فاذا لم يكن اكراه لم يجز قبول الولاية.

(و الثانى) اى العجز عن التفصي (شرط للعمل بما يأمره) من المحرمات.

فاذا قال الوالى: انهب مال زيد، جاز اذا لم يتمكن المكره- بالفتح- من التفصي عن النهب.

(ثم فرع) المسالك (عليه) اى على ما ذكره من الفرق بين الاكراه و التفصي بالعموم المطلق (ان الولاية ان اخذت) و فرضت (مجردة عن الامر بالمحرم فلا يشترط

ص: 8

فى جوازه الاكراه.

و اما العمل بما يأمره من المحرمات فمشروط بالاكراه خاصة و لا يشترط فيه الالجاء إليه بحيث لا يقدر على خلافه و قد صرح به الاصحاب فى كتبهم، فاشتراط العجز عن التفصي غير واضح، الا ان يريد به اصل الاكراه الى ان قال- ان الاكراه مسوغ لامتثال ما يؤمر به و ان قدر على المخالفة مع خوف الضرر.

______________________________

فى جوازه الاكراه).

(و اما العمل بما يأمره) الجائر (من المحرمات فمشروط بالاكراه خاصة) بمعنى عدم امكان التفصي (و لا يشترط فيه) اى فى جواز العمل بالمحرم (الالجاء) و الاضطرار (إليه بحيث لا يقدر على خلافه) بل يجوز و ان قدر على خلافه، و لكن بالعسر و الحرج و الضرر.

ثم قال المسالك (و قد صرح به) اى بما ذكرناه (الاصحاب فى كتبهم فاشتراط العجز عن التفصي) كما فى كلام الشرائع، فى تحقق صدق الاكراه (غير واضح، الا ان يريد) الشرائع (به) اى باشتراط العجز (اصل الاكراه)

بان يريد ان العجز عن التفصي دخيل فى مفهوم الاكراه لغة، لا انه يريد بذلك ان العجز شرط فى قبول الولاية.

اذ قد عرفت ان الاكراه على الولاية لا يشترط فيه عدم امكان التفصي (- الى ان قال-) المسالك (ان الاكراه مسوغ لامتثال) الشخص المجبور (ما يؤمر به) من قبل الجائر (و ان قدر على المخالفة، مع خوف الضرر).

فان القدرة على المخالفة التى تحصل بخوف الضرر، لا توجب دفع

ص: 9

انتهى موضع الحاجة من كلامه.

اقول: لا يخفى على المتأمل ان المحقق ره لم يعتبر شرطا زائدا على الاكراه الا ان الجائر اذا امر الوالى باعمال محرمة فى ولايته كما هو الغالب و امكن فى بعضها المخالفة واقعا.

و دعوى الامتثال ظاهرا- كما مثلنا لك

______________________________

الاكراه (انتهى موضع الحاجة من كلامه) الّذي فهم منه شيخنا المعاصر ما تقدم من الخلاف الّذي نقله.

(اقول: لا يخفى على المتأمل ان المحقق ره لم يعتبر شرطا زائدا على الاكراه) فى جواز قبول الولاية، و انما نظر المحقق ان الولاية المتعارفة هى التى تستلزم العمل بالمحرمات، فليس الامر كما فهمه المسالك من عبارة الشرائع، من انه اشترط امرين: الاكراه، و العجز.

و انما اراد المحقق ان يقول ان قبول الولاية مشروط بالاكراه و تنفيذ امر الوالى الجائر، اذا كان ذلك الامر محرما يحتاج الى عدم امكان التفصي، فلا يفهم من كلام المحقق وجود الخلاف فى عدم جواز قبول الولاية- فى صورة عدم الاكراه- كما فهم صاحب الجواهر.

و ما ذكرناه هو توضيح ما ذكره المصنف رحمة الله عليه بقوله (الا ان الجائر اذا امر الوالى باعمال محرمة) كنهب مال الناس- مثلا- (فى ولايته) اى فى حالكونه واليا (كما هو الغالب) من امر الجائر و لا تهم بامور محرمة (و امكن فى بعضها المخالفة واقعا).

(و دعوى) الوالى (الامتثال) لامر الجائر (ظاهرا- كما مثلنا لك

ص: 10

سابقا- قيد امتثال ما يؤمر به بصورة العجز عن التفصي.

و كيف كان فعبارة الشرائع واقعة على طبق المتعارف من تولية الولاة و امرهم فى ولايتهم بأوامر كثيرة يمكنهم التفصي عن بعضها.

و ليس المراد بالتفصى المخالفة مع تحمل الضرر كما لا يخفى.

و مما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره من نسب عدم الخلاف المتقدم الى الاصحاب من انه على القول باعتبار العجز عن التفصي، لو توقف المخالفة

______________________________

سابقا-) كان يقول: نهبت مال زيد و او دعته الخزينة، و الحال انه لم يأخذ مال زيد، واقعا (قيد) بصيغة المجهول، من باب التفعيل جواز (امتثال ما يؤمر به بصورة العجز عن التفصي) لانه محرم جديد لا يجوز ارتكابه إلا مع الاكراه و الاضطرار.

(و كيف كان) الامر سواء كان كلام المسالك صحيحا او منظورا فيه (فعبارة الشرائع واقعة على طبق المتعارف من تولية الولاة) من قبل الجائرين (و امرهم) الجائرون (فى ولايتهم) اى ابان توليهم للامر (بأوامر كثيرة يمكنهم التفصي عن بعضها) مما كان الامر محرما.

(و ليس المراد بالتفصى المخالفة) من الوالى للجائر (مع تحمل الضرر كما لا يخفى) بادنى تامل.

(و مما ذكرنا) من عدم الاشكال فى عدم جواز قبول الولاية مع امكان التفصي (يظهر فساد ما ذكره) شيخنا المعاصر (من نسب عدم الخلاف المتقدم) فى قوله: اقوالا (الى الاصحاب) اعتمادا على كلام الشرائع و المسالك (من انه على القول باعتبار العجز عن التفصي، لو توقف المخالفة)

ص: 11

على بذل مال كثير، لزم على هذا القول.

ثم قال و هو احوط بل و اقرب.

[الرابع: ان قبول الولاية مع الضرر المالى الّذي لا يضر بالحال رخصة لا عزيمة]

الرابع: ان قبول الولاية مع الضرر المالى الّذي لا يضر بالحال رخصة لا عزيمة فيجوز تحمل الضرر المذكور لان الناس مسلطون على اموالهم.

______________________________

للوالى الجائر (على بذل مال كثير، لزم) البذل (على هذا القول)، اى القول بلزوم التفصي.

(ثم قال) شيخنا المعاصر (و هو) اى لو توقف المخالفة على بذل مال كثير لزم (احوط بل و اقرب).

و قد عرفت عدم الخلاف أولا، و عدم لزوم بذل المال الكثير ثانيا فلا وجه للاحتياط.

قال الشارح: الانصاف ان اشكال الشيخ على صاحب الجواهر فى محله فى الجملة، فراجع الجواهر و المسالك ثم انظر الى كلام الشيخ لتجد صدق ما ذكرناه و الله العالم.

التنبيه (الرابع: ان قبول الولاية مع الضرر المالى الّذي لا يضر بالحال رخصة لا عزيمة).

بمعنى انه اذا توقف عدم قبول الولاية من الجائر على بذل المال، جاز القبول الولاية بعدم اعطاء المال، و جاز اعطاء المال للفرار عن الولاية (فيجوز تحمل الضرر المذكور) فرارا عن التلوث بالولاية (لان الناس مسلطون على اموالهم) و ليس بذل المال فى مثل هذا المورد حراما حتى يجب حفظ المال و قبول الولاية.

ص: 12

بل ربما يستحب تحمل ذلك الضرر للفرار عن تقوية شوكتهم.

[الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن و لو توعد على تركه بالقتل اجماعا]

الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن و لو توعد على تركه بالقتل اجماعا، على الظاهر المصرح به فى بعض الكتب و ان كان مقتضى عموم نفى الاكراه و الحرج الجواز الا انه قد صح من الصادقين صلوات الله عليهما

______________________________

(بل ربما يستحب تحمل ذلك الضرر) المالى (للفرار عن تقوية شوكتهم) بالدخول فى مناصبهم، اما الضرر المالى الّذي اشار إليه بقوله: الّذي لا يضر بالحال.

فان كان ضررا بالغا لم يجز تحمله لما دل على حرمة تحمل الاضرار الكثيرة.

و ان لم يكن ضررا بالغا جاز تحمله فرارا عن الولاية و جاز قبول الولاية كما ذكر ذلك الفقهاء فى باب الصيام الّذي يضر بالانسان لوجود مرض او الخوف من حدوثه، فراجع.

التنبيه (الخامس: لا يباح بالاكراه قتل) المكره- بالفتح- (المؤمن) فيما اذا امره الجائر بذلك (و لو توعد) الجائر (على تركه) للقتل (بالقتل) بان يقتل الجائر زيدا اذا لم يقتل عمروا- مثلا- (اجماعا على الظاهر المصرح به فى بعض الكتب) «على الظاهر» استظهار من الشيخ للاجماع، و «المصرح به» بيان لتصريح بعض الكتب للاجماع فى المسألة (و ان كان مقتضى عموم نفى الاكراه و الحرج: الجواز) لان عمومهما شامل حتى لما كان فى ترك القتل حرج، و كان القتل مكرها عليه (الا انه قد صح من الصادقين) الامام الباقر و الامام الصادق (صلوات الله عليهما:

ص: 13

انه انما شرعت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت الدم فلا تقيّة.

و مقتضى العموم انه لا فرق بين افراد المؤمنين من حيث الصغر و الكبر، و الذكورة و الانوثة و العلم و الجهل، و الحر و العبد، و غير ذلك.

و لو كان المؤمن مستحقا للقتل، لحد، ففى العموم وجهان، من اطلاق قولهم عليهم السلام: لا تقية فى الدماء.

و من ان المستفاد من قوله ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم، فلا تقية ان

______________________________

انه انما شرعت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت) التقية (الدم) بان كان فى التقية اراقة الدم المحرم (فلا تقية) بل لا يريق الانسان الدم، و ان كان عدم الاراقة مستلزما لخوف التقية، مما يوجب ذهاب نفس غير المتقى.

(و مقتضى العموم) فى هذا الحديث (انه لا فرق بين افراد المؤمنين) الذين لا يجوز قتلهم- تقية- (من حيث الصغر و الكبر و الذكورة و الانوثة و العلم و الجهل، و الحر و العبد، و غير ذلك) ككونه من السادة أم لا، فلا يجوز اراقة دم احدهم تقية و اكراها، و لو كان المؤمن فاسقا، كل ذلك للاطلاق فى دليل المنع.

(و لو كان المؤمن مستحقا للقتل، لحد) فى رقبته كما لو كان زانيا زنا محصنا، او لائطا، او مرتدا فطريا، او ما اشبه ذلك (ففى العموم) و انه أيضا لا يجوز قتله- تقية- (وجهان).

وجه عدم الجواز (من اطلاق قولهم عليهم السلام: لا تقية فى الدماء) (و) وجه الجواز (من ان المستفاد من قوله) عليه السلام (ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم، فلا تقية) فى الرواية السابقة (ان

ص: 14

المراد الدم المحقون دون المأمور باهراقه.

و ظاهر المشهور الاول.

و اما المستحق للقتل قصاصا فهو محقون الدم بالنسبة الى غير ولى الدم.

و مما ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم دماء اهل الخلاف، لان التقية انما شرعت لحقن دماء الشيعة، فحدها بلوغ دمهم، لا دم غيرهم.

______________________________

المراد) عدم جواز اراقة (الدم المحقون) اى المحكوم شرعا بحفظه (دون المأمور باهراقه) فاذا لم يشمل مثل هذا الدم «لا تقية فى الدماء» يبقى عموم «الاكراه، و لا حرج» بالنسبة الى مثل هذا الدم على حاله، فيجوز اراقة هذا الدم.

(و ظاهر المشهور الاول) اى عدم الجواز.

(و اما المستحق للقتل قصاصا فهو محقون الدم بالنسبة الى غير ولى الدم) فلا تجوز اراقة دمه بامر الجائر.

(و مما ذكرنا) من ان المراد من «عدم التقية فى الدماء» الدم المحقون، لا مطلق الدم (يظهر سكوت الروايتين) اى «انما شرعت التقية ليحقن بها الدم» و «لا تقية فى الدماء» (عن حكم دماء اهل الخلاف) غير النواصب، و من اشبه ممن حكم بإباحة دمائهم.

وجه الظهور: (لان التقية انما شرعت لحقن دماء الشيعة، فحدها) اى حد التقية- الّذي لا تقية بعد ذلك الحد- (بلوغ دمهم لا دم غيرهم) فيجوز اهراق دم غيرهم تقية.

ص: 15

و بعبارة اخرى محصل الرواية لزوم نقض الغرض من تشريع التقية فى اهراق الدماء لانها شرعت لحقنها، فلا يشرع لاجلها اهراقها.

و من المعلوم: انه اذا اكره المؤمن على قتل مخالف، فلا يلزم من شرعية التقية فى قتله اهراق ما شرع التقية لحقنه.

هذا كله فى غير الناصب.

______________________________

(و بعبارة اخرى) فى وجه جواز اراقة دم غير الشيعة تقية ان (محصل الرواية) التى تقول: لا تقية فى الدماء (لزوم نقض الغرض من تشريع التقية فى اهراق الدماء).

فان التقية انما شرعت لحفظ الدم.

فاذا قال الشارع للمكره- بالفتح-: اهرق الدم تقية، كانت التقية سببا لاهراق الدم، و هذا مناقض لتشريع التقية لاجل حفظ الدم (لانها) اى التقية (شرعت لحقنها) اى حفظ الدماء (فلا يشرع لاجلها) اى لاجل التقية (اهراقها) بان اراد المكره- بالفتح- حفظ دمه، فيهريق دم غيره.

(و من المعلوم) ان نقض الغرض ليس فى اهراق دم المخالف، ل (انه اذا اكره المؤمن على قتل مخالف، فلا يلزم من شرعية التقية فى قتله اهراق ما شرع التقية لحقنه).

فان التقية شرعت لحقن دم المؤمن لا لحقن دم المخالف، لوضوح ان احترام الشارع للمخالف صورى لا حقيقى.

(هذا) الاشكال فى دم المخالف (كله فى غير الناصب).

ص: 16

و اما الناصب فليس محقون الدم و انما منع منه حدوث الفتنة، فلا اشكال فى مشروعية قتله للتقية.

و مما ذكرنا يعلم حكم دم الذمى و شرعية التقية فى اهراقه.

و بالجملة فكل دم غير محترم بالذات عند الشارع خارج عن مورد الروايتين.

______________________________

(و اما الناصب فليس محقون الدم و انما منع منه) اى من دمه (حدوث الفتنة) فى اراقته (فلا اشكال فى مشروعية قتله للتقية).

لان المانع عن اراقة دمه يزال بامر الجائر.

و لكن لا يخفى ان ذلك الّذي ذكر فى المخالف و الناصب، انما هو بالنسبة الى من تمت الحجة بالنسبة إليه.

اما الجاهل القاصر فلا يبعد حقن دمه قطعا، بل كل من لا يعرف الحق اذا كان عن جهل قصورى، فهو محقون الدم و المال و الاهل، الا اذا صدق عليه عنوان المحارب، او ما اشبه، لاصالة حفظ الدم و المال و العرض بالنسبة الى كل احد، عدا من خرج بالدليل.

(و مما ذكرنا يعلم حكم دم الذمى و شرعية التقية فى اهراقه).

لكن لا يخفى ان التقية يجب ان تكون بحيث تجوز اراقة الدم حتى مثل دم الجاهل القاصر و الذمى، و ذلك محتاج الى التأمل.

(و بالجملة فكل دم غير محترم بالذات عند الشارع خارج عن مورد الروايتين) لانصرافهما الى الدم المحرم بالذات.

ص: 17

فحكم اهراقه حكم سائر المحرمات التى شرعت التقية فيها.

بقى الكلام فى ان الدم يشمل الجرح و قطع الاعضاء، او يختص بالقتل وجهان، من اطلاق الدم و هو المحكى عن الشيخ.

و من عمومات التقية، و نفى الحرج، و الاكراه، و ظهور الدم المتصف بالحقن فى الدم المبقى للروح و هو المحكى عن الروضة و المصابيح و الرياض، و لا يخلو عن قوة.

______________________________

(فحكم اهراقه حكم سائر المحرمات التى شرعت التقية فيها).

لكن ربما يقال: بالإطلاق، لقوله سبحانه: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً، فالدم لوحظ فى الشرع، و له اهمية بالغة، فليس من قبيل سائر المحرمات، و لتفصيل الكلام محل آخر.

(بقى الكلام فى ان الدم) الوارد فى الروايتين «لا تقية فى الدماء» (يشمل الجرح و قطع الاعضاء) حتى يكون لا تقية فيها (او يختص بالقتل)

فاذا امر الجائر زيدا بجرح عمرو جاز تقية، أم لا (وجهان من اطلاق الدم) على الجرح و القطع، فلا يجوز، و لا تكون تقية فيها (و هو المحكى عن الشيخ).

(و من عمومات التقية؛ و) عمومات (نفى الحرج، و) رفع (الاكراه، و ظهور الدم المتصف بالحقن) فى الرواية (فى الدم المبقى للروح) لا مطلق الدم (و) هذا القول (هو المحكى عن الروضة و المصابيح و الرياض و لا يخلو عن قوة) خصوصا اذا كان فى مقابله الدم.

كما اذا امر الجائر بجرح زيد جرحا طفيفا و إلا قتل المأمور، بل لا يبعد

ص: 18

[خاتمة فيما ينبغى للوالى العمل به فى نفسه و فى رعيته.]

خاتمة فيما ينبغى للوالى العمل به فى نفسه و فى رعيته.

روى شيخنا الشهيد الثانى رحمه الله فى رسالته المسماة بكشف الريبة عن احكام الغيبة باسناده عن شيخ الطائفة، عن المفيد، عن جعفر بن محمد ابن قولويه، عن ابيه، عن سعد بن عبد الله، عن احمد بن محمد بن عيسى عن ابيه محمد بن عيسى الاشعرى، عن عبد الله بن سليمان النوفلى قال: كنت عند ابى عبد الله عليه السلام، فاذا بمولى لعبد الله النجاشى قد ورد عليه فسلم و اوصل إليه كتابا ففضه، و قرأه.

______________________________

جريان ذلك فى ما اذا قابل تهتك العرض، و لتفصيل الكلام المفصلات و الله العالم بحقائق الاحكام.

(خاتمة) ذات علاقة بالولاية من قبل الجائر (فيما ينبغى للوالى العمل به فى نفسه و فى رعيته).

و الظاهر ان المراد بالوالى- و لو بالمناط- كل انسان بيده منصب من مناصب الدولة، سواء كان كبيرا، او صغيرا، و سواء كان واليا فى حكومة كفر، او حكومة اسلام، حكومة الاسلام المعتدلة، او المنحرفة- كما لا يخفى-

(روى شيخنا الشهيد الثانى رحمه الله فى رسالته المسماة بكشف الريبة عن احكام الغيبة باسناده عن شيخ الطائفة، عن المفيد عن جعفر بن محمد ابن قولويه، عن ابيه، عن سعد بن عبد الله، عن احمد بن محمد بن عيسى عن ابيه محمد بن عيسى الاشعرى، عن عبد الله بن سليمان النوفلى، قال: كنت عند ابى عبد الله عليه السلام، فاذا بمولى لعبد الله النجاشى، قد ورد عليه فسلم و اوصل إليه كتابا ففضه) اى فتحه (و قرأه

ص: 19

فاذا اوّل سطر فيه بسم الله الرحمن الرحيم اطال الله بقاء سيّدى و جعلنى من كل سوء فداه و لا ارانى فيه مكروها فانه ولى ذلك و القادر عليه، اعلم سيّدى و مولاى انى بليت بولاية الاهواز، فان رأى سيّدى و مولاى ان يحدّ لى حدّا، و يمثل لى مثالا لاستدل به على ما يقر بنى الى الله عز و جل، و الى رسوله و يلخص لى فى كتابه ما يرى لى العمل به، و فيما ابذله و اين اضع زكاتى، و فيمن اصرفها، و بمن آنس، و الى من استريح و

______________________________

فاذا اوّل سطر فيه بسم اللّه الرحمن الرحيم اطال اللّه بقاء سيّدى و جعلنى من كل سوء فداه) بمعنى ان يصرف اللّه سبحانه السوء من الامام الى صاحب الكتاب، و المراد بالسوء المرض و الفقر و ما اشبه (و لا ارانى فيه مكروها) بمعنى لا يصيبه مكروه حتى اراه (فانه) تعالى (ولى ذلك) اى صاحب القدرة على ما طلبت منه و دعوته (و القادر عليه، اعلم سيدى و مولاى انى بليت) اى ابتليت و امتحنت (بولاية الاهواز، فان رأى سيدى و مولاى ان يحدّ لى حدّا، و يمثل لى مثالا لاستدل به) اى اجعله دليلى (على ما يقر بنى الى اللّه عز و جل، و الى رسوله و) ان راى سيدى ان (يلخص لى فى كتابه ما يرى) و يحبّذ (لى العمل به، و فيما ابذله) اى فى اى وجه ابذل مالى و جاهى و قدرتى (و اين اضع زكاتى، و فيمن صرفها).

لعل المراد ب «اين اضع» الاعم من الجهات كالقناطر و المساجد، و ب «فيمن» الافراد الذين تصرف الزكاة فيهم (و بمن آنس) من الناس (و الى من استريح) اى اجعله موضع سرى و شكواى، و ما اشبه مما يوجب راحة النفس (و

ص: 20

بمن اثق و آمن و الجاء إليه فى سرى، فعسى ان يخلصنى اللّه تعالى بهدايتك و ولايتك، فانك حجة اللّه على خلقه و امينه فى بلاده، لا زالت نعمته عليك.

قال عبد الله بن سليمان فأجابه ابو عبد الله عليه السلام بسم اللّه الرحمن الرحيم حاطك اللّه بصنعه، و لطف بك بمنّه و كلأك برعايته فانه ولى

______________________________

بمن اثق و آمن و الجاء إليه فى سرى) لا يخفى ان جملة من مصاديق هذه الجمل متداخلة (فعسى ان يخلصنى اللّه تعالى بهدايتك و ولايتك) من المشاكل و المآزق (فانك حجة الله على خلقه و امينه فى بلاده، لا زالت نعمته عليك) و من يكون هكذا لحقيق ان يكون هاديا مرشدا.

(قال عبد الله بن سليمان) الّذي كان حاضرا فى مجلس الصادق عليه السلام حيث جاء رسول النجاشى بهذا الكتاب الى الامام عليه السلام (فأجابه ابو عبد الله عليه السلام) و الظاهر ان الجواب كتابة، لا لفظا- كما لا يخفى- (بسم الله الرحمن الرحيم حاطك الله بصنعه) دعاء بان يحيط لطف اللّه به.

و معنى الاحاطة عدم بقاء جانب من جوانب حياته خاليا عن اللطف و الاحسان (و لطف بك) اى احسن أليك (بمنّه) فى مقابل الاستحقاق، فان المنّ الاحسان بدون استحقاق الطرف المقابل (و كلأك) الكلاءة الحفظ و النظر (برعايته) اى بان يرعاك و لا يسلمك الى الآفات و البلايا (فانه ولى

ص: 21

ذلك.

اما بعد فقد جاءني رسولك بكتابك فقرأته و فهمت جميع ما ذكرته، و سألت عنه، و ذكرت انك بليت بولاية الاهواز، و سرّنى ذلك و ساءني، و ساخبرك بما ساءني من ذلك و ما سرنى ان شاء اللّه تعالى.

و اما سرورى بولايتك، فقلت: عسى ان يغيث اللّه بك ملهوفا خائفا من اولياء آل محمد صلى اللّه عليه و آله: و يعزّ بك ذليلهم، و يكسو بك عاريهم و يقوى بك ضعيفهم، و يطفى بك نار المخالفين عنهم.

و اما الّذي ساءني من ذلك فان ادنى ما اخاف عليك ان تعثر بولى

______________________________

ذلك) اى القادر عليه الّذي بيده قدرته و امكانه.

(اما بعد فقد جاءني رسولك بكتابك فقرأته و فهمت جميع ما ذكرته و سألت عنه، و) هو ما (ذكرت انك بليت بولاية الاهواز، و سرّنى ذلك) التولى الأهواز (و ساءني، و سأخبرك بما ساءني من ذلك) التولى (و ما سرّنى ان شاء الله تعالى).

(و اما) سبب (سرورى بولايتك، فقلت) اى سنح بخاطرى (عسى) و لعل (ان يغيث اللّه بك ملهوفا خائفا من اولياء آل محمد صلى اللّه عليه و آله: و يعزّ بك ذليلهم، و يكسو بك عاريهم، و يقوى بك ضعيفهم، و يطفى بك نار المخالفين) اى اشتغال نفوسهم، تشبيها للمعقول بالمحسوس (عنهم).

(و اما الّذي ساءني من ذلك) التولى للاهواز (فان ادنى ما اخاف عليك ان تعثر) العثرة زلّة الرجل، ثم استعملت لكل زلّة و خطأ (بولى

ص: 22

لنا، فلا تشم رائحة خطيرة القدس.

فانى ملخص لك جميع ما سألت عنه، فان انت عملت به و لم تجاوزه رجوت ان تسلم ان شاء الله تعالى.

اخبرنى- يا عبد الله- ابى عن آبائه، عن على عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه و آله، انّه قال: من استشاره اخوه المؤمن المسلم فلم يمحضه النصيحة، سلب الله لبّه عنه.

و اعلم انى سأشير عليك برأيى، ان انت عملت به تخلصت مما انت تخافه

______________________________

لنا) فتؤذيه (فلا تشم رائحة حظيرة القدس) اى الجنة.

و اذا عرفت هذا.

(فانى ملخص لك جميع ما سألت عنه، فان انت عملت به و لم تجاوزه رجوت ان تسلم ان شاء الله تعالى) اى ان تسلم من العذاب، و لفظ «الرجاء» لانه ليس حتم على الله تعالى ان يغفر الزلات الصغار التى لا يسلم منها الا المعصوم.

(اخبرنى- يا عبد الله- ابى عن آبائه، عن على عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه و آله، انّه قال: من استشاره اخوه المؤمن المسلم فلم يمحضه النصيحة، سلب اللّه لبّه) اى عقله (عنه).

فكان نعمة العقل لمساعدة الناس فى الفكر، فاذا لم يؤد هذه النعمة فى موضعها كانت معرضة للزوال «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ».

(و اعلم انى سأشير عليك برأيى ان انت عملت به تخلصت مما انت تخافه)

ص: 23

و اعلم ان خلاصك و نجاتك فى حقن الدماء، و كفّ الاذى عن اولياء الله و الرفق بالرعية و التأنّى، و حسن المعاشرة مع لين فى غير ضعف و شدّة فى غير عنف و مداراة صاحبك، و من يرد عليك من رسله و ارفق برعيتك بان توقفهم على ما وافق الحق و العدل ان شاء الله تعالى.

______________________________

من عذاب الآخرة.

(و اعلم ان خلاصك) من العذاب (و نجاتك) من العقاب (فى حقن الدماء) و عدم اراقتها (و كفّ الاذى عن اولياء الله) فلا تؤذهم (و الرفق بالرعية) اى عدم اخذهم بالعنف (و التأنّى) و التصبر بعدم الاستعجال فى الانتقام منهم، او المراد التأنّى فى جميع الامور (و حسن المعاشرة) مع الناس (مع لين) فى اخلاقك (فى غير ضعف) اى يكون سبب اللين التفكر و العقل و حسن الخلق، لا ضعف فى الرأى و العزم و النفوذ (و شدّة) فى الانتقام ممن يستحق (فى غير عنف).

فان الشدة فى اقامة الحدود، قد تكون قرينة للعنف كان يعنف فى الكلام لمن يريد اجراء الحدّ عليه، و هذا مما لا داعى له، بالإضافة الى انه كثيرا ما يوجب افساد القلوب و نفرة النفوس عن اطراف الوالى (و مداراة صاحبك) اى الخليفة (و من يرد عليك من رسله) لان الرسل اذا لم تدارهم يفسدون عليك امرك عند الخليفة (و ارفق برعيتك) تأكيد لامر الرفق، لان الولاة و اصحاب السلطة كثيرا ما يغلب عليهم الخرق و الشدة (بان توقفهم على ما وافق الحق و العدل) فلا يجاوزونهما (ان شاء الله تعالى) كلمة تبرك، و ان كانت فى الاصل للشرط.

ص: 24

و اياك و السعاة، و اهل النمائم، فلا يلزقن بك منهم احد، و لا يراك الله يوما و ليلة و انت تقبل منهم صرفا و لا عدلا، فيسخط اللّه عليك، و يهتك سترك، و احذر مكر خوزى الاهواز، فان ابى اخبرنى عن آبائه عن امير المؤمنين عليه السلام، قال: ان الايمان لا يثبت فى قلب يهودى،

______________________________

(و اياك) اى ابتعد (و السعاة) جمع ساعى، و هو الّذي يسعى بالناس و يذكر عنهم السوء الى الوالى ليوقعهم فى عقوبة الوالى (و اهل النمائم) الذين ينمّون على الناس.

و هذا اما عطف بيان، و المراد بالساعى من يكون خارجا عن حاشية الوالى، و اهل النميمة من كان داخلا في الحاشية (فلا يلزقن) اى لا يلصقن كناية عن كونه حاشية و مقربا- (بك منهم احد، و لا يراك الله يوما و ليلة) اى و لو فى يوم واحد، او ليلة واحدة (و) الحال (انت تقبل منهم) اى من السعاة (صرفا و لا عدلا) اى توبة توجب صرف الانسان عن جريمة و فدية توجب اخذها عدم انزال العقوبة المستحقة.

و الحاصل: اجر الاحكام بدون ان تقبل شفاعة، واش، و لا تأخذ ما لا فى مقابل العفو، فان الوشاة صنعهم هذا، دائما، (فيسخط الله عليك، و يهتك سترك) فان من كشف ستر الناس كشف ستره (و احذر مكر خوزى الاهواز) و هم قبيلة كانوا يسكنون خوزستان يعرفون بالمكر و الخديعة (فان ابى اخبرنى عن آبائه) عليهم السلام (عن امير المؤمنين عليه السلام قال: ان الايمان لا يثبت فى قلب يهودى) المراد انه اقرب الى عدم ثبوت الايمان لما ارتكز عليه من المبادي المعادية للاسلام، لا انه ليس

ص: 25

و لا خوزى ابدا.

و اما من تأنس به و تستريح إليه، و تلجئ امورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الامين الموافق لك على دينك، و ميّز اعوانك و جرّب الفريقين فان رايت هنالك رشدا فشأنك و اياه.

و اياك ان تعطى درهما، او تخلع ثوبا، او تحمل على دابة- فى

______________________________

اليهودى قابلا للاسلام- كما لا يخفى- (و لا خوزى ابدا) فان النفوس الشريرة ذات المبادئ البعيدة عن الحق و العدل اصعب قبولهم للايمان من النفوس الطيبة، و النفوس المعتدلة.

(و اما من تأنس به و تستريح إليه، و تلجئ امورك إليه) اى تلجئ فى امورك بجعله محل الاستشارة و الاعتماد (فذلك الرجل الممتحن) ممن قد سبق امتحانك له (المستبصر) بالامور، فان بعض الناس لا يعرفون الناس و الاجتماع، و بعضهم يعرفونهما (الامين) فى قوله و فعله (الموافق لك على دينك).

فان المخالف انما ينظر الى الامور من منظار دينه، لا دينك، و لذا لا يصلح الاستشارة منه و الاعتماد عليه (و ميّز اعوانك) ايّهم عون خير، و ايّهم عون سوء (و جرّب الفريقين) من يصلح منهم، ممن لا يصلح (فان رايت هنالك) فى بعض اعوانك (رشدا) فى الفكر و العقل (فشأنك و اياه) اى الزمه و صادقه مصادقة تامة.

(و اياك ان تعطى درهما، او تخلع) اى تعطى خلعة (ثوبا، او تحمل على دابة) بان تهب دابة (- فى

ص: 26

غير ذات الله- لشاعر او مضحك او ممزح الا اعطيت مثله فى ذات الله.

و ليكن جوائزك و عطاياك و خلعك للقواد و الرسل و الاحفاد و اصحاب الرسائل

______________________________

غير ذات الله-) و ما ليس فيه صلاح آخرتك او دنياك مما امرك الله به (لشاعر او مضحك او ممزح) فان اعطاء المال لهؤلاء مما يوجب حسابا عسيرا يوم القيامة، لانه بذل المال فى غير الوجه الّذي امر الله به.

بالإضافة الى انه لا فائدة فى هؤلاء فى الدنيا لانهم لا يجلبون خيرا و لا يدفعون شرا، فليس صرف المال فيهم الا لاجل اللهو و الانس، و هو سرف و تبذير.

نعم قد يكون صرف المال لاجل الله سبحانه، من جهة كونهم على الباطل، كما كان النبي صلى اللّه عليه و آله يعطى الشاعر لرد اشعار اعداء الاسلام، او لاجل سدّ افواههم و حفظ العرض، فانهم ان لم يعطوا أساءوا، و ان اعطوا حفظ الانسان عرضه من شر ألسنتهم.

و لذا قال عليه السلام «فى غير ذات الله» فلا تعط لاحد منهم شيئا لاجل غير الله (الا اعطيت مثله فى ذات الله) ليكون ما اعطيته لله كفارة لاعطائك اياهم، فان الحسنات يذهبن السيئات.

(و ليكن جوائزك و عطاياك و خلعك للقواد) جمع القائد، و هو المسير للجيش المشرف عليه (و الرسل) الذين تبعثهم لحلّ القضايا، و المفاوضات، و ما اشبه (و الاحفاد) جمع حفيد، و هو الّذي تتقوى به الحكومة (و اصحاب الرسائل) اى الكتاب الذين بيدهم كتابة الجيش و

ص: 27

و اصحاب الشرط، و الاخماس، و ما اردت ان تصرف فى وجوه البر و النجاح و الصدقة، و الفطرة و الحج، و الشرب، و الكسوة التى تصلى فيها، و تصل بها و الهدية التى تهديها الى الله و رسوله من اطيب كسبك.

و انظر يا عبد الله ان لا تكنز ذهبا و لا فضة فتكون من اهل هذه الآية: الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، و لا

______________________________

الرزق و القضاء و ما اشبه (و اصحاب الشرط) الذين يوكل إليهم داخل المدينة لحفظها او المقدم من الجيش (و الاخماس) جمع خميس، و هو الجيش، و يسمى خميسا لانه مركب من المقدم و المؤخر و الجناحين و القلب (و) ل (ما اردت ان تصرف فى وجوه البر) كالطعام الجائع و اكساء العارى و بناء المسجد (و النجاح) اى ما يسبب الظفر بالاعداء (و الصدقة و الفطرة و الحج، و الشرب) اى ما تبذله فى سبيل ارسال الناس الى الحج، لاجل الماء سواء فى البلد او فى خارج البلد (او الكسوة التى تصلى فيها) لعل المراد: صلاة العيدين و الجمعة مما يلزم ان يكون ثوبا فاخرا (و تصل بها) اى تعطى الصلة، فانهم كانوا يصلون- من اراد واصلته- بالكسوة (و الهدية التى تهديها الى اللّه و رسوله، من اطيب كسبك) اى فى حال كون جميع ذلك المذكور بعد قوله «و ليكن» من اطيب الكسب لا من الضرائب و المظالم.

(و انظر يا عبد الله ان لا تكنز) و لا تجمع (ذهبا و لا فضة فتكون من اهل هذه الآية: الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ (و لا

ص: 28

تستصغرن من حلو، او فضل طعام تصرفه فى بطون خالية، تسكن بها غضب اللّه رب العالمين.

و اعلم: انى سمعت ابى يحدث عن آبائه، عن امير المؤمنين (ع):

ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال يوما لاصحابه: ما آمن باللّه و اليوم الآخر من بات شبعانا و جاره جائع، فقلنا: هلكنا يا رسول الله (ص) فقال من فضل طعامكم، و من فضل تمركم، و رزقكم، و خلقكم و خرقكم.

______________________________

تستصغرن) اى لا تعدّن صغيرا (من حلو) شي ء ذى حلاء، كالسكر و التمر والد بس و ما اشبه (او فضل طعام تصرفه فى بطون خالية، تسكن بها غضب اللّه رب العالمين) فان الغالب ان الاغنياء لا يعرفون مقدار جوع الفقراء و تأذيهم و ان الزائد من موائدهم مما ينفع الفقير، و لذا يسرفون فى القاء الزائد فى النفايات، فيكون عوض ان يأتى بالاجر، فيما انفق على الفقير، يأتى بالوزر لانه اسراف حرام، و غضب اللّه سبحانه الحاصل من المعاصى يطفئ و يسكن بمثل هذه الامور، و ان كانت ظاهرها صغيرة و فى الحديث: صدقة السرّ تطفئ غضب الرب.

(و اعلم: انى سمعت ابى يحدث عن آبائه، عن امير المؤمنين (ع):

ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال يوما لاصحابه: ما آمن باللّه و اليوم الاخر من بات شبعانا و جاره جائع، فقلنا: هلكنا يا رسول الله (ص) لانه كثيرا ما يبيت الانسان كذلك (فقال) صلى اللّه عليه و آله ليس المراد ان يبذل الجار طعامه كله لجاره الجائع، بل (من فضل طعامكم و من فضل تمركم، و رزقكم، و خلقكم) اى الثياب الخلقة القديمة (و خرقكم) اى

ص: 29

تطفئون بها غضب الرب تعالى.

و سأنبّئك بهوان الدنيا، و هوان شرفها على من مضى من السلف و التابعين.

فقد حدثنى ابى محمد بن على بن الحسين قال: لما تجهز الحسين عليه السلام الى الكوفة اتاه ابن عباس فناشده اللّه و الرحم ان يكون هو المقتول بالطف.

______________________________

الممزقة من الثياب (تطفئون بها غضب الرب تعالى) تشبيه للغضب الموجب لزوال النعمة من المغضوب عليه بالنار المشتعلة التى توجب فناء ما تلتهمه

و لا يخفى ان المراد بالغضب نتيجة الغضب، كما قالوا، فى صفات اللّه سبحانه: خذ الغايات و اترك المبادى، اذ ليس الله سبحانه محلّا للحوادث، كما برهن فى علم الكلام.

(و سأنبّئك) و اخبرك (بهوان الدنيا) و عدم قيمتها (و هو ان شرفها) فان ما يعده الناس شرفا، الّذي يحصل بالمال و المنصب و ما اشبه، ليس بامر مهمّ، و انما هو هين زائل لا فائدة فيه (على من مضى من السلف و التابعين) لهم باحسان.

(فقد حدثنى ابى محمد بن على بن الحسين) عليه السلام (قال:

لما تجهز الحسين عليه السلام) و استعدّ للسفر (الى الكوفة اتاه ابن عباس فنا شده الله) اى احلفه بالله (و الرحم) اى احلفه بحق الرحم (ان) لا يسافر هذا السفر الّذي (يكون) بسببه (هو المقتول بالطف) كربلاء، لما علم ابن عباس من شهادة احد اهل البيت فى كربلاء.

ص: 30

فقال: انا اعرف بمصرعى منك، و ما وكدى من الدنيا إلا فراقها الا اخبرك يا ابن عباس بحديث امير المؤمنين (ع) و الدنيا، فقال له بلى لعمرى انى احب ان تحدثنى بامرها فقال ابى قال على بن الحسين عليه السلام سمعت أبا عبد الله الحسين عليه السلام يقول: حدثنى امير المؤمنين عليه السلام؛ قال: انى بفدك فى بعض حيطانها و قد صارت لفاطمة عليها السلام، فاذا انا بامرأة قد قحمت عليّ و فى يدى مسحاة و انا

______________________________

(فقال) الحسين عليه السلام (انا اعرف بمصرعى منك) يعنى انك تظن او تحتمل انى اقتل، لكنى انا اعلم بانى اقتل (و ما وكدى) بالضم اى جهدى، او بالفتح اى همى (من الدنيا إلا فراقها) اى ان كل همّى ان افارق الحياة لالتحق بالرفيق الاعلى، فلست اخاف من القتل.

ثم قال الحسين عليه السلام (الا اخبرك يا ابن عباس بحديث امير المؤمنين «ع» و الدنيا) و ان الدنيا كيف كانت فى نظر الامام امير المؤمنين عليه السلام (فقال) ابن عباس (له) اى للحسين عليه السلام (بلى) حدثنى (لعمرى انى احب ان تحدثنى بامرها) اى شأن الدنيا (فقال ابى قال على بن الحسين عليه السلام سمعت أبا عبد الله الحسين عليه السلام يقول: حدثنى امير المؤمنين عليه السلام، قال: انى) كنت (بفدك فى بعض حيطانها) اى بساتينها و البستان يسمى حائطا بعلاقة المجاورة، حيث ان الحائط يجاور البستان (و قد صارت) فدك (لفاطمة عليها السلام) بعد اخذها من اليهود (فاذا انا بامرأة قد قحمت) اى دخلت (عليّ و فى يدى مسحاة و انا

ص: 31

اعمل بها، فلما نظرت إليها طار قلبى مما تداخلنى من جمالها فشبهتها ببثينة بنت عامر الجحمى و كانت من اجمل نساء قريش.

فقالت يا بن ابى طالب (ع) هل لك ان تتزوج بى؟ فاغنيك عن هذه المسحاة و ادلك على خزائن الارض فيكون لك ما بقيت و لعقبك من بعدك

______________________________

اعمل بها) فى اصلاح البستان (فلما نظرت إليها طار قلبى) اى تعلق بها كالطير الّذي يطير من مكانه الى وكره ليأوى إليه.

و الظاهر ان الامام كان يعلم انها الدنيا و لذا نظر إليها (مما تداخلنى من جمالها) فان القوّة الجسدية تحب الحسن، و ان كانت النفس الطاهرة تأبى الاقتراف اذا كان فى الحسن المحظور الشرعى او العقلى.

كما ان الانسان الجائع يحب الطعام الشهىّ و ان اجتنبه لشبهة او نحوها (فشبهتها ببثينة بنت عامر الجحمى، و) قد (كانت) بثينة (من اجمل نساء قريش) و فيها يقول الشاعر:

بثينة شأنها سلبت فؤادى بلا جرم اتيت به، سلاما

اى «سلا» ايها الشخصان «ما» جرمى إليها، حتى فعلت بى ذلك.

(فقالت يا بن ابى طالب (ع) هل لك ان تتزوج بى؟ فاغنيك عن هذه المسحاة) كناية عن اعطائها له عليه السلام الرزق الوافر، بدون الاحتياج الى العمل (و ادلك على خزائن الارض فيكون) المال الّذي اجلبه لك (لك ما بقيت، و لعقبك من بعدك) من الاولاد و الاحفاد.

ص: 32

فقال لها من انت حتى اخطبك من اهلك.

قال: فقالت: انا الدنيا، قال لها فارجعى، و اطلبى زوجا غيرى فلست من شأنى فاقبلت على مسحاتى و انشأت اقول

لقد خاب من غرته دنيا دنيّة و ما هي ان غرت قرونا بنائل اتتنا على زىّ العزيز بثينة و زينتها فى مثل تلك الشمائل

______________________________

(فقال) الامام عليه السلام (لها من انت حتى اخطبك من اهلك) و هذا استفسار العارف، و الا كانت النساء للامام محرمة ما دامت عنده فاطمة عليها السلام، و فدك اتت الى الامام فى زمن فاطمة عليها السلام و خرجت من يده فى زمنها كما لا يخفى.

(قال: فقالت: انا الدنيا، قال) الامام عليه السلام (لها فارجعى، و اطلبى زوجا غيرى فلست من شأنى).

قال الامام عليه السلام (فاقبلت على مسحاتى و انشأت اقول) هذه الابيات (لقد خاب من غرته دنيا دنيّة) خاب اى خسر (و ما هى ان غرت قرونا بنائل) قرون جمع قرن.

و لعل المراد به مقدار عمر جيل من الانسان.

و الظاهر: ان نائل صفة قرون باعتبار كل قرن قرن اى لم يفز كل قرن بما اراد من الدنيا، لان الدنيا خدعتهم ثم انصرفت عنهم.

و قد قال الامام عليه السلام فى كلمة له «الدنيا تغر و تضر و تمر» (اتتنا) اى الدنيا (على زى العزيز بثينة) و الزيّ بمعنى الشمائل و الالبسة و ما اشبه (و زينتها فى مثل تلك الشمائل) اى شمائل بثينة

ص: 33

فقلت لها غرّى سواى فاننى عزوف عن الدنيا و لست بجاهل و ما انا و الدنيا فان محمدا احل صريعا بين تلك الجنادل و هيهات امنى بالكنوز و ودّها و اموال قارون و ملك القبائل أ ليس جميعا للفناء مصيرنا و يطلب من خزانها بالطوائل

______________________________

(فقلت لها غرى سواى) و اخدعى غيرى من ابناء الدنيا (فاننى عزوف) اى زاهد و منصرف (عن الدنيا و لست بجاهل) حتى اقبل عليها (و ما انا و الدنيا) اى ما اصنع بدنيا زائلة ارتنى مصارع الكرام من اهل بيتى (فان محمدا احل صريعا بين تلك الجنادل) جمع جندل بمعنى الحجارة الخشنة.

و هذا كناية عن موت النبي صلى اللّه عليه و آله و يتبين من هذا البيت ان القصة حدثت لعلى بعد موت النبي صلى اللّه عليه و آله قبل اغتصاب الجماعة لفدك (و هيهات امنى) اى اخدع، من الامنية (بالكنوز و ودّها) اى حبّها (و اموال قارون) اى اموال كاموال قارون فى الكثرة (و ملك القبائل) اى هيهات ان اخدع بسلطة القبائل بان الطلب الدنيا للسلطة على الناس (أ ليس جميعا للفناء مصيرنا) فان مصير البشر جميعا الى الفناء (و يطلب من خزانها) الذين خزنوا و جمعوا الاموال (بالطوائل) جمع طائلة، اى بالتفصيل و الدقة، و الصفة لمحذوف اى المحاسبات الطويلة، فان يوم القيامة «مقداره خمسين الف سنة»

ص: 34

فغرّى سواى اننى غير راغب بما فيك من عز و ملك و نائل فقد قنعت نفسى بما قد رزقته فشأنك يا دنيا و اهل الغوائل فانى اخاف الله يوم لقائه و اخشى عذابا دائما غير زائل

فخرج من الدنيا و ليس فى عنقه تبعة لاحد حتى لقى الله تعالى محمودا غير ملوم و لا مذموم.

ثم اقتدت به الأئمة من بعده بما قد بلغكم.

______________________________

(فغرّى) ايتها الدنيا (سواى) و غيرى (اننى غير راغب) أليك (بما فيك) ايتها الدنيا (من عز و ملك و نائل) اى عطايا ينالها الانسان (فقد قنعت نفسى بما قد رزقته) اى بما قدر الله لى من رزق (فشأنك يا دنيا) اى انت تعرفين (و اهل الغوائل) جمع غائلة و هى الصفة الفاسدة اى اعملى عملك مع اهل الصفات الفاسدة اما بالنسبة إليّ فانى لا اغرّ بك (فانى اخاف اللّه يوم لقائه) اى يوم القيامة، فان الانسان يلاقى ذلك حسابه و جزائه (و اخشى عذابا دائما غير زائل) و لذا اترك زخارف الدنيا لئلا ابتلى بتوابعها

قال الامام الصادق عليه السلام (فخرج) الامام امير المؤمنين عليه السلام (من الدنيا و ليس فى عنقه تبعة لاحد) من ظلم او ايذاء او قهر او سلب او ما اشبه مما هى عادة اهل الدنيا يفعلون كل ذلك للملك و السيطرة و المال (حتى لقى الله تعالى محمودا غير ملوم) لا يلام بشي ء مما عمله فى الدنيا (و لا مذموم) لا يذمه احد على افعاله و اعماله.

(ثم اقتدت به) اى بالامام المرتضى صلوات الله عليه (الائمة من بعده بما قد بلغكم) اى بالحديث الّذي بلغكم عنهم، و انهم لم يتلوثوا

ص: 35

لم يتلطخوا بشي ء من بوائقها.

و قد وجهت أليك بمكارم الدنيا و الآخرة.

و عن الصادق المصدق رسول الله فان انت عملت بما نصحت لك فى كتابى هذا ثم كانت عليك من الذنوب و الخطايا، كمثل اوزان الجبال و امواج البحار، رجوت الله ان يتجافى عنك جلّ و عزّ بقدرته.

يا عبد الله اياك ان تخيف مؤمنا فان ابى حدثنى عن ابيه عن جده على بن

______________________________

بالدنيا و زخارفها (لم يتلطخوا) التلطخ التلوث بالنجاسة و شبهها (بشي ء من بوائقها) جمع بائقة، و هى المعصية و الشر.

(و قد وجهت أليك) و ارسلت أليك ايها النجاشى (بمكارم الدنيا و الآخرة) اى بما هى مكرمة عند اهل الدنيا و عند اهل الآخرة و المراد بالمكارم النصائح التى ساقها عليه السلام إليه.

(و عن الصادق المصدق رسول الله) صلى الله عليه و آله (فان انت عملت بما نصحت لك فى كتابى هذا ثم كانت عليك من الذنوب و الخطايا، كمثل اوزان الجبال و امواج البحار، رجوت الله) تعالى (ان يتجافى) و يتجاوز (عنك جلّ و عزّ بقدرته) اى بسبب قدرته على التجاوز، فان من الذنوب ما هى ابعد عن التجاوز و اشد صعوبة، و منها ما ليس كذلك.

و الامور المذكورة فى هذه الرواية، من المحرمات من الذنوب الاشد، فاذا لم يعمل بها كان ما عداها محلا للرجاء.

(يا عبد الله اياك ان تخيف مؤمنا، فان ابى حدثنى عن ابيه عن جده، على بن

ص: 36

ابى طالب عليه السلام انه كان يقول: من نظر الى مؤمن نظرة ليخيفه بها اخافه اللّه يوم لا ظل الا ظلّه و حشره فى صورة الذرّ لحمه و جسده و جميع اعضائه حتى يورده مورده.

و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام، عن النبي صلى اللّه عليه و آله: قال: من اغاث لهفانا من المؤمنين اغاثه اللّه يوم لا ظل الا ظله و امنه من الفزع الاكبر و آمنه من سوء المنقلب.

و من قضى لاخيه المؤمن حاجة قضى اللّه له حوائج كثيرة، إحداها الجنة

______________________________

ابى طالب عليه السلام انه كان يقول: من نظر الى مؤمن نظرة ليخيفه بها اخافه الله يوم لا ظل الا ظلّه) اى يوم القيامة حيث لا شي ء يقى من الشمس الحارة، إلا ظل العرش- و الاضافة للتشريف- (و حشره فى صورة الذرّ) اى النمل (لحمه و جسده و جميع اعضائه) فى تلك الصورة (حتى يورده مورده) اى يدخله النار، اقتباسا من الآية الكريمة فاوردهم النار.

(و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه و آله) انه (قال: من اغاث) اى ادرك للانجاء (لهفانا من المؤمنين) اى مظلوما قد وصلت روحه الى تراقيه- شدة و كربا- (اغاثه الله يوم لا ظل إلا ظله و آمنه من الفزع الاكبر) اى خوف يوم القيامة الّذي هو اكبر من كل خوف (و آمنه من سوء المنقلب) اى سوء المرجع، و المعنى انه لا يدخل النار.

(و من قضى لاخيه المؤمن حاجة قضى اللّه له حوائج كثيرة إحداها الجنة) فان الاهوال من الموت الى الجنة كثيرة جدّا.

ص: 37

و من كسى اخاه المؤمن جبة عن عرى، كساه اللّه من سندس الجنة و استبرقها و حريرها، و لم يزل يخوض فى رضوان اللّه ما دام على المكسوّ منها سلك.

و من اطعم اخاه من جوع اطعمه الله من طيبات الجنة و من سقاه من ظماء سقاه اللّه من الرحيق المختوم.

و من اخدم اخاه اخدمه اللّه من الولدان المخلدين

______________________________

(و من كسى اخاه المؤمن جبة عن عرى، كساه الله من سندس الجنة و استبرقها) السندس رقيق الديباج، و الاستبرق غليظها، و فى الاول نعومة للجسم، و فى الثانى جمال، فان للثياب الخشنة مظهرا جميلا- كما لا يخفى- (و حريرها، و لم يزل يخوض) بان يغمره، كالخائض فى الماء (فى رضوان الله) اى رضاه (ما دام على المكسوّ منها سلك) اى خيط.

و هذا مبالغة فى انه و ان تمزق و لم يبق على بدنه الا سلك منها.

و لا يخفى ان علم الانسان بان المولى راض عنه، من اكبر النعم الروحية، بالإضافة الى ان الرضوان يستلزم الاسعاف بالحوائج و زيادة النعمة و الرحمة.

(و من اطعم اخاه من جوع اطعمه الله من طيبات الجنة و من سقاه من ظماء) اى من العطش (سقاه الله من الرحيق المختوم) الرحيق: الخالص من الشراب، و المختوم: هو الّذي ضرب على غطاء إنائه الختم دليلا على طهارته، و انه لم يمس من قبل.

(و من اخدم اخاه اخدمه اللّه من الولدان المخلدين) فان فى

ص: 38

و اسكنه مع اوليائه الطاهرين.

و من حمل اخاه المؤمن على راحلة حمله الله على ناقة من نوق الجنة و باهى به الملائكة المقرّبين يوم القيامة.

و من زوج اخاه امرأة يأنس بها و يشدّ عضده و يستريح إليها زوّجه الله من الحور العين، و آنسه بمن احبه من الصديقين، من اهل بيت نبيه صلى الله عليه و آله و اخوانه و انسهم به.

______________________________

الجنة حور للخدمة و الزواج، و ولدان يبقون ابدا اولادا، و هم فى جمال فائق، و هؤلاء للخدمة (و اسكنه مع اوليائه الطاهرين).

(و من حمل اخاه المؤمن على راحلة).

و المراد مطلق الركوب فيشمل مثل السيارة و الطائرة فى زماننا هذا (حمله الله على ناقة من نوق الجنة) نوق جمع ناقة (و باهى به الملائكة المقرّبين) اى قال للملائكة انظروا الى عبدى المطيع، تدليلا على عظمة خالقه (يوم القيامة).

(و من زوج اخاه امرأة يأنس بها و تشدّ عضده) فان صاحب الزوجة كالذى له عضد فى القوة النفسية، من باب تشبيه المعقول بالمحسوس (و يستريح إليها) فان السكون القلبى سبب الاستراحة (زوّجه الله من الحور العين، و آنسه بمن احبه) الفاعل فى «احبه» اللّه او المزوّج (من الصديقين، من اهل بيت نبيه صلى اللّه عليه و آله و اخوانه و انسهم به) اى كان كل واحد يأنس بالآخر، و هذا اعظم انسا، ممن يأنس بشخص، و لا يأنس ذلك الشخص به.

ص: 39

و من اعان اخاه المؤمن على سلطان جائرانه الله على اجازة الصراط عند زلّة الاقدام.

و من زار اخاه المؤمن فى منزله لا لحاجة منه إليه كتب من زوّار اللّه و كان حقيقا على اللّه ان يكرم زائره يا عبد الله حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام انه سمع رسول الله صلى الله عليه و آله يقول لاصحابه يوما: معاشر الناس انه ليس بمؤمن من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه فلا تتبعوا عثرات المؤمنين، فانه من تتبع

______________________________

(و من اعان اخاه المؤمن على سلطان جائر) يريد ايذائه، او يخلصه من الاذى الواقع به (اعانه الله على اجازة الصراط) اى المرور عليه (عند زلّة الاقدام) من الصراط الموجبة لدخول النار.

(و من زار اخاه المؤمن فى منزله لا لحاجة منه) اى من الزائر (إليه) اى الى المزور، و انما لصرف الزيارة (كتب) ذلك الزائر (من زوّار الله) اى الذين يزورون الله كثيرا (و كان حقيقا) حريا (على الله ان يكرم زائره).

ثم قال الامام عليه السلام (يا عبد الله حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام انه سمع رسول الله عليه و آله، يقول لاصحابه يوما:

معاشر الناس انه ليس بمؤمن من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه) بان لم يقبل اتباع احكام الاسلام، و ان اظهر الايمان بلسانه.

و قد قال صلى الله عليه و آله هذا الكلام مقدمة لقوله: (فلا تتبعوا عثرات المؤمنين) اى زلاتهم بان تفحصوا و تجسسوا للاطلاع على تلك العثرات فان من يفعل ذلك كان ممن آمن بلسانه لا بقلبه (فان من تتبع

ص: 40

عثرة مؤمن يتبع الله عثرته يوم القيامة و فضحه فى جوف بيته.

و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام قال: اخذ الله ميثاق المؤمن على ان لا يصدق فى مقالته، و لا ينتصف من عدوه و على ان لا يشفى غيظه الا بفضيحة نفسه

______________________________

عثرة مؤمن يتبع الله عثرته يوم القيامة) و لا يصفح عنه (و فضحه) فى الدنيا (فى جوف بيته) و هو فى جوف البيت لا يطلع عليه احد حسب الموازين العادية، لكن الله يظهر عثراته للناس ليخزى بها.

(و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام قال: اخذ الله ميثاق المؤمن) اى العهد الشديد منه، و لعله فى عالم الذر.

او المراد: اخذ الميثاق بجعله شرط الايمان، على لسان الأنبياء (على ان لا يصدق فى مقالته) اى لا يصدق الناس كلام المؤمن (و لا ينتصف من عدوه) اى لا ينصفه الناس، بل يجعلون الحق مع عدوه.

و المراد: انه يلزم ان يثبت على ايمانه و ان وصلت حالته هذا الحدّ بحيث لا يصدق و لا ينتصف، لا ان المراد: انه دائما كذلك.

و لعل اتيان الامام عليه السلام بهذه الجملة لتنبيه عبد الله على ان التزامه بهذه الاحكام يجب ان يكون مقارنا لعلمه بهذه الحالة، حتى اذا تغير عليه الخليفة، و لم يصدقه فى كلام او لم ينتصفه من واش و حاسد يكون مسبوقا بان حالة المؤمن هكذا، فلا يقول- كما يقوله بعض الجهال كيف زالت نعمتى و حلّ بى الشقاء و انا اطعت اللّه و عملت بأوامر الرسول و الأئمة عليهم السلام (و على ان لا يشفى غيظه الا بفضيحة نفسه)

ص: 41

لان المؤمن ملجم.

و ذلك لغاية قصيرة، و راحة طويلة اخذ الله ميثاق المؤمن على اشياء ايسرها مؤمن مثله، يقول بمقالة يبغيه و يحسده و شيطان يغويه و يمقته و سلطان يقفو اثره و يتبع عثراته و كافر بالذى هو مؤمن به يرى سفك دمه دينا

______________________________

فان شفاء الغيظ يلازم الانتقام، و الانتقام فضيحة للمؤمن، لان الناس يتوقعون منه الهدوء و السكينة، و العفو و الاغماض.

و هذا من الامام عليه السلام تنبيه لعبد الله لان يأخذ جانب العفو و الاحسان (لان المؤمن ملجم) كالحيوان الّذي الجم فمه، فلا يقدر على الصهيل، و ما اشبه.

(و ذلك) الالتزام بهذه الصفات الصعبة (لغاية) اى مدة (قصيرة) فى الدنيا (و راحة طويلة) فى الآخرة (اخذ الله ميثاق المؤمن) و عهده الاكيد (على اشياء) بان يصبر عليها و يصفح عنها (ايسرها) عليه (مؤمن مثله، يقول بمقالته) فى الايمان (يبغيه) اى يظلمه (و يحسده) اذا رآه فى علوّ و رفعة (و شيطان يغويه) اى يريد ان يضلّه عن الطريق (و يمقته) اى يبغضه و مقت الشيطان يسبب اهتمامه فى ايذائه و اضلاله (و سلطان) الجائر (يقفو) و يتبع (اثره) كيف عمل، و كيف تكلم، و ما ذا صنع، اى يراقبه ليؤذيه و يسلب راحته و حريته (و يتبع عثراته) و زلّاته ليحاسبه عليها (و) الحال ان السلطان (كافر بالذى هو مؤمن به) اما كفر فى العقيدة او كفر فى العمل (يرى) ذلك السلطان (سفك دمه) اى اراقته (دينا) اى انه من الدين، كما كان يرى ملوك بنى امية و بنى العباس هذا المعنى

ص: 42

و إباحة حريمه غنما، فما بقاء المؤمن بعد هذا.

يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه عن على عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه و آله، قال نزل جبرئيل عليه السلام، فقال يا محمد ان الله يقرئك السلام، و يقول: اشتققت للمؤمن اسما من اسمائى سميته مؤمنا، فالمؤمن منّى و انا منه،

______________________________

بالنسبة الى الأئمة الطاهرين و الشيعة (و إباحة حريمه) اى سبيهم و اباحتهم (غنما) غنيمة، كما يغنم المسلم من الكافر حريمه (فما بقاء المؤمن) فى الدنيا (بعد هذا) النوع من الصعوبات.

(يا عبد الله) و كان هذه الجملة للتنبيه على لزوم الانصراف عن الدنيا، و الزهد فى البقاء بها (و حدثنى ابى، عن آبائه عن على عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه و آله، قال نزل جبرئيل عليه السلام، فقال يا محمد) صلى الله عليه و آله (ان الله يقرئك السلام، و يقول: اشتققت للمؤمن اسما من اسمائى) فالله «مؤمن» كما فى الآية الكريمة «هُوَ اللّٰهُ الَّذِي لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلٰامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ»

و المراد: ان الله يؤمن روعة الناس، كما ان المؤمن معناه من آمن و اعتصم و تمسك بما جاء به الأنبياء.

و المراد بالاشتقاق معناه اللغوى و هو امتداد الاصل فى الفرع و هنا الامتداد مادة و صورة، لان لفظ الاصل «المؤمن» و لفظ الفرع «المؤمن» أيضا (سميته مؤمنا، فالمؤمن منّى و انا منه).

و المراد الارتباط من الرب و المؤمن ارتباط الرحمة و الفضل من

ص: 43

من استهان بمؤمن فقد استقبلنى بالمحاربة.

يا عبد الله و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله، انه قال يوما: يا على لا تناظر رجلا حتى تنظر فى سريرته.

فان كانت سريرته حسنة فان الله عز و جل لم يكن ليخذل وليه.

______________________________

جانبه، و الاطاعة و الخضوع من جانب المؤمن (من استهان بمؤمن فقد استقبلنى بالمحاربة).

و لعل الاتيان بلفظ «استقبلنى» لاجل بيان كثرة الوقاحة، فان من يستقبل الشخص بالمكروه اكثر وقاحة ممن يأتيه من الخلف او الجانب.

(يا عبد الله و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال يوما: يا على لا تناظر رجلا) اى لا تجادله و لا تباحثه فى الامور (حتى تنظر فى سريرته) اى تتعرف على باطنه، و التعرف على الباطن انما هو بمعرفة احوال الرجل من الخارج هل انه انسان خبيث او طيب السريرة.

(فان كانت سريرته حسنة) فناظره، لان حقك يقع منه مورد القبول لطيب باطنه (فان الله عز و جل لم يكن ليخذل وليه) اى انت.

و الحاصل: ان المحل اذا كان قابلا و عون الله موجود، كان لك الغلب فى احقاق الحق، فلا يقال: ان الله لا يخذل وليه، سواء كان باطن الطرف حسنا او سيئا.

ص: 44

و ان كانت سريرته ردية فقد يكفيه مساويه.

فلو جهدت ان تعمل به اكثر ما عمل به من معاصى اللّه عز و جل ما قدرت عليه.

يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله، انه قال: ادنى الكفران يسمع الرجل من اخيه

______________________________

(و ان كانت سريرته ردية) ممن لا يقبل الحق و ان رآه و علم به (ف) لا تناظره، بل اترك المباحثة معه.

اذ (قد يكفيه مساويه) فى اليأس منه، فان عدم قابلية المحل يوجب عدم اتعاب الانسان نفسه، الا لتوهم اتمام الحجة- الّذي ان تمت عليه سبب عصيانا آخر له- لكن هذه أيضا ليست فائدة.

(فلو جهدت ان تعمل به اكثر ما عمل به من معاصى الله عز و جل ما قدرت عليه) فان الانسان الخبيث السريرة لا يألوا ان يرتكب المعاصى، و فى الغالب يعلم هؤلاء الحق، فيجحدونه، فالبحث معه لا يفيد لا هداية لانه معاند، و لا زيادة معصية له، لانه تم عليه الحجة من ذى قبل.

هذا معنى هذه الجملة من قوله: يا عبد الله، حسب ما فهمت.

و الظاهر ان الامام يريد ارشاد النجاشى الى فائدة هى ان لا يجادل احدا الا اذا عرف انه ممن اذا رأى الحق قبله.

(يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله، انه قال: ادنى الكفر) و المراد به الكفر العملى لا الكفر العقيدى كما مر تفصيله مكررا (ان يسمع الرجل من اخيه

ص: 45

الكلمة فيحفظها عليه، يريد ان يفضحه بها، اولئك لا خلاق لهم.

يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام انه قال:

من قال فى مؤمن ما رأت عيناه و سمعت اذناه ما يشينه و يهدم مروته فهو من الذين قال الله عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ.

يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام انه قال:

______________________________

الكلمة فيحفظها عليه، يريد ان يفضحه بها، اولئك لا خلاق لهم) اى لا نصيب لهم فى الآخرة، او لا نصيب لهم من الايمان.

و هذا أيضا ارشاد آخر فى نبذ الاحقاد و الضغائن و ما اشبه ذلك.

(يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام انه قال:

من قال فى مؤمن) ذما من (ما رأت عيناه و سمعت اذناه) كان رآه يشرب الخمر، او سمعه يغنى، ثم قال ذلك للناس، لا فى مثل مقام الشهادة و النهى عن المنكر و ما اشبه ب (ما يشينه) اى يدخل الشين، ضد الزين عليه (و يهدم مروته) و ماء وجهه، حتى يرى الناس انه لا رجولة و شهامة له (فهو) اى القائل (من الذين قال الله عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ) اى المعصية المتعدية عن الحدود، و غالبا تطلق على عظائم المعاصى (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ).

و الظاهر: ان المراد دخوله فى الآية بالمناط، و ان كان ربما لا يدخل فيها بالشمول اللفظى.

(يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام انه قال:

ص: 46

من روى عن اخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته و شينه، او ثقه الله بخطيئته يوم القيامة حتى يأتى بالمخرج مما قاله و لن يأتى بالمخرج منه ابدا.

و من ادخل على اخيه المؤمن سرورا، فقد ادخل على اهل بيت نبيه (ص) سرورا، و من ادخل على اهل بيت نبيه (ص) سرورا، فقد ادخل على رسول الله (ص) سرورا، و من ادخل على رسول الله (ص) سرورا، فقد سر الله و من سر الله، فحقيق على الله ان يدخله جنته.

______________________________

من روى عن اخيه المؤمن رواية) اى نقل عنه نقلا يشينه، و هذا ادنى من الجملة السابقة «ما راته عيناه» فان الانسان قد يقول: فلان يشرب الخمر، و قد يقول: يقولون فلان يشرب الخمر (يريد بها هدم مروته و شينه، او ثقه الله بخطيئته يوم القيامة) اى الزمه بها، و طلب منه المبرر لما قاله: و المجوز لهذه النسبة الى ذلك الرجل (حتى يأتى بالمخرج مما قاله) اى بالمجوز الشرعى الّذي يخرجه عن الخطيئة (و لن يأتى بالمخرج منه ابدا) اذا لمفروض انه عصى فى نقل هذه الرواية، فكيف له ان يأتى بالمجوز؟

(و من ادخل على اخيه المؤمن سرورا، فقد ادخل على اهل بيت نبيه (ص) سرورا، و من ادخل على اهل بيت نبيه (ص) سرورا، فقد ادخل على رسول الله (ص) سرورا، و من ادخل على رسول الله (ص) سرورا، فقد سر الله، و من سرّ الله، فحقيق) اى حرى جدير (على الله ان يدخله جنته).

و من المعلوم: ليس المراد سرور الله حالة طارئة، فانه سبحانه منزه عن الجسم و الجسمانيات.

و انما المراد النتائج، كما قالوا: خذ الغايات و اترك المبادى.

ص: 47

ثم انى اوصيك بتقوى الله و ايثار طاعته، و الاعتصام بحبله.

فانه من اعتصم بحبل الله فقد هدى الى صراط مستقيم، فاتق الله و لا تؤثر احدا على رضاه و هواه.

فانه وصية الله عز و جل الى خلقه.

______________________________

و من الواضح ان ليس المراد هنا النتيجة بمعنى ادخال الجنة لتفرع دخول الجنة على السرور، بل المراد ما هو مقدمة لدخول الجنة، كالكتابة فى السعداء، و ما اشبه، كقوله تعالى «كنت كنزا مخفيّا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكى اعرف» و كقوله سبحانه فى القرآن الحكيم «فَلَمّٰا آسَفُونٰا انْتَقَمْنٰا مِنْهُمْ» الى غيرهما.

(ثم) يا عبد الله (انى اوصيك بتقوى الله و ايثار طاعته) اى تقديم طاعته على عصيانه اذا دار الامر بينهما (و الاعتصام) و التمسك (بحبله).

اما المراد بذلك القرآن، او مطلق او امره سبحانه، فكانه حبله من تمسك به جر الى فوق، تشبيها بمن فى منخفظ فيأخذ الحبل المتدلى له من فوقه فيجر الى العلو و المرتفع.

(فانه من اعتصم بحبل الله فقد هدى الى صراط مستقيم، فاتق الله) اى خف منه فى اعمالك و افعالك (و لا تؤثر) اى لا تقدم (احد اعلى رضاه) سبحانه (و هواه) اى امره.

و اطلاق الهوى عليه سبحانه من باب المقابلة، من قبيل «تعلم ما فى نفسى، و لا اعلم ما فى نفسك».

(فانه) اى ايثار الطاعة على سواها (وصية الله عز و جل الى خلقه)

ص: 48

لا يقبل منهم غيرها و لا يعظم سواها.

و اعلم ان الخلق لم يوكلوا بشي ء اعظم من تقوى الله فانها وصيتنا اهل البيت فان استطعت ان تنال من الدنيا شيئا يسأل الله عنه غدا فافعل.

قال عبد الله بن سليمان، فلما وصل كتاب الصادق عليه السلام الى النجاشى، نظر فيه، فقال صدق و الله الّذي لا آله الا هو، مولاى، فما عمل احد بما فى هذا الكتاب الّا نجى، قال: فلم يزل عبد الله يعمل به ايام حياته.

______________________________

فانه سبحانه اوصى الخلق بذلك بحيث (لا يقبل منهم غيرها) اى غير الطاعة (و لا يعظم سواها) و انما تعظم الطاعة و العمل بتلك الوصية.

(و اعلم ان الخلق لم يوكلوا بشي ء اعظم من تقوى الله) اى ان اعظم ما القى فى عاتق الانسان هو التقوى، لانها اشكل الاشياء و اصعبها (فانها) اى التقوى (وصيتنا اهل البيت) نوصى بها الناس (فان استطعت ان تنال من الدنيا شيئا) محرما (يسأل الله عنه غدا فافعل) اى اترك جميع المعاصى ما استطعت، كما قال سبحانه «فَاتَّقُوا اللّٰهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ».

(قال عبد الله بن سليمان، فلما وصل كتاب الصادق عليه السلام الى النجاشى، نظر فيه، فقال صدق و الله الّذي لا آله الا هو، مولاى، فما عمل احد بما فى هذا الكتاب الا نجى، قال: فلم يزل عبد الله يعمل به ايام حياته).

و الظاهر ان المصنف ره نقل هذا الخبر- بطوله- تنبيها للحكام و الولاة، فينبغى ان يعمم اهل العلم هذا الكتاب الكريم الى الموظفين، و من إليهم حتى يجعله المتدين منهم دستور حياته، و بذلك يرتاح كثير من الناس موظفا و مراجعا و من إليهما و الله المستعان.

ص: 49

[السابعة و العشرون هجاء المؤمن حرام]

السابعة و العشرون هجاء المؤمن حرام بالأدلّة الاربعة، لانه همز و لمز، و اكل اللحم، و تعيير و اذاعة سرّ.

و كل ذلك كبيرة موبقة.

و يدل عليه فحوى جميع ما تقدم فى الغيبة، بل البهتان أيضا بناء اعلى تفسير الهجاء بخلاف المدح- كما عن الصحاح- فيعم ما فيه من المعايب و ما ليس فيه- كما عن القاموس و النهاية و المصباح- لكن مع تخصيصه فيها بالشعر.

______________________________

المسألة (السابعة و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (هجاء المؤمن حرام بالأدلّة الاربعة، لانه همز و لمز، و اكل اللحم).

فيشمله قوله سبحانه: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ.

و قوله سبحانه: أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ (و تعيير و اذاعة سرّ).

فيشمله الادلة الدالة على تحريم هذه الامور- مما تقدم-.

اما الاجماع و تقبيح العقل لذلك، فاوضح من ان يخفى.

(و كل ذلك كبيرة موبقة) اى مهلكة.

(و يدل عليه فحوى) و مناط (جميع ما تقدم فى الغيبة، بل) ما تقدم فى (البهتان أيضا بناء اعلى تفسير الهجاء بخلاف المدح- كما عن الصحاح- فيعم) الهجاء (ما فيه) اى المهجو (من المعايب و ما ليس فيه، كما عن القاموس و النهاية و المصباح لكن مع تخصيصه) اى الهجاء (فيها) اى فى النهاية و القاموس و الصحاح (بالشعر) فالنثر لا يسمى هجاء- عندهم-.

ص: 50

و اما تخصيصه بذكر ما فيه بالشعر كما هو ظاهر جامع المقاصد، فلا يخلو عن تأمّل.

و لا فرق فى المؤمن بين الفاسق و غيره.

و اما الخبر: محصوا ذنوبكم بذكر الفاسقين فالمراد به الخارجون عن الايمان او المتجاهرون بالفسق.

و احترز بالمؤمن عن المخالف فانه يجوز هجوه

______________________________

(و اما تخصيصه) اى الهجاء (بذكر ما فيه) فقط، دون ما ليس فيه (بالشعر) فقط (كما هو ظاهر جامع المقاصد، فلا يخلو عن تأمّل) لانه خلاف اللغة و العرف العام، و موارد الاستعمال، كما لا يخفى.

(و لا فرق فى المؤمن بين الفاسق و غيره) فى حرمة هجائه، لاطلاق الادلة.

(و اما الخبر) الّذي يمكن ان يوهم جواز هجاء الفاسقين من قوله عليه السلام: (محصوا ذنوبكم) اى امحوها (بذكر الفاسقين) الظاهر منه ذمهم و هجائهم (فالمراد به الخارجون عن الايمان او المتجاهرون بالفسق).

لوضوح ان الفاسق محترم أيضا، حتى بالنسبة الى الاحترامات الاولية، فلا يجوز غيبته و اهانته و النميمة عليه، خصوصا و الظاهر من الفاسق المنصرف عنه ليس الفاسق مقابل العادل بل احد المعنيين بل يقرب ان يكون المعنى الاول.

(و احترز بالمؤمن) فى عنوان المبحث (عن المخالف فانه يجوز هجوه

ص: 51

لعدم احترامه.

و كذا يجوز هجاء الفاسق المبدع لئلا يؤخذ ببدعه، لكن بشرط الاقتصار على المعايب الموجودة فيه، فلا يجوز بهته بما ليس فيه، لعموم حرمة الكذب.

و ما تقدم من الخبر فى الغيبة من قوله عليه السلام فى حق المبتدعة باهتوهم لكى لا يطمعوا فى اضلالكم محمول على اتهامهم و سوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به بان يقال: لعله زان او سارق.

و كذا اذا زاده ذكر ما ليس فيه من باب

______________________________

لعدم احترامه) و قد تقدم فى مبحث الغيبة ما ينفع المقام.

(و كذا يجوز هجاء الفاسق المبدع) كما تقدم فى مبحث الغيبة.

و ذلك (لئلا يؤخذ ببدعه، لكن بشرط الاقتصار على المعايب الموجودة فيه، فلا يجوز بهته) اى اتهامه (بما ليس فيه، لعموم حرمة الكذب) و البهت قسم من الكذب.

(و) ان قلت: مقتضى القاعدة جواز البهت ل (ما تقدم من الخبر فى) باب (الغيبة من قوله عليه السلام فى حق المبتدعة) اى الطوائف المبدعة (باهتوهم لكى لا يطمعوا فى اضلالكم).

قلت: كلا، لان الخبر (محمول على اتهامهم، و) الاتهام بمعنى (سوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به).

و ذلك (بان يقال: لعله زان او سارق) او ما اشبه ذلك.

(و كذا اذا زاده) اى زاد ما ساءه الظن، ب (ذكر ما ليس فيه من باب

ص: 52

المبالغة.

و يحتمل ابقائه على ظاهره بتجويز الكذب عليهم لاجل المصلحة، فان مصلحة تنفير الخلق عنهم اقوى من مفسدة الكذب.

و فى رواية ابى حمزة عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قلت له: ان بعض اصحابنا يفترون و يقذفون من خالفهم فقال: الكف عنهم اجمل، ثم قال لى- و الله يا أبا حمزة ان الناس كلهم اولاد بغايا ما خلا شيعتنا ثم قال

______________________________

المبالغة) كان يقول: يحتمل انه يزنى كل يوم.

فاصل الزنا من باب سوء الظن، و كل يوم من باب المبالغة هذا بناء على ان البهت- فى الحديث- شامل لسوء الظن.

(و يحتمل ابقائه على ظاهره) من جواز الاتهام، بما نعلم انه ليس فيه (بتجويز الكذب عليهم، لاجل المصلحة، فان مصلحة تنفير الخلق عنهم اقوى من مفسدة الكذب).

و لعل سبب جواز الكذب ان العامة غالبا لا يعرفون مواضع البدع، فاذا قيل لهم بان فلانا ابدع بكذا، لم يروه مانعا عن كونه انسانا متدينا

اما البهت بما يعرفه العامة فهو موجب لتنفر العامة، فلا تنفذ بدعهم فيهم.

(و فى رواية ابى حمزة عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قلت له:

ان بعض اصحابنا يفترون و يقذفون) القذف السباب و الرمى بالزنا، و ما اشبه (من خالفهم فقال: الكف) و الامساك (عنهم اجمل، ثم قال لى- و الله يا أبا حمزة- ان الناس كلهم اولاد بغايا ما خلا شيعتنا ثم قال)

ص: 53

نحن اصحاب الخمس، و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.

و فى صدرها دلالة على جواز الافتراء- و هو القذف- على كراهة.

ثم اشار عليه السلام الى اولوية قصد الصدق بإرادة الزنا، من حيث استحلال حقوق الائمة.

______________________________

عليه السلام: (نحن اصحاب الخمس، و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا).

و الظاهر: ان المراد من «البغاء» فى مقابل طيب الولادة الّذي لا يتحقق واقعا الا بالطهارة الكاملة، لوضوح ان القاصر و هم اكثر الناس غير مكلفين.

(و فى صدرها دلالة على جواز الافتراء- و هو القذف- على كراهة) لانه عليه السلام قال: الكف عنهم اجمل، فيفهم منه جواز عدم الكف كما لا يخفى-.

(ثم اشار عليه السلام الى اولوية قصد الصدق بإرادة الزنا) المعنوى كشرك الشيطان، و ما اشبه (من حيث استحلال حقوق الائمة).

و يؤيد ما فسرنا الحديث عنه، ما ورد من قوله عليه السلام: لكل قوم نكاح و ما اشبه، مما دلّ على ان مقاربتهم ليست سفاحا.

ثم لا يبعد اختلاف مراتب الهجاء و المهجو فى العقاب.

فالهجو الخفيف و هجو الانسان العادى ليس كالهجو المر، و هجو العالم، و من اشبه.

كما ان الظاهر لزوم محو الهجو، اذا هجاه فى شعر، او كتاب، و شريط التسجيل مما يبقى و يكون هجوا مستمرا.

ص: 54

[الثامنة و العشرون الهجر:]

الثامنة و العشرون الهجر: بالضم و هو الفحش من القول، و ما استقبح التصريح به منه ففى صحيحة ابى عبيدة: البذاء من الجفاء، و الجفاء فى النار.

و فى النبوى (ص): ان الله حرم الجنة على كل فحاش بذىّ، قليل الحياء، لا يبالى بما قال، و لا ما قيل فيه.

و فى رواية سماعة: اياك ان تكون فحاشا.

و فى النبوى صلى الله عليه و آله: ان من شرّ عباد الله من يكره مجالسته

______________________________

المسألة (الثامنة و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (الهجر: بالضم) اى بضم الهاء و سكون الجيم (و هو الفحش من القول، و ما استقبح التصريح به منه) اى من القول.

(ففى صحيحة ابى عبيدة: البذاء) اى الكلام السيّئ (من الجفاء، و الجفاء فى النار) و من المعلوم حرمة ما يوجب النار.

(و فى النبوى (ص): ان الله حرم الجنة على كل فحاش بذىّ، قليل الحياء، لا يبالى بما قال، و لا ما قيل فيه) و تحريم الجنة، و ان لم يكن صريحا فى الحرمة الا انه دالّ عليه بالفهم العرفى.

(و فى رواية سماعة: اياك ان تكون فحاشا) و ظاهره النهى، كما ان الظاهر عرفا: المنع عن هذا الجنس، لا عن خصوص كثرة الفحش.

(و فى النبوى صلى الله عليه و آله: ان من شرّ عباد الله من يكره مجالسته

ص: 55

لفحشه.

و فى رواية من علامات شرك الشيطان الّذي لا شك فيه: ان يكون فحاشا، لا يبالى بما قال، و لا ما قيل فيه، الى غير ذلك من الاخبار.

هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة.

______________________________

لفحشه) و الظاهر من كونه «من الشر» ان عمله حرام.

(و فى رواية) ان (من علامات شرك الشيطان) اى اشتراكه فى نطفة ابيه (الّذي لا شك فيه: ان يكون) الشخص (فحاشا، لا يبالى بما قال، و لا ما قيل فيه) و هذه الرواية تصلح مؤيدة للمطلوب- كما لا يخفى- (الى غير ذلك من الاخبار) الواردة فى هذا الباب مما يجده الراجع فى الوسائل و المستدرك و البحار و جامع السعادات.

(هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة) و هناك امور اخر لم يذكرها المصنف رحمه الله يجدها المريد فى باب الاخلاق، من الكتب السابقة و غيرها، و الله المستعان.

ص: 56

[النوع الخامس مما يحرم التكسب به: ما يجب على الانسان فعله عينا او كفاية تعبّد او توصّلا]

[حرمة التكسب بالواجبات]

اشارة

الخامس مما يحرم التكسب به: ما يجب على الانسان فعله عينا او كفاية تعبّد او توصّلا، على المشهور بل عن مجمع البرهان كأنّ دليله الاجماع

و الظاهر ان نسبته الى الشهرة فى المسالك فى مقابل قول السيد المخالف فى وجوب تجهيز الميت على غير الولى، لا فى حرمة اخذ الاجرة على تقدير الوجوب عليه.

______________________________

(الخامس مما يحرم التكسب به: ما يجب على الانسان فعله) سواء كان واجبا (عينا) كقضاء صلاة الأب على الولد الاكبر (او كفاية) كغسل الميت (تعبّدا) بان اعتبر فيه قصد القربة (او توصّلا) بان لم يعتبر فيه قصد القربة (على المشهور) فى حرمة الاكتساب بالواجب، و حرمة اخذ الاجرة عليه (كما فى المسالك) فانه نسب الحكم الى المشهور (بل عن مجمع البرهان كان دليله الاجماع).

(و) على هذا ف (الظاهر ان نسبته الى الشهرة فى المسالك فى مقابل قول السيد المخالف فى وجوب تجهيز الميت على غير الولى).

فالسيّد المرتضى يقول: ان تجهيز الميّت لا يجب على غير الولى فاذا لم يجب جاز اخذ الأجرة عليه.

و صاحب المسالك يريد ان يقول ان كلام السيد مخالف للمشهور (لا فى حرمة اخذ الاجرة) على تجهيز الميت (على تقدير الوجوب عليه) اى على غير الولى.

ص: 57

و فى جامع المقاصد: الاجماع على عدم جواز اخذ الاجرة على تعليم صيغة النكاح، او القائها على المتعاقدين، انتهى.

و كان لمثل هذا و نحوه ذكر فى الرياض: ان على هذا الحكم الاجماع فى كلام جماعة، و هو الحجة، انتهى.

______________________________

فالنزاع بين السيد و بين غيره صغروى، لا كبروى،.

و صاحب المسالك يدعى الشهرة على خلاف السيد، و منه يعلم ان المسألة كبرى- اى حرمة اخذ الاجرة على الواجبات- محلّ اجماع لا خلاف فيه.

(و فى جامع المقاصد: الاجماع على عدم جواز اخذ الاجرة على تعليم صيغة النكاح، او القائها) اى الصيغة (على المتعاقدين) فى حال اجراء العقد (انتهى) كلام جامع المقاصد

و هذا غير التعليم اذ كثيرا ما لا يتعلم الانسان بمثل هذا النحو من الالقاء.

(و كان لمثل هذا) الاجماع، و ان كان فى مسألة خاصة (و نحوه) مما تقدم من كلام مجمع البرهان و غيره (ذكر فى الرياض: ان على هذا الحكم) اى حرمة اخذ الاجرة فى الواجبات (الاجماع فى كلام جماعة).

ثم قال الرياض: (و هو الحجة، انتهى) كلامه.

اقول: و لكنك خبير باختلاف الاقوال فى المسألة حتى انهاها بعضهم الى تسعة.

فكيف يمكن دعوى الاجماع مضافا الى سكوت جماعة عن اصل المسألة

ص: 58

و اعلم ان موضوع هذه المسألة ما اذا كان الواجب على العامل منفعة تعود الى من يبذل بإزائه المال، كما لو كان كفائيا، و اراد سقوطه منه، فاستأجر غيره او كان عينيا على العامل و رجع نفعه منه الى باذل المال، كالقضاء للمدعى، اذا

______________________________

بعدم تعرضهم لها.

هذا على انه غير خفى عدم حجية الاجماع المحتمل الاستناد.

و هذا من اظهر مصاديق ذلك، حيث استدل كل قائل بالدليل.

و الحاصل: ان الاجماع محل مناقشة صغرى و كبرى.

(و اعلم ان موضوع هذه المسألة) فيما كان واجب يعود نفعه الى المستأجر كالقضاء.

اما اذا لم يعد نفعه الى المستأجر كاعطاء الاجرة لزيد، فى مقابل ان يصلى الظهر، فلا اشكال فى عدم الجواز، لانه لا منفعة تعود الى صاحب المال، فهو اكل للمال بالباطل.

فالمسألة انما هى فى (ما اذا كان الواجب على العامل منفعة تعود الى من يبذل بإزائه) اى بإزاء ذلك الواجب (المال، كما لو كان) الواجب (كفائيا، و اراد) باذل المال (سقوطه منه، فاستأجر غيره).

كما لو دخل زيد المسجد، فرآه نجسا، فاعطى لعمرو دينارا ليطهّره حيث ان زيدا انتفع بهذا الايجار، بسقوط التطهير عنه، لقيام غيره بالتطهير (او كان) الواجب (عينيا على العامل، و رجع نفعه منه) اى من العامل (الى باذل المال كالقضاء) الّذي يجب على الفقيه (للمدعى اذا

ص: 59

وجب عينا.

و بعبارة اخرى مورد الكلام ما لو فرض مستحبا، لجاز الاستيجار عليه لان الكلام فى كون مجرد الوجوب على الشخص مانعا عن اخذ الاجرة عليه.

______________________________

وجب عينا) بان انحصر القاضى فى شخص واحد، فان وجوب القضاء على الفقيه- وجوبا عينيا- لا ينافى اخذ الاجرة، حيث ان نفعه يعود الى المدعى.

(و بعبارة اخرى) فى تنقيح موضوع المسألة (مورد الكلام) هو (ما) اى الواجب الّذي (لو فرض مستحبا، لجاز الاستيجار عليه) بان كان للعمل منفعة تعود الى الباذل.

و انما منع عن اخذ الاجرة الوجوب (لان الكلام فى كون مجرد الوجوب على الشخص مانعا عن اخذ الاجرة عليه).

فمورد البحث جهة الوجوب، لا جهة العبادية، و لا جهة عدم المنفعة فانه قد نتكلم فى انه هل يصح اخذ الاجرة على الواجب و ان لم يكن عبادة.

و قد نتكلم فى انه هل يصح اخذ الاجرة على العبادة و ان لم تكن واجبة.

و قد نتكلم فى انه هل يصح اخذ الاجرة على ما لا منفعة فيه للباذل، و مورد الكلام هو الاول.

ص: 60

فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه، لا يجوز اخذ الاجرة عليه، لا لوجوبها، بل لعدم وصول عوض المال الى باذله.

فان النافلة أيضا كذلك.

و من هنا يعلم فساد الاستدلال على هذا المطلب بمنافات ذلك للاخلاص فى العمل

______________________________

(فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه، لا يجوز اخذ الاجرة عليه) ليس محل الكلام.

اذ عدم جواز اخذ الاجرة (لا) يكون (لوجوبها).

فوجوب صلاة الظهر لم يمنع من اخذ الاجرة حتى يكون من مصاديق مسئلتنا (بل) عدم الجواز (لعدم وصول عوض المال الى باذله).

فان صلاة عمرو لا تنفع زيدا الباذل له المال، لاجل ان يصلى.

(ف) الدليل على ان المانع عن اخذ الاجرة لصلاة الظهر هو عدم النفع، لا الوجوب، ل (ان النافلة أيضا كذلك) فلا يصح اعطاء زيد اجرة لعمرو، لاجل صلاة نافلة الظهر مثلا.

(و من هنا) الّذي ذكرنا ان الكلام فى منافات الاجرة للوجوب، و ان مورد البحث اخذ الاجرة على الواجب، بما هو واجب (يعلم فساد الاستدلال على هذا المطلب) اى مطلب عدم جواز اخذ الاجرة على الواجبات (بمنافات ذلك) الاخذ للاجرة (للاخلاص فى العمل).

وجه الاستدلال: ان معنى الاخلاص كون العمل خالصا لله.

و معنى اخذ الاجرة كون الاتيان بالعمل لاجل الاجرة و هما متنافيان

ص: 61

لانتقاضه طردا و عكسا بالمندوب و الواجب التوصلى.

و قد يردّ ذلك بان تضاعف الوجوب بسبب الاجارة، يؤكد الاخلاص

______________________________

و وجه فساد هذا الاستدلال (لانتقاضه) اى هذا الاستدلال (طردا) اى ليس مانعا للاغيار، لان هذا الاستدلال يقتضي عدم جواز اخذ الاجرة على المستحب أيضا (و عكسا) اى ليس جامعا للافراد، لان هذا الاستدلال يقتضي جواز اخذ الاجرة على الواجب التوصلى- اذ لا يشترط فيه الاخلاص- لانتقاضه (بالمندوب) للطرد (و الواجب التوصلى) للعكس.

و انما سمى المانع، طردا، و الجامع عكسا، لان هناك قضيتين:

الاولى: «كلما صدق الحدّ صدق المحدود»- فاذا صدق الحدّ على غير المحدود، كان الطرد أي المنع عن الاغيار، فاسدا.

الثانية: عكس القضية الاولى و هو «كلما لم يصدق الحدّ لم يصدق المحدود» فاذا لم يصدق الحد، و صدق المحدود، كان العكس- اى القضية الثانية التى هى عكس الاولى- و هو الجمع للافراد، فاسدا.

(و قد يردّ ذلك) الدليل الّذي ذكر، لاجل عدم جواز اخذ الاجرة على الواجب من منافات ذلك للاخلاص و الراد هو صاحب الجواهر (بان تضاعف الوجوب) وجوب العمل شرعا، و وجوب العمل لانه متعلق الاجارة الّذي يلزم الوفاء به، فانه زاد وجوبا (بسبب الاجارة، يؤكد الاخلاص).

لان الشارع كما اوجب العمل، كذلك اوجب الوفاء بالاجارة.

ص: 62

و فيه- مضافا الى اقتضاء ذلك الفرق بين الاجارة و الجعالة حيث ان الجعالة لا توجب العمل على العامل- انه ان اريدان تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص.

فلا ريب ان الوجوب الحاصل بالاجارة توصلى.

______________________________

فالآتى به يعلم ان الله سبحانه يريد هذا العمل إرادة مؤكّدة.

و هذا مما يقوّى الاخلاص لا مما يضعفه و ينافيه.

(و فيه- مضافا الى اقتضاء ذلك) الرد- بان الاجارة توجب اقوائية الاخلاص- (الفرق) مفعول «اقتضاء» (بين الاجارة و الجعالة، حيث ان الجعالة لا توجب العمل على العامل-) فاللازم ان يجوّز هذا المراد اخذ الاجرة على الواجب، لان الاجرة تؤكد الاخلاص، و لا تجوّز اخذ الجعل على الواجب لان الجعل لا يؤكد الاخلاص.

و من المعلوم: ان احدا لا يفرق بين الاجارة و الجعالة من هذه الجهة (انه) ما ذا يريد الجواهر بقوله: تضاعف الوجوب يؤكد الاخلاص.

او يريد ان الوجوب المؤكد يزيد فى تحقق الاخلاص خارجا.

و على كل تقدير، يرد على الجواهر اشكالان لانه (ان اريد) المعنى الاول بتقريب (ان تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص) لان الوجوب يتكرر- باصل الشرع و بالاجارة- و كل واحد منهما انما يتأتى اذا كان العمل مقترنا بالاخلاص.

(ف) فيه أولا: انه (لا ريب ان الوجوب الحاصل بالاجارة توصلى) لا تعبدى حتى يحتاج الى الاخلاص.

ص: 63

لا يشترط فى حصول ما وجب به قصد القربة.

مع ان غرض المستدل منافات قصد اخذ المال لتحقق الاخلاص فى العمل، لا لاعتباره فى وجوبه.

و ان اريد انه يؤكد تحقق الاخلاص من العامل.

فهو مخالف للواقع قطعا لان ما لا يترتب عليه اجر دنيوى اخلص مما يترتب

______________________________

ف (لا يشترط فى حصول ما وجب به) اى بالوجوب الاجارى (قصد القربة).

فكما انه اذا آجره لبناء داره لا يشترط فى حصول متعلق الاجارة قصد البناء القربة، كذلك اذا آجره الأب لاتيان صلاته بعد موته لا يشترط فى حصول متعلق الاجارة- بما هو متعلق الاجارة- قصد القربة.

(مع) انه يرد على المعنى الاول ثانيا (ان غرض المستدل) بقوله:

بمنافات اخذ الاجرة للاخلاص (منافات قصد اخذ المال لتحقق الاخلاص فى العمل) خارجا، فاذا اتى بالصلاة كان قصده حصول المال، كقصد البناء و النجار، لا قصده حصول القرب من الله تعالى (لا لاعتباره) اى الاخلاص (فى وجوبه) اى وجوب الواجب، حتى يقول الجواهر ان الوجوب يؤكد الاخلاص، و لا ينافيه.

(و ان اريد) المعنى الثانى، بتقريب (انه) اى الايجار (يؤكد تحقق الاخلاص من العامل) خارجا.

(ف) أولا (هو مخالف للواقع قطعا، لان ما لا يترتب عليه اجر دنيوى اخلص مما يترتب

ص: 64

عليه ذلك بحكم الوجدان.

هذا مع ان الوجوب الناشئ من الاجارة انما يتعلق بالوفاء بعقد الاجارة.

و مقتضى الاخلاص المعتبر فى ترتب الثواب على موافقة هذا الامر و لو لم يعتبر فى سقوطه- هو اتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له بإزاء ماله.

فهذا المعنى

______________________________

عليه ذلك بحكم الوجدان).

فان العمل اذا كان للّه وحده لم يكن فيه شائبة.

و اما اذا كان للّه و لغير اللّه كانت فيه شائبة- كما لا يخفى-.

(هذا مع) انه يرد على المعنى الثانى ثانيا (ان الوجوب الناشئ من الاجارة انما يتعلق بالوفاء بعقد الاجارة).

فمتعلقه غير متعلق الوجوب المنصبّ على الصلاة، فليس مصبّ احدهما هو مصبّ الآخر، حتى تؤكد الاجارة الاخلاص.

(و) ذلك، لان (مقتضى الاخلاص المعتبر فى ترتب الثواب على موافقة هذا الامر) الصلاتى الّذي سببته الاجارة (- و لو لم يعتبر) الاخلاص (فى سقوطه-) اى سقوط الامر (هو اتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له بإزاء ماله) لان الله سبحانه يثيب الانسان اذا و فى بالعقد قاصدا للقربة.

(فهذا المعنى) اى اتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له

ص: 65

ينافى وجوب اتيان العبادة لاجل استحقاقه تعالى اياه.

و لذا لو لم يكن هذا العقد واجب الوفاء- كما فى الجعالة- لم يمكن قصد الاخلاص مع قصد استحقاق العوض.

فلا اخلاص هناك حتى يؤكده وجوب الوفاء، بعد الايجاب بالاجارة

______________________________

(ينافى وجوب اتيان العبادة) كالصلاة (لاجل استحقاقه تعالى اياه) اى لتلك الصلاة.

(و لذا) التنافى بين الامرين (لو لم يكن هذا العقد واجب الوفاء- كما فى الجعالة-) بان قال الأب لولده الاكبر: اجعل لك الف ديناران قضيت صلاتى بعد وفاتى (لم يمكن قصد الاخلاص) فى اتيانه بالصلاة (مع قصد استحقاق العوض).

فانه يأتى بالصلاة لالف دينار، لا لان الله سبحانه يريدها.

و قوله «و لذا» توضيح لان الوجوب الاجارى لا يوجب تأكيد الاخلاص

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 4، ص: 66

وجه التوضيح: انه من المسلم ان الجعالة و الاخلاص متنافيان، فاذا تحقق تنافيهما، تبين ان الاجارة التى لا تزيد على الجعالة الا بالوجوب أيضا تنافى الاخلاص.

اذ الوجوب فى الاجارة امر خارجى لا علاقة له بالاخلاص، حتى يقال: ان الوجوب يأتى بالاخلاص.

(فلا اخلاص هنا) فى باب الجعالة (حتى يؤكده) اى يؤكد ذلك الاخلاص (وجوب الوفاء، بعد الايجاب بالاجارة).

و اذا لم يكن اخلاص، لا سابقا على الاجارة، و لا بواسطة الوجوب

ص: 66

فالمانع حقيقة هو عدم القدرة على ايجاد الفعل الصحيح بإزاء العوض، سواء كانت المعاوضة لازمة، أم جائزة

______________________________

الاجارى، فمن اين يؤكد اخلاص الصلاة باخلاص الاجارة؟

(فالمانع حقيقة) عن جواز الاجارة للعبادات الواجبة (هو عدم القدرة) من الآتى بالعبادة (على ايجاد الفعل الصحيح) كالصلاة (بإزاء العوض) الّذي يأخذ المؤجر (سواء كانت المعاوضة لازمة) كالاجارة (أم جائزة) كالجعالة.

و وجه عدم القدرة واضح، لان الاجارة- مثلا- انما تتعلق بالصلاة الصحيحة، و الصلاة الصحيحة هى المأتى بها بداعى القربة، و الاتيان بداعى القربة تنافى الاتيان بداعى الوفاء بالاجارة.

و حيث تنافيا، لا يتمكن الانسان من الوفاء بالاجارة.

و الحاصل: ان عقد الاجارة، يوجب انقلاب الداعى من الاخلاص، الى قصد الوفاء للاجرة التى اخذها، فلا قدرة لمن آجر نفسه للعبادة، ان يأتى بالعبادة الصحيحة.

و لكن لا يخفى عدم استقامة هذا الاشكال، لامكان ان يأتى العامل بالعبادة قربة الى الله تعالى، و يعلم انه يستحق بذلك الاجرة، فاستحقاق الاجرة مقارن و ليس بداعى.

الا ترى انه لو نسى ايجار نفسه للاتيان بصلاة ظهره، و اتى بها للقربة استحق الاجرة، لان استحقاق الاجرة لا يتوقف على قصد كون العمل مربوطا بالمستأجر.

ص: 67

[القربة في العبادات المستأجرة]

و اما تأتّى القربة فى العبادات المستأجرة، فلان الاجارة انما يقع على الفعل المأتى به تقربا الى الله تعالى، نيابة عن فلان.

توضيحه: ان الشخص يجعل نفسه نائبا عن فلان فى العمل متقربا الى الله فالمنوب عنه يتقرب إليه تعالى بعمل نائبه، و تقربه.

و هذا الجعل فى نفسه مستحب.

______________________________

فلو خاط الخياط ثوب زيد الّذي استأجره عليها- بظن انه ثوب نفسه- استحق الاجرة، و لتفصيل الكلام محل آخر.

ثم ان المصنف لما ذكر تنافى الاجارة لقصد القربة فى العبادات الواجبة اشكل عليه بانه كيف يجوز الاجارة للقضاء عن الميت و ما اشبه.

فاجاب عن هذا الاشكال بقوله: (و اما تأتّى القربة فى العبادات المستأجرة) عن الميّت، او عن الحىّ فى مثل الحجّ (فلان الاجارة انما يقع على الفعل المأتى به تقربا الى الله تعالى، نيابة عن فلان) الميت فالصلاة المتقرب بها متعلق الاجارة.

(توضيحه: ان الشخص) القاضى عن الميت صلاته (يجعل نفسه نائبا عن فلان) الميت (فى العمل) الصلاتى، فى حال كون اتيانه بالعمل (متقربا الى الله) تعالى (فالمنوب عنه) الميت (يتقرب إليه تعالى بعمل نائبه، و تقربه) اى تقرب نائبه.

(و هذا الجعل) بان يجعل الحىّ نفسه نائبا عن الميّت فى اتيان الصلاة عنه (فى نفسه مستحب).

لما ورد من الاخبار من استحباب الصلاة و الصيام و الحج و الصدقة

ص: 68

لانه احسان الى المنوب عنه و ايصال نفع إليه و قد يستأجر الشخص عليه، فيصير واجبا بالاجارة وجوبا توصليا لا يعتبر فيه التقرب.

فالاجير انما يجعل نفسه- لاجل استحقاق الاجرة- نائبا عن الغير فى اتيان العمل الفلانى تقربا الى الله.

فالاجرة فى مقابل النيابة فى العمل المتقرب به الى الله التى مرجع نفعها الى المنوب عنه.

______________________________

عن الاموات (لانه احسان الى المنوب عنه) الميت (و ايصال نفع إليه، و قد يستأجر الشخص عليه) اى على هذا العمل الّذي هو فى نفسه مستحب (فيصير) هذا العمل (واجبا) على النائب (ب) سبب (الاجارة وجوبا توصليا لا يعتبر فيه) اى فى هذا الوجوب الاجارى (التقرب).

اذ لا يلزم اتيان متعلق الاجارة متقربا.

(فالاجير انما يجعل نفسه- لاجل استحقاق الاجرة- نائبا عن الغير).

فالنيابة لاجل الاجرة و الصلاة لاجل الله تعالى.

و النيابة انما هى (فى اتيان العمل الفلانى) كالصلاة و الصيام و الحج (تقربا الى الله) تعالى.

(فالاجرة) التى يأخذها ليست لاجل الصلاة و نحوها، حتى يتنافى قصد الاجرة و قصد القربة، بل انما هى (فى مقابل النيابة فى العمل المتقرب به الى الله التى مرجع نفعها الى المنوب عنه).

فهناك امران: عمل تقربى، و نيابة فى هذا العمل فالاجرة فى

ص: 69

و هذا بخلاف ما نحن فيه، لان الاجرة هنا فى مقابل العمل تقربا الى الله لان العمل بهذا الوجه لا يرجع نفعه، الا الى العامل لان المفروض انه يمتثل ما وجب على نفسه بل فى مقابل نفس العمل، فهو يستحق نفس العمل و المفروض ان الاخلاص اتيان العمل لخصوص امر الله تعالى و التقرب يقع للعامل دون الباذل.

و وقوعه للعامل يتوقف على ان لا يقصد بالعبادة سوى امتثال امر الله تعالى

______________________________

مقابل النيابة.

(و هذا) اى الاستنابة عن الميت، او الحى فى الاتيان بعمل المنوب عنه (بخلاف ما نحن فيه) من اخذ الاجرة على عمل نفسه (لان الاجرة هنا فى مقابل العمل تقربا الى الله).

و لا يمكن ان يكون العمل للاجرة و للقربة- لانهما متنافيان- (لان العمل بهذا الوجه لا يرجع نفعه، الا الى العامل لان المفروض انه يمتثل ما وجب على نفسه بل فى مقابل نفس العمل، فهو يستحق نفس العمل و المفروض ان الاخلاص اتيان العمل لخصوص امر الله تعالى و التقرب) هنا (يقع للعامل) بهذه العبادة (دون الباذل) اذ العامل يأتى بصلاة نفسه لا صلاة الباذل، بخلاف مسألة الاستيجار.

فالتقرب يقع للباذل، لان العامل يأتى بصلاة الباذل لا صلاة نفسه (و وقوعه) اى التقرب (للعامل) فى مسألة اعطاء الاجرة لاتيانه صلاة نفسه (يتوقف على ان لا يقصد بالعبادة سوى امتثال امر الله تعالى) لانه لو قصد الاجرة لم يكن لعمله قرب الى الله تعالى، اذ لم يأت به لله

ص: 70

فان قلت: يمكن للاجير ان يأتى بالفعل مخلصا لله تعالى بحيث لا يكون للاجارة دخل فى اتيانه فيستحق الاجرة فالاجارة غير مانعة من قصد الاخلاص.

قلت: الكلام فى ان مورد الاجارة لا بدّ ان يكون عملا قابلا لان يوفى به بعقد الاجارة، و يؤتى به لاجل استحقاق المستأجر اياه، و من باب تسليم مال الغير إليه و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك.

______________________________

و انما اتى به للاجرة.

(فان قلت) لا تنافى بين اخذ الاجرة، و بين قصد القربة، اذ (يمكن للاجير ان يأتى بالفعل) العبادى (مخلصا لله تعالى بحيث لا يكون للاجارة دخل فى اتيانه) و اذا اتى بالعمل هكذا (فيستحق الاجرة) تلقائيا، اذ: الاجرة على العمل، و قد عمله (فالاجارة غير مانعة من قصد الاخلاص) فكيف ذكرتم ان الاجرة و القربة متنافيتان؟

(قلت: الكلام فى ان مورد الاجارة لا بد ان يكون عملا قابلا لان يوفى به) اى بذلك العمل (بعقد الاجارة، و يؤتى به لاجل استحقاق المستأجر اياه و) يؤتى به (من باب تسليم مال الغير إليه).

و انما نقول بلزوم كون مورد الاجارة كذلك، اذ الاجارة عبارة عن مبادلة بين العمل و المال- و ما اشبه-.

فكلما امكن مبادلة العمل و المال صحت الاجارة، و كلما لم يمكن لم تصح الاجارة (و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك).

اذ لو قصد العامل الاجرة و المبادلة لم تتأت منه القربة، فليس العمل

ص: 71

فان قلت: يمكن ان يكون غاية الفعل التقرب و المقصود من اتيان هذا الفعل المتقرب به استحقاق الاجرة كما يؤتى بالفعل تقربا الى الله و يقصد منه حصول المطالب الدنيوية، كاداء الدين، وسعة الرزق، و غيرهما من الحاجات الدنيوية.

قلت: فرق بين الغرض الدنيوى المطلوب من الخالق الّذي يتقرب إليه بالعمل، و بين الغرض الحاصل من غيره، و هو استحقاق الاجرة، فان طلب الحاجة من

______________________________

مما يقابل بالمال و يمكن ان يؤتى به لاجل الوفاء.

(فان قلت) ما يضر ان يكون المقام من قبيل الاجارة لعبادة الميت اذ (يمكن ان يكون غاية الفعل) العبادى (التقرب) الى الله تعالى (و المقصود من اتيان هذا الفعل المتقرب به استحقاق الاجرة) فالاجرة انما هى فى مقابل العمل العبادى (كما يؤتى بالفعل) العبادى (تقربا الى الله، و يقصد منه) اى من هذا الفعل المتقرب به (حصول المطالب الدنيوية كاداء الدين، وسعة الرزق، و غيرهما من الحاجات الدنيوية) كشفاء المريض و رجوع المسافر، و التسهيل فى امر الزواج، و اقبال الجاه، و ما اشبه.

(قلت: فرق بين الغرض الدنيوى المطلوب) ذلك الغرض الدنيوى (من الخالق الّذي يتقرب إليه) سبحانه (بالعمل) العبادى، كالامثلة التى ذكرتم (و بين الغرض الحاصل من غيره) تعالى (و هو استحقاق الاجرة).

و الفرق: ان احدهما من الله، و الآخر من غير الله (فان طلب الحاجة من

ص: 72

الله تعالى سبحانه، و لو كانت دنيوية محبوب عند الله، فلا يقدح فى العبادة، بل ربما تؤكدها.

و كيف كان فذلك الاستدلال حسن فى بعض موارد المسألة و هو الواجب التعبدى فى الجملة الا ان مقتضاه جواز اخذ الاجرة فى التوصليات.

و عدم جوازه فى المندوبات التعبدية فليس مطرد او لا منعكسا.

______________________________

الله تعالى سبحانه، و لو كانت دنيوية محبوب عند الله، فلا يقدح فى العبادة، بل ربما تؤكدها) بخلاف ما كانت الأجرة من زيد هى المحفزة له على العبادة.

(و كيف كان) سواء كان اشكال صاحب الجواهر على صاحب الرياض واردا، أم لا (فذلك الاستدلال) لصاحب الرياض حيث قال: بمنافات الاجرة للاخلاص، تدليلا على عدم جواز استيجار الشخص للاتيان بالعمل الواجب على نفسه فذلك (حسن فى بعض موارد المسألة) اى مسألة عدم جواز اخذ الأجرة على الواجبات (و هو الواجب التعبدى فى الجملة) كالواجب التعينى.

اما التخييرى فسيأتى الكلام فيه (الا ان مقتضاه) اى مقتضى هذا الدليل (جواز اخذ الاجرة فى) الواجبات (التوصليات) التى لا تحتاج الى قصد القربة، كتكفين الميت و دفنه و ما اشبه.

(و) كذلك مقتضى هذا الاستدلال (عدم جوازه) اى اخذ الاجرة (فى المندوبات التعبدية) كالنوافل، لانها تشترط بقصد القربة، و يتنافى قصد القربة و الاجرة (فليس) دليل الرياض (مطردا) و مانعا للاغيار، اذ يشمل المندوبات التعبدية (و لا منعكسا) و جامعا للافراد، اذ يخرج منه الواجبات التوصلية.

ص: 73

نعم قد استدل على المطلب بعض الاساطين فى شرحه على القواعد بوجوه، اقواها: ان التنافى بين صفة الوجوب و التملك ذاتى لان المملوك و المستحق لا يملك، و لا يستحق ثانيا.

توضيحه: ان الّذي يقابل المال لا بد ان يكون كنفس المال مما يملكه الموجر حتى يملكه المستأجر فى مقابل تمليكه المال اياه.

فاذا فرض العمل واجبا لله، ليس للمكلف تركه، فيصير

______________________________

(نعم) الدليل المطرد و المنعكس- فى الجملة- ما (قد استدل على المطلب) به (بعض الاساطين) و هو الشيخ جعفر كاشف الغطاء (فى شرحه على القواعد بوجوه، اقواها: ان التنافى بين صفة الوجوب و التملك) اى تملك الغير له، بالاجارة (ذاتى).

لان معنى الوجوب كونه ملكا لله سبحانه.

و معنى صحة الاجارة كونه مملوكا لغير الله.

و لا يمكن ان يكون شي ء واحد ملكا لله و ملكا لغير الله فى آن واحد (لان المملوك و المستحق) لله تعالى، بسبب الوجوب (لا يملك، و لا يستحق ثانيا) بالاجارة.

(توضيحه: ان الّذي يقابل المال) كالصلاة فى المثال، حيث يعطى زيد الاجرة للمصلى لان يأتى بصلاته (لا بد ان يكون كنفس المال مما يملكه الموجر) نفسه كعمرو- مثلا- (حتى يملكه) لزيد فى مقابل مال زيد (المستاجر) يملكه (فى مقابل تمليكه المال اياه) اى تمليك زيد المال لعمرو.

(فاذا فرض العمل واجبا لله، ليس للمكلف تركه، فيصير) هذا الواجب

ص: 74

نظير العمل المملوك للغير.

الا ترى انه اذا آجر نفسه لدفن الميت لشخص، لم يجز ان يؤجر نفسه ثانيا من شخص آخر، لذلك العمل.

و ليس الا لان الفعل صار مستحقا للاول، و مملوكا له فلا معنى لتمليكه ثانيا للآخر، مع فرض بقائه على ملك الاول.

و هذا المعنى موجود فيما اوجبه الله تعالى خصوصا فيما يرجع الى حقوق الغير

______________________________

(نظير العمل المملوك للغير) فى ان له مالكا، و انه ليس ملكا للعامل، حتى يعطيه للمستأجر فى مقابل ما يبذله المستأجر من المال.

(الا ترى انه اذا آجر نفسه لدفن الميت لشخص، لم يجز ان يؤجر نفسه ثانيا من شخص آخر، لذلك العمل) بعينه.

اذ دفن الميت صار للاول، فكيف يأخذ المال له ثانيا.

(و ليس) عدم جواز اخذ الاجرة ثانيا لدفن ذلك الميت بعينه (الا لان الفعل صار مستحقا للاول، و مملوكا له فلا معنى لتمليكه ثانيا للآخر، مع فرض بقائه على ملك الاول) لعدم فسخ للاجارة الاولى.

اذ كيف يمكن ان يكون للملك مالكان فى وقت واحد.

(و هذا المعنى) اى عدم امكان كون ملك شخص قابلا لان يكون ملك الغير (موجود فيما اوجبه الله تعالى) فاذا اوجب الله شيئا كان ملكا له تعالى فكيف يمكن للشخص ان يوجر نفسه لاتيان هذا العمل، فان معنى ذلك تمليك مال الغير.

و ذلك غير معقول (خصوصا فيما يرجع الى حقوق الغير) من الواجبات

ص: 75

حيث ان حاصل الايجاب هنا جعل الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل، كاحكام تجهيز الميت التى جعل الشارع الميت مستحقا لها على الحى، فلا يستحقها غيره ثانيا هذا.

و لكن الانصاف: ان هذا الوجه أيضا لا يخلو عن الخدشة، لامكان منع المنافات بين الوجوب الّذي هو طلب الشارع الفعل، و بين استحقاق المستأجر له.

و ليس استحقاق الشارع للفعل و تملكه المنتزع من طلبه من قبيل استحقاق الآدمى و تملكه

______________________________

(حيث ان حاصل) معنى (الايجاب) من الله (هنا) فيما يرجع الى حقوق الغير (جعل) الله ذلك (الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل، كاحكام تجهيز الميت التى جعل الشارع الميت مستحقا لها) اى لتلك الاحكام (على الحى، فلا يستحقها غيره ثانيا) بان يوجر العامل بنفسه للاتيان بتجهيز الميت (هذا) منتهى تقريب كلام كاشف الغطاء.

(و لكن الانصاف: ان هذا الوجه أيضا لا يخلو عن الخدشة، لإمكان منع المنافات بين الوجوب) لتجهيز الميت- مثلا- (الّذي هو طلب الشارع الفعل، و بين استحقاق المستأجر له) اى للفعل، فليس المقام من قبيل توارد الملكين المستقلين على مملوك واحد.

(و) وجه عدم المنافات انه (ليس استحقاق الشارع للفعل و تملكه المنتزع) ذلك التملك (من طلبه) سبحانه، للفعل (من قبيل استحقاق الآدمى و تملكه).

ص: 76

الّذي ينافى تملك الغير، و استحقاقه.

ثم ان هذا الدليل باعتراف المستدل يختص بالواجب العينى.

و اما الكفائى فاستدل على عدم جواز اخذ الاجرة عليه بان الفعل متعين له فلا يدخل فى ملك آخر.

و بعدم نفع المستأجر فيما يملكه او يستحقه

______________________________

اذ ملكية الله سبحانه طولى لا عرضى.

الا ترى ان الاشياء كلها ملك الله تعالى، و مع ذلك هى ملك للآدمى المالك لها، فمجرد ملك الله لشي ء لا يمنع التصرف الملكى فيه، و انما المانع لو علمنا من الدليل ان الله لم يأذن التصرف فيه.

و (الّذي ينافى) التملك ثانيا، هو (تملك الغير، و استحقاقه) فلا يجتمع ملكان فى مكان واحد- لانهما عرضيان- لا ان احدهما فى طول الآخر.

(ثم ان هذا الدليل باعتراف المستدل) و هو كاشف الغطاء (يختص بالواجب العينى) لانه ملك لله على زيد، مثلا، اما الكفائى فليس ملكا له على زيد فيما اذا قام الغير به.

(و اما الكفائى فاستدل) المستدل (على عدم جواز اخذ الاجرة عليه).

أولا: (بان الفعل متعين له) اى لنفس الموجر، بمعنى ان عوضه عائد الى نفس الموجر (فلا يدخل فى ملك آخر) فانه و ان لم يكن واجبا على زيد عينا، لكنه اذا اتى به كان آتيا بما لنفسه، و ما لنفسه لا يمكن ان يعطيه زيد لشخص فى مقابل اخذ الاجرة منه.

(و) ثانيا (بعدم نفع المستأجر) الّذي يعطى المال (فيما يملكه او يستحقه

ص: 77

غيره، لانه بمنزلة قولك استأجرتك لتملك منفعتك المملوكة لك او لغيرك.

و فيه منع وقوع الفعل له بعد اجارة نفسه للعمل للغير، فان آثار الفعل حينئذ ترجع الى الغير، فاذا وجب انقاذ غريق كفاية، او ازالة النجاسة عن المسجد فاستأجر واحد غيره فثواب الانقاذ و الازالة يقع للمستأجر دون الاجير المباشر لهما.

نعم يسقط الفعل عنه لقيام المستأجر به و لو بالاستنابة.

______________________________

غيره) اما عدم نفعه فان الملك عائد الى الغير، و اما عدم صحة الاجارة كذلك، فلان مقوم الاجارة خروج المال من كيس من يدخل فى ملكه العوض (لانه بمنزلة قولك) لعمرو (استأجرتك لتملك منفعتك) اى لا تملك منفعتك (المملوكة لك او لغيرك).

فكما لا يصح هذا، كذلك لا يصح استأجرتك لتصلى صلاة الظهر، او تكفن الميت.

(و فيه منع وقوع الفعل له) اى لنفس الموجر (بعد اجارة نفسه للعمل للغير) بل يقع الفعل- كالتكفين- حينئذ للغير (فان آثار الفعل حينئذ) اى حين الاجارة (ترجع الى الغير) المستأجر (فاذا وجب انقاذ غريق كفاية او ازالة النجاسة عن المسجد) كفاية (فاستأجر واحد غيره) للقيام بالانقاذ و التطهير (فثواب الانقاذ و الازالة يقع للمستأجر دون الاجير المباشر لهما) اى للانقاذ و الإزالة، بل و كذلك عند العقلاء فانهم يرون ان المعطى للمال هو الّذي يستحق المدح و الاجلال لا المباشر، و هذا أيضا نوع من الفائدة.

(نعم) للعامل حينئذ فائدة واحدة، و هى انه (يسقط الفعل عنه) اى عن الاجير (لقيام المستأجر به) اى بالفعل (و لو بالاستنابة).

ص: 78

و من هذا القبيل الاستيجار للجهاد، مع وجوبه كفاية على الاجير و المستأجر.

و بالجملة فلم اجد دليلا على هذا المطلب وافيا بجميع افراده، عدا الاجماع الّذي لم يصرح به الا المحقق الثانى، لكنه موهون بوجود القول بخلافه من اعيان الاصحاب من القدماء و المتأخرين على ما يشهد به الحكاية و الوجدان.

______________________________

و هذه الفائدة عامة لكل مكلف لان قيام انسان واحد بالواجب الكفائى مسقط له عن الآخرين.

(و من هذا القبيل) فى سقوط التكليف عن الاجير، و حصول الفائدة للمستأجر (الاستيجار للجهاد، مع وجوبه كفاية على الاجير و المستأجر).

فان اعطاء زيد المال لعمرو لان يجاهد عوضه، مسقط عن عمرو هذا الواجب الكفائى، و فائدة الجهاد دنيا و آخرة تعود الى زيد.

(و بالجملة فلم اجد دليلا على هذا المطلب) اى عدم جواز اخذ الاجرة على الواجب (وافيا بجميع افراده) من العينى و الكفائى و التعبدى و التوصلى (عدا الاجماع الّذي لم يصرح به الا المحقق الثانى، لكنه موهون) صغرى و كبرى- كما تقدم- (ب) سبب (وجود القول بخلافه) و جواز اخذ الاجرة (من اعيان الاصحاب من القدماء و المتأخرين على ما يشهد به الحكاية) عنهم (و الوجدان) اى وجداننا الخلاف فى المسألة، علاوة على الحكاية.

ص: 79

اما الحكاية فقد نقل المحقق و العلامة ره و غيرهما: القول بجواز اخذ الاجرة على القضاء عن بعض.

فقد قال فى الشرائع اما لو اخذ الجعل من المتحاكمين، ففيه خلاف.

و كذلك العلامة رحمه الله فى المختلف، و قد حكى العلامة الطباطبائى فى مصابيحه عن فخر الدين و جماعة: التفصيل بين العبادات و غيرها.

و يكفى فى ذلك ملاحظة الاقوال التى ذكرها فى المسالك فى باب المتاجر.

______________________________

(اما الحكاية فقد نقل المحقق و العلامة ره و غيرهما: القول بجواز اخذ الاجرة على القضاء عن بعض) العلماء.

(فقد قال فى الشرائع اما لو اخذ الجعل من المتحاكمين، ففيه خلاف) اى اجازه بعض و منعه آخر، و من المعلوم ان القضاء اما واجب عينى او واجب كفائى.

(و كذلك العلامة رحمه الله فى المختلف، و قد حكى العلامة الطباطبائى فى مصابيحه عن فخر الدين) ولد المحقق (و جماعة: التفصيل بين العبادات و غيرها) فلا يجوز اخذ الاجرة فى الاول، و يجوز فى الثانى

(و يكفى فى ذلك) اى حكاية الخلاف (ملاحظة الاقوال التى ذكرها فى المسالك فى باب المتاجر).

فمع هذا الخلاف كيف يمكن الاعتماد على الاجماع الّذي حكاه جامع المقاصد.

ص: 80

و اما ما وجدناه فهو ان ظاهر المقنعة بل النهاية و محكى المرتضى جواز الاجر على القضاء مطلقا و ان اوّل بعض كلامهم بإرادة الارتزاق.

و قد اختار جماعة جواز اخذ الاجرة عليه اذا لم يكن متعينا، او تعين و كان القاضى محتاجا.

و قد صرح فخر الدين فى الايضاح بالتفصيل بين الكفائية التوصلية و غيرها فجوّز اخذ الاجرة فى الاول.

______________________________

(و اما ما وجدناه) من الخلاف فى مسألة جواز اخذ الاجرة على الواجبات (فهو ان ظاهر المقنعة بل النهاية و محكى المرتضى جواز الاجر على القضاء مطلقا) سواء كان القضاء متعينا عليه، أم لا، و سواء كان محتاجا، أم لا (و ان اوّل بعض كلامهم) اى كلام المجوزين (بإرادة الارتزاق)

و فرق بين اعطاء المال للقاضى بعنوان انه اجرة على قضائه، و بين اعطائه بعنوان انه يحتاج الى الرزق، فمثلا الضيافة ارتزاق و ليس باجر لحضور الانسان فى دار المضيف.

(و قد اختار جماعة جواز اخذ الاجرة عليه) اى على القضاء (اذا لم يكن) القضاء (متعينا) عليه (او تعين) القضاء عليه لانحصار القاضى به (و) لكن (كان القاضى محتاجا).

(و) كذلك (قد صرح فخر الدين فى الايضاح بالتفصيل بين الكفائية التوصلية) كالكفن للميت (و غيرها) من العينية توصلا او تعبدا، و الكفائية تعبدا، كالتطهير عن الخبث مقدمة للصلاة، و الصلاة اليومية و الصلاة على الميت (فجوز اخذ الاجرة فى الاول) الكفائية التوصلية، دون

ص: 81

قال- فى شرح عبارة والده فى القواعد فى الاستيجار على تعليم الفقه ما لفظه-: الحق عندى ان كل واجب على شخص معين لا يجوز للمكلف اخذ الاجرة عليه، و الّذي وجب كفاية فان كان مما لو اوقعه بغير نية لم يصح، و لم يزل الوجوب، فلا يجوز اخذ الاجرة عليه لانه عبادة محضة، و قال الله تعالى: وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، حصر غرض الامر فى انحصار غاية الفعل فى الاخلاص و ما يفعل بالعوض لا يكون كذلك.

______________________________

الاقسام الثلاثة الاخر.

(قال- فى شرح عبارة والده فى القواعد فى الاستيجار على تعليم الفقه، ما لفظه-: الحق عندى ان كل واجب على شخص معين لا يجوز للمكلف اخذ الاجرة عليه، و) اما (الّذي وجب كفاية فان كان مما لو اوقعه بغير نية لم يصح، و لم يزل الوجوب) لانه مشروط بقصد القربة.

و منه يعلم ان قوله: بغير نية، يراد به التعبدى، لا كل ما يحتاج الى النية، كالنكاح و الطلاق و العقود و ما اشبه (فلا يجوز اخذ الاجرة عليه، لانه عبادة محضة، و قال الله تعالى: وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فاخذ الاجرة ينافى الاخلاص، فانه سبحانه (حصر غرض الامر فى انحصار غاية الفعل فى الاخلاص) فالغرض من الامر الغاية المنحصرة من الفعل- و هى العبادة باخلاص- (و ما يفعل بالعوض لا يكون كذلك) فانه لا اخلاص فيه.

ص: 82

و غير ذلك يجوز اخذ الاجرة عليه الا ما نصّ الشارع على تحريمه، كالدفن، انتهى.

نعم ردّه فى محكى جامع المقاصد: بمخالفة هذا التفصيل لنصّ الاصحاب.

اقول: لا يحفى ان الفخر اعرف بنصّ الاصحاب من المحقق الثانى فهذا والده قد صرح فى المختلف بجواز اخذ الاجرة على القضاء اذا لم يتعين، و قبله المحقق فى الشرائع غير انه قيّد صورة عدم التعيين بالحاجة.

______________________________

(و غير ذلك) القسم الّذي يشترط بالنسبة (يجوز اخذ الاجرة عليه الا ما نصّ الشارع على تحريمه، كالدفن) مثال للذى يجوز اخذ الاجرة عليه، لانه ليس بعبادى، و لا مما نص الشارع على تحريم اخذ الاجرة عليه (انتهى) كلام فخر المحققين.

(نعم رده فى محكى جامع المقاصد: بمخالفة هذا التفصيل لنصّ الاصحاب) فكانه مخالف الاجماع.

(اقول: لا يخفى ان الفخر اعرف بنصّ الاصحاب من المحقق الثانى فهذا والده) العلامة رحمه الله (قد صرح فى المختلف بجواز اخذ الاجرة على القضاء) و هو امر كفائى لا يحتاج الى قصد القربة (اذا لم يتعين) بعدم وجود قاض آخر (و قبله المحقق فى الشرائع غير انه) اى المحقق (قيّد صورة عدم التعيين بالحاجة) اذا احتاج القاضى الى المال لفقره مثلا-.

ص: 83

و لاجل ذلك اختار العلامة الطباطبائى فى مصابيحه ما اختاره فخر الدين من التفصيل، و مع هذا فمن اين الوثوق على اجماع لم يصرح به الا المحقق الثانى.

مع ما طعن به الشهيد الثانى على اجماعاته بالخصوص فى رسالته فى صلاة الجمعة.

فالذى ينساق إليه النظر ان مقتضى القاعدة فى كل عمل له منفعة محللة مقصودة جواز اخذ الاجرة، و الجعل عليه، و ان كان داخلا في العنوان الّذي اوجبه الله على المكلف.

______________________________

(و لاجل ذلك) الّذي ذكرنا انه ليس مخالفا لنصّ الاصحاب- كما قال المحقق الثانى- (اختار العلامة الطباطبائى فى مصابيحه ما اختاره فخر الدين من التفصيل، و مع هذا) الّذي ذكرنا من ذهاب هؤلاء الاعلام الى التفصيل (فمن اين) يأتى (الوثوق على اجماع) بعدم الجواز مطلقا (لم يصرح به الا المحقق الثانى) هذا أولا.

(مع ما طعن به الشهيد الثانى على اجماعاته) اى اجماعات المحقق الثانى (بالخصوص فى رسالته فى صلاة الجمعة).

و كيف كان (فالذى ينساق إليه النظر) و يسير إليه طبيعيا (ان مقتضى القاعدة فى كل عمل له منفعة محللة مقصودة جواز اخذ الاجرة، و) جواز اخذ (الجعل عليه، و ان كان داخلا فى العنوان الّذي اوجبه الله على المكلف) وجوبا تعبديا او توصليا، عينيا او كفائيا.

ص: 84

ثم ان صلح ذلك الفعل المقابل بالاجرة لامتثال الايجاب المذكور او اسقاطه به، او عنده،

______________________________

(ثم ان صلح ذلك الفعل) الّذي يأتى به الاجير (المقابل بالاجرة) الواجب على الاجير- بنفسه- (لامتثال الايجاب المذكور).

كما اذا آجر زيد عمروا على دفن الميت، فقصد عمرو دفنه عن نفسه لا عن الاجير، فانه امتثال للامر الكفائى المتوجّه الى عمرو (او اسقاطه) الايجاب (به) اى بذلك الفعل الّذي اتاه الاجير- بدون ان يكون امتثالا من الاجير-.

كما لو قصد من دفن الميت اخفاء رائحته الكريهة، فانه ليس امتثالا للامر، لانه لم يقصده، و انما يسقط الايجاب لحصول غرض الايجاب، و انتفاء الموضوع (او) اسقاط الايجاب (عنده) اى عند ذلك الفعل الّذي اتاه الاجير.

كما لو قصد الاجير عند الدفن كون عمله نيابة عن زيد المستأجر، فانه ليس امتثالا للامر الواجب كفاية، لانه لم يقصد الامتثال، و لا اسقاطا للايجاب بالفعل الّذي فعله، لانه ليس فعله- اعتبارا- و انما فعل المستأجر.

نعم يسقط الوجوب المتوجه الى الاجير عند هذا الفعل لانتفاء موضوعه.

و انما قلنا: انه ليس فعل الاجير اعتبارا، لشهادة العرف بذلك.

فانك اذا اتيت بصلاة القضاء عن الميت لم تكن تلك صلاتك، و لذا

ص: 85

سقط الوجوب، مع استحقاق الاجرة و ان لم يصلح استحق الاجرة، و بقى الواجب فى ذمته، لو بقى وقته، و الا عوقب على تركه.

و اما مانعية مجرد الوجوب من صحة المعاوضة على الفعل، فلم يثبت على الاطلاق بل اللازم التفصيل فان كان العمل واجبا عينيا تعيينيا لم يجز اخذ الاجرة، لان اخذ الاجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع على فعله

______________________________

لا تسقط الصلاة عنك (سقط الوجوب) المتوجه الى الاجير (مع استحقاق الاجرة) من المستأجر، لان هذا الفعل اتى بالفائدتين (و ان لم يصلح) ذلك الفعل الّذي اتى به الاجير للامتثال و الاسقاط به، و عنده كما لو استأجره ليصلى صلاة المغرب ليتعلم منه الكيفية- و هذا انما يكون فى التعبديات المحتاجة الى قصد القربة- (استحق الاجرة) لانه اتى بمقصود المستأجر (و بقى الواجب فى ذمته) لانتفاء القربة المقومة للعبادة لانه قصد الاجرة، و قد تقدم المنافات بين قصد الاجرة و قصد القربة (لو بقى وقته) كما اذا لم يتجاوز نصف الليل (و الا) يبقى وقته (عوقب على تركه) لانه اتى بمتعلق الاجارة، و لم يأت بالواجب عليه.

(و اما مانعية مجرد الوجوب من صحة المعاوضة على الفعل، فلم يثبت) ثبوتا (على الاطلاق) فى التعبدى و التوصلى، و التعيينى و الكفائى (بل اللازم التفصيل، فان كان العمل واجبا) لا مستحبا (عينيا) لا كفائيا (تعيينا) لا تخييرا، مثل صلاة الظهر (لم يجز اخذ الاجرة، لان اخذ الاجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع على فعله) لان الشارع

ص: 86

اكل للمال بالباطل، لان عمله هذا لا يكون محترما، لان استيفائه منه لا يتوقف على طيب نفسه، لانه يقهر عليه مع عدم طيب النفس، و الامتناع

و مما يشهد بما ذكرناه انه لو فرض ان المولى امر بعض عبيده بفعل لغرض، و كان ممّا يرجع نفعه او بعض نفعه الى غيره فاخذ العبد العوض من ذلك الغير على ذلك العمل عدّ اكلا للمال مجانا بلا عوض.

______________________________

قهر الانسان، و جبره بأن يأتى به (اكل للمال بالباطل، لان عمله هذا لا يكون محترما) حتى يقابل بالمال (لان استيفائه منه لا يتوقف على طيب نفسه) فانه يلزم استيفائه، سواء طابت نفسه، أم لا (لانه يقهر عليه مع عدم طيب النفس، و) مع (الامتناع) فيشمله قوله سبحانه «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ»*.

و ان شئت ركّبت القياس هكذا، هذا مما يقهر المكلف عليه، و كلما يقهر الانسان عليه لا يجوز اخذ المال بإزائه.

اما الصغرى: فلفرض انه واجب عينى تعيينى.

و اما الكبرى: فلانه اكل للمال بالباطل.

(و مما يشهد بما ذكرناه) من ان ما يقهر عليه لا يجوز اخذ المال بإزائه (انه لو فرض ان المولى امر بعض عبيده بفعل لغرض) كما لو امره بان يبنى دار زيد (و كان) ذلك الفعل (ممّا يرجع نفعه او بعض نفعه الى غيره) اى غير المولى- كزيد فى المثال- (فاخذ العبد العوض من ذلك الغير على ذلك العمل عدّ) عند العقلاء (اكلا للمال مجانا بلا عوض) و مثله اكل للمال بالباطل اذا جبر العبد زيدا باعطائه.

ص: 87

ثم انه لا ينافى ما ذكرنا حكم الشارع بجواز اخذ الاجرة على العمل بعد ايقاعه، كما اجاز للوصى اخذ اجرة المثل، او مقدار الكفاية.

لان هذا حكم شرعى، لا من باب المعاوضة.

ثم لا فرق فيما ذكرناه بين التعبدى من الواجب و التوصلى.

مضافا فى التعبدى الى ما تقدم من منافات اخذ الاجرة على العمل للاخلاص كما نبّهنا عليه سابقا

______________________________

(ثم انه لا ينافى ما ذكرنا) من كون اخذ المال بإزاء الواجب العينى التعيينى اكل للمال بالباطل (حكم الشارع بجواز اخذ الاجرة على العمل بعد ايقاعه، كما اجاز للوصى) الّذي يجب عليه العمل بالوصاية (اخذ اجرة المثل، او مقدار الكفاية) على العمل بالوصاية.

(لان هذا حكم شرعى) جعله الشارع للوصى فى مقابل ايجاب الشارع عليه العمل بالوصاية (لا من باب المعاوضة) بخلاف اخذ الاجرة على مثل صلاة الظهر.

و من المعلوم الفرق بين ان يقول المولى: ابن دار زيد و خذ منه كذا او يقول: ابن دار زيد ثم اخذ منه العبد مالا فى مقابل عمله.

(ثم لا فرق فيما ذكرناه) من ان اكل المال بإزاء العينى التعيينى اكل للمال بالباطل (بين التعبدى من الواجب) كصلاة الظهر (و التوصلى) كالدفن فيما اذا انحصر فى شخص واحد.

(مضافا فى التعبدى الى ما تقدم من منافات اخذ الاجرة على العمل للاخلاص) فان العمل للقربة ينافى العمل للاجرة (كما نبّهنا عليه سابقا

ص: 88

و تقدم عن الفخر ره، و قرره عليه بعض من تأخر عنه.

و منه يظهر عدم جواز اخذ الاجرة على المندوب، اذا كان عبادة يعتبر فيها التقرب.

و اما الواجب التخييرى فان كان توصليا، فلا اجد مانعا عن جواز اخذ الاجرة على احد فرديه بالخصوص بعد فرض كونه مشتملا على نفع محلل للمستأجر، و المفروض انه محترم، لا يقهر المكلف عليه فجاز اخذ الاجرة بإزائه.

______________________________

و تقدم عن الفخر ره، و قرره عليه بعض من تأخر عنه) من الفقهاء- كما عرفت-.

(و منه) اى من منافات القربة للاجرة (يظهر عدم جواز اخذ الاجرة على المندوب، اذا كان عبادة يعتبر فيها التقرب) كالنوافل اليومية، لكنك قد عرفت سابقا الاشكال فى ذلك، فراجع.

(و اما الواجب التخييرى) كخصال الكفارة (فان كان توصليا) لا يشترط فيها قصد القربة (فلا اجد مانعا عن جواز اخذ الاجرة على احد فرديه بالخصوص بعد فرض كونه) اى احد الفردين بالخصوص (مشتملا على نفع محلل للمستأجر) الدافع للاجرة (و المفروض انه) عمل (محترم، لا يقهر المكلف عليه).

لان المكلف يقهر على الجامع لا على احد الفردين بالخصوص (فجاز اخذ الاجرة بإزائه) فليست الاجرة للاصل و انما للخصوصية.

ص: 89

فاذا تعين دفن الميت على شخص و تردد الامر بين حفر احد موضعين فاختار الولى احدهما بالخصوص، لصلابته، او لغرض آخر، فاستأجر ذلك لحفر ذلك الموضع بالخصوص، لم يمنع من ذلك كون مطلق الحفر واجبا عليه مقدمة للدفن.

و ان كان تعبديا، فان قلنا: بكفاية الاخلاص بالقدر المشترك و ان كان ايجاد خصوص بعض الافراد لداع غير الاخلاص،

______________________________

(فاذا تعين دفن الميت على شخص و تردد الامر بين حفر احد موضعين فاختار الولى) للميت (احدهما بالخصوص، لصلابته، او لغرض آخر) لقربه الى البلد (فاستأجر ذلك) الانسان الواجب عليه الدفن (لحفر ذلك الموضع بالخصوص) حتى تكون الاجرة للخصوصية (لم يمنع من ذلك) الاستيجار (كون مطلق الحفر واجبا عليه مقدمة للدفن).

و السر: ان العمل مركب من شيئين، احدهما: واجب، و الآخر ليس بواجب، و اخذ الاجرة فى قبال غير الواجب و لذا لم يعده العقلاء اكلا للمال بلا عوض.

و انما شرطنا كون العمل المستأجر، لانه اذا لم يكن له، كان خروج الاجرة عن كيسه بغير مقابل اذ لم يدخل فى كيسه شي ء فى قبال خروج الاجرة عنه.

(و ان كان) الواجب التخييرى (تعبديا) كخصال الكفار (فان قلنا:

بكفاية الاخلاص بالقدر المشترك و ان كان ايجاد خصوص بعض الافراد لداع غير الاخلاص).

كما لو صلى الظهر الواجبة عليه فى مكان بارد بان اتى الاصل للاخلاص

ص: 90

فهو كالتوصلى.

و ان قلنا: بان اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية مانع عن التفكيك بينهما فى القصد، كان حكمه كالتعيينى.

و اما الكفائى فان كان توصليا، امكن اخذ الاجرة على اتيانه، لاجل باذل الاجرة فهو العامل فى الحقيقة.

______________________________

و خصوصية المكان لداعى البرودة.

او كفّر لداعى الاخلاص و خصوص العبد لان يكون له يد عليه، فينتفع به فى المستقبل (فهو كالتوصلى) فى جواز اخذ الاجرة للخصوصية.

(و ان قلنا: بان اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية) فان الصلاة المأتى بها فى المكان البارد شي ء واحد بالقدر المشترك و الخصوصية متحدان وجودا.

و ذلك الاتحاد (مانع عن التفكيك بينهما فى القصد) بان يقصد المشترك لله، و الخصوصية لداع آخر (كان حكمه كالتعيينى) فى عدم جواز اخذ الاجرة عليه.

(و اما) الواجب (الكفائى) كدفن الميت (فان كان توصليا، امكن اخذ الاجرة على اتيانه، لاجل باذل الاجرة) فيعمل زيد نيابة عن عمرو فالاجرة للنيابة، لا للاتيان بالعمل (فهو) اى الباذل (العامل فى الحقيقة) و له ثواب العمل و حسن ذكره.

الا ترى انه يقال: فلان المثرى جهز الميت الفلانى، مع العلم انه انما بذل المال، و المجهز الغسال و الكفان و غيرهما.

ص: 91

و ان كان تعبديا لم يجز الامتثال به، و اخذ الاجرة عليه.

نعم يجوز النيابة ان كان مما يقبل النيابة، لكنه يخرج عن محل الكلام لان محل الكلام اخذ الاجرة على ما هو واجب على الاجير، لا على النيابة فيما هو واجب على المستأجر، فافهم.

ثم انه قد يفهم من ادلة وجوب الشي ء كفاية، كونه حقا لمخلوق يستحقه على المكلفين، فكل من اقدم عليه فقد ادى حق ذلك المخلوق فلا يجوز له اخذ الاجرة منه، و لا من غيره ممن وجب عليه أيضا كفاية.

______________________________

(و ان كان) الواجب الكفائى (تعبديا) كصلاة الميت (لم يجز الامتثال به، و اخذ الاجرة عليه) للتنافى بين القربة و الاجرة.

(نعم يجوز النيابة ان كان مما يقبل النيابة، لكنه يخرج عن محل الكلام لان محل الكلام اخذ الاجرة على ما هو واجب على الاجير، لا) اخذ الاجرة (على النيابة فيما هو واجب على المستأجر، فافهم) لانه ان لم يكن واجبا على الاجير، لم يكن من الواجب الكفائى، و ان كان واجبا على الاجير لم يجز اخذ الاجرة بعنوان النيابة.

(ثم) حيث تقدم جواز النيابة فى الواجب الكفائى، اراد المصنف رحمه الله استثناء بعض صور الواجب الكفائى، ف (انه قد يفهم من ادلة وجوب الشي ء كفاية، كونه حقا لمخلوق) كالميت (يستحقه على المكلفين، فكل من اقدم عليه فقد ادى حق ذلك المخلوق) كالميت (فلا يجوز له اخذ الاجرة منه) كاخذ الاجرة من تركة الميت، او من الغريق مثلا (و لا من غيره ممن وجب عليه أيضا كفاية) و لو كان العامل جعل نفسه وكيلا عن ذلك الغير و قائما مقامه.

ص: 92

و لعل من هذا القبيل تجهيز الميت و انقاذ الغريق، بل و معالجة الطبيب لدفع الهلاك.

[الإشكال على أخذ الأجرة على الصناعات التي يتوقف عليها النظام]
اشارة

ثم ان هنا اشكالا مشهورا و هو: ان الصناعات التى تتوقف النظام عليها، يجب كفاية، لوجوب اقامة النظام بل قد يتعين بعضها على بعض المكلفين عند انحصار

______________________________

(و لعل من هذا القبيل) الّذي هو حق لمخلوق (تجهيز الميت و انقاذ الغريق، بل و معالجة الطبيب لدفع الهلاك) لا مثل المعالجات التى تدفع الأمراض القليلة، لعدم الدليل فى كونها واجبة.

(ثم ان هنا) فى مسألة عدم جواز اخذ الاجرة على الواجبات (اشكالا مشهورا و هو: ان الصناعات التى تتوقف النظام عليها يجب كفاية لوجوب اقامة النظام).

و يدل على وجوب اقامة النظام ادلة اولية، و ادلة ثانوية، كقوله سبحانه: وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً، و قوله:

وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، فان عدم القيام بالصناعات المتوقف عليها النظام، سبب تغلب الكفار على المسلمين.

و لذا الاقرب عندى لزوم تعلم الصناعات الحديثة و العلوم المولدة حتى لا ترجح كفة الكفار على كفة المسلمين، و قوله تعالى: لِيَقُومَ النّٰاسُ بِالْقِسْطِ، فان قيام الناس بالقسط لا يكون الا بالنظام، و قول الامام امير المؤمنين عليه السلام: الله الله فى نظم امركم، و لانه لو لا اقامة النظام لزم الهرج و المرج، و ذلك غير جائز نصا و اجماعا، الى غيرها من الادلة المذكورة فى مظانها (بل قد يتعين بعضها على بعض المكلفين عند انحصار

ص: 93

المكلف القادر فيه، مع ان جواز اخذ الاجرة عليها مما لا كلام لهم فيه.

و كذا يلزم ان يحرم على الطبيب اخذ الاجرة على الطبابة لوجوبها عليه كفاية او عينا كالفقاهة.

[و قد تفصى بوجوه.]
اشارة

و قد تفصى بوجوه.

[أحدها: الالتزام بخروج ذلك بالاجماع و السيرة القطعيين.]

احدها: الالتزام بخروج ذلك بالاجماع و السيرة القطعيين.

______________________________

المكلف القادر فيه) كما هو شأن كل واجب كفائى، فانه يصير عينيا اذا انحصر فى بعض (مع ان جواز اخذ الاجرة عليها مما لا كلام لهم فيه).

فهذا يناقض الكلية المتقدمة التى ذكروها بان كل واجب يحرم اخذ الاجرة عليه.

(و كذا يلزم ان يحرم على الطبيب اخذ الاجرة على الطبابة لوجوبها عليه كفاية) اذا كان المرض مما يجب علاجه، و كان هناك طبيب آخر (او عينا كالفقاهة) اذا لم يكن هناك طبيب آخر.

(و قد تفصى) و تخلص عن هذا الاشكال (بوجوه).

(احدها: الالتزام بخروج ذلك) اى جواز اخذ الاجرة على الواجبات النظامية (بالاجماع و السيرة القطعيين).

لان الكسبة بالصناعات و الاطباء كانوا فى زمن الرسول صلى الله عليه و آله و الائمة عليهم السلام، بل هم كانوا يراجعونهم بدون استنكار على اخذهم للاجرة.

بل داود عليه السلام كان يصنع الدرع و يبيعها، الى غيرها من

ص: 94

[الثانى: الالتزام بجواز اخذ الاجرة على الواجبات]

الثانى: الالتزام بجواز اخذ الاجرة على الواجبات، اذا لم تكن تعبدية، و قد حكاه فى المصابيح عن جماعة و هو ظاهر كل من جوز اخذ الاجرة على القضاء بقول مطلق يشمل صورة تعينه عليه كما تقدم حكايته فى الشرائع و المختلف عن بعض.

و فيه- ما تقدم سابقا- من ان الاقوى عدم جواز اخذ الاجرة عليه.

[الثالث: ما عن المحقق الثانى من اختصاص جواز الاخذ بصورة قيام من به الكفاية]

الثالث: ما عن المحقق الثانى من اختصاص جواز الاخذ بصورة قيام من به الكفاية، فلا يكون حينئذ واجبا.

______________________________

الادلة التى هى من هذا القبيل.

(الثانى) من الوجوه (الالتزام بجواز اخذ الاجرة على الواجبات، اذا لم تكن تعبدية، و قد حكاه) اى هذا القول (فى المصابيح عن جماعة و هو ظاهر كل من جوز اخذ الاجرة على القضاء بقول مطلق يشمل صورة تعينه عليه) «يشمل» صفة «قول مطلق» (كما تقدم حكايته فى الشرائع و المختلف عن بعض) مع ان القضاء واجب عينا اذا لم يكن هناك قاض آخر.

(و فيه- ما تقدم سابقا- من ان الاقوى عدم جواز اخذ الاجرة عليه) اى على القضاء، و لا يخفى ان اشكال الشيخ على الممثل به، لا على اصل القول.

(الثالث) من الوجوه (ما عن المحقق الثانى من اختصاص جواز الاخذ بصورة قيام من به الكفاية، فلا يكون حينئذ) اى حين قيام الغير (واجبا).

مثلا: اذ اقام زيد بالصناعة، لم تجب على عمرو، فاذا لم تجب عليه لا بأس باخذه للاجرة.

ص: 95

و فيه ان ظاهر العمل و الفتوى جواز الاخذ، و لو مع بقاء الوجوب الكفائى، بل مع وجوبه عينا، للانحصار.

[الرابع ما فى مفتاح الكرامة من ان المنع مختص بالواجبات الكفائية المقصودة لذاتها كاحكام الموتى و تعليم الفقه]

الرابع ما فى مفتاح الكرامة من ان المنع مختص بالواجبات الكفائية المقصودة لذاتها كاحكام الموتى و تعليم الفقه، دون ما يجب لغيره كالصنائع.

و فيه ان هذا التخصيص ان كان لاختصاص معاقد اجماعاتهم، او عنوانات كلامهم، فهو خلاف الموجود منها و ان كان الدليل يقتضي الفرق فلا بد من بيانه.

______________________________

(و فيه ان ظاهر العمل) للمتشرعين (و الفتوى) للفقهاء (جواز الاخذ) للاجرة (و لو مع بقاء الوجوب الكفائى، بل مع وجوبه عينا، للانحصار) فيه.

(الرابع) من الوجوه (ما فى مفتاح الكرامة من ان المنع) عن اخذ الاجرة (مختص بالواجبات الكفائية المقصودة لذاتها) بان لا تكون مقدمة لشي ء آخر (كاحكام الموتى و تعليم الفقه، دون ما يجب لغيره) بان كان مقدمة (كالصنائع) فانها واجبة مقدمة لاقامة النظام.

(و فيه ان هذا التخصيص) للحرمة بالواجبات الذاتية (ان كان لاختصاص معاقد اجماعاتهم، او عنوانات كلامهم) بذلك القسم الذاتى فقط (فهو خلاف الموجود منها).

فانا اذا ارجعنا عنواناتهم رأيناها شاملة لجميع اقسام الواجب مقدمة او ذاتا (و ان كان الدليل) الدال على حرمة اخذ الاجرة على الواجب (يقتضي الفرق) بين الذاتى و المقدمى (فلا بد من بيانه) اى بيان ذلك الدليل الفارق.

ص: 96

[الخامس: أن المنع عن أخذ الأجرة على الصناعات الواجبة لإقامة النظام يوجب اختلال النظام]

الخامس: ان المنع عن اخذ الاجرة على الصناعات الواجبة لاقامة النظام يوجب اختلال النظام لوقوع اكثر الناس فى المعصية بتركها، او ترك الشاق منها، و الالتزام بالاسهل فانهم لا يرغبون فى الصناعات الشاقة او الدقيقة الا طمعا فى الاجرة، و زيادتها على ما يبذل لغيرها من الصناعات فتسويغ اخذ الاجرة عليها لطف فى التكليف باقامة النظام.

و فيه ان المشاهد بالوجدان ان اختيار الناس للصنائع الشاقة و تحملها، ناش عن الدّواعي الاخر غير زيادة الاجرة، مثل عدم قابليته

______________________________

(الخامس) من الوجوه (ان المنع عن اخذ الاجرة على الصناعات الواجبة، لاقامة النظام) «لاقامة» متعلق ب «الواجبة» (يوجب) خبر «المنع» (اختلال النظام لوقوع اكثر الناس) حين كانت الصنعة بدون الاجرة (فى المعصية بتركها) اى بترك تلك الصناعات حيث يرون ان لا منفعة فيها (او ترك الشاق منها، و الالتزام بالاسهل).

و من المعلوم ان ترك الصنعة مطلقا او ترك الصنعة الشاقة يوجب اختلال النظام (فانهم) اى الناس (لا يرغبون فى الصناعات الشاقة او الدقيقة الا طمعا فى الاجرة، و زيادتها على ما يبذل لغيرها) السهلة (من الصناعات فتسويغ) الشارع (اخذ الاجرة عليها لطف فى التكليف باقامة النظام) و هذا البرهان العقلى مخصص لادلة حرمة اخذ الاجرة على الواجبات.

(و فيه ان المشاهد بالوجدان ان اختيار الناس للصنائع الشاقة و تحملها، ناش) غالبا (عن الدواعى الاخر غير زيادة الاجرة، مثل عدم قابليته)

ص: 97

لغير ما يختار، او عدم ميله إليه، او عدم كونه شاقا عليه لكونه ممن نشأ فى تحمل المشقة.

الا ترى ان اغلب الصنائع الشاقة- من الكفائيات- كالفلاحة و الحرث و الحصاد، و شبه ذلك لا تزيد اجرتها على الاعمال السهلة.

[السادس: أن الوجوب فى هذه الأمور مشروط بالعوض.]

السادس: ان الوجوب فى هذه الامور مشروط بالعوض.

قال بعض الاساطين بعد ذكر ما يدل على المنع عن اخذ الاجرة على الواجب اما ما كان واجبا مشروطا، فليس بواجب قبل حصول الشرط،

______________________________

فعلا (لغير ما يختار) من الصنعة (او عدم ميله إليه، او عدم كونه شاقا عليه) و ان كان شاقا على غيره (لكونه ممن نشأ) و تربى (فى تحمل المشقة) فلا يحس بالمشقة.

(الا ترى ان اغلب الصنائع الشاقة- من الكفائيات- كالفلاحة و الحرث و الحصاد، و شبه ذلك) كالخبازة امام التنور و الحدادة امام النار و الحديد، و ما اشبه (لا تزيد اجرتها على الاعمال السهلة) كالعطارة و البزازة و ما اشبه.

(السادس) من الوجوه (ان الوجوب فى هذه الامور) اى الصناعات المقومة للنظام (مشروط بالعوض).

بمعنى انه لو بذل العوض للحداد- مثلا- وجب عليه عمل الحدادة و الا لم يجب عليه، و عليه فلا مانع من اخذ الاجرة، لانه قبل اخذ الاجرة لم يجب.

(قال بعض الاساطين بعد ذكر ما يدل على المنع عن اخذ الاجرة على الواجب) ما لفظه: (اما ما كان واجبا مشروطا، فليس بواجب قبل حصول الشرط)

ص: 98

فتعلق الاجارة به قبله، لا مانع منه و لو كانت هى الشرط فى وجوبه.

فكل ما وجب كفاية من حرف و صناعات، لم تجب الا بشرط العوض باجارة او جعالة او نحوهما فلا فرق بين وجوبها العينى للانحصار، و وجوبها الكفائى لتأخر الوجوب عنها، و عدمه قبلها، كما ان بذل الطعام و الشراب للمضطر ان بقى على الكفاية او تعين يستحق فيه اخذ العوض على الاصح، لان وجوبه مشروط،

______________________________

حتى يحرم اخذ الاجرة عليه (فتعلق الاجارة به قبله، لا مانع منه و لو كانت هى) اى الاجرة (الشرط فى وجوبه) «لو» وصلية.

(فكل ما وجب كفاية من حرف) جمع حرفة- و هى ما ليست بصناعة- كالعطارة و نحوها (و صناعات، لم تجب الا بشرط العوض) سواء كان الشرط (باجارة او جعالة او نحوهما) كالهبة المشروطة.

و على هذا (فلا فرق بين وجوبها العينى للانحصار، و وجوبها الكفائى).

و انما قلنا: لا فرق (لتأخر الوجوب عنها) اى عن الاجرة، فانها ليست بواجبة- عينا و لا كفاية- قبل الاجرة، و لذا جاز اخذ الاجرة، و اذا اخذ الاجرة وجب- عينا، احيانا، و كفاية احيانا- (و عدمه) اى عدم الوجوب (قبلها) اى قبل الاجرة.

و لا منافات بين وجوب الفعل، و جواز اخذ الاجرة (كما ان بذل الطعام و الشراب للمضطر ان بقى على الكفاية) بان كان هناك باذلون متعد دون (او تعين) بان انحصر الباذل فى شخص واحد (يستحق فيه اخذ العوض على الاصح، لان وجوبه) اى وجوب البذل (مشروط) باخذ العوض.

ص: 99

بخلاف ما وجب مطلقا بالاصالة كالنفقات او بالعارض، كالمنذور، و نحوه، انتهى كلامه رحمه الله.

و فيه ان وجوب الصناعات ليس مشروطا ببذل العوض لانه لاقامة النظام التى هى من الواجبات المطلقة.

فان الطبابة و القصد و الحجامة و غيرها مما يتوقف عليه بقاء الحياة- فى بعض الاوقات- واجبة، بذل له العوض أم لم يبذل.

______________________________

بمعنى ان الشارع لم يكلف صاحب الطعام بان يبذله للمضطر مجانا، فالجمع بين دليلى وجوب البذل و احترام مال المسلم: ان البذل واجب و اخذ العوض جائز.

و هذا (بخلاف ما وجب مطلقا) بدون شرط و عوض، وجوبا (بالاصالة كالنفقات) للزوجة و من إليها (او) وجوبا (بالعارض، كالمنذور، و نحوه) بعهد او شرط او يمين (انتهى كلامه رحمه الله).

(و فيه ان وجوب الصناعات ليس مشروطا ببذل العوض لانه) اى الوجوب (لاقامة النظام التى هى من الواجبات المطلقة).

(ف) مثلا (ان الطبابة و الفصد و الحجامة و غيرها مما يتوقف عليه بقاء الحياة- فى بعض الاوقات- واجبة، بذل له العوض أم لم يبذل).

و الّذي اظن ان مراد بعض الاساطين: ان الشارع لم يوجب الصناعات بلا عوض، و انما اوجبها و لو مع العوض- و ان كانت عبارته لا تفي بهذا المعنى- الا ان بقاء العبارة على ظاهرها مما لا يحتمل ان يقول به احد.

ص: 100

[السابع: أن وجوب الصناعات المذكورة لم يثبت من حيث ذاتها]

السابع: ان وجوب الصناعات المذكورة لم يثبت من حيث ذاتها و انما ثبت من حيث الأمر باقامة النظام، و اقامة النظام غير متوقفة على العمل تبرعا، بل يحصل به و بالعمل بالاجرة.

فالذى يجب على الطبيب لاجل احياء النفس و اقامة النظام هو بذل نفسه للعمل لا بشرط التبرع به، بل له ان يتبرع به، و له ان يطلب الاجرة.

و حينئذ فان بذل المريض الاجرة وجب عليه العلاج، و ان لم يبذل الاجرة- و المفروض اداء ترك العلاج الى الهلاك- اجبره الحاكم حسبة

______________________________

(السابع) من الوجوه (ان وجوب الصناعات المذكورة) التى يتوقف عليها النظام (لم يثبت من حيث ذاتها) كوجوب الصلاة و الصيام (و انما ثبت) الوجوب (من حيث الامر باقامة النظام، و اقامة النظام غير متوقفة على العمل تبرعا، بل يحصل به) اى بالتبرع (و بالعمل بالاجرة).

و حاصل هذا الوجه: ان الواجب بما هو واجب لا ينافى اخذ الاجرة، و انما ينافى الاخذ فيما اذا كانت الغاية تتوقف على التبرع.

(فالذى يجب على الطبيب لاجل احياء النفس و اقامة النظام) لصحة الناس جسد يا حتى يتمكنوا من القيام بمهمات الحيات (هو بذل نفسه للعمل) و الطبابة و (لا) يكون ذلك (بشرط التبرع به، بل له) اى للطبيب (ان يتبرع به، و له ان يطلب الاجرة).

(و حينئذ) اى حين طلبه الاجرة (فان بذل المريض الاجرة وجب عليه العلاج، و ان لم يبذل الاجرة- و المفروض اداء ترك العلاج الى الهلاك- اجبره) اى المريض (الحاكم- حسبة-) اى قربة الى الله

ص: 101

على بذل الاجرة للطبيب.

و ان كان المريض مغمى عليه دفع عنه وليه، و إلا جاز للطبيب العمل بقصد الاجرة، فيستحق الاجرة فى ماله.

و ان لم يكن له مال ففى ذمته فيؤدى فى حياته، او بعد مماته من الزكاة او غيرها.

و بالجملة فما كان من الواجبات الكفائية ثبت من دليله وجوب نفس ذلك العنوان فلا يجوز اخذ الاجرة عليه

______________________________

تعالى، و احتسابا.

فان الامور التى يأتى بها الحاكم الشرعى لاجل مصالح الناس، و ما الى ذلك تسمى «حسبة» من الاحتساب على الله تعالى (على بذل الاجرة للطبيب).

(و ان كان المريض مغمى عليه) او مجنونا او سكرانا- ممن لا يشعر- (دفع) الى الطبيب الاجرة (عنه وليه) حاكما كان الولى او غيره (و الا) يكن ولى، و المريض لا يشعر بالدفع (جاز للطبيب العمل بقصد الاجرة، فيستحق الاجرة فى ماله) و يجوز له ان يأخذه تقاضا.

(و ان لم يكن له مال ففى ذمته) يستحقه الطبيب (فيؤدى فى حياته) من ماله ان صار له مال (او بعد مماته من الزكاة او غيرها) كالخمس، و نحوه.

(و بالجملة فما كان من الواجبات الكفائية ثبت من دليله وجوب نفس ذلك العنوان) اى العنوان الخاص، كعنوان دفن الميت الّذي هو متعلق الوجوب مقابل ما لم يثبت بعنوانه، بل بكلي منطبق عليه، كالطبابة، مثلا (فلا يجوز اخذ الاجرة عليه) لان الشارع اوجبه، فيكون اخذ الاجرة منافيا

ص: 102

بناء على المشهور.

و اما ما امر به من باب اقامة النظام فإقامة النظام يحصل ببذل النفس للعمل به فى الجملة، و اما العمل تبرعا فلا.

و حينئذ فيجوز طلب الاجرة من المعمول له اذا كان اهلا للطلب منه، و قصدها اذا لم يكن ممن يطلب منه، كالغائب الّذي يعمل فى ماله، عمل لدفع الهلاك عنه، و كالمريض المغمى عليه. و فيه

______________________________

للوجوب (بناء على المشهور) لما تقدم من الادلة.

(و اما ما امر به) الشارع (من باب اقامة النظام) كالصناعات، فالشارع اوجب اقامة النظام، و هى تحصل بالصناعات و نحوها (فإقامة النظام يحصل ببذل النفس للعمل به) اى بذلك الواجب (فى الجملة) بالمال او تبرعا (و اما العمل تبرعا فلا) دليل على وجوبه.

(و حينئذ) اى حين كان الواجب العمل، لا التبرع بالعمل (فيجوز طلب الاجرة من المعمول له اذا كان) المعمول له (اهلا للطلب منه) كالبالغ العاقل الملتفت (و قصدها) اى و يجوز قصد الاجرة- بان لا يقصد التبرع- (اذا لم يكن) المعمول له (ممن يطلب منه) اى لم يكن قابلا للطلب (كالغائب الّذي يعمل) بصيغة المجهول (فى ماله، عمل لدفع الهلاك عنه).

كما لو اراد الظالم اهلاك الغائب بمجرد وصوله الى وطنه، فيدفع زيد من مال الغائب مقدارا ليعفو عنه (و كالمريض المغمى عليه) يعمل له الدواء من ماله، و يعطى للطبيب الاجر، و كالطفل الصغير، و هكذا.

(و فيه) ان تفصيلكم بين ما امر به بعنوانه، و بين ما امر به لاجل اقامة

ص: 103

انه اذا فرض وجوب احياء النفس، و وجب العلاج كونه مقدمة له فاخذ الاجرة عليه غير جائز.

فالتحقيق على ما ذكرنا سابقا ان الواجب اذا كان عينيا تعينيا لم يجز اخذ الاجرة عليه- و لو كان من الصناعات- فلا يجوز للطبيب اخذ الاجرة على بيان الدواء، او تشخيص الداء.

و اما اخذ الوصى الاجرة على تولى اموال الطفل الموصى عليه الشامل بإطلاقه

______________________________

النظام بعد جواز اخذ الاجرة فى الاول، و جواز اخذ الاجرة فى الثانى، يحتاج الى الدليل.

ف (انه اذا فرض وجوب احياء النفس، و وجب العلاج لكونه مقدمة له) اى للاحياء، و المراد الا بقاء حيا (فاخذ الاجرة عليه غير جائز) لاطلاق الادلة الدالة على حرمة اخذ الاجرة على الواجبات.

(فالتحقيق على ما ذكرنا سابقا) من حرمة بعض اقسام الاجرة، دون بعض الاقسام الاخر (ان الواجب اذا كان عينيا تعينيا) لا كفائيا و لا تخييرا (لم يجز اخذ الاجرة عليه- و لو كان من الصناعات-).

بان كان الامر لا بعنوانه، بل بعنوان اقامة النظام (فلا يجوز للطبيب اخذ الاجرة على بيان الدواء، او تشخيص الداء).

(و) ان قلت: فكيف يجوز للوصى اخذ الاجرة- و ان كان العمل بالوصاية واجبا عينيا تعيينيا عليه-.

قلت: (اما اخذ الوصى الاجرة على تولى اموال الطفل الموصى عليه الشامل) جواز الاخذ- فى كلامهم- (بإطلاقه

ص: 104

لصورة تعين العمل عليه، فهو من جهة الاجماع و النصوص المستفيضة على ان له ان يأخذ شيئا.

و انما وقع الخلاف فى تعيينه.

فذهب جماعة الى ان له اجرة المثل حملا للاخبار على ذلك.

و لانه اذا فرض احترام عمله بالنص و الاجماع، فلا بد من كون العوض اجرة المثل.

و بالجملة فملاحظة النصوص و الفتاوى فى تلك المسألة، يرشد الى

______________________________

لصورة تعين العمل عليه) اى الوجوب العينى التعيينى (فهو من جهة الاجماع و النصوص المستفيضة على ان له) اى للوصى (ان يأخذ شيئا).

و هذه العبارة لا تدل على كون ما يأخذه عوضا، بل لعله من باب ارتزاق القاضى.

(و) ان قلت: فلما ذا يجوز الفقهاء اخذه لاجرة المثل.

قلت: (انما وقع الخلاف فى تعيينه) اى فى جواز اخذه مقدارا معينا كالاجرة، أم لا، بل لا بدّ من اخذ مقدار قليل، ليس له صورة الاجرة.

(فذهب جماعة الى ان له اجرة المثل حملا للاخبار) الدالة على ان له شيئا (على ذلك) اى اجرة المثل انصرافا.

(و لانه اذا فرض احترام عمله) اى عمل الوصى (بالنص و الاجماع، فلا بد من كون العوض اجرة المثل) اذا لفهم العرفى يساعد على ذلك.

(و بالجملة فملاحظة النصوص و الفتاوى فى تلك المسألة) اى مسألة استحقاق الوصى لشي ء من المال (يرشد الى

ص: 105

خروجها عما نحن فيه.

[و أما باذل المال للمضطر]

و اما باذل المال للمضطر، فهو انما يرجع بعوض المبذول، لا باجرة البذل، فلا يرد نقضا فى المسألة.

[و أما رجوع الام المرضعة بعوض ارضاع اللبأ مع وجوبه عليها]

و اما رجوع الام المرضعة بعوض ارضاع اللبأ مع وجوبه عليها بناء على توقف حياة الولد عليه، فهو اما من قبيل بذل المال للمضطر و امّا من قبيل رجوع الوصى باجرة المثل من جهة عموم آية: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فافهم.

______________________________

خروجها) اى خروج المسألة (عما نحن فيه) من مسألة اخذ الاجرة على الواجبات.

(و اما باذل المال للمضطر، فهو انما يرجع) الى المضطر بماله (بعوض المبذول، لا باجرة البذل، فلا يرد نقضا فى المسألة).

فلا يقال: انه كما يجب البذل و يجوز اخذ الاجرة كذلك تجب الصناعة و يجوز اخذ الاجرة، لان العمل فى الاول لا عوض له، بخلاف العمل فى الثانى.

(و اما رجوع الام المرضعة) الى الرضيع او الزوج (بعوض ارضاع اللبأ) و هو اللبن فى اوّل الولادة الّذي به قوام الطفل- كما يقال- (مع وجوبه) اى ارضاع اللبأ (عليها بناء على توقف حياة الولد عليه، فهو اما من قبيل بذل المال للمضطر) فالعوض للبن، لا للارضاع (و اما من قبيل رجوع الوصى باجرة المثل) من باب الارتزاق، لا من باب الاجرة على العمل الواجب (من جهة عموم آية: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).

فان الآية شاملة حتى لارضاع اللبأ الواجب على الام (فافهم).

اذ لو قلنا: بشمول الآية لارضاع اللبأ، كانت الآية ظاهرة فى جواز

ص: 106

و ان كان كفائيا جاز الاستيجار عليه، فيسقط الواجب بفعل المستأجر عليه عنه، و عن غيره، و ان لم يحصل الامتثال.

[و من هذا الباب أخذ الطبيب الأجرة على حضوره عند المريض إذا تعين عليه علاجه]

و من هذا الباب اخذ الطبيب الاجرة على حضوره عند المريض اذا تعين عليه علاجه فان العلاج و ان كان معينا عليه، الا ان الجمع بينه و بين المريض- مقدمة للعلاج- واجب كفائى بينه و بين اولياء المريض.

______________________________

اخذ الاجرة على الواجب، و تأويل الآية بكون الاجر ارتزاقا خلاف الظاهر.

(و ان كان) الواجب (كفائيا) عطف على قوله «اذا كان عينيا» (جاز الاستيجار عليه، فيسقط الواجب) الكفائى (بفعل المستأجر عليه عنه) اى عن الاجير (و عن غيره) لان الواجب الكفائى حينما يؤتى به يسقط (و ان لم يحصل الامتثال) عن غير باذل المال، لما تقدم من ان العمل حينئذ عمل المستأجر، لا الاجير، فان الثواب آجلا، و آثار الفعل عاجلا يترتبان على المستأجر و ان كانت مباشرة الفعل للاجير.

(و من هذا الباب اخذ الطبيب الاجرة) فان الاجرة انما هى لاجل الواجب الكفائى.

اذ هى (على حضوره عند المريض اذا تعين عليه علاجه) بان انحصر المعالج فى هذا الطبيب، و كان المريض مهلكا او شبهه مما يجب شرعا علاجه (فان العلاج و ان كان معينا عليه) لانحصار الطبيب فيه (الا ان الجمع بينه و بين المريض- مقدمة للعلاج- واجب كفائى بينه) اى بين الطبيب (و بين اولياء المريض) او المريض بنفسه اذا قدر على ذلك.

ص: 107

فحضوره اداء للواجب الكفائى، كاحضار الاولياء، الا انه لا بأس باخذ الاجرة عليه.

[عدم جواز الأخذ في الكفائي لو علم كونه حقا للغير]

نعم يستثنى من الواجب الكفائى ما علم من دليله صيرورة ذلك العمل حقا للغير يستحقه من المكلف.

كما قد يدعى ان الظاهر من ادلة وجوب تجهيز الميت ان للميت حقا على الاحياء فى التجهيز.

فكل من فعل شيئا منه فى الخارج فقد ادى حق الميت، فلا يجوز اخذ الاجرة عليه.

______________________________

(فحضوره) عند المريض (اداء للواجب الكفائى، كاحضار الاولياء) المريض لديه (الا انه لا بأس باخذ الاجرة عليه) اى على حضوره عند المريض لانه لا دليل على حرمة اخذ الاجرة على هذا القبيل من الواجب الكفائى.

(نعم يستثنى من) جواز اخذ الاجرة على (الواجب الكفائى ما علم من دليله صيرورة ذلك العمل) الواجب كفاية (حقا للغير يستحقه) الغير (من المكلف) فلا معنى حينئذ لاخذ الاجرة.

(كما قد يدعى ان الظاهر من ادلة وجوب تجهيز الميت ان للميت حقا على الاحياء فى التجهيز) فيما اذا لم يكن واجبا عينيا لانحصار القادر فى واحد، و الا كان من مسألة الواجب العينى.

(فكل من فعل شيئا منه) اى من التجهيز (فى الخارج فقد ادى حق الميت، فلا يجوز اخذ الاجرة عليه).

نعم صحّحه بعض بقصد كون الاجرة للاعمال التوصلية غير الواجبة،

ص: 108

و كذا تعليم الجاهل احكام عباداته الواجبة عليه، و ما يحتاج إليه كصيغة النكاح و نحوها لكن تعيين هذا يحتاج الى لطف قريحة.

هذا تمام الكلام فى اخذ الاجرة على الواجب.

و اما الحرام فقد عرفت عدم جواز اخذ الاجرة عليه.

______________________________

كزيادة قطع الكفن او تنظيف الميت قبلا او ما اشبه، لكنه خارج عن محل الكلام.

(و كذا تعليم الجاهل احكام عباداته الواجبة عليه، و ما يحتاج إليه) فى معاده او معاشه (كصيغة النكاح و نحوها) مما يتوقف عليه دينه او دنياه (لكن تعيين هذا) الواجب على المكلفين بان يقال كما يجب على الجاهل التعلم، كذلك يجب على العالم التعليم (يحتاج الى لطف قريحة) تدرك هذا الوجوب.

اذ لا دليل على وجوب تعليم الجاهل كلما يحتاج إليه، و ان لم يكن واجبا عليه، فاخذ الاجرة من العالم على التعليم لا بأس به.

(هذا تمام الكلام فى اخذ الاجرة على الواجب).

(و اما الحرام فقد عرفت عدم جواز اخذ الاجرة عليه) فى النوع الاول، فى باب الاعيان النجسة و غيرها فى مسألة ان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه و هذا انما هو فى اخذ الاجرة على الحرام.

و اما اخذ الاجرة على ترك الحرام كان يعطيه الاجرة على أن يترك الخمر و نحوه، فالظاهر انه داخل فى مسألة اخذ الاجرة على الواجب، فان ترك الحرام واجب و ترك الواجب حرام، فتأمل.

ص: 109

[و اما المكروه و المباح]

و اما المكروه و المباح فلا اشكال فى جواز اخذ الاجرة عليهما.

[و أما المستحب:]

و اما المستحب: و المراد منه ما كان له نفع قابل لان يرجع الى المستأجر، ليصح الاجارة من هذه الجهة، فهو بوصف كونه مستحبا على المكلف لا يجوز اخذ الاجرة عليه لان الموجود من هذا الفعل فى الخارج لا يتصف بالاستحباب، الا مع الاخلاص الّذي ينافيه اتيان الفعل ل

______________________________

(و اما المكروه و المباح فلا اشكال فى جواز اخذ الاجرة عليهما) فعلا او تركا.

كان يعطيه الاجرة على ان ينام بين الطلوعين او ينام بالليل، او لان لا ينام، و ذلك لاطلاق ادلة الاجارة و لا مخرج لما نحن فيه عنها.

(و اما المستحب، و المراد منه ما كان له نفع قابل لان يرجع الى المستأجر، ليصح الاجارة من هذه الجهة).

اذ لو لم يكن له نفع كذلك، كانت الاجارة باطلة، اذ لم يدخل فى كيس المستأجر ما يقابل الاجرة الخارجة من كيسه.

و قد عرفت سابقا: ان مفهوم الاجارة متقوم بالمبادلة، كمفهوم البيع.

اللهم الا ان يقال: لا يلزم ذلك، كما قال بعض فى باب البيع- و سيأتى تفصيل الكلام فيه ان شاء الله تعالى- (فهو بوصف كونه مستحبا على المكلف لا يجوز اخذ الاجرة عليه).

فان الاجرة و القربة متنافيتان، فلا يصح اخذ الاجرة لاعادة صلاته التى صلاها فرادى، جماعة ليصلى المستأجر اقتداء به (لان الموجود من هذا الفعل) المستحب (فى الخارج لا يتصف بالاستحباب، الا مع الاخلاص الّذي ينافيه) اى ينافى الاخلاص (اتيان الفعل) المستحب (ل) اجل

ص: 110

استحقاق المستأجر اياه- كما تقدم فى الواجب-.

و حينئذ فان كان حصول النفع المذكور منه متوقفا على نية القربة لم يجز اخذ الاجرة عليه.

كما اذا استأجر من يعيد صلاته ندبا ليقتدى به، لان المفروض بعد الاجارة عدم تحقق الاخلاص، و المفروض مع عدم تحقق الاخلاص عدم حصول نفع منه عائد الى المستأجر.

و ما يخرج بالاجارة عن قابلية انتفاع المستأجر به، لم يجز الاستيجار عليه.

______________________________

(استحقاق المستأجر اياه- كما تقدم فى الواجب) العبادى-: التنافى بين الاخلاص و الاجرة.

(و حينئذ) اى حين كانت الاجرة و القربة متنافيتان (فان كان حصول النفع المذكور منه) اى من هذا العمل المستحب (متوقفا على نية القربة) كما تقدم فى الصلاة المعادة (لم يجز اخذ الاجرة عليه).

(كما اذا استأجر من يعيد صلاته ندبا ليقتدى) الباذل (به، لان المفروض بعد الاجارة عدم تحقق الاخلاص) فانه يعيد الصلاة للاجرة لا للقربة (و المفروض مع عدم تحقق الاخلاص عدم حصول نفع منه) اى من العمل (عائد الى المستأجر) لان الصلاة حينئذ باطلة، فلا يتمكن الباذل من الاقتداء حتى يعود إليه نفع درك الجماعة.

(و ما يخرج بالاجارة عن قابلية انتفاع المستأجر به) اى بذلك الشي ء (لم يجز) اى لم يصح (الاستيجار عليه).

ص: 111

و من هذا القبيل الاستيجار على العبادة لله اصالة لا نيابة و اهداء ثوابها الى المستأجر، فان ثبوت الثواب للعامل موقوف على قصد الاخلاص المنفى مع الاجارة.

و ان كان حصول النفع غير متوقف على الاخلاص جاز الاستيجار عليه كبناء المساجد، و اعانة المحاويج.

فان من بنى لغيره مسجد اعاد الى الغير نفع بناء المسجد، و هو ثوابه، و ان لم يقصد البناء من عمله الا اخذ الاجرة.

______________________________

اذ الاستيجار للنفع، فما لا نفع فيه- سواء كان عدم النفع بالاصل، او بسبب الاجارة- لا يصح الاستيجار بالنسبة إليه.

(و من هذا القبيل) الّذي يوجب الاستيجار عدم نفع فيه (الاستيجار على العبادة لله اصالة) لاخذ المال (لا نيابة) عن الميت و ما اشبه (و اهداء ثوابها الى المستأجر) كان يستأجره ليصلى ركعتين و يهدى ثوابهما الى الباذل (فان ثبوت الثواب للعامل موقوف على قصد الاخلاص) فى عبادته (المنفى) ذلك القصد (مع الاجارة).

(و ان كان حصول النفع غير متوقف على الاخلاص جاز الاستيجار عليه) لانطباق قواعد الاجارة عليه (كبناء المساجد، و اعانة المحاويج) فانهما و ان صحا عبادة، كذلك يقعان من غير قصد الاخلاص.

(فان من بنى لغيره مسجد اعاد الى الغير) الباذل للمال (نفع بناء المسجد، و هو ثوابه، و ان لم يقصد البناء من عمله الا اخذ الاجرة) فان قصد السبب كاف فى الثواب.

ص: 112

و كذا من استأجر غيره لاعانة المحاويج و المشى فى حوائجهم، فان الماشى لا يقصد الا الاجرة، الا ان نفع المشى عائد الى المستأجر.

و من هذا القبيل استيجار الشخص للنيابة عنه فى العبادات التى تقبل النيابة كالحج و الزيارة و نحوهما فان نيابة الشخص عن غيره فيما ذكر و ان كان مستحبا، الا ان ترتب الثواب للمنوب عنه و حصول هذا النفع له لا يتوقف على قصد النائب الاخلاص

______________________________

(و كذا من استأجر غيره لاعانة المحاويج) كاسعاف المرضى، و قضاء الحوائج، و ما اشبه (و المشى فى حوائجهم، فان الماشى لا يقصد الا الاجرة الا ان نفع المشى عائد الى المستأجر) فان قصده شرعا معتبر فى الثواب عليه لصحة اسناد الفعل إليه، و ان صح اسناد الفعل الى المباشر باعتبار المباشرة أيضا.

(و من هذا القبيل) الّذي تصح فيه الاجارة و ان لم يقصد الاجير الاخلاص (استيجار الشخص للنيابة عنه فى العبادات التى تقبل النيابة كالحج و الزيارة و نحوهما) ميتا كان المنوب عنه أم حيا، فان هناك امرين.

الاول: تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه، و هذا ان قصد به القربة دون الاجرة اثيب عليه، و ان قصد الاجرة لم يثب عليه.

الثانى: الاتيان بعمل المنوب عنه قربة الى الله تعالى (فان نيابة الشخص عن غيره فيما ذكر) من الحج و الزيارة (و ان كان مستحبا) لما ورد من الادلة على ذلك (الا ان ترتب الثواب للمنوب عنه، و حصول هذا النفع) اى الثواب (له) اى للمنوب عنه (لا يتوقف على قصد النائب الاخلاص

ص: 113

فى نيابته، بل متى جعل نفسه بمنزلة الغير، و عمل العمل بقصد التقرب الّذي هو تقرب المنوب عنه بعد فرض النيابة انتفع المنوب عنه، سواء فعل النائب هذه النيابة بقصد الاخلاص فى امتثال او امر النيابة عن المؤمن أم لم يلتفت إليها اصلا، و لم يعلم بوجودها فضلا عن ان يقصد امتثالها.

الا ترى: ان اكثر العوام الذين يعملون الخيرات لامواتهم، لا يعلمون ثبوت الثواب لانفسهم فى هذه النيابة، بل يتخيل النيابة مجرد احسان الى الميت لا يعود نفع منه الى نفسه.

و التقرب الّذي يقصده النائب بعد جعل نفسه نائبا، هو تقرب المنوب

______________________________

فى نيابته) و فى تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه (بل متى جعل نفسه بمنزلة الغير، و عمل العمل بقصد التقرب الّذي هو تقرب المنوب عنه بعد فرض النيابة انتفع المنوب عنه، سواء فعل النائب هذه النيابة) اى نزل نفسه منزلة المنوب (بقصد الاخلاص فى امتثال او امر النيابة عن المؤمن، أم لم يلتفت إليها) اى الى تلك الاوامر (اصلا، و لم يعلم بوجودها) اى بوجود أوامر استحبابية للنيابة عن المؤمن (فضلا عن ان يقصد امتثالها) اذا لقصد فرع العلم.

(الا ترى: ان اكثر العوام الذين يعملون الخيرات لامواتهم، لا يعلمون ثبوت الثواب لانفسهم فى هذه النيابة، بل يتخيل) ذلك العامى ان (النيابة مجرد احسان الى الميت لا يعود نفع منه الى نفسه).

(و) ان قلت: فكيف يقصد القربة.

قلت: (التقرب الّذي يقصده النائب بعد جعل نفسه نائبا، هو تقرب المنوب

ص: 114

عنه لا تقرب النائب، فيجوز ان ينوب لاجل مجرد استحقاق الاجرة عن فلان بان ينزل نفسه منزلته فى اتيان الفعل قربة الى الله.

ثم اذا عرض هذه النيابة الوجوب بسبب الاجارة، فالاجير غير متقرب فى نيابته، لان الفرض عدم علمه- احيانا- بكون النيابة راجحة شرعا يحصل بها التقرب، لكنه متقرب بعد جعل نفسه نائبا عن غيره، فهو متقرب بوصف كونه بدلا و نائبا عن الغير، فالتقرب يحصل للغير.

______________________________

عنه لا تقرب النائب) فكانه قال: انوب عن زيد لاجل الاجرة حتى آتى بالحج قربة الى الله تعالى (فيجوز ان ينوب لاجل مجرد استحقاق الاجرة عن فلان، بان ينزل نفسه منزلته فى اتيان الفعل) اتيانا (قربة الى الله) تعالى.

(ثم اذا عرض) على (هذه النيابة الوجوب بسبب الاجارة، فالاجير غير متقرب فى نيابته) فانه اتاها بقصد الاجرة (لان الفرض عدم علمه) اى الاجير (- احيانا- بكون النيابة راجحة شرعا يحصل بها التقرب).

و قد تقدم ان من لا يعلم شيئا كيف يمكنه القصد؟ (لكنه متقرب) بنفس العمل (بعد جعل نفسه نائبا عن غيره، فهو) ليس بمتقرب فى النيابة، و التنزيل، و انما (متقرب بوصف كونه بدلا و نائبا عن الغير، فالتقرب يحصل للغير).

و حصول التقرب للغير- اذا كان هو السبب- واضح، لاستناد الفعل إليه.

فلو اعطى زيد عمروا دينارا ليزور عنه، كان زيد- بسبب كونه باعثا لزيارة عمرو- متقربا.

و اما اذا لم يكن سببا، كما اذا ناب زيد عن عمرو الميت فى الزيارة،

ص: 115

فان قلت الموجود فى الخارج من الاجير ليس الا الصلاة عن الميت مثلا، و هذا متعلق الاجارة و النيابة فان لم يمكن الاخلاص فى متعلق الاجارة لم يترتب على تلك الصلاة نفع للميت، و ان امكن الاخلاص لم يناف لاخذ الاجرة- كما ادعيت-.

و

______________________________

فحصول التقرب لعمرو تفضل منه سبحانه، دل عليه الدليل.

فلا يقال: كيف يحصل القرب بما ليس الانسان سببه.

الم يقل سبحانه: كُلُّ امْرِئٍ بِمٰا كَسَبَ رَهِينٌ، و لم يقل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ.

لانه يقال الآيات لم تدل على ترك التفضل، و انما دلت على ان ثواب العمل صالحه و طالحه يصل الى الانسان، و اثبات الشي ء لا ينفى ما عداه.

نعم فى جانب العقاب لا يمكن، لانه خلاف العدل، فلو سبب زيد عصيان عمرو صح عقاب زيد، اما لو عصى عمرو بنية زيد بدون تسبيب زيد، لم يصح عقاب زيد لانه: لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ*.

(فان قلت الموجود فى الخارج من الاجير) كما هو المشاهد (ليس الا الصلاة عن الميت مثلا، و هذا) العمل اى الصلاة- فى المثال- (متعلق الاجارة و النيابة) لان المستأجر آجره ليصلى (فان لم يمكن الاخلاص فى متعلق الاجارة لم يترتب على تلك الصلاة نفع للميت، و ان امكن الاخلاص) فى متعلق الاجارة (لم يناف) الاخلاص (لاخذ الاجرة- كما ادعيت-).

(و) ان قلت: ان النيابة و الصلاة شيئان، فالاول لا قربة فيه، و الثانى فيه القربة.

ص: 116

ليست النيابة عن الميت فى الصلاة المتقرب بها الى الله تعالى شيئا، و نفس الصلاة شيئا آخر، حتى يكون الاول متعلق للاجارة و الثانى موردا للاخلاص.

قلت: القربة المانع اعتبارها من تعلق الاجارة، هى المعتبرة فى نفس متعلق الاجارة، و ان اتحد خارجا، مع ما لا يعتبر فيه القربة مما لا يكون متعلقا للاجارة.

______________________________

قلت: (ليست النيابة عن الميت فى الصلاة المتقرب بها الى الله تعالى شيئا، و نفس الصلاة شيئا آخر، حتى يكون الاول متعلقا للاجارة) بدون ضرر عدم قصد القربة فيه (و الثانى موردا للإخلاص) بدون دخل الاجارة فيه.

(قلت) بل هما شيئان حقيقة و شرعا و لذا يتصف كل منهما بوصف مخالف للآخر.

مثلا لو تبرع زيد بالنيابة عن صلاة الميت الواجبة، كانت النيابة مستحبة و الصلاة واجبة، و لو آجر زيد نفسه للنيابة عن زيد فى زيارة الحسين عليه السلام، كانت النيابة واجبة لكونها متعلقة الاجارة، و كانت الصلاة مستحبة و ذلك يتضح ببيان مقدمة.

و هى ان (القربة المانع اعتبارها) شرعا (من تعلق الاجارة، هى المعتبرة فى نفس متعلق الاجارة) كالصلاة فى المثال (و ان اتحد) متعلق الاجارة (خارجا) و فى مقام الاداء (مع ما لا يعتبر فيه القربة مما لا يكون متعلقا للاجارة) فالقربة المانعة عن صحة الاجارة اعم من ان يكون معتبرا فى نفس مورد الاجارة، كان يستأجر للصلاة لنفسه- مثلا-.

ص: 117

فالصلاة الموجودة فى الخارج على جهة النيابة فعل للنائب من حيث انها نيابة عن الغير، و بهذا الاعتبار ينقسم فى حقه الى المباح و الراجح و المرجوح.

و فعل للمنوب عنه- بعد نيابة النائب- يعنى تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه فى هذه الافعال.

______________________________

او يكون معتبرا فيما يتحد مع متعلق الاجارة، كان استأجره لتعليم الفاتحة، فعلمه اياها بقراءة الفاتحة فى ضمن الصلاة الواجبة، فان مورد الاجارة ليس نفس الصلاة بل هو التعليم، و لكن جعله فى الخارج متحدا مع الصلاة التى يعتبر فيها القربة فلا يتحقق مورد الاجارة بهذا الفرد بل ان تمكن بعد ذلك من التعليم بفرد آخر وجب، و الا امتنع العمل بمقتضى الاجارة، و لم يستحق بذلك الاجرة- هذا ما افاده المجاهد الشيرازى، فى شرح العبادة-.

(فالصلاة الموجودة فى الخارج على جهة النيابة) أولا (فعل للنائب من حيث انها نيابة عن الغير، و بهذا الاعتبار) اى باعتبار كونه فعلا للنائب (ينقسم فى حقه) اى فى حق النائب (الى المباح).

كما اذا لم يقصد امرا راجحا، ككونه محبوبا لله تعالى، و لا مرجوحا، ككونه قاصدا للرياء فى النيابة، فان هذا الريا، مرجوح و ليس بحرام (و الراجح و المرجوح).

(و) ثانيا (فعل للمنوب عنه- بعد نيابة النائب- يعنى تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه فى هذه الافعال).

ص: 118

و بهذا الاعتبار يترتب عليه الآثار الدنيوية و الاخروية لفعل المنوب عنه الّذي لم يشترط فيه المباشرة.

و الاجارة يتعلق به بالاعتبار الاول.

و التقرب بالاعتبار الثانى.

فالموجود فى ضمن الصلاة الخارجية فعلان

______________________________

منتهى الامر كونه فعل المنوب عنه، بالتسبيب لا بالمباشرة.

و لذا يصح الاستناد الى المنوب عنه فيقال: ان فلانا- الباذل- بنى المسجد، و فلانا- الآمر- قتل زيدا، فى حين انه لم يكن منه الا البذل او الامر.

(و بهذا الاعتبار) اى باعتبار كونه فعلا للمنوب عنه (يترتب عليه الآثار الدنيوية و الاخروية) من الثواب و اسقاط التكليف فى مثل النيابة فى الحج، اذا لم يتمكن المنوب عنه من المباشرة (لفعل المنوب عنه الّذي لم يشترط فيه المباشرة).

اذ لو شرط فيه المباشرة لم يصح من غيره، كالحج للمتمكن بدنا، و الصلاة و الصيام و ما اشبه.

(و الاجارة يتعلق به) اى بالفعل الخارجى (بالاعتبار الاول) اى باعتبار انه فعل للنائب.

(و التقرب) مشروط فى الفعل الخارجى (بالاعتبار الثانى) اى باعتبار انه فعل المنوب عنه.

(فالموجود فى ضمن الصلاة الخارجية فعلان) اى اعتباران، و الا

ص: 119

نيابة صادرة عن الاجير النائب فيقال: ناب عن فلان.

و فعل كانه صادر عن المنوب عنه، فيمكن ان يقال:- على سبيل المجاز- صلى فلان و لا يمكن ان يقال ناب فلان.

فكما جاز اختلاف هذين الفعلين فى الآثار.

فلا ينافى اعتبار القربة فى الثانى جواز الاستيجار على الاول الّذي لا يعتبر فيه القربة.

______________________________

فالوجود الواحد ليس مصداقا لامرين، كما حقق فى محله.

الاول: (نيابة صادرة عن الاجير النائب فيقال: ناب) زيد (عن فلان).

(و) الثانى: (فعل كانه صادر عن المنوب عنه، فيمكن ان يقال:- على سبيل المجاز- صلى فلان) كما يقال: بنى زيد المسجد، و يقال بنى البناء المسجد (و لا يمكن ان يقال ناب فلان) اى المنوب عنه.

(فكما جاز اختلاف هذين الفعلين فى الآثار) بان يقال: ناب، بالنسبة الى النائب و لا يقال ناب، بالنسبة الى المنوب عنه.

و يصح ان يقال: بنى المسجد حقيقة بالنسبة الى البناء، و بنى المسجد مجازا، بالنسبة الى الباذل.

(فلا ينافى اعتبار القربة فى الثانى) اى باعتبار كونه فعل المنوب عنه (جواز الاستيجار) المنافى للقربة (على الاول) اى باعتبار كونه فعل النائب (الّذي لا يعتبر فيه) قصد (القربة) اذ تنزيل الانسان نفسه منزلة انسان آخر لا يحتاج الى قصد القربة.

ص: 120

و قد ظهر مما قررناه وجه ما اشتهر بين المتأخرين فتوى و عملا، من:

جواز الاستيجار على العبادات للميت.

و ان الاستشكال فى ذلك بمنافات ذلك لاعتبار التقرب فيها ممكن الدفع خصوصا بملاحظة ما ورد من الاستيجار للحج.

و دعوى خروجه بالنص فاسدة، لان مرجعها الى عدم اعتبار القربة فى الحج.

______________________________

(و قد ظهر مما قررناه) من عدم التنافى بين الاستيجار، و بين قصد القربة (وجه ما اشتهر بين المتأخرين فتوى و عملا، من: جواز الاستيجار على العبادات للميت) و ان الاجير يأخذ الاجرة لتنزيل نفسه منزلة الميت و اذا اتى بالصلاة قصد القربة، فالقربة فى فعل المنوب عنه، و الاجرة فى فعل نفسه بتنزيل النفس منزلة الميت.

(و) ظهر (ان الاستشكال فى ذلك) الاستيجار عن الميت فى العبادة (بمنافات ذلك) الاستيجار (لاعتبار التقرب فيها) اى فى العبادة (ممكن الدفع) بما تقدم من انه فعلان (خصوصا بملاحظة ما ورد من الاستيجار للحج).

فقد استأجر الامام الصادق عليه السلام رجلا لان يحج عن ولده اسماعيل، الى غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالة على ذلك.

(و دعوى خروجه) اى خروج الاستيجار للحج (بالنص) و الا فالاصل البطلان (فاسدة لان مرجعها) اى مرجع هذه الدعوى (الى عدم اعتبار القربة فى الحج) لانه اذا نافى الاستيجار للقربة و قد ورد الاستيجار،

ص: 121

و اضعف منها دعوى ان الاستيجار على المقدمات كما لا يخفى.

مع ان ظاهر ما ورد فى استيجار مولانا الصادق عليه السلام للحج عن ولده اسماعيل، كون الاجارة على نفس الافعال.

[عدم جواز إتيان ما وجب بالإجارة عن نفسه]

ثم اعلم انه كما لا يستحق الغير بالاجارة ما وجب على المكلف على وجه العبادة.

______________________________

فاللازم ان نقول: بانه لا يشترط القربة، فانه اذا ثبت احد المتنافيين انتفى الآخر.

(و اضعف منها) اى من الدعوى المتقدمة (دعوى ان الاستيجار) للحج الّذي ورد به النص، انما كان (على المقدمات) كالسير الى الميقات و شراء ثوب الاحرام، و ما اشبه (كما لا يخفى).

اذ الصريح من تلك النصوص: كون الاستيجار على نفس الحج.

هذا بالنسبة الى الروايات الدالة على جواز الاستيجار.

(مع ان ظاهر ما ورد فى استيجار مولانا الصادق عليه السلام للحج عن ولده اسماعيل، كون الاجارة على نفس الافعال) دون المقدمات، بل قد اثبت الامام عليه السلام ثوابا كبيرا للنائب حيث قال عليه السلام له ان لك تسع حجج و لولدى اسماعيل حجة واحدة.

(ثم اعلم انه كما لا يستحق الغير بالاجارة ما وجب على المكلف على وجه العبادة) فلا يمكن ان يأتى عمرو عمل زيد العبادى، كصلاة الظهر لان الصلاة خاصة بزيد، و واجبة عليه.

ص: 122

كذلك لا يؤتى على وجه العبادة لنفسه ما استحقه الغير منه بالاجارة

فلو استؤجر لاطافة صبىّ او مغمى عليه، فلا يجوز الاحتساب فى طواف نفسه كما صرح به فى المختلف، بل كذلك لو استوجر لحمل غيره فى الطواف كما صرح به جماعة تبعا للاسكافى لان المستأجر يستحق الحركة المخصوصة عليه.

لكن ظاهر جماعة: جواز الاحتساب فى هذه الصورة، لان استحقاق

______________________________

(كذلك لا يؤتى على وجه العبادة لنفسه ما استحقه الغير منه بالاجارة).

ففى الاول عمرو لا يأتى بعمل غيره.

و فى الثانى عمرو لا يأتى بعمل نفسه.

(فلو استؤجر) بصيغة المجهول، بان استأجر زيد عمروا (لإطافة صبىّ او مغمى عليه، فلا يجوز الاحتساب فى طواف نفسه) بان يحمل عمرو الصبى و يطوف و ينوى انه وفاء للاجارة، و طواف عن نفسه أيضا، (كما صرح به فى المختلف، بل كذلك) لا يصح ان يقصد طواف نفسه (لو استوجر لحمل غيره فى الطواف) بان كان الطواف عمل المحمول لا عمل الحامل- كما فى مثال الصبىّ- (كما صرح به جماعة تبعا للاسكافى).

و انما لا يصح ان يطوف الحامل لنفسه (لان المستأجر) الّذي بذل المال (يستحق الحركة المخصوصة عليه) اى على الاجير.

(لكن ظاهر جماعة: جواز الاحتساب) اى احتساب الاجير طواف نفسه (فى هذه الصورة) اى صورة حمل غيره فى الطواف (لان استحقاق

ص: 123

الحمل غير استحقاق الاطافة به، كما لو استوجر لحمل متاع.

و فى المسألة اقوال، قال فى الشرائع، و لو حمله حامل فى الطواف امكن ان يحتسب كل منهما طوافه عن نفسه، انتهى.

و قال فى المسالك: هذا اذا كان الحامل متبرعا، او حاملا بجعالة او كان مستأجرا للحمل فى طوافه.

اما لو استوجر للحمل مطلقا لم يحتسب للحامل، لان الحركة المخصوصة قد صارت مستحقة عليه لغيره، فلا يجوز صرفها الى نفسه، و فى المسألة

______________________________

الحمل) اى حمل الاجير للمستأجر (غير استحقاق الاطافة به).

و المنافى لطواف نفسه استحقاق الاطافة، لا استحقاق الحمل (كما لو استوجر لحمل متاع) فكما انه لا ينافى حمل المتاع طواف نفس الاجير كذلك الاجارة لحمل انسان، لا ينافى طواف نفس الاجير.

(و فى المسألة اقوال، قال فى الشرائع: و لو حمله حامل فى الطواف امكن ان يحتسب كل منهما) الحامل و المحمول (طوافه عن نفسه، انتهى)

(و قال فى المسالك: هذا اذا كان الحامل متبرعا) لحمله (او حاملا بجعالة) مما ليس الحمل واجبا عليه (او كان مستأجرا) بصيغة المفعول اى كان الحامل مستأجرا (للحمل) فقط (فى طوافه) اى فى طواف نفسه.

(اما لو استوجر للحمل مطلقا) بدون ان يقيد الاجارة بانه يحمله فى طواف نفسه (لم يحتسب) طوافا (للحامل، لان الحركة المخصوصة) حول الكعبة (قد صارت مستحقة عليه) اى على الاجير (لغيره) الّذي هو المحمول (فلا يجوز) اى لا يصح (صرفها) اى الحركة (الى نفسه، و فى المسألة

ص: 124

اقوال، هذا اجودها، انتهى.

و اشار بالاقوال الى القول بجواز الاحتساب مطلقا كما هو ظاهر الشرائع و ظاهر القواعد على اشكال.

و القول الآخر ما فى الدروس، من انه يحتسب لكل من الحامل و المحمول ما لم يستأجره للحمل لا فى طوافه، انتهى.

و الثالث: ما ذكره فى المسالك من التفصيل.

و الرابع: ما ذكره بعض محشى الشرائع، من استثناء صورة الاستيجار على

______________________________

اقوال، هذا اجودها، انتهى) كلام المسالك.

(و اشار بالاقوال الى القول بجواز الاحتساب مطلقا كما هو ظاهر الشرائع و ظاهر القواعد على اشكال) فى اختيار القواعد له.

(و القول الآخر ما فى الدروس، من انه يحتسب لكل من الحامل و المحمول ما لم يستأجر للحمل لا فى طوافه، انتهى) فانه لا يصح من الحامل حينئذ.

و فى بعض النسخ «للحمل لا فى طوافه» اى اذا استأجره لان يحمله فقط بدون ان يطوف بنفسه فى حال حمله فانه لم يصح طواف الحامل حينئذ لانه خلاف مقتضى الاجارة هذا و لم يحضرنى كتاب «الدروس» الّذي نقل منه الماتن حتى ارى ان الصحيح «للحمل فى طوافه» اوانه «للحمل لا فى طوافه» (و الثالث: ما ذكره فى المسالك من التفصيل) المتقدم.

(و الرابع: ما ذكره بعض محشى الشرائع، من استثناء صورة الاستيجار على

ص: 125

الحمل.

و الخامس: الفرق بين الاستيجار للطواف به، و بين الاستيجار لحمله فى الطواف، و هو ما اختاره فى المختلف.

و بنى فخر الدين فى الايضاح جواز الاحتساب فى صورة الاستيجار للحمل- التى استشكل والده ره فيها- على ان ضم نية التبرد الى الوضوء قادح، أم لا.

______________________________

الحمل) من قول الشرائع: بانه يحتسب لهما مطلقا، سواء كان استيجارا او حملا تبرعيا.

(و الخامس: الفرق بين الاستيجار للطواف به، و بين الاستيجار لحمله فى الطواف).

ففى الاول لا يصح طوافه لنفسه.

و فى الثانى يصح طوافه لنفسه (و) هذا القول (هو ما اختاره فى المختلف) كما تقدم.

(و بنى فخر الدين فى الايضاح جواز الاحتساب) اى احتساب الحامل لنفسه (فى صورة الاستيجار للحمل- التى استشكل والده ره فيها على ان ضم نية التبرد الى الوضوء قادح، أم لا).

فان قلنا: بقدح نية المباح فى العبادة لزم القدح هنا، لان الحمل ضميمة مباحة- ذاتا- فيقدح فى نية الحامل الطواف لنفسه.

و ان قلنا بعدم قدحه، كان اللازم عدم القدح هنا.

ص: 126

و المسألة مورد نظر، و ان كان ما تقدم من المسالك لا يخلو عن وجه.

[أخذ الأجرة على الأذان]

ثم انه قد ظهر مما ذكرناه من عدم جواز الاستيجار على المستحب، اذا كان من العبادات انه لا يجوز اخذ الاجرة على اذان المكلف لصلاة نفسه- اذا كان مما يرجع نفع منه الى الغير يصح لاجله الاستيجار- كالاعلام بدخول الوقت، او الاجتزاء به فى الصلاة.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 4، ص: 127

و كذا اذان المكلف للاعلام عند الاكثر كما عن الذكرى، و على الاشبه كما فى الروضة

______________________________

(و المسألة مورد نظر، و ان كان ما تقدم من المسالك لا يخلو عن وجه).

اقول: فى بعض الروايات الدلالة على ان الحمل فى الطواف كاف لهما، و اطلاقه شامل للاجارة و تفصيل الكلام فى محله فى كتاب الحج.

(ثم انه قد ظهر مما ذكرناه من عدم جواز الاستيجار على المستحب، اذا كان من العبادات) تنافى الاجرة و القربة (انه لا يجوز اخذ الاجرة على اذان المكلف لصلاة نفسه- اذا كان مما يرجع نفع منه الى الغير يصح لاجله الاستيجار-).

و هذا الشرط لاجل انه لو لم يكن له نفع يعود الى المستأجر لم تصح الاجارة لما تقدم.

و مثال ما له نفع عائد الى المستأجر (كالاعلام بدخول الوقت) مما يستفيد منه المستأجر (او الاجتزاء به فى الصلاة) فانه يصح الاجتزاء باذان الغير

(و كذا اذان المكلف للاعلام عند الاكثر) فانهم اجازوا اخذ الاجرة له (كما عن الذكرى) نسبته الى الاكثر (و على الاشبه كما فى الروضة) فى الروضة

ص: 127

و هو المشهور كما فى المختلف، و مذهب الاصحاب الا من شدّ، كما عنه و عن جامع المقاصد، و بالاجماع كما عن محكى الخلاف بناء على انها عبادة يعتبر فيها وقوعها لله تعالى، فلا يجوز ان يستحقها الغير.

و فى رواية زيد بن على، عن آبائه، عن على عليه السلام، انه اتاه رجل، فقال له: و الله انى احبك لله فقال له لكنى ابغضك لله، قال: و لم؟

قال: لانك تبغى فى الاذان اجرا، و تأخذ على تعليم القرآن اجرا.

و فى رواية حمران الواردة فى فساد الدنيا و اضمحلال الدين- و فيها

______________________________

«على الاشهر» (و هو المشهور كما فى المختلف، و مذهب الاصحاب الا من شذ، كما عنه) اى عن المختلف.

و كان الشيخ رأى العبارة الاولى فى المختلف، و لم ير العبارة الثانية، و لذا قال فى الاول «فى» و فى الثانى «عنه» (و عن جامع المقاصد و بالاجماع كما عن محكى الخلاف) لشيخ الطائفة (بناء على انها عبادة يعتبر فيها وقوعها لله تعالى).

و قد تقدم ان الاجرة و القربة متنافيتان (فلا يجوز ان يستحقها الغير) بالاجارة و نحوها.

(و فى رواية زيد بن على، عن آبائه عن على عليه السلام، انه اتاه رجل فقال له: و الله انى احبك لله، فقال له) على عليه السلام (لكنى ابغضك لله، قال: و لم؟ قال: لانك تبغى فى الاذان اجرا، و تأخذ على تعليم القرآن اجرا) فتبين منه حرمة اخذ الاجرة، لان الامام لا يبغض مؤمنا لعمل مكروه.

(و فى رواية حمران الواردة فى فساد الدنيا و اضمحلال الدين- و فيها

ص: 128

قوله عليه السلام-: و رأيت الاذان بالاجرة و الصلاة بالاجر.

و يمكن ان يقال: ان مقتضى كونها عبادة، عدم حصول الثواب اذا لم يتقرب بها، لا فساد الاجارة، مع فرض كون العمل مما ينتفع به و ان لم يتقرب به.

نعم لو قلنا: بان الاعلام بدخول الوقت المستحب كفاية لا يتأتى بالاذان الّذي لا يتقرب به، صح ما ذكر، لكن ليس كذلك.

و اما الرواية فضعيفة.

______________________________

قوله عليه السلام-: و رأيت الاذان بالاجرة و الصلاة بالاجر).

لعله اشارة الى بعض شباب المسلمين الذين يأخذون الاجرة من آبائهم للقيام بصلاتهم الواجبة.

(و يمكن ان يقال: ان مقتضى كونها عبادة، عدم حصول الثواب اذا لم يتقرب بها، لافساد الاجارة، مع فرض كون العمل مما ينتفع به) المستأجر (و ان لم يتقرب به) كما لو اراد الاعلام ليأذن له سيده فى الانصراف مثلا-.

(نعم لو قلنا: بان الاعلام بدخول الوقت المستحب كفاية) ذلك الاعلام (لا يتأتى بالاذان الّذي لا يتقرب به، صح ما ذكر) من فساد الاجارة لان قصد المستأجر هو الاعلام، و لم يحصل (لكن ليس كذلك) اذا الاعلام لا علاقة له بالتقرب.

(و اما الرواية فضعيفة) سند او دلالة، لان المبغوضية يمكن ان تكون لاجل ترك الوظيفة الدينية و لا دليل على ان كل ما كان يبغضه الامام كان

ص: 129

و من هنا استوجه الحكم بالكراهة فى الذكرى، و المدارك، و مجمع البرهان، و البحار، بعد ان حكى عن علم الهدى ره.

و لو اتضحت دلالة الروايات امكن جبر سند الاولى بالشهرة، مع ان رواية حمران حسنة على الظاهر بابن هاشم.

[أخذ الأجرة على الإمامة]

و من هنا يظهر وجه ما ذكروه فى هذا المقام من حرمة اخذ الاجرة على الامامة

______________________________

حراما.

و قد تقدم معنى انه عليه السلام ما كان يكره الحلال فراجع.

(و من هنا) الضعف سندا و دلالة (استوجه الحكم بالكراهة) لاخذ الاجرة على الاذان (فى الذكرى، و المدارك، و مجمع البحرين، و البحار بعد ان حكى عن علم الهدى) السيد المرتضى (ره) القول بالكراهة.

(و لو اتضحت دلالة الروايات) بان كانت دالة على الحرمة عرفا (امكن جبر سند الاولى بالشهرة، مع ان رواية حمران حسنة على الظاهر بابن هاشم) بل قد حقق جملة من المحققين وثاقة ابن هاشم.

و يدل عليه أيضا فى الجملة خبر السكونى قال النبي صلى الله عليه و آله لعلى عليه السلام: و لا تتخذن مؤذنا يأخذ على اذانه اجرا.

(و من هنا) حيث ظهر وثاقة رواية حمران (يظهر وجه ما ذكروه فى هذا المقام من حرمة اخذ الاجرة على الامامة).

لان رواية حمران مشتملة عليه، مضافا الى ما تقدم من المنافات بين القربة و الاجرة.

اللهم الا ان يقال: انه لا علاقة للخبر بالامامة، بل الخبر فيمن يأخذ

ص: 130

مضافا الى موافقتها للقاعدة المتقدمة، من ان ما كان انتفاع الغير به موقوفا على تحققه على وجه الاخلاص، فلا يجوز الاستيجار عليه.

لان شرط العمل المستأجر عليه قابلية ايقاعه لاجل استحقاق المستأجر له حتى يكون وفاء بالعقد و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك.

[ثم إن من الواجبات التى يحرم أخذ الأجرة عليها عند المشهور تحمل الشهادة]

ثم ان من الواجبات التى يحرم اخذ الاجرة عليها عند المشهور تحمل الشهادة- بناء على

______________________________

على اصل الصلاة الاجر.

و يدل على الحكم أيضا صحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:

لا تصل خلف من يبغى على الاذان و الصلاة بالناس اجرا، و لا تقبل شهادته خصوصا بملاحظة عدم قبول شهادته.

(مضافا الى موافقتها للقاعدة المتقدمة، من ان ما كان انتفاع الغير به موقوفا على تحققه على وجه الاخلاص، فلا يجوز الاستيجار عليه) لمنافاة الاجرة و القربة.

(لان شرط العمل المستأجر عليه قابلية ايقاعه لاجل استحقاق المستأجر له) اى لذلك العمل (حتى يكون) الاتيان به (وفاء بالعقد) الايجارى (و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك) اى لاتيانه لاجل استحقاق المستأجر، اذ بمجرد قصد الاجرة لا تكون عبادة.

(ثم ان من الواجبات التى يحرم اخذ الاجرة عليها عند المشهور تحمل الشهادة) فى الامور المحتاجة الى الشهادة (- بناء على

ص: 131

وجوبه- كما هو احد الاقوال فى المسألة لقوله تعالى: وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا، المفسر فى الصحيح بالدعاء للتحمل.

و كذلك اداء الشهادة لوجوبه عينا، او كفاية.

و هو مع الوجوب العينى واضح.

و اما مع الوجوب الكفائى، فلان المستفاد من ادلة الشهادة كون

______________________________

وجوبه-) اى وجوب التحمل (كما هو احد الاقوال فى المسألة).

و انما قالوا بالوجوب (لقوله تعالى: وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا) و هذه الآية محتملة لكل من التحمل و الاداء، و للاعم منهما، بل لا يبعد ظهورها فى الاداء، لان التسمية بالشهداء قبل التحمل مجاز بالمشارفة.

و لذا قال المصنف: (المفسر فى الصحيح بالدعاء للتحمل) فاذا كان عدم الحضور حراما، كان الحضور واجبا، فيحرم اخذ الاجرة، لمنافات الاجرة لكونه مجعولا على الشاهد قهرا و جبرا عليه.

(و كذلك) يحرم اخذ الاجرة فى (اداء الشهادة لوجوبه عينا) اذا كان الشاهد منحصرا فى العدد المعتبر (او كفاية) اذا كانت الشهود اكثر من القدر اللازم.

(و هو) اى تحريم اخذ الاجرة (مع الوجوب العينى، واضح) لانه اذا كان واجبا لزم ان يأتى الشاهد بها، فكيف يمكن ان يأخذ الاجرة على ما يلزم ان يأتى به.

(و اما مع الوجوب الكفائى، فلان المستفاد من ادلة الشهادة كون

ص: 132

التحمل و الاداء حقا للمشهود له على الشاهد، فالموجود فى الخارج، من الشاهد حق للمشهود له لا يقابل بعوض للزوم مقابلة حق الشخص بشي ء من ماله، فيرجع الى اكل المال للباطل.

و منه يظهر انه كما لا يجوز اخذ الاجرة من المشهود له، كذلك لا يجوز من بعض من وجبت عليه كفاية، اذا استأجره لفائدة اسقاطها عن نفسه

______________________________

التحمل) للشهادة (و الاداء حقا للمشهود له على الشاهد) سواء كان الشاهد منحصرا، او غير منحصر (فالموجود) اى الّذي يوجد (فى الخارج من الشاهد حق للمشهود له لا يقابل بعوض).

لانه لو اعطى صاحب الحق المال، كان إعطاء للمال فى مقابل حق نفسه، من قبيل ان يعطى زيد درهما فى مقابل ملكيته لدار نفسه.

و إليه اشار بقوله: (للزوم مقابلة حق الشخص بشي ء من ماله فيرجع) اخذ الشاهد للمال (الى اكل المال للباطل) لانه لم يدفع شيئا لنفسه، فكيف يأخذ مالا.

(و منه) اى من هذا الدليل الّذي ذكرنا انه لا يجوز اخذ شي ء فى مقابل اداء الشهادة (يظهر انه كما لا يجوز اخذ الاجرة من المشهود له كذلك لا يجوز) اخذ الاجرة (من بعض من وجبت عليه كفاية اذا استأجره لفائدة اسقاطها) اى الشهادة (عن نفسه).

مثلا: سمع زيد و عمرو بالعقد، فلما اراد صاحب العقد ان يحضر زيدا للشهادة، اعطى زيد لعمرو دينارا ليشهد، حتى تسقط الشهادة عن زيد.

ص: 133

ثم انه لا فرق فى حرمة الاجرة بين توقف التحمل او الاداء على قطع مسافة طويلة، و عدمه.

نعم لو احتاج الى بذل مال، فالظاهر عدم وجوبه.

و لو امكن احضار الواقعة عند من يراد تحمله للشهادة، فله ان يمتنع من الحضور و يطلب الاحضار.

______________________________

(ثم انه لا فرق فى حرمة الاجرة بين توقف التحمل او الاداء على قطع مسافة طويلة، و عدمه) لان المسافة اذا كانت مقدمة للواجب، وجبت الا اذا كان هناك ضرر على الشاهد فى قطع المسافة او كان للشهادة واجب مزاحم، فانه لا يلزم حينئذ.

(نعم لو احتاج) قطع المسافة (الى بذل مال، فالظاهر عدم وجوبه) لادلة لا ضرر.

و احتمال وجوب البذل من جهة انه مقدمة للواجب ليس فى محله لان الظاهر من الادلة وجوب الفعل لا وجوب غيره، كادلة تجهيز الميت و لذا قالوا بعدم وجوب التبرع بالكفن.

(و لو امكن احضار الواقعة عند من يراد تحمله للشهادة، فله ان يمتنع من الحضور) بالذهاب الى محل الواقعة، و يقول لهم احضروا الواقعة عندى حتى اشهد (و يطلب الاحضار) و له حينئذ ان يأخذ الاجرة لاجل الحضور كما تقدم فى مسألة الدفن ان اراد الولى حفر القبر فى مكان خاص.

ص: 134

[حكم الارتزاق من بيت المال]

بقى الكلام فى شي ء، و هو: ان كثيرا من الاصحاب صرحوا فى كثير من الواجبات و المستحبات التى يحرم اخذ الاجرة عليها بجواز ارتزاق مؤديها من بيت المال المعد لمصالح المسلمين و ليس المراد اخذ الاجرة او الجعل من بيت المال لان ما دل على تحريم العوض لا فرق فيه بين كونه من بيت المال او من غيره بل حيث استفدنا من دليل الوجوب كونه حقا للغير يجب ادائه إليه عينا او كفاية فيكون اكل المال بإزائه اكلا له بالباطل، كان اعطائه العوض من بيت

______________________________

(بقى الكلام فى شي ء، و هو: ان كثيرا من الاصحاب صرحوا فى كثير من الواجبات و المستحبات التى يحرم اخذ الاجرة عليها) كالقضاء و الاذان و ما اشبه (بجواز ارتزاق مؤديها) اى الّذي يؤدى تلك التكاليف (من بيت المال المعد لمصالح المسلمين).

(و ليس المراد) من الارتزاق (اخذ الاجرة او الجعل من بيت المال، لان ما دل على تحريم العوض، لا فرق فيه بين كونه من بيت المال او من غيره).

للمنافات بين الاجرة و بين القربة، او بين كون الشي ء حقا لاحد، و بين القربة فكيف يؤخذ فى مقابله الاجرة.

فانه لا فرق فى هذه الادلة بين كون الاجرة من بيت المال او من غيره.

(بل حيث استفدنا من دليل الوجوب كونه حقا للغير) بحيث (يجب ادائه إليه عينا او كفاية) ان كان غيره فكفاية، و إلا فعينا (فيكون اكل المال بإزائه اكلا له بالباطل، كان اعطائه العوض من بيت

ص: 135

المال اولى بالحرمة، لانه تضييع له و اعطاء مال المسلمين بإزاء ما يستحقه المسلمون، على العامل.

بل المراد انه اذا قام المكلف بما يجب عليه- كفاية او عينا- مما يرجع الى مصالح المسلمين و حقوقهم كالقضاء و الافتاء و الاذان و الاقامة و نحوها، و رأى ولى المسلمين المصلحة فى تعيين شي ء من بيت المال له فى اليوم و الشهر او السنة، من جهة قيامه بذلك الامر لكونه فقيرا يمنعه القيام بالواجب المذكور عن تحصيل ضرورياته، فيعين له ما يرفع حاجته و ان كان ازيد

______________________________

المال اولى بالحرمة لانه) اى الاعطاء (تضييع له) اى لمال المسلمين (و اعطاء مال المسلمين بإزاء ما يستحقه المسلمون، على العامل) فان المسلمين يستحقون القضاء مثلا مجانا، فكيف يعطى القاضى، العوض من بيت مالهم المعد لمصالحهم.

و قوله: اعطاء عطف على «تضييع».

(بل المراد) من الارتزاق (انه اذ اقام المكلف بما يجب عليه- كفاية او عينا- مما يرجع الى مصالح المسلمين و حقوقهم) «مما» بيان «ما يجب» (كالقضاء و الافتاء و الاذان و الاقامة و نحوها، و رأى ولى المسلمين) الّذي بيده بيت المال (المصلحة فى تعيين شي ء من بيت المال له فى اليوم او الشهر او السنة، من جهة قيامه بذلك الامر) «من جهة» علة «رأى المصلحة» (لكونه فقيرا يمنعه القيام بالواجب المذكور) او المستحب المذكور (عن تحصيل ضرورياته، فيعين) الحاكم الشرعى (له ما يرفع حاجته و ان كان ازيد

ص: 136

من اجرة المثل، او اقل منها.

و لا فرق بين ان يكون تعيين الرزق له بعد القيام، او قبله حتى انه لو قيل له: اقض فى البلد و انا اكفيك مئونتك من بيت المال جاز، و لم يكن جعالة.

و كيف كان فمقتضى القاعدة عدم جواز الارتزاق الا مع الحاجة على وجه يمنعه القيام بتلك المصلحة عن اكتساب المئونة.

فالارتزاق مع الاستغناء و لو بكسب لا يمنعه القيام بتلك المصلحة غير جائز.

______________________________

من اجرة المثل، او اقل منها) لان المناط المصلحة، لا الاجرة.

(و لا فرق بين ان يكون تعيين الرزق له بعد القيام) بتلك الواجبات و المستحبات (او قبله حتى انه) بهذه الصورة (لو قيل له: اقض فى البلد و انا اكفيك مئونتك من بيت المال) مما صورته كالاجارة او الجعالة (جاز، و لم يكن جعالة) هذا خبر قوله «انه اذا قام» و قوله «حتى انه» وصلية.

و الحاصل: ان عنوان الارتزاق غير عنوان الاجارة، و الجعالة، و ان افاد فائدتهما، كما لا يخفى.

(و كيف كان فمقتضى القاعدة) لدى الشيخ المصنف رحمه الله (عدم جواز الارتزاق الا مع الحاجة على وجه يمنعه القيام بتلك المصلحة) الواجبة او المستحبة (عن اكتساب المئونة).

(فالارتزاق مع الاستغناء و لو بكسب لا يمنعه القيام بتلك المصلحة غير جائز) اذ الامر واجب، و بيت المال للمصالح، و لا مصلحة فى الدفع منه الى الاغنياء.

ص: 137

و يظهر من اطلاق جماعة فى باب القضاء خلاف ذلك.

بل صرح غير واحد بالجواز، مع وجدان الكفاية.

[خاتمة تشتمل على مسائل]

اشارة

خاتمة تشتمل على مسائل:

[المسألة الأولى: في حرمة بيع المصحف]

اشارة

الاولى: صرح جماعة- كما عن النهاية و السرائر و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد- بحرمة بيع المصحف و المراد به- كما صرح به فى الدروس- خطه.

و ظاهر المحكى عن نهاية الاحكام: اشتهارها بين الصحابة، حيث

______________________________

(و يظهر من اطلاق جماعة) جواز ارتزاق القاضى (فى باب القضاء خلاف ذلك) و انه يجوز ارتزاق القاضى حتى مع غناه.

(بل صرح غير واحد بالجواز، مع وجدان الكفاية) اى الكفاية المالية للقاضى، و هذا هو الاظهر، لان بيت المال لا يخص الفقراء، بل لمصالح المسلمين، فاذا رأى الامام الصلاح فى اعطائه جاز، بدون اشتراط ان يكون فقيرا، بل يدل على ذلك اطلاق الروايات، خصوصا عهد الامام الى مالك الاشتر رحمه الله.

(خاتمة تشتمل على مسائل).

(الاولى: صرح جماعة- كما عن النهاية و السرائر و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد- بحرمة بيع المصحف) بتثليث الميم: القرآن الحكيم (و المراد به-) اى بالمصحف المحرم بيعه (كما صرح به فى الدروس-: خطه) فى مقابل الجلد و ما اشبه.

(و ظاهر المحكى عن نهاية الاحكام: اشتهارها بين الصحابة، حيث

ص: 138

تمسك على الحرمة بمنع الصحابة.

و عليه تدل ظواهر الاخبار المستفيضة.

ففى موثق سماعة: لا تبيعوا المصاحف، فان بيعها حرام، قلت: فما تقول فى شرائها؟ قال: اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف، و اياك ان تشترى منه الورق، و فيه القرآن مكتوب، فيكون عليك حراما، و على من باعه حراما.

و مضمرة عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال سألته عن بيع المصاحف و شرائها، قال: لا تشتر كلام الله، و لكن اشتر الجلد و الحديد و الدفة، و

______________________________

تمسك) النهاية، دليلا (على الحرمة بمنع الصحابة).

(و عليه) اى على اشتهار الحرمة او على التحريم (تدل ظواهر الاخبار المستفيضة).

(ففى موثق سماعة: لا تبيعوا المصاحف، فان بيعها حرام، قلت: فما تقول فى شرائها) كأنّ الراوي احتمل عدم التلازم بين حرمة البيع و حرمة الشراء (قال: اشتر منه) اى من المصحف او من البائع (الدفتين) الجلدين (و الحديد) الّذي كان يوضع فيه القرآن، كالقالب (و الغلاف) الّذي كان يغلف به الجلد، قبل الحديد (و اياك ان تشترى منه الورق، و فيه القرآن مكتوب، فيكون عليك حراما، و على من باعه حراما) خبر «فيكون» الاشتراء، المقدر.

(و مضمرة عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال سألته عن بيع المصاحف و شرائها، قال: لا تشتر كلام الله، و لكن اشتر الجلد و الحديد و الدفة) كالمقوى الّذي يحيط به الجلد، او المراد بالجلد القالب الّذي يوضع فيه القرآن (و

ص: 139

قل: اشترى منك هذا بكذا و كذا.

و رواه فى الكافى، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن ابى عبد الله عليه السلام.

و رواية جراح المدائنيّ فى بيع المصاحف، قال: لا تبع الكتاب و لا تشتره، و بع الورق و الاديم و الحديد.

و رواية عبد الله بن سيابة، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

ان المصاحف لن تشترى، فاذا اشتريت، فقل: انما اشترى منك الورق و ما فيه من الاديم و حليته، و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا.

و ظاهر قوله" ع": ان المصاحف لن تشترى، انها لا يدخل فى ملك احد

______________________________

قل: اشترى منك هذا بكذا و كذا) مبلغا من المال.

(و رواه فى الكافى، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن ابى عبد الله عليه السلام).

(و رواية جراح المدائنيّ فى بيع المصاحف، قال: لا تبع الكتاب و لا تشتره، و بع الورق و الاديم) اى الجلد (و الحديد).

(و رواية عبد الله بن سيابة، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

ان المصاحف لن تشترى، فاذا اشتريت) اى اردت الاشتراء، فان الفعل قد يستعمل بمعنى الإرادة، كقوله سبحانه: إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ، اى اردتم القيام الى الصلاة (فقل: انما اشترى منك الورق و ما فيه من الاديم و حليته) اى الزينة (و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا) من المال.

(و ظاهر قوله" ع": ان المصاحف لن تشترى، انها لا يدخل فى ملك احد)

ص: 140

على وجه العوضية عما بذله من الثمن، و انها اجل من ذلك.

و يشير إليه تعبير الامام فى بعض الاخبار بكتاب الله و كلام الله الدال على التعظيم.

و كيف كان، فالحكم فى المسألة واضح بعد الاخبار و عمل من عرفت حتى مثل الحلى الّذي لا يعمل باخبار الآحاد.

و ربما يتوهم هنا ما يصرف هذه الاخبار عن ظواهرها مثل رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن بيع المصاحف و شرائها

______________________________

اذ ظاهر الاوامر و النواهى المتعلقة بالمعاملات الوضع، فالمصاحف لا تدخل فى الملك (على وجه العوضية عما بذله من الثمن، و انها اجل من ذلك) اى من الاشتراء.

(و يشير إليه) اى كون المصاحف اجل من الاشتراء (تعبير الامام فى بعض الاخبار بكتاب الله، و كلام الله الدال) من جهة الاضافة التشريفية (على التعظيم) و من المرتكز فى الاذهان ان الشي ء العظيم الشريف ليس سلعة يباع و يشترى.

(و كيف كان، فالحكم فى المسألة واضح) بحرمة بيع المصحف (بعد الاخبار و عمل من عرفت) من الفقهاء (حتى مثل الحلى الّذي لا يعمل باخبار الآحاد) مما يدل على ان الاخبار لديه من المتواتر.

(و ربما يتوهم هنا ما يصرف هذه الاخبار عن ظواهرها مثل رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن بيع المصاحف و شرائها،

ص: 141

قال عليه السلام: انما كان يوضع الورق عند القامة و المنبر، قال: و كان بين الحائط و المنبر قدر ممر شاة او رجل و هو منحرف، فكان الرجل يأتى فيكتب السورة، و يجي ء آخر، فيكتب السورة، كذلك كانوا، ثم انهم اشتروا بعد ذلك.

قلت: فما ترى فى ذلك، قال اشتريه احب إليّ من ان ابيعه.

و مثله رواية روح بن عبد الرحيم، و زاد فيه قلت: فما ترى ان اعطى على كتابته اجرا قال: لا بأس، و لكن هكذا كانوا يصنعون.

______________________________

قال عليه السلام: انما كان يوضع الورق عند القامة) اى حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله، لانه كان قامة (و المنبر) للرسول صلى الله عليه و آله (قال: و كان بين الحائط و المنبر قدر ممر شاة او رجل و هو منحرف) بان يمر الرجل عرضا، لا كمرور الانسان، اذ المكان مكان ضيق (فكان الرجل يأتى فيكتب السورة، و يجي ء آخر، فيكتب السورة) من القرآن الّذي كان موضوعا هناك للاستنساخ (كذلك كانوا) فى نقلهم القرآن (ثم انهم اشتروا بعد ذلك).

(قلت: فما ترى فى ذلك) الاشتراء (قال اشتريه احب إليّ من ان ابيعه) فانه يدل على جواز كل من البيع و الشراء، الا ان فى البيع نوعا من الكراهية.

(و مثله رواية روح بن عبد الرحيم، و زاد فيه قلت: فما ترى ان اعطى على كتابته اجرا قال: لا بأس، و لكن هكذا) استنساخا عن المصحف قرب الحائط و المنبر (كانوا يصنعون) انتهى.

ص: 142

فانها تدل على جواز الشراء من جهة حكايته عن المسلمين بقوله: ثم انهم اشتروا بعد ذلك.

و قوله اشتريه احب الى من ان ابيعه.

و نفى البأس عن الاستيجار لكتابته- كما فى اخبار اخر غيرها- فيجوز تملك الكتابة بالاجرة، فيجوز وقوع جزء من الثمن بإزائها عند بيع المجموع المركب منها، و من القرطاس، و غيرهما.

لكن الانصاف: ان لا دلالة فيها على جواز اشتراء خط المصحف و انما تدل على ان تحصيل المصحف فى

______________________________

(فانها) اى الرواية (تدل على جواز الشراء من) جهات من (جهة حكايته عن المسلمين بقوله) عليه السلام (ثم انهم اشتروا بعد ذلك) فان فعل المسلمين و لو لم يكن حجة فى نفسه، الا ان ذكر الامام له فى مقام الاستفتاء بدون الردع يدل على ذلك.

(و) من جهة (قوله اشتريه احب الى من ان ابيعه).

(و) من جهة (نفى البأس عن الاستيجار لكتابته- كما فى اخبار اخر غيرها-) بل و الخبر السابق أيضا (فيجوز تملك الكتابة بالاجرة) اذ:

اعطاء الاجرة، مثل اعطاء الثمن- عرفا- (فيجوز وقوع جزء من الثمن بإزائها) اى بإزاء الخطوط التى هى القرآن (عند بيع المجموع المركب منها، و من القرطاس، و غيرهما) كالحديد و الجلد.

(لكن الانصاف: ان لا دلالة فيها) اى فى هذه الاخبار (على جواز اشتراء خط المصحف، و انما تدل على ان تحصيل المصحف فى

ص: 143

الصدر الاول كان بمباشرة كتابته ثم قصرت الهمم فلم يباشروها بانفسهم، و حصّلوا المصاحف باموالهم شراء و استيجارا.

و لا دلالة فيه على كيفية الشراء، و ان الشراء و المعاوضة لا بد ان لا يقع الا على ما عدا الخط، من القرطاس، و غيره.

و فى بعض الروايات دلالة على ان الاولى- مع عدم مباشرة الكتابة بنفسه- ان يستكتب بلا شرط، ثم يعطيه ما يرضيه مثل رواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: ان أمّ عبد الله بنت

______________________________

الصدر الاول كان بمباشرة) الناس بانفسهم (كتابته ثم قصرت الهمم فلم يباشروها) اى الكتابة (بانفسهم، و حصلوا المصاحف باموالهم شراء) للمصحف (و استيجارا) لكتابته.

(و لا دلالة فيه على كيفية الشراء، و ان الشراء و المعاوضة لا بد ان لا يقع الا على ما عدا الخط، من القرطاس، و غيره).

اى ليست الرواية فى بيان هذه الجهة، حتى تبين ان الشراء و المعاوضة الخ.

لكن لا يخفى ان قوله عليه السلام: اشتريه احب الى، فيه دلالة على جواز البيع و الشراء.

(و فى بعض الروايات دلالة على ان الاولى- مع عدم مباشرة الكتابة بنفسه- ان يستكتب) اى يطلب من الكاتب الكتابة (بلا شرط) لمقدار الثمن (ثم يعطيه ما يرضيه مثل رواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: ان أمّ عبد الله بنت

ص: 144

الحسن ارادت ان تكتب مصحفا، فاشترت ورقا من عندها و دعت رجلا فكتب لها على غير شرط، فاعطته- حين فرغ- خمسين دينارا و انه لم يبع المصاحف إلا حديثا.

و مما يدل على الجواز رواية عنبسة الوراق، قال: قلت: لابى عبد الله عليه السلام: انى رجل ابيع المصاحف، فان نهيتنى لم ابعها، قال الست تشترى ورقا و تكتب فيه؟ قلت: نعم، و اعالجها، قال: لا بأس بها و هى و ان كانت ظاهرة فى الجواز، الا ان ظهورها من حيث السكوت عن كيفية البيع فى مقام الحاجة الى البيان.

فلا تعارض ما تقدم من الاخبار المتضمنة للبيان.

______________________________

الحسن ارادت ان تكتب مصحفا، فاشترت ورقا من عندها و دعت رجلا فكتب لها على غير شرط، فاعطته- حين فرغ-) الرجل من الكتابة (خمسين دينارا).

ثم قال الصادق عليه السلام: (و انه لم يبع المصاحف الا حديثا).

(و مما يدل على الجواز) أيضا (رواية عنبسة الوراق، قال: قلت:

لابى عبد الله عليه السلام: انى رجل ابيع المصاحف، فان نهيتنى لم ابعها، قال) عليه السلام (الست تشترى ورقا و تكتب فيه؟ قلت: نعم، و اعالجها، قال: لا بأس بها) اى بالمبايعة (و هى و ان كانت ظاهرة فى الجواز، الا ان ظهورها من حيث السكوت عن كيفية البيع فى مقام الحاجة الى البيان) لمصلحة اقتضت ذلك.

(فلا تعارض ما تقدم من الاخبار المتضمنة للبيان) و ان المبيع

ص: 145

و كيف كان: فالاظهر فى الاخبار ما تقدم من الاساطين المتقدم إليهم الاشارة.

[بقى الكلام فى المراد من حرمة البيع و الشراء]

بقى الكلام فى المراد من حرمة البيع و الشراء بعد فرض ان الكاتب للمصحف فى الاوراق المملوكة مالك للاوراق، و ما فيها من النقوش فان النقوش ان لم تعدّ من الاعيان المملوكة عرفا بل من صفات المنقوش الّذي يتفاوت قيمته بوجودها و عدمها

______________________________

الجلد و ما اشبه.

لكن الانصاف: ان الجمع العرفى بين الطائفتين يقتضي كراهة البيع، لان البائع كان يبيع القرآن، و كذا سائر الاخبار الدالة على الجواز.

(و كيف كان: فالاظهر فى الاخبار ما تقدم من الاساطين المتقدم إليهم الاشارة) من الحرمة تكليفا و وضعا.

(بقى الكلام فى المراد من حرمة البيع و الشراء بعد فرض ان الكاتب للمصحف فى الاوراق المملوكة مالك للاوراق، و) ل (ما فيها من النقوش) بناء على ان النقش يدخل تحت الملك.

فلا يقال: ان كلام المصنف هنا، و كلامه «ان لم تعدّ» متهافت، للزوم وجود المقسم فى كل الاقسام، او المراد بقوله «مالك» الاعم من الملك و الاختصاص (فان النقوش ان لم تعدّ من الاعيان المملوكة عرفا بل من صفات المنقوش) الصفات (الّذي يتفاوت قيمته) اى قيمة النقش (بوجودها و عدمها) فان الخطّ شي ء، و النقش شي ء آخر.

ص: 146

فلا حاجة الى النهى عن بيع الخطّ فانه لا يقع بإزائه جزء من الثمن، حتى يقع فى حيّز البيع.

و ان عدّت من الاعيان المملوكة عرفا، فان فرض بقائها على ملك البائع بعد بيع الورق و الجلد فيلزم شركته مع المشترى و هو خلاف الاتفاق و ان انتقلت الى المشترى

______________________________

و لذا يمكن وجود الخط بدون وجود هذا النقش الخاص (فلا حاجة الى النهى عن بيع الخطّ فانه لا يقع بإزائه جزء من الثمن، حتى يقع) ذلك الجزء (فى حيّز البيع).

و الحاصل: ان النقش ان لم يكن ملكا، كان النهى عن بيعه لغوا اذ يكون حينئذ من قبيل: النهى عن بيع الهواء مما ليس بملك.

و على هذا جاز بيع المصحف- مطلقا- اى بدون ان يقيد كون المبيع الاوراق و ما اشبه.

(و ان عدّت) النقوش (من الاعيان المملوكة عرفا، فان فرض بقائها على ملك البائع بعد بيع الورق و الجلد) لان المفروض ان القرآن الّذي هو النقوش لا يصح بيعها (فيلزم شركته مع المشترى) اذ القرآن حينئذ جلد و ورق و نقوش.

و قد انتقل الاول و لم تنتقل النقوش فيشترك البائع مع المشترى فى الامرين، الاول للمشترى و النقوش للبائع (و هو خلاف الاتفاق) بين العلماء، بل خلاف الضرورة.

(و ان) عدت النقوش من الاعيان المملوكة و (انتقلت الى المشترى

ص: 147

فان كان بجزء من العوض.

فهو البيع المنهى عنه، لان بيع المصحف المركب من الخط و غيره ليس الا جعل جزء من الثمن بإزاء الخطّ.

و ان انتقلت إليه قهرا، تبعا لغيره لا لجزء من العوض نظير بعض ما يدخل فى المبيع فهو خلاف مقصود المتبايعين،

______________________________

فان كان) الانتقال (بجزء من العوض) فالدينار مثلا وقع نصفه فى مقابل النقش، و نصفه فى مقابل الجلد و الورق.

(ف) هذا خلاف النصوص، لانه (هو البيع المنهى عنه، لان بيع المصحف المركب من الخط و غيره ليس الا جعل جزء من الثمن بإزاء الخط) فان مقابلة جزء الثمن للخط ليس فى المقام الا على وجه البيع.

(و ان انتقلت إليه) اى انتقلت النقوش المملوكة الى المشترى بدون كونها مقابلة لجزء الثمن، بل (قهرا، تبعا لغيره) من الجلد و الورق (لا) ان الانتقال كان (ل) مقابل (جزء من العوض) انتقالا (نظير بعض ما يدخل فى المبيع) كانتقال مفتاح الدار الى المشترى. مع انه ليس جزءا من الدار، و انتقال الاعواد التى يلقى عليها العنب الى المشترى و الحال انها ليست من اجزاء البستان، و هكذا (فهو خلاف مقصود المتبايعين).

لان المتبايعين يقصد ان أولا و بالذات النقوش، و ثانيا و بالعرض الجلد و الورق، و ليس كذلك مفتاح الدار فان المقصود أولا و بالذات الدار.

ص: 148

مع ان هذا كالتزام كون المبيع هو الورق المقيد بوجود هذه النقوش فيه لا الورق و النقوش فان النقوش غير مملوكة بحكم الشارع مجرد تكليف صورى اذ لا اظن ان يعطل احكام الملك فلا تجرى على الخطّ المذكور

______________________________

ثم اشكل المصنف اشكالا آخر بقوله: (مع ان هذا) اى انتقال النقوش الى المشترى قهرا (كالتزام) اى مثل التزام- الى قوله «مجرد تكليف صورى»- اى كل واحد من انتقال النقوش، و من التزام كون المبيع الاوراق المقيدة بالنقوش، تكليف صورى .. ف «مجرد تكليف صورى» خبر «ان» و «كالتزام» عطف على «هذا».

فان التزام انتقال النقوش، مثل التزام (كون المبيع هو الورق المقيد بوجود هذه النقوش فيه) اى فى الورق (لا) كون المبيع (الورق و النقوش ف) التزام (ان النقوش غير مملوكة بحكم الشارع) و «ان» عطف على «كون» (مجرد تكليف صورى) اى يلزم من هذين الاحتمالين ان الشرع انما حرم البيع صورة، لان نتيجة البيع «بالانتقال القهرى» و «بانتقال الورق المقيد بوجود هذه النقوش» حاصلة فى الاحتمالين.

نعم لا يسمى هذا بيعا صوريا.

و من المعلوم ان الشارع لا يحرم الاشياء صورة، و انما يحرمها حقيقة.

و انما قلنا: ان التكليف بالنهى عن البيع صورى (اذ لا اظن ان يعطل احكام الملك) بالنسبة الى النقوش (فلا تجرى) احكام الملك (على الخطّ المذكور).

مثلا: إذا محاه انسان لم يكن ضامنا، او اذا كان الخطّ معيبا لم يكن

ص: 149

اذا بنينا على انه ملك عرفا قد نهى عن المعاوضة عليه، بل الظاهر: انه اذا لم يقصد بالشراء الا الجلد و الورق، كان الخطّ باقيا على ملك البائع فيكون شريكا بالنسبة فالظاهر: انه لا مناص عن التزام التكليف الصورى.

او يقال ان الخط لا يدخل فى الملك شرعا، و ان دخل فيه عرفا

______________________________

للمشترى خيار الفسخ، و هكذا.

و الحاصل: ان احكام الملك تجرى على الخطّ (اذا بنينا على انه ملك عرفا قد نهى عن المعاوضة عليه) اذ النهى لا يخرج الملك عن كونه ملكا (بل الظاهر: انه اذا لم يقصد) المشترى (بالشراء الا الجلد و الورق، كان الخط باقيا على ملك البائع، فيكون) البائع (شريكا) مع المشترى (بالنسبة).

مثلا: اذا كان مجموع القرآن يسوى عرفا دينارا، و كان ثمن الخطّ الربع، كان للبائع ربع القرآن و هكذا.

و حيث انه لا يمكن الالتزام بالشركة (فالظاهر: انه لا مناص عن التزام التكليف الصورى) فالشارع حرم البيع صورة.

(او يقال ان الخطّ لا يدخل فى الملك شرعا، و ان دخل فيه عرفا).

فتحصل من جميع ما ذكره المصنف ان فى حرمة بيع المصحف اشكالا يلزم الجواب عنه.

و الاشكال هو ان النقوش اما مملوكة أو لا، و على فرض كونها مملوكة.

فاما ان تنتقل النقوش الى المشترى أو لا و على فرض الانتقال.

فاما ان تنتقل إليه فى مقابل جزء من الثمن، او تبعا لغيرها- و فى

ص: 150

فتأمل.

و لاجل ما ذكرنا التجاء بعض الى الحكم بالكراهة و اولوية الاقتصار فى

______________________________

جميع هذه الصور اشكال-.

(1) اذ لو لم تكن النقوش مملوكة لا معنى للنهى عن بيعها، اذ لا يقع بإزائها جزء من الثمن.

(2) و اذا كانت مملوكة، و لا تنتقل الى المشترى، لزم الاشتراك بين البائع و المشترى، و هو خلاف الضرورة و الاجماع.

(3) و ان انتقلت إليه فى مقابل جزء من الثمن، فهو البيع المنهى عنه.

(4) و ان انتقلت إليه تبعا لغيرها، فهو خلاف قصد المتبايعين، لفرض انهما قصد ابيع الورق و الجلد فقط.

و قد اجاب المصنف عن هذا الاشكال بانه لا بدّ من الالتزام باحد الشقين من الشقوق الاربعة، فنلتزم اما بصورية التكليف، اى الانتقال القهرى التبعى، و هو رابع الشقوق.

و اما بان الخط لا يدخل فى الملك شرعا و ان دخل فيه عرفا، فالخط قيد للمبيع لا جزء له (فتأمل) فان كلا من هذين الاحتمالين أيضا محل اشكال- كما عرفت-

(و لاجل ما ذكرنا) من دوران الامر فى النهى عن البيع مدار الاحتمالات الاربعة، و الاشكال فى جميع الاحتمالات المذكورة (التجاء بعض) للفرار من الاشكالات الواردة على حرمة البيع (الى الحكم بالكراهة) و ان بيع المصحف مكروه، و ليس بحرام (و) ذلك بمعنى (اولوية الاقتصار فى

ص: 151

المعاملة على ذكر الجلد و الورق بترك ادخال الخطّ فيه احتراما، و قد تعارف الى الآن تسمية ثمن القرآن هدية.

[بيع المصحف من الكافر و تملك الكفار للمصاحف]

ثم ان المشهور بين العلامة ره و من تأخر عنه: عدم جواز بيع المصحف من الكافر على الوجه الّذي يجوز بيعه من المسلم.

و لعلّه لفحوى ما دل على عدم تملك الكافر للمسلم.

و ان الاسلام يعلو و لا يعلى عليه، فان الشيخ ره قد استدل به على

______________________________

المعاملة على ذكر الجلد و الورق بترك ادخال الخطّ فيه) اى فى التعامل (احتراما) للقرآن الكريم (و قد تعارف) لاجل ذلك الاحترام (الى الآن تسمية ثمن القرآن هدية) لئلا يكون له صورة البيع.

(ثم ان المشهور بين العلامة ره و من تأخر عنه: عدم جواز بيع المصحف من الكافر على الوجه الّذي يجوز بيعه من المسلم).

و انما قال «على الوجه» لئلا يقال: ان المصحف قد تقرر انه لا يجوز بيعه مطلقا حتى للمسلم، فما معنى اختصاص حرمة البيع بالكافر.

و توضيحه ان نقله الى الكافر حرام (و لعله) اى التحريم (لفحوى ما دل على عدم تملك الكافر للمسلم) فان المسلم اذا لم يدخل فى ملك الكافر لشرفه، كان القرآن اكثر شرافة و لذا كان اللازم عدم دخوله فى ملك الكافر.

(و) لفحوى (ان الاسلام يعلو و لا يعلى عليه) او لان كون القرآن للكافر معناه ان الاسلام قد على عليه (فان الشيخ ره قد استدل به) اى بقاعدة: ان الاسلام لا يعلى عليه (على

ص: 152

عدم تملك الكافر للمسلم.

و من المعلوم: ان ملك الكافر للمسلم ان كان علوا على الاسلام فملكه للمصحف اشد علوا عليه.

و لذا لم يوجد هنا قول بتملكه، و اجباره على البيع، كما قيل به فى العبد المسلم.

______________________________

عدم تملك الكافر للمسلم).

(و من المعلوم: ان ملك الكافر للمسلم ان كان علوا على الاسلام فملكه) اى الكافر (للمصحف اشد علوا عليه).

(و لذا) الّذي ذكرنا من الاشدية (لم يوجد هنا) فى المصحف (قول بتملكه) اى الكافر للمصحف (و اجباره على البيع، كما قيل به) اى بالتملك و الاجبار على البيع (فى العبد المسلم).

و قد يستدل لعدم الجواز، بانه هتك للمصحف، و الكافر ينجسه.

و بما رواه فى البحار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: انه نهى ان يسافر بالقرآن الى ارض العدوّ مخافة ان يناله العدوّ، فان العلة عامة.

و قد اورد على الكل بما هو مذكور فى المفصلات.

بل ربما يستدل على الجواز بعد معلومية التساوى بين كل القرآن و بعضه بان النبي صلّى اللّه عليه و آله: كان يكتب بآيات القرآن الى الكفار، كبسم اللّه الرحمن الرحيم، و قل يا اهل الكتاب و ما اشبه.

بالإضافة الى ان نقود بلاد الاسلام كان مكتوبا بأعلاها سورة من القرآن كما فى التواريخ، و لم ينقل انكار الائمة عليهم السلام للتعامل بها مع الكفار.

ص: 153

و حينئذ فلو كفر المسلم انتقل مصحفه الى وارثه، و لو كان الوارث هو الامام، هذا.

و لكن ذكر فى المبسوط فى باب الغنائم ان ما يوجد فى دار الحرب من المصاحف و الكتب التى ليست بكتب الزندقة و الكفر، داخل فى الغنيمة و يجوز بيعها.

و ظاهر ذلك تملك الكفار للمصاحف، و الا لم يكن وجه لدخولها فى الغنيمة، بل كانت من مجهول المالك المسلم و إرادة غير القرآن من المصاحف بعيدة.

______________________________

كما ان عدم انكار تعامل من بحكم الكفار، كالنواصب و من اشبه دليل على عدم الاشكال، فتأمل.

(و حينئذ) اى حين قلنا بالتحريم (فلو كفر المسلم انتقل مصحفه الى وارثه، و لو كان الوارث هو الامام) بان لم يكن له وارث، او كان الوارث ممنوعا من الارث مطلقا، او من إرث القرآن (هذا).

(و لكن ذكر فى المبسوط فى باب الغنائم ان ما يوجد فى دار الحرب من المصاحف و الكتب التى ليست بكتب الزندقة و الكفر، داخل فى الغنيمة و يجوز بيعها) و انما استثنى كتب الزندقة و الكفر، لانها لا تملك، فحالها حال الخمر و الخنزير.

(و ظاهر ذلك تملك الكفار للمصاحف، و الا لم يكن وجه لدخولها فى الغنيمة، بل كانت) المصاحف (من مجهول المالك المسلم) المسلم صفة المالك (و إرادة غير القرآن من المصاحف بعيدة).

ص: 154

[و الظاهر: أن أبعاض المصحف في حكم الكل، إذا كانت مستقلة.]

و الظاهر: ان ابعاض المصحف فى حكم الكل، اذا كانت مستقلة.

و اما المتفرقة فى تضاعيف غير التفاسير من الكتب للاستشهاد بلفظه او معناه فلا يبعد عدم اللحوق لعدم تحقق الاهانة.

[فى إلحاق الأدعية المشتملة على أسماء الله تعالى]

و فى الحاق الادعية المشتملة على اسماء الله تعالى كالجوشن الكبير

______________________________

اللهم الا ان يقال: ان المراد الجلد و الورق بقرينة قوله: و يجوز بيعها، و الكافر و ان لم يملك القرآن بمعنى النقوش، الا ان ملكه للورق و الجلد و ما اشبه لا ينبغى الاشكال فيه.

(و الظاهر: ان ابعاض المصحف) كسورة، او كجزء، منه (فى حكم الكل) فى عدم جواز البيع، و عدم تملك الكافر له (اذا كانت مستقلة) بعنوان انه مصحف.

و وجه كونه فى حكم الكل المناط الموجود فى الكل، اذ لا خصوصية للمجموع من حيث المجموع.

(و اما) الاجزاء (المتفرقة فى تضاعيف) و ثنايا (غير التفاسير من الكتب للاستشهاد بلفظه او معناه) كالمتفرق فى كتاب «المغنى» و غيره، من كتب الادب و الفقه و القصص و ما اشبه (فلا يبعد عدم اللحوق) بالكل (لعدم تحقق الاهانة) للقرآن اذا بيع للكافر.

و عدم تحقق العلو من الكافر، له عرفا.

اما المتفرق فى ضمن التفسير فلا اشكال فى صدق القرآن عليه و ان كان جزءا من التفسير.

(و فى الحاق الادعية المشتملة على اسماء الله تعالى كالجوشن الكبير)

ص: 155

مطلقا او مع كون الكافر ملحدا بها دون المقرّ بالله المحترم لا سمائه لعدم الاهانة و العلوّ وجوه.

[و في إلحاق الأحاديث النبوية بالقرآن وجهان]

و فى الحاق الاحاديث النبوية بالقرآن وجهان، حكى الجزم به عن الكركى، و فخر الدين قدس سرهما، و التردد بينهما عن التذكرة و على اللحوق فيلحق اسم النبي (ص) بطريق اولى، لانه اعظم من كلامه.

______________________________

بالقرآن الكريم فى عدم جواز بيعه للكافر (مطلقا) للمناط، او عدم الالحاق مطلقا، لعدم الدليل الا الاجماع و بعض الوجوه المتقدمة فى القرآن مما لا يأتى فى الادعية (او) الالحاق (مع كون الكافر ملحدا بها دون المقرّ بالله المحترم) بصيغة الفاعل (لاسمائه لعدم الاهانة و العلوّ) حينئذ.

اما عدم الاهانة فواضح.

و اما عدم العلو، فلان مثل هذا الكافر يجعل الدعاء اعلى منه، لا انه يجعل نفسه اعلى من الدعاء (وجوه) و احتمالات.

(و فى الحاق الاحاديث النبوية) و المروية عن الأئمة الطاهرين، و مثلهما الاحاديث القدسية (بالقرآن وجهان، حكى الجزم به) اى بالالحاق (عن الكركى، و فخر الدين قدس سرهما) للمناط و قاعدة:

الاسلام يعلو (و التردد بينهما) اى بين اللحوق و عدم اللحوق (عن التذكرة و) بناء (على اللحوق) للاحاديث بالقرآن الحكيم (فيلحق) أيضا (اسم النبي صلى الله عليه و آله بطريق اولى، لانه اعظم من كلامه) و فيه نظر واضح، اذ الاسم ليس اعظم من الكلام عرفا و لذا لم يقل

ص: 156

و حينئذ فيشكل ان يملك الكفار الدراهم و الدنانير المضروبة فى زماننا المكتوب عليها اسم النبي صلى الله عليه و آله، الا ان يقال: ان المكتوب فيها غير مملوك عرفا، و لا يجعل بإزاء الاسم الشريف المبارك من حيث انه اسمه صلى الله عليه و آله جزء من الثمن، فهو كاسمه المبارك المكتوب على سيف، او على باب دار، او جدار.

______________________________

احد بكراهة ذكر الحائض و الجنب اسم اللّه، مع انه لا خلاف فى كراهة قراءتهما القرآن.

(و حينئذ) اى حين قلنا: بإلحاق الاسم بالأحاديث (فيشكل ان يملك الكفار الدراهم و الدنانير المضروبة فى زماننا) اى زمان المصنف.

اما زمننا فقد انتقل الذهب و الفضة الى حوزة الكافرين و بدلوهما بالورق (المكتوب عليها اسم النبي صلى الله عليه و آله، الا ان يقال: ان المكتوب فيها غير مملوك عرفا، و لا يجعل بإزاء الاسم الشريف المبارك) للنبى صلى الله عليه و آله (من حيث انه اسمه صلى الله عليه و آله جزء من الثمن).

نعم فيه تسليط للكافر على اسمه.

فلو قلنا بانه من مصاديق علو الكافر كان حراما من هذه الجهة (فهو) اى اسمه الشريف على النقد (كاسمه المبارك المكتوب على سيف، او على باب دار، او جدار) مما ليس بإزائه ثمن عرفا، فلا بأس ببيع الدار و السيف للكافر.

ص: 157

الا ان يقال: ان مناط الحرمة التسليط لا المعاوضة، بل و لا التمليك و يشكل أيضا من جهة مناولتها الكافر مع العلم العادى بمسّه اياه خصوصا مع الرطوبة.

[المسألة الثانية في جوائز السلطان]

اشارة

الثانية جوائز السلطان و عماله بل مطلق المال الماخوذ منهم مجانا او عوضا

______________________________

(الا ان يقال) ان عدم كونه فى مقابل جزء من الثمن لا يصحح جواز تسليط الكافر عليه.

اذ: (ان مناط الحرمة التسليط) للكافر، لقاعدة: الاسلام يعلو و لا يعلى عليه (لا المعاوضة، بل و لا التمليك) حتى يقال: لا معاوضة و لا تمليك فى البين.

(و يشكل) نقل النقد الى الكافر (أيضا من جهة مناولتها الكافر) و ان لم يكن بيعا و لا تمليكا (مع العلم العادى بمسّه اياه) و هو حرام اذ:

لا يمسه الا المطهرون (خصوصا مع الرطوبة) فيشمله دليل عدم جواز التنجيس و المسألة تحتاج الى تفصيل، ذكروا بعضه فى مسألة مس الجنب و الحائض للقرآن، حيث ورد بعض الروايات الدالة على الجواز، فراجع كتاب الطهارة، و الله العالم.

(الثانية) من مسائل الخاتمة (جوائز السلطان و عماله) جمع جائزة و هى المال الّذي يعطيه السلطان للناس (بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا او عوضا) ببيع او وقف او ايجار او ما اشبه.

و انما عممنا الجوائز مع ان المنصرف منها المال المعطى مجانا،

ص: 158

لا يخلو عن احوال لانه اما ان لا يعلم فى جملة اموال هذا الظالم مال محرم يصلح لكون المأخوذ هو من ذلك المال، و اما ان يعلم- و على الثانى-.

فاما ان لا يعلم ان ذلك المحرم او شيئا منه هو داخل فى المأخوذ و اما ان يعلم ذلك و على الثانى.

فاما ان يعلم تفصيلا.

______________________________

لاتحاد الملاك، و خصصنا الامر بالسلطان، اتباعا للروايات الواردة فى المقام، و الا فالمال المأخوذ من السارق و الغاصب له الاقسام الاربعة الآتية- كما لا يخفى-.

فالجوائز المأخوذة منهم (لا تخلو عن احوال) أربعة (لانه) اى الآخذ (1) (اما ان لا يعلم فى جملة اموال هذا الظالم مال محرم يصلح لكون المأخوذ هو من ذلك المال) اما لو علم بان له مالا محرما فى مكان بعيد- مثلا- لا يصلح كون المأخوذ منه، فهو أيضا داخل فى هذا القسم لان المناط ابتلاء المكلف احتمالا او علما، فاذا علم بانه لم يبتل كان من هذا القسم (و اما ان يعلم- و على الثانى-) اى فيما علم.

(2) (فاما ان لا يعلم ان ذلك) المال (المحرم او شيئا منه هو داخل فى المأخوذ، و اما ان يعلم ذلك) بان بعض المال المحرم داخل فى المأخوذ (و على الثانى) بان علم الآخذ وجود الحرام فيما اخذه 3 (فاما ان يعلم تفصيلا) كما لو علم ان هذا المال بذاته حرام.

ص: 159

و اما ان يعلم اجمالا

[فالصور أربع.]
اشارة

فالصور اربع.

[أما الصورة الأولى، أن لا يعلم بأن للجائر مال حرام يحتمل كون الجائزة منها]

اما الاولى: فلا اشكال فيها فى جواز الاخذ، و حلية التصرف للاصل و الاجماع و الاخبار الآتية.

لكن ربما يوهم بعض الاخبار انه يشترط فى حل مال الجائر ثبوت مال حلال له، مثل

______________________________

4 (و اما ان يعلم اجمالا) بان علم ان فيه حراما، لكنه لا يعرف مقداره- مثلا- (فالصور) للجائزة (اربع).

(اما) الصورة (الاولى) و هى ما لم يعلم ان فى اموال الجائر محرما (فلا اشكال فيها) اى فى هذه الصورة (فى جواز الاخذ، و حلية التصرف للاصل).

فكل شي ء لك حلال، و يد المسلم حجة و لو كان ظالما بل مطلق اليد و لو من الكافر حجة، و لذا نعامل مع ما فى ايديهم معاملة الملك اذا لم يكونوا محاربين بل حتى المحارب، فانه لا يعتنى باحتمال كون ما فى يده من مال المسلم المحترم.

ان قلت: فما فائدة سوق المسلم؟

قلت: فائدته حلية اللحوم و الشحوم و الجلود (و الاجماع و الاخبار الآتية) بل ربما يستدل بالقرآن الحكيم كقوله: احلّ لكم ما فى الارض جميعا و قوله: تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ، و ما اشبه.

(لكن ربما يوهم بعض الاخبار انه يشترط فى حل مال الجائر ثبوت مال حلال له) فلا يكفى عدم العلم- كما هو موضوع الصورة الاولى- (مثل

ص: 160

ما عن الاحتجاج عن الحميرى: انه كتب الى صاحب الزمان عجل الله فرجه يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف مستحلا لما فى يده و لا يتورع عن اخذ ماله، ربما نزلت فى قرية و هو فيها، او ادخل منزله و قد حضر طعامه، فيدعونى إليه، فان لم آكل من طعامه عادانى عليه، فهل يجوز لى ان آكل من طعامه و اتصدق بصدقة، و كم مقدار الصدقة.

و ان اهدى هذا الوكيل هدية الى رجل آخر فيدعونى الى ان انال منها و انا اعلم ان الوكيل لا يتورع عن اخذ ما فى يده، فهل على فيه شي ء

______________________________

ما عن الاحتجاج عن الحميرى: انه كتب الى صاحب الزمان عجل الله) تعالى (فرجه يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف مستحلا لما فى يده) بمعنى انه لا يصرفه فى المصرف المقرر (و لا يتورع عن اخذ ماله) اى لا يتجنب عن اخذ مال الوقف و صرفه فى غير المصرف (ربما نزلت فى قرية و هو فيها او ادخل منزله و قد حضر طعامه، فيدعونى إليه) اى الى الطعام (فان لم آكل من طعامه عادانى) و آذانى (عليه، فهل يجوز لى ان آكل من طعامه و اتصدق بصدقة) لدفع الحرام عنى (و كم مقدار الصدقة) فى صورة لزوم الصدقة.

(و ان اهدى هذا الوكيل) للوقف (هدية الى رجل آخر فيدعونى) ذلك الرجل المهدى إليه (الى ان انال منها) اى اتصرف فى الهدية (و انا اعلم ان الوكيل) للوقف (لا يتورع عن اخذ ما فى يده، فهل على فيه) اى فى النيل من الوقف (شي ء

ص: 161

ان أنا نلت فيه الجواب ان كان لهذا الرجل مال او معاش غير ما فى يده فاقبل بره، و الا فلا، بناء على ان الشرط فى الحلية هو وجود مال آخر، فاذا لم يعلم به لم يثبت الحل.

لكن هذه الصورة قليل التحقيق.

[و أما الصورة الثانية، أن يعلم بوجود مال محرم للجائر لكن لا يعلم بكون الجائزة منها]
[الحالة الأولى أن تكون الشبهة غير محصورة]

و اما الثانية.

______________________________

ان أنا نلت فيه) أم لا.

فكتب الامام عليه السلام (الجواب) بما لفظه: (ان كان لهذا الرجل مال او معاش غير ما فى يده) من الوقف (ف) كل منه و (اقبل بره و الا فلا) تأكل و لا تقبل بره و هديته (بناء على ان الشرط فى الحلية هو وجود مال آخر، فاذا لم يعلم به) الّذي يريد التناول و الأخذ (لم يثبت الحل).

(لكن) الانصاف: ان الظاهر من هذا الحديث دوران الحكم مدار الواقع، و انه ان كان للظالم مال آخر- واقعا- كان جائزا ان يتصرف الشخص فى مال ذلك الظالم، حملا لفعل المسلم على الصحيح، و ان لم يكن له مال آخر كان العلم العادى حاصلا بان ما فى يده حرام، فلا يجوز التصرف، و العلم طريقى لا موضوعية له.

و كيف كان ف (هذه الصورة) اى صورة عدم علم الآخذ بوجود مال آخر للظالم (قليل التحقيق) بل الغالب علم الانسان بان للظلمة اموالا محللة و اموالا محرمة.

(و اما) الصورة (الثانية) و هى ان يعلم الآخذ أن فى مال الظالم حراما و حلالا، لكنه لا يعلم بان فى هذا المأخوذ الحرام.

ص: 162

فان كانت الشبهة فيها غير محصورة، فحكمها كالصورة الاولى.

و كذا اذا كانت محصورة بين ما لا يبتلى المكلف به، و بين ما من شأنه الابتلاء به، كما اذا علم ان الواحد المردد بين هذه الجائزة، و بين أم ولده المعدودة من خواص نسائه مغصوب.

و ذلك لما تقرر فى الشبهة المحصورة، من اشتراط تنجز تعلق التكليف فيها بالحرام الواقعى، بكون كل من المشتبهين بحيث يكون التكليف بالاجتناب عنه منجزا،

______________________________

(فان كانت الشبهة فيها) اى فى هذه الصورة (غير محصورة) كما لو علم بان فى مال من امواله العشرة آلاف دينار دينارا محرما- مثلا- (فحكمها كالصورة الاولى) من حلية التصرف، لما تقرر فى محله من ان الشبهة غير المحصورة لا تنجز الواقع المشتبه.

(و كذا اذا كانت) الشبهة (محصورة بين ما لا يبتلى المكلف به و بين ما من شأنه الابتلاء به) و لو لم يكن محل الابتلاء فعلا (كما اذا علم ان الواحد المردد بين هذه الجائزة، و بين أم ولده المعدودة من خواص نسائه مغصوب).

و انما قيد «أمّ الولد» عدها من خواص النساء، لاخراج أمّ الولد المتروكة التى هى فى معرض ان تكون محلا للابتلاء بالنسبة الى اخذ الجائزة.

(و) انما اشترطنا (ذلك) الابتلاء لجميع الاطراف (لما تقرر فى الشبهة المحصورة، من اشتراط تنجيز تعلق التكليف فيها) اى فى الشبهة (بالحرام الواقعى، بكون كل من المشتبهين بحيث يكون التكليف) الشرعى (بالاجتناب عنه منجزا) «بالحرام» متعلق ب «التكليف» و «بكون»

ص: 163

لو فرض كونه هو المحرم الواقعى، لا مشروطا بوقت الابتلاء المفروض انتفائه فى احدهما فى المثال فان التكليف غير منجز بالحرام الواقعى على اى تقدير لاحتمال كون المحرم فى المثال هى أمّ الولد، و توضيح المطلب فى محله.

ثم انه صرح جماعة بكراهة الأخذ.

______________________________

متعلق ب «اشتراط» اى ان التكليف بالحرام مشروط بكون كذا (لو فرض كونه هو المحرم الواقعى) «لو» وصلية، مربوطة بقوله «منجزا» (لا مشروطا بوقت الابتلاء المفروض انتفائه) اى انتفاء الابتلاء (فى احدهما) و هو: أمّ الولد الخاصة بالظالم، (فى المثال).

و انما نشترط الابتلاء الفعلى (فان التكليف غير منجز بالحرام الواقعى) الموجود بين الجائزة و أمّ الولد (على اى تقدير) اى ليس حراما على كلا التقديرين، بل على تقدير واحد، و هو كون المغصوب الجائزة (لاحتمال كون المحرم فى المثال هى أمّ الولد) فانه اذا شك فى التكليف كان مجرى للبراءة.

فاذا علم الانسان بان احد إناءيه تنجس، فقد علم بتوجه التكليف إليه فاللازم عليه الاحتياط.

اما اذا علم بان إناءه او اناء الملك- الّذي لا يتمكن ان يصل إليه- تنجس، فانه لا يعلم بتوجيه تكليف «اجتنب» إليه، و اذا لم يعلم بالتكليف كان الاصل البراءة (و توضيح المطلب فى محله) فى باب البراءة من الاصول.

(ثم انه صرح جماعة بكراهة الأخذ) للجائزة فى الصورة التى نقول

ص: 164

و عن المنتهى الاستدلال له باحتمال الحرمة، و لمثل قوله عليه السلام: دع ما يريبك، و قولهم من ترك الشبهات نجى من المحرمات الى آخر.

و ربما يزاد على ذلك بان اخذ المال منهم يوجب محبتهم، فان القلوب مجبولة على حب من احسن إليها، و يترتب عليه من المفاسد، ما لا يخفى.

و فى الصحيح: ان احدكم لا يصيب من دنياهم شيئا الا اصابوا من دينه مثله، و ما عن الامام الكاظم من قوله عليه السلام: لو لا انى ارى من

______________________________

بعدم حرمتها.

(و عن المنتهى الاستدلال له) اى للحكم بالكراهة (باحتمال الحرمة و لمثل قوله عليه السلام: دع ما يريبك، و قولهم) عليهم السلام (من ترك الشبهات نجى من المحرمات) من الادلة على حسن الاحتياط (الى آخر) تلك الادلة المذكورة فى الاصول.

(و ربما يزاد على ذلك) المذكور من الادلة (بان اخذ المال منهم) اى من الظلمة (يوجب محبتهم، فان القلوب مجبولة) اى مفطورة مخلوقة (على حب من احسن إليها، و يترتب عليه) اى على حب الظالم (من المفاسد، ما لا يخفى).

فان الانسان اذا احبهم سكت عن منكراتهم و خدمهم، فقد قال الامام امير المؤمنين عليه السلام: احسن الى من شئت تكن اميره.

(و فى الصحيح: ان احدكم لا يصيب من دنياهم شيئا الا اصابوا من دينه مثله، و ما عن الامام الكاظم من قوله عليه السلام: لو لا انى ارى من

ص: 165

ازوجه بها من عزّاب آل ابى طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها ابدا.

ثم انهم ذكروا ارتفاع الكراهة بامور.

منها: اخبار المجيز بحليته بان يقول: هذه الجائزة من تجارتى، او زراعتى، او نحو ذلك مما يحل للآخذ التصرف فيه.

و ظاهر المحكى عن الرياض تبعا لظاهر الحدائق: انه مما لا خلاف فيه.

و اعترف ولده فى المناهل بانه لم نجد له مستندا مع انه لم يحك التصريح به الا عن

______________________________

ازوجه من عزّاب آل ابى طالب لئلا ينقطع نسله) اى نسل ابى طالب عليه السلام (ما قبلتها ابدا) و ذلك حين اجاز الامام هارون بغالية و عشرين الف درهم.

(ثم انهم) اى الفقهاء (ذكروا ارتفاع الكراهة بامور).

(منها: اخبار المجيز بحليته بان يقول) مثلا (هذه الجائزة من تجارتى، او زراعتى، او نحو ذلك) من الموارد المحللة (مما يحل للآخذ التصرف فيه).

(و ظاهر المحكى عن الرياض تبعا لظاهر الحدائق: انه مما لا خلاف فيه) بين الاصحاب.

(و اعترف ولده فى المناهل بانه لم نجد له مستندا) هذا بالنسبة الى الدليل.

و اما بالنسبة الى اقوال الفقهاء (مع انه لم يحك التصريح به الا عن

ص: 166

الاردبيلى، ثم عن العلامة الطباطبائى.

و يمكن ان يكون المستند ما دل على قبول قول ذى اليد، فيعمل بقوله كما لو قامت البينة على تملكه، و شبهة الحرمة و ان لم ترتفع بذلك الا ان الموجب للكراهة ليس مجرد الاحتمال، و الا لعمّت الكراهة اخذ المال من كل احد، بل الموجب له كون الظالم مظنة الظلم و الغصب و غير متورع عن المحارم.

نظير كراهة سؤر من لا يتوقى النجاسة.

______________________________

الاردبيلى، ثم عن العلامة الطباطبائى).

(و) لكن (يمكن ان يكون المستند ما دل على قبول قول ذى اليد، فيعمل بقوله) الّذي يقول: ان الجائزة من تجارتى مثلا.

ف (كما لو قامت البينة على تملكه) ترتفع الكراهة، كذلك قوله: لانهما على حد سواء (و شبهة الحرمة) الواقعية (و ان لم ترتفع بذلك) اى بمجرد قوله (الا ان الموجب للكراهة ليس مجرد الاحتمال) فى كون مال الظالم حراما (و الا) فلو كان مستند الكراهة مجرد الاحتمال (لعمّت الكراهة اخذ المال من كل احد) لا نعلم علما قطعيا بانه حلال.

لكن لا كراهة فى مال كل احد، فاللازم ان يكون مستند الكراهة فى مال الظالم شيئا آخر (بل الموجب له) اى للحكم بالكراهة (كون الظالم مظنة الظلم و الغصب و) انه (غير متورع عن المحارم).

(نظير كراهة سؤر من لا يتوقى النجاسة) كالحائض المتهمة.

ص: 167

و هذا المعنى يرتفع باخباره، الا اذا كان خبره كيده مظنة للكذب، لكونه ظالما غاصبا فيكون خبره حينئذ كيده، و تصرفه غير مفيد الا للاباحة الظاهرية غير المنافية للكراهة، فيختص الحكم برفع الكراهة بما اذا كان مأمونا فى خبره.

و قد صرح الاردبيلى رحمه الله بهذا القيد فى اخبار وكيله.

و بذلك يندفع ما يقال: من انه لا فرق بين يد الظالم و تصرفه، و بين خبره فى

______________________________

(و هذا المعنى يرتفع باخباره) بان جائزته ليست من الحرام (الا اذا كان خبره كيده مظنة للكذب) أيضا (لكونه ظالما غاصبا) و مثله لا يتورع عن الكذب، كما لم يتورع عن الظلم (فيكون خبره حينئذ) اى حين احتمال كذبه (كيده، و) ك (تصرفه غير مفيد الا للاباحة الظاهرية غير المنافية للكراهة) فلا يفيد خبره شيئا ازيد مما افادت يده.

و على هذا (فيختص الحكم برفع الكراهة) حين اخباره (بما اذا كان مأمونا) عن الكذب (فى خبره).

(و قد صرح الاردبيلى رحمه الله بهذا القيد) اى قيد المأمونية فى رفع الكراهة (فى اخبار وكيله) اى وكيل الظالم.

(و بذلك) الّذي ذكرنا من كون الاخبار مع المأمونية موجب لرفع الكراهة- لانه مع الا من يورث الاطمينان بان المال ليس بغصب- (يندفع ما يقال: من انه لا فرق بين يد الظالم و تصرفه، و بين خبره فى) كون كليهما موجبا لرفع الكراهة، او كليهما لا يوجبان رفع الكراهة، ل

ص: 168

كون كل منهما مفيدا للملكية الظاهرية غير مناف للحرمة الواقعية المقتضية للاحتياط فلا وجه لوجود الكراهة- الناشئة عن حسن الاحتياط- مع اليد و ارتفاعها مع الاخبار، فتأمل.

و منها اخراج الخمس منه، حكى عن المنتهى و المحقق الاردبيلى و ظاهر الرياض هنا أيضا عدم الخلاف، و لعله لما ذكر فى المنتهى فى وجه استحباب

______________________________

(كون كل منهما مفيدا للملكية الظاهرية غير مناف للحرمة الواقعية المقتضية) تلك الحرمة الواقعية- اى احتمالها- (للاحتياط).

و حيث ان كلا من القول و اليد، فى عرض الآخر (فلا وجه لوجود الكراهة- الناشئة عن حسن الاحتياط- مع اليد، و ارتفاعها) اى الكراهة (مع الاخبار) من الظالم بانه ليس بحرام (فتأمل).

اذ: الفرق ليس بفارق، فانه لو اورث القول الاطمينان، كان ارتفاع الكراهة لمكان العلم لا للاخبار.

و ان لم يورث العلم لم يكن وجه لارتفاع الكراهة، فانه لو لم يوجب الاخبار العلم كانت اخبار الاحتياط- المقتضية لكراهة التصرف- محكمة و ان كان الاحتياط لا مع الاخبار آكد، فتكون الكراهة فى صورة الاخبار اخف.

(و منها) اى من الامور الموجبة لرفع الكراهة فى جائزة الظالم (اخراج) الآخذ (الخمس منه، حكى عن المنتهى و المحقق الاردبيلى و ظاهر الرياض هنا أيضا عدم الخلاف و لعله لما ذكر فى المنتهى فى وجه استحباب

ص: 169

اخراج الخمس من هذا المال من ان الخمس مطهر للمال المختلط يقينا بالحرام، فمحتمل الحرمة اولى بالتطهرية.

فان مقتضى الطهارة بالخمس صيرورة المال حلالا واقعيا.

فلا يبقى حكم الشبهة، كما لا يبقى فى المال المختلط- يقينا- بعد اخراج الخمس.

نعم يمكن الخدشة فى اصل الاستدلال بان الخمس انما يطهر المختلط بالحرام، حيث ان

______________________________

اخراج الخمس من هذا المال) مما يدل على كراهة المال دون اخراج الخمس- فى الجملة- و ان كان ليس هناك تلازم بين استحباب شي ء و كراهة خلافه- كما حقق فى الاصول فى جواب شبهة الكعبى- (من ان الخمس مطهر للمال المختلط) اختلاطا (يقينا بالحرام، ف) المال ال (محتمل الحرمة) كجائزة الظالم (اولى بالتطهرية) بسبب الخمس.

(فان مقتضى الطهارة) للمال (بالخمس) فيما اذا كان مختلطا بالحرام- يقينا- (صيرورة المال حلالا واقعيا).

(ف) فى المال المحتمل الاختلاط، كالجائزة (لا يبقى حكم الشبهة كما لا يبقى) حكم الشبهة (فى المال المختلط- يقينا- بعد اخراج الخمس).

فاذا اجرينا هذا الاستدلال فى ارتفاع الكراهة لدى التخميس كان مستندا للمسألة.

(نعم يمكن الخدشة فى اصل الاستدلال) لاستحباب الخمس من المال المشتبه (بان الخمس انما يطهر المختلط بالحرام، حيث ان

ص: 170

بعضه حرام و بعضه حلال، فكان الشارع جعل الخمس بدل ما فيه من الحرام.

فمعنى تطهيره تخليصه باخراج الخمس مما فيه من الحرام.

فكان المقدار الحلال طاهرا فى نفسه، الا انه قد تلوث بسبب الاختلاط مع الحرام بحكم الحرام، و هو وجوب الاجتناب، فاخراج الخمس مطهر له عن هذه القذارة العرضية.

و اما المال المحتمل لكونه بنفسه حراما،

______________________________

بعضه حرام و بعضه حلال، فكان الشارع جعل الخمس بدل ما فيه من الحرام) اذا كان الحرام مجهول المقدار و المالك، كما وردت الادلة على ذلك- مما ذكروه فى كتاب الخمس مفصلا-.

(فمعنى تطهيره) اى تطهير الخمس للمال المختلط (تخليصه باخراج الخمس مما فيه من الحرام).

(ف) على هذا (كان المقدار الحلال) فى المال المختلط (طاهرا فى نفسه، الا انه قد تلوث بسبب الاختلاط مع الحرام) اى تلوث من جهة الاختلاط (بحكم الحرام) فحكم الحرام هو الملوث للمال (و هو وجوب الاجتناب، فاخراج الخمس مطهر له عن هذه القذارة العرضية) لفرض طهارة اصل المال، و انما تقذر بالاختلاط، كالثوب المتقذر بالنجاسة، فان اصل الثوب و ذاته طاهر نظيف، الا انه توسخ بالقذارة العرضية.

(و اما المال المحتمل لكونه بنفسه حراما) فحاله حال احتمال كون شي ء بنفسه عذرة و قذارة.

ص: 171

و قذرا ذاتيا، فلا معنى لتطهيره باخراج خمسه، بل المناسب لحكم الاصل حيث جعل الاختلاط قذارة عرضية كون الحرام قذر العين.

و لازمه ان المال المحتمل الحرمة غير قابل للتطهير فلا بد من الاجتناب عنه.

نعم يمكن ان يستأنس، او يستدل على استحباب الخمس بعد فتوى النهاية التى هى كالرواية ففيها كفاية فى الحكم بالاستحباب.

______________________________

فكما لا يمكن ان يستدل لتطهير الثوب بالمال، لاجل تطهير العذرة بالمال، كذلك لا يصح الاستدلال بتطهير المال المختلط بالخمس، لاجل تطهير المال المحتمل كون كله حراما باخبار الخمس.

و ان شئت قلت: ان التطهير فى ما علم بالحلية فى الجملة، و فى جائزة الظالم لا يعلم بالحلية فى الجملة، لاحتمال كون كل المال حراما (و قذرا ذاتيا فلا معنى لتطهيره باخراج خمسه، بل المناسب لحكم الاصل حيث جعل الاختلاط قذارة عرضية كون الحرام قذر العين).

(و لازمه ان المال المحتمل الحرمة) بذاته- كالجائزة- (غير قابل للتطهير) بالخمس (فلا بد من الاجتناب عنه) كراهة، لادلة الاحتياط و لا حكومة لادلة تخميس المختلط على دليل الاحتياط.

(نعم يمكن ان يستأنس، او يستدل على استحباب الخمس) الملازم عرفا- لارتفاع الكراهة بعد التخميس (بعد فتوى النهاية التى هى كالرواية) لالتزام صاحبها بالاتيان بمضمون الروايات بصورة الفتوى (ففيها كفاية فى الحكم بالاستحباب).

ص: 172

و كذلك فتوى السرائر مع عدم العمل فيها الا بالقطعيات بالموثقة المسئول فيها عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال عليه السلام: لا، الا ان لا يقدر على شي ء يأكل و يشرب، و لا يقدر على حيلة، فان فعل فصار فى يده شي ء فليبعث بخمسه الى اهل البيت.

فان موردها و ان كان ما يقع فى يده بإزاء العمل، الا ان الظاهر عدم الفرق بينه، و بين ما يقع فى اليد على وجه الجائزة.

و يمكن ان يستدل له أيضا بما دل على وجوب الخمس فى الجائزة مطلقا، و

______________________________

(و كذلك فتوى السرائر مع عدم العمل فيها الا بالقطعيات) بضميمة التسامح فى ادلة السنن (بالموثقة) متعلق ب «يستأنس» (المسئول فيها عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل) و يكون عاملا له (قال عليه السلام: لا الا ان لا يقدر على شي ء يأكل و يشرب، و لا يقدر على حيلة) و طريقة فى امرار معاشه (فان فعل) العمل للسلطان (فصار فى يده شي ء) من المال (فليبعث بخمسه الى اهل البيت) عليهم السلام.

بناء على ان المراد: خمس المال، لا خمس الزائد عن مئونة السنة.

(فان موردها و ان كان ما يقع فى يده بإزاء العمل، الا ان الظاهر عدم الفرق بينه) اى بين ما يقع بإزاء العمل (و بين ما يقع فى اليد على وجه الجائزة) لوحدة المناط فيهما، بل يمكن ان يقال: بإطلاق الخبر، فانه يشمل كلا القسمين.

(و يمكن ان يستدل له أيضا بما دل على وجوب الخمس فى الجائزة مطلقا، و

ص: 173

هى عدة اخبار مذكورة فى محلها.

و حيث ان المشهور غير قائلين بوجوب الخمس فى الجائزة حملوا تلك الاخبار على الاستحباب.

ثم ان المستفاد مما تقدم- من اعتذار الكاظم عليه السلام من قبول الجائزة بتزويج عزاب الطالبين، لئلا ينقطع نسلهم، و من غيره- ان الكراهة ترتفع بكل مصلحة هى اهم فى نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة.

______________________________

هى عدة اخبار مذكورة فى محلها) من كتاب الخمس.

(و حيث ان المشهور غير قائلين بوجوب الخمس فى الجائزة حملوا تلك الاخبار على الاستحباب).

لان الأمر إذا اصرف من ظاهره الالزامى، كان لا بدّ من حمله على الاستحباب، و حيث ان ظاهر هذه الاخبار، الحلية المطلقة بعد الخمس، قال المشهور: بان اعطاء الخمس يوجب رفع الكراهة، و لذا جعلوه من مستثنيات الكراهة.

(ثم ان المستفاد مما تقدم- من اعتذار الكاظم عليه السلام من قبول الجائزة بتزويج عزاب الطالبين، لئلا ينقطع نسلهم، و من غيره-) من سائر الاخبار الدالة على قبول الائمة عليهم السلام جائزة الولاة او امرهم بأخذ الجائزة، كقوله عليه السلام: ان لك فى بيت المال نصيبا، او وساطتهم لاخذها، كتوسط الامام عليه السلام للشقرانى.

و قوله عليه السلام ان الحسن من كل احد حسن و منك احسن، و ان السيئة من كل احد سيئ و منك أسوأ لمكانك منا (ان الكراهة ترتفع بكل مصلحة هى اهم فى نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة) هذا.

ص: 174

و يمكن ان يكون اعتذاره (ع) اشارة الى انه لو لا صرفها فيما يصرف فيه المظالم المردودة لما قبلها فيجب او ينبغى ان يأخذها، ثم يصرفها فى مصارفها.

و هذه الفروع كلها بعد الفراغ عن إباحة اخذ الجائزة و المتفق عليه من صورها، صورة عدم العلم بالحرام فى ماله اصلا، او العلم بوجود الحرام مع كون الشبهة غير محصورة، او محصورة ملحقة بغير المحصورة على ما عرفت.

______________________________

(و يمكن) ان يكون وجه آخر فى اخذ الكاظم عليه السلام للجائزة ب (ان يكون اعتذاره (ع) اشارة الى انه لو لا صرفها) اى الجائزة (فيما يصرف فيه المظالم لما قبلها) فان رد المظالم يصرف فى امور الفقراء التى من جملتها تزويج العزاب، و لا دليل على لزوم ان لا يكون المصرف عاميا كما حقق فى محله (فيجب او ينبغى ان يأخذها، ثم يصرفها فى مصارفها) لانه ايصال للمال الى المورد الّذي قرره الله سبحانه.

(و هذه الفروع كلها) من الكراهة و ارتفاع الكراهة باخبار المجيز، و التخميس، و الصرف فى مورد المظالم (بعد الفراغ عن إباحة اخذ الجائزة) اذ لو لا الاباحة لم يكن اصل، فكيف بالفرع (و المتفق عليه من صورها) اى صور الاباحة (صورة عدم العلم بالحرام فى ماله) اى مال الظالم (اصلا، او العلم بوجود الحرام) فى ماله (مع كون الشبهة غير محصورة) بان دار امر الحرام فى عدد كثير يوجب سقوط التكليف (او محصورة) و لكنها (ملحقة بغير المحصورة) لخروج بعض الاطراف عن الابتلاء (على ما عرفت) تفصيلا.

ص: 175

[الحالة الثانية و إن كانت الشبهة محصورة]

و ان كانت الشبهة محصورة بحيث تقتضى قاعدة الاحتياط لزوم الاجتناب عن الجميع، لقابلية تنجز التكليف بالحرام المعلوم اجمالا.

فظاهر جماعة المصرح به فى المسالك و غيره: الحل، و عدم لحوق حكم الشبهة المحصورة هنا.

قال فى الشرائع جوائز السلطان الجائر، ان علمت حراما بعينها، فهى حرام و نحوه عن نهاية الاحكام و الدروس و غيرهما.

______________________________

(و ان كانت الشبهة محصورة) و محل الابتلاء (بحيث تقتضى قاعدة الاحتياط لزوم الاجتناب عن الجميع، لقابلية تنجز التكليف بالحرام المعلوم اجمالا) «لقابلية» علة ل «تقتضى».

فان قاعدة الاحتياط قد لا تقتضى الاجتناب، لعدم تنجيز التكليف بالعلم الاجمالى، كما فى صورة غير المحصورة، و صورة عدم الابتلاء و صورة الاضطرار، و ما اشبه.

(فظاهر جماعة المصرح به فى المسالك و غيره: الحل) لاخذ الجائزة (و عدم لحوق حكم الشبهة المحصورة هنا) و كان للجائزة استثناء خاص من العلم الاجمالى.

(قال فى الشرائع جوائز السلطان الجائر ان علمت حراما بعينها، فهى حرام).

فان هذه العبارة تدل على انه ان علم حراما اجمالا فليس بحرام (و نحوه عن نهاية الاحكام و الدروس و غيرهما).

ص: 176

قال فى المسالك: التقييد بالعين اشارة الى جواز اخذها، و ان علم ان فى ماله مظالم- كما هو مقتضى حال الظالم-.

و لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام فى وجوب اجتناب الجميع للنص على ذلك، انتهى.

اقول ليس فى اخبار الباب ما يكون حاكما على قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة بل هى مطلقة اقصاها كونها من قبيل قولهم عليهم السلام

______________________________

(قال فى المسالك) فى ذيل عبارة الشرائع المتقدمة (التقييد بالعين اشارة الى جواز اخذها، و ان علم ان فى ماله مظالم- كما هو مقتضى حال الظالم-) فان الانسان يعلم غالبا ان فى ماله مظالم.

(و لا يكون حكمه) اى حكم المأخوذ من الظالم (حكم المال المختلط بالحرام فى وجوب اجتناب الجميع للنص على ذلك، انتهى).

فان ظاهر عبارة المسالك: ان القاعدة هى الاجتناب، و انما المخرج لها عن القاعدة: النص.

و حيث ان من المعلوم- خارجا- عدم كون القاعدة الا فى مورد المحصور محل الابتلاء، كان معنى عبارة المسالك: انه لا يجب الاجتناب و ان علم الاخذ ان فى نفس هذا المال الّذي اخذه حراما.

(اقول ليس فى اخبار الباب) اى باب اخذ الجائزة (ما يكون حاكما على قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة، بل هى) اى اخبار الباب (مطلقة) فى جواز اخذ الجائزة (اقصاها) اى منتهى الامر (كونها) اى اخبار الباب (من قبيل قولهم عليهم السلام:

ص: 177

كل شي ء لك حلال او كل شي ء فيه حلال و حرام، فهو لك حلال.

و قد تقرر حكومة قاعدة الاحتياط على ذلك.

فلا بد حينئذ من حمل الاخبار على مورد لا تقتضى القاعدة لزوم الاجتناب عنه كالشبهة غير المحصورة، او المحصورة التى لم يكن كل من محتملاتها موردا لابتلاء المكلف.

______________________________

كل شي ء لك حلال او كل شي ء فيه حلال و حرام، فهو لك حلال)

(و قد تقرر) فى الاصول (حكومة قاعدة الاحتياط على ذلك) لانها مذيلة بقوله «حتى تعلم انه حرام».

و العلم اعم من العلم التفصيلى و الاجمالى المنجز.

و كذلك اخبار الباب اطلاقها لا تمنع خروج مورد العلم تفصيلا او اجمالا عنها، بل هى كاخبار الغنيمة التى ذكروا انه لو كان فيها مال لمسلم او معاهد دفع الى صاحبه، مع ان اخبار الغنيمة مطلقة.

(فلا بد حينئذ) اى حين كون القاعدة محكمة على الاخبار (من حمل الاخبار) المجوزة للجائزة (على مورد لا تقتضى القاعدة) اى قاعدة الاحتياط (لزوم الاجتناب عنه).

و ذلك المورد (كالشبهة غير المحصورة، او المحصورة التى لم يكن كل من محتملاتها موردا لابتلاء المكلف) مطلقا لا فعلا و لا مستقبلا، او ليس بمحل الابتلاء فعلا، و ان صار فى المستقبل محل الابتلاء بناء على عدم تنجيز العلم الاجمالى التدريجى.

كما لو علم بانه يبتلى ببيع ربوى فى هذه السنة، فانه لا يلزم الاجتناب

ص: 178

او على ان ما يتصرف فيه الجائر بالاعطاء، يجوز اخذه، حملا لتصرفه على الصحيح.

او لان تردد الحرام بين ما ملكه الجائر و بين غيره من قبيل التردد بين ما ابتلى به المكلف، و ما لم يبتل به و هو ما لم يعرضه الجائر لتمليكه

______________________________

عن كل بيع بيع- كما قرر فى الاصول-.

(او على ان ما يتصرف فيه الجائر بالاعطاء، يجوز اخذه، حملا لتصرفه على الصحيح) اذ لا يختص الحمل بالصحة على صورة كون المتصرف عادلا.

(او لان تردد الحرام بين ما ملكه الجائر و بين غيره) الّذي بقى عند الجائر، فلم يملكه لهذا الشخص (من قبيل التردد بين ما ابتلى به المكلف و ما لم يبتل به و هو ما لم يعرضه الجائر لتمليكه).

الفرق بين هذا و بين قوله «او على ان ما يتصرف».

ان الاول فيما اذا لم نعلم ان الجائر هل يتصرف فى الحرام الّذي عنده باعطائه لانسان آخر أم لا، فانا نحمل فعله على الصحيح بانه لم يعط الحرام، لا لي، و لا لغيرى.

و الثانى: فيما اذ علمنا ان الجائر تصرف فى الحرام، بان اعطاه، إما لي او لغيرى، فلا يمكن حمل فعل الجائر على الصحيح، الا ان المكلف يتمكن ان يتصرف فى المال، لانه لا يعلم بان ما اخذه حراما و الحرام المردد بين ما اخذه و ما اخذه غيره ليس محلا لابتلائه.

فان من شرط تنجيز العلم الاجمالى كون جميع الاطراف محلا

ص: 179

فلا يحرم قبول ما ملكه لدوران الحرام بينه و بين ما لم يعرضه لتمليكه فالتكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى غير منجز عليه، كما اشرنا إليه سابقا.

فلو فرضنا موردا خارجا عن هذه الوجوه المذكورة كما اذا اراد اخذ شي ء من ماله مقاصة.

______________________________

للابتلاء.

و الفرق بين هذا و بين قوله «او المحصورة التى».

ان الاول: فيما اذا كان الحرام مرددا بين ما اخذه و ما عند الجائر.

و الثانى: فيما اذا كان الحرام مرددا بين ما اخذه زيد و ما اخذته انا- مثلا- فتأمل.

(فلا يحرم قبول ما ملكه) الجائر ايّاه (لدوران الحرام بينه و بين ما لم يعرضه) الجائر (لتمليكه) و بين ما عرضه لتمليكه فيكون من قبيل الخارج عن محل الابتلاء.

(فالتكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى غير منجز عليه) اى على اخذ الجائزة (كما اشرنا إليه سابقا).

(فلو فرضنا موردا خارجا عن هذه الوجوه المذكورة) الاربعة (كما اذا اراد) زيد- مثلا- (اخذ شي ء من ماله) اى الجائر (مقاصة) بان كان لزيد طلب على الجائر، و لا يريد اعطائه، فانه حينئذ يجوز له اخذه من مال الجائر مقاصة.

ص: 180

او اذن له الجائر فى اخذ شي ء من امواله على سبيل التخيير.

او علم ان المجيز قد اجازه من المال المختلط فى اعتقاده بالحرام.

بناء على ان اليد لا تؤثر فى حل ما كلف ظاهرا بالاجتناب عنه، كما لو علمنا ان الشخص اعارنا احد الثوبين المشتبهين فى نظره، فانه لا يحكم بطهارته

______________________________

(او اذن له الجائر فى اخذ شي ء من امواله على سبيل التخيير).

حيث ان جميع اموال الجائر الحرام و الحلال حينئذ محل ابتلاء المكلف، فيكون حاله حال من يعلم ان احد المالين حرام، و لكنه لا يريد الا التصرف فى مال واحد منهما.

(او علم ان) الظالم (المجيز قد اجازه من المال المختلط فى اعتقاده) اى اعتقاد نفى المجيز (بالحرام) متعلق ب «المختلط».

(بناء على ان اليد لا تؤثر فى حل ما كلف ظاهرا بالاجتناب عنه).

حيث ان الجائر مكلف باجتناب المختلط، فاذا تصرف فى احد اطرافه بالاعطاء لم تكن يده حجة، فلا اصالة لليد هنا.

فانه يكون حينئذ (كما لو علمنا ان الشخص اعارنا احد الثوبين المشتبهين فى نظره، فانه لا يحكم بطهارته) لنا، حتى يجوز ان نستعمله استعمال الطاهر.

ثم لا يخفى انه لا تعارض بين ما ذكره المصنف هنا و بين قوله «او لان تردد الحرام» الخ، لان ما ذكره هنا بناء على قوله «بناء على ان اليد» و قوله السابق بناء على قوله «كما اشرنا إليه سابقا» فتأمل.

ص: 181

فالحكم فى هذه الصور بجواز اخذ بعض ذلك مع العلم بالحرام فيه، و طرح قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة، فى غاية الاشكال، بل الضعف فلنذكر النصوص الواردة فى هذا المقام و نتكلم فى مقدار شمول كل واحد منها بعد ذكره حتى يعلم عدم نهوضها للحكومة على القاعدة.

فمن الاخبار التى استدل بها فى هذا المقام قوله عليه السلام: كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه و قوله عليه السلام كل شي ء لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه

______________________________

و كيف كان (فالحكم فى هذه الصور بجواز اخذ بعض ذلك مع العلم بالحرام فيه، و طرح قاعدة الاحتياط) المقتضية للاجتناب عن كل الاطراف (فى الشبهة المحصورة، فى غاية الاشكال، بل الضعف).

لكن الانصاف: ان فى جملة من الاخبار دلالة، فراجع حاشية السيد الطباطبائى و غيرها، بل عن الجواهر و غيره دعوى الاجماع على ذلك (فلنذكر النصوص الواردة فى هذا المقام و نتكلم فى مقدار شمول كل واحد منها بعد ذكره) اى نذكره أولا، ثم نذكر معناه (حتى يعلم عدم نهوضها للحكومة على القاعدة) اى قاعدة الاحتياط.

(فمن الاخبار التى استدل بها) للجواز (فى هذا المقام) و ان كانت قاعدة الاحتياط تقتضى العدم (قوله عليه السلام: كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه).

(و قوله عليه السلام كل شي ء لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) فان آخذ الجائزة لا يعرف ان ما اخذه حرام بعينه.

ص: 182

و لا يخفى ان المستند فى المسألة لو كان مثل هذا، لكان الواجب اما التزام ان القاعدة فى الشبهة المحصورة عدم وجوب الاحتياط مطلقا كما عليه شرذمة من متأخرى المتأخرين، او ان مورد الشبهة المحصورة من جوائز الظلمة خارج عن عنوان الاصحاب.

و على اى تقدير فهو على طرف النقيض مما تقدم عن المسالك

______________________________

(و لا يخفى ان المستند فى المسألة لو كان مثل هذا) الخبر الدال على الحلية فيما لم يعلم الحرام بعينه (لكان الواجب اما التزام انّ القاعدة فى الشبهة المحصورة عدم وجوب الاحتياط مطلقا) اذ كل شبهة محصورة لا يعلم الشخص بحرمة كل طرف منها علما بعينه لاحتمال كل طرف ان يكون حلالا (كما عليه شرذمة من متأخرى المتأخرين) حيث افتوا بعدم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة اما مطلقا او فى بعض اطرافها (او ان مورد الشبهة المحصورة من جوائز الظلمة خارج عن عنوان الاصحاب) الّذي عنون بانه يجوز جوائز الظلمة.

و الحاصل: انه اما ان نعمل بهذه الرواية، او بالقاعدة، فان عملنا بالقاعدة، لزم ان نقول بخروج الشبهة المحصورة عن عنوان الاصحاب و ان عملنا بالرواية لزم ان نقول بعدم وجوب الاحتياط فى الشبهة المحصورة.

(و على اى تقدير) من عدم وجوب الاحتياط مطلقا، او عدم اطلاق عنوان الاصحاب بحل الجوائز حتى فى الشبهة المحصورة (فهو) اى قولهم عليهم السلام: كل شي ء لك حلال (على طرف النقيض مما تقدم عن المسالك) بمعنى انه مناقض لقول المسالك.

اذ المسالك جمع بين صحة قاعدة الاجتناب عن اطراف الشبهة

ص: 183

و منها: صحيحة ابى ولاد، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام:

ما ترى فى رجل يلى اعمال السلطان ليس له مكسب الا من اعمالهم؟ و انا أمر به و انزل عليه فيضيفنى و يحسن إليّ، و ربما امر لى بالدراهم و الكسوة، و قد ضاق صدرى من ذلك، فقال لى: كل، و خذ منها فلك المهنّأ و عليه الوزر.

و الاستدلال به على المدّعى

______________________________

المحصورة، و بين ان اطراف الشبهة يجوز اخذها فى باب الجوائز و انه داخل فى عنوان الاصحاب.

و حيث قد عرفت ان الرواية مستلزمة لاحد امرين مما ذكرناه بقولنا «اما ... او» فصاحب المسالك الّذي لا يلتزم لا بهذا و لا بذاك فى طرف النقيض من الرواية- و الكلام فى المقام يحتاج الى تفصيل ليس الشرح محله-.

(و منها: صحيحة ابى ولاد، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام:

ما ترى فى رجل يلى اعمال السلطان ليس له مكسب الا من اعمالهم؟ و انا أمر به و انزل عليه فيضيفنى و يحسن إليّ، و ربما امر لى ب) ان يعطوني (الدراهم و الكسوة، و قد ضاق صدرى من ذلك) حيث ان مال العامل حرام (فقال لى: كل، و خذ منها فلك المهنّأ) اى ان المال لك حلال هنئ (و عليه الوزر) و الأثم.

(و) وجه (الاستدلال به على المدّعى) الّذي هو حلّ مال السلطان المشتبه الّذي يقتضي القاعدة الاولية حرمته- لانه من الشبهة المحصورة

ص: 184

لا يخلو عن نظر، لان الاستشهاد ان كان من حيث حكمه عليه السلام بحلّ مال العامل المجيز للسائل فلا يخفى ان الظاهر من هذه الرواية و من غيرها من الروايات حرمة ما يأخذه عمال السلطان بإزاء عملهم له، و ان العمل للسلطان من المكاسب المحرمة.

فالحكم بالحل ليس الا من حيث احتمال كون ما يعطى من غير اعيان ما يأخذه من السلطان، بل مما اقترضه او اشتراه فى الذمة.

______________________________

التى اطرافها محل الابتلاء- ان اطلاق هذه الرواية تقتضى حلية مال السلطان حتى فى الصورة المذكورة- اى فيما كان من اطراف الشبهة المحصورة-.

و لكن لا يخفى ان هذا الاستدلال (لا يخلو عن نظر، لان الاستشهاد) بهذه الرواية (ان كان من حيث حكمه عليه السلام بحلّ مال العامل المجيز للسائل) فان العامل اجاز للسائل- اى اعطاه جائزة- (فلا يخفى) ما فيه من الاشكال، ل (ان الظاهر من هذه الرواية، و من غيرها من الروايات حرمة ما يأخذه عمال السلطان بإزاء عملهم له، و ان العمل للسلطان من المكاسب المحرمة).

لان الظاهر من السؤال و من قوله عليه السلام: عليه الوزر، الحرمة عملا و مالا.

(فالحكم بالحل ليس الا من حيث احتمال كون ما يعطى من غير اعيان ما يأخذه من السلطان، بل مما اقترضه) العامل (او اشتراه فى الذمة).

ص: 185

و اما من حيث ان ما يقع من العامل بيد السائل- لكونه من مال السلطان- حلال لمن وجده، فيتم الاستشهاد.

لكن فيه مع ان الاحتمال الاول مسقط للاستدلال على حل المشتبه المحصور- الّذي تقضى القاعدة لزوم الاحتياط فيه- لان الاعتماد حينئذ

______________________________

و انما نخصص الرواية بهذه الصورة، لان اطلاقها و ان كان شاملا لعلم الضيف بحرمة نفس هذا المال، الا ان المنصرف- بقرينة الغلبة- عدم حرمة شخص هذا المال الّذي يعطيه الجائر كسوة، او نقدا، او ما اشبه.

(و اما من حيث ان ما يقع من العامل بيد السائل- لكونه من مال السلطان- حلال لمن وجده، فيتم الاستشهاد) لان الحلية مطلقا- التى من صورها كون مال السلطان حراما قطعا- توجب حلية صورة العلم بالحرمة من باب الشبهة المحصورة.

(لكن فيه مع ان الاحتمال الاول) اى قوله: ان كان من حيث (مسقط للاستدلال) بالرواية (على حل المشتبه المحصور- الّذي تقتضى القاعدة) فى باب العلم الاجمالى (لزوم الاحتياط فيه-).

و انما يسقط الاحتمال الاول الاستدلال بالرواية على المعنى الثانى لانه اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، فانه مع وجود احتمالين فى الرواية، مما ليست الرواية ظاهرة فى احدهما لا يمكن الاستدلال بها على احد الاحتمالين بالذات و انما ينافى الاحتمال الاول حل المشتبه المحصور (لان الاعتماد) فى الحلية للضعيف (حينئذ) اى حين وجود

ص: 186

على اليد، كما لو فرض مثله فى غير الظلمة- ان الحكم بالحل على هذا الاحتمال غير وجيه الا على تقدير كون المال المذكور من الخراج و المقاسمة المباحين للشيعة.

______________________________

الاحتمال الاول (على اليد) للعامل (كما لو فرض مثله) اى مثل هذه اليد (فى غير الظلمة) من الذين لا يبالون بالحرام، فان عدم مبالاتهم لا يسقط يدهم عن الحجية- كما قرر فى محله-.

و الحاصل: ان الاحتمال الاول مسقط للاحتمال الثانى و الاحتمال الاول لا ينفع فى استدلال المستدل بحلية اطراف الشبهة المحصورة- خلافا للقاعدة- (ان الحكم) متعلق ب «فيه» (بالحل على هذا الاحتمال) الثانى (غير وجيه).

لان الرواية على هذا الاحتمال اعم من كون المال من صلب مال السلطان- المحرم- او من الخراج- المحلل-.

فاللازم تقييد اطلاقها بالصورة الثانية، او بالمحتمل لاحد المالين لما دلّ على ان مال الغصب لا يصير حلالا بضم السلطان له الى اموال نفسه، فيما اذا كان غصبا، و لما دل على ان ثمن العمل الحرام حرام، فيما اذا كان للسلطان و اعطاه للعامل اجرة له على عمله (الا على تقدير كون المال المذكور) للسلطان الّذي اعطاه العامل للضيف (من الخراج و المقاسمة المباحين للشيعة) باجازة الامام عليه السلام لاخذهما من السلطان.

ص: 187

اذ لو كان من صلب مال السلطان، او غيره لم يتجه حلّه لغير المالك بغير رضاه، لان المفروض حرمته على العامل لعدم احترام عمله.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 4، ص: 188

و كيف كان، فالرواية اما من ادلة حلّ مال السلطان، المحمول- بحكم الغلبة- الى الخراج و المقاسمة.

و اما من ادلة حلّ المال المأخوذ من المسلم، لاحتمال كون المعطى مالكا له و لا اختصاص له

______________________________

(اذ لو كان من صلب مال السلطان، او غيره) اى غير السلطان، الّذي اخذه من الناس غصبا و جبرا (لم يتجه حلّه لغير المالك بغير رضاه، لان المفروض حرمته على العامل لعدم احترام عمله).

قوله «لان المفروض» تعليل لعدم حلية المال للعامل- فكيف يحل للضيف- لان ما اعطاه السلطان للعامل، ان كان من مال السلطان نفسه، كان حراما للعامل، لانه اخذه فى مقابل العمل الّذي هو حرام- فان الله اذا حرّم شيئا حرّم ثمنه- و ان كان غصبا فهو اظهر اذ الغصب لا يصير حلالا باخذ السلطان له و اعطائه لعامله.

(و كيف كان، فالرواية) اى صحيحة ابى ولاد (اما من ادلة حلّ مال السلطان المحمول- بحكم الغلبة- الى الخراج و المقاسمة) و الجزية و الزكاة، فانها كانت هى الغالبة فى اموال الخلفاء.

(و اما من ادلة حلّ المال المأخوذ من المسلم لاحتمال كون المعطى مالكا له) لان اليد حجة مطلقا الا فيما اذا علمنا بان هذا المال بالذات محرم (و لا اختصاص له) اى لكون المال المأخوذ من يد المسلم حلالا

ص: 188

بالسلطان او عماله او مطلق الظالم او غيره.

و اين هذا من المطلب الّذي هو حلّ ما فى يد الجائر مع العلم اجمالا بحرمة بعضه المقتضى- مع حصر الشبهة- للاجتناب عن جميعه.

و مما ذكرنا يظهر الكلام فى مصححة ابى المعزى امرّ بالعامل فيخبرنى بالدراهم، آخذها؟ قال: نعم، و قلت: و احج بها؟ قال و حج بها.

و رواية محمد بن هشام امرّ بالعامل فيصلنى بالصلة، اقبلها؟ قال:

______________________________

(بالسلطان او عماله او مطلق الظالم) كالسارق (او غيره) بل اليد حجة مطلقا.

(و اين هذا) المعنى الّذي ذكرناه لصحيحة ابى ولاد (من المطلب الّذي هو حلّ ما فى يد الجائر مع العلم اجمالا بحرمة بعضه) اى بعض ما فى يد الجائر (المقتضى) ذلك العلم الاجمالى (- مع حصر الشبهة- للاجتناب عن جميعه) كما قرر مفصلا فى الاصول.

(و مما ذكرنا) من عدم دلالة صحيحة ابى ولاد على جواز ارتكاب اطراف الشبهة فى اموال السلطان (يظهر الكلام فى مصححة ابى المعزى) حيث سئل الامام عليه السلام قائلا (امرّ بالعامل فيخبرنى بالدراهم، آخذها؟ قال) عليه السلام (نعم، و قلت: و احج بها؟ قال) عليه السلام (و حج بها) فانه يدل على حجية يد المسلم و ان كان ظالما، و لا علاقة له بالحلية فى اطراف الشبهة المحصورة.

(و رواية محمد بن هشام) حيث سئل الامام عليه السلام قال (امرّ بالعامل فيصلنى بالصلة، اقبلها؟ قال) عليه السلام

ص: 189

نعم، قلت: و احج بها؟ قال نعم و حج بها.

و رواية محمد بن مسلم و زرارة عن ابى جعفر عليه السلام: جوائز السلطان ليس بها بأس، الى غير ذلك من الاطلاقات التى لا تشمل من صورة العلم الاجمالى بوجود الحرام الا الشبهة الغير المحصورة.

و على تقدير شمولها لصورة العلم الاجمالى مع انحصار الشبهة فلا يجدى، لان الحل فيها مستند الى تصرف الجائر بالإباحة و التمليك و هو محمول على الصحيح.

______________________________

(نعم، قلت: و احج بها؟ قال) عليه السلام (نعم و حج بها).

(و رواية محمد بن مسلم و زرارة عن ابى جعفر عليه السلام: جوائز السلطان ليس بها بأس، الى غير ذلك من الاطلاقات التى) ربما يتوهم شمولها لما علم انه حرام، او كان طرفا للعلم الاجمالى المنجز، لكنها لدى التحقيق (لا تشمل من صورة العلم الاجمالى بوجود الحرام الا الشبهة الغير المحصورة) لانها كاطلاقات: كل شي ء لك حلال، و ما اشبه مما تقدم انها لا تشمل صورة العلم الاجمالى المنجز.

(و على تقدير شمولها لصورة العلم الاجمالى مع انحصار الشبهة) فى المحصورة (فلا يجدى) فى افادة الجواز مطلقا (لان الحل) لتصرف الاخذ (فيها) اى فى الشبهة المحصورة (مستند الى تصرف الجائر) و يده (بالإباحة و التمليك) للاخذ (و هو) التصرف (محمول على الصحيح) لما تقدم من ان يد الجائر كيد العادل تحمل على الصحة.

ص: 190

مع انه لو اغمض النظر عن هذا او ردّ بشمول الاخبار لما اذا اجاز الجائر من المشتبهات فى نظره بالشبهة المحصورة.

و لا يجرى هنا اصالة الصحة فى تصرفه يمكن استناد الحل فيها الى ما ذكرنا سابقا من: ان تردد الحرام بين ما اباحه الجائر او ملكه، و بين ما بقى تحت يده من الاموال التى لا دخل فيها للشخص المجاز، تردد بين ما ابتلى به المكلف من المشتبهين و بين ما لم يبتل به و لا يجب الاجتناب حينئذ

______________________________

(مع انه لو اغمض النظر عن هذا) اى عن الحمل على الصحة (او ردّ ب) انه لا مقام للحمل على الصحة ل (شمول الاخبار) المتقدمة (لما اذا اجاز الجائر من المشتبهات فى نظره) اى نظر الجائر (بالشبهة المحصورة).

(و) قد تقدم انه (لا يجرى هنا اصالة الصحة فى تصرفه).

كما لو ان زيدا اعطانى احد الماءين المشتبهين فى نظره فانه لا يجوز لى استعماله فى الطهارة، للعلم بان اليد غير صحيحة و العلم الاجمالى بعدم صحة اليد كالعلم التفصيلى رافع لحجية اليد (يمكن استناد الحل فيها) اى فى الاخبار المجوزة للجائزة حتى فى هذه الصورة (الى ما ذكرنا سابقا من: ان تردد الحرام بين ما اباحه الجائر او ملكه، و بين ما بقى تحت يده) اى يد الجائر (من الاموال التى لا دخل فيها للشخص المجاز تردد بين ما ابتلى به المكلف من المشتبهين) «من» بيان «ما» (و بين ما لم يبتل به) مما بقى تحت يد الجائر، فيكون كما لو وقعت قطرة دم فى احد من إناءين، إنائي، أو إناء زيد الّذي ليس بمحلّ ابتلاء لى (و لا يجب الاجتناب حينئذ) اى حين كان بعض الاطراف خارجا عن محل

ص: 191

عن شي ء منهما من غير فرق بين هذه المسألة و غيرها من موارد الاشتباه، مع كون احد المشتبهين مختصا بابتلاء المكلف به.

ثم لو فرض نص مطلق فى حل هذه الشبهة مع قطع النظر عن التصرف و عدم الابتلاء بكلا المشتبهين، لم ينهض للحكومة على قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة.

كما لا ينهض ما تقدم من قولهم عليهم السلام: كل شي ء حلال، الخ.

______________________________

الابتلاء (عن شي ء منهما) لا الّذي تحت يد الجائر، لانه ليس محل الابتلاء و لا الّذي تحت يد الآخذ، لان التكليف غير منجز فى حقه، لا تفصيلا و لا اجمالا (من غير فرق) فى عدم الاجتناب اذا كان بعض الاطراف خارجا عن الابتلاء (بين هذه المسألة) اى مسألة جوائز السلطان (و غيرها من موارد الاشتباه، مع كون احد المشتبهين مختصا بابتلاء المكلف به) اى بذلك الاحد.

(ثم لو فرض نص مطلق فى حل هذه الشبهة) المحصورة فى باب الجائزة (مع قطع النظر عن التصرف) بان لم يقيد النص بصورة كون الجائر ذا يد عليه، و اليد حجة (و عدم الابتلاء) بان لم يقيد النص بصورة عدم ابتلاء الآخذ بسائر الاطراف للشبهة (بكلا المشتبهين، لم ينهض) ذلك النص المطلق (للحكومة على قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة) التى اطرافها محل الابتلاء.

(كما لا ينهض) للحكومة على القاعدة المذكورة (ما تقدم من قولهم عليهم السلام: كل شي ء حلال، الخ) الحديث.

ص: 192

و مما ذكرنا يظهر ان اطلاق الجماعة لحل ما يعطيه الجائر مع عدم العلم بحرمته عينا ان كان شاملا لصورة العلم الاجمالى بوجود حرام فى الجائزة مردد بين هذا، و بين غيره، مع انحصار الشبهة، فهو مستند الى حمل

______________________________

نعم هناك جملة من الروايات فى باب الربا تدل على الحلية بحيث تكون حاكمة على القاعدة.

كصحيحة الحلبى: لو ان رجلا ورث من ابيه مالا و قد عرف ان فى ذلك المال ربا، و لكن اختلط فى التجارة بغيره حلالا، كان حلالا طيبا فليأكله، و ان عرف منه شيئا معزولا انه ربوا، فليأخذ رأس ماله و ليرد الربا.

و صحيحة الاخرى: انى ورثت مالا و قد علمت ان صاحبه الّذي ورثت منه قد كان يربى، و قد اعرف ان فيه ربا و استيقن ذلك و ليس يطيب لى حلاله لحال علمى فيه، الى ان قال: فقال ابو جعفر عليه السلام: ان كنت تعلم بان فيه ربا و تعرف اهله فخذ رأس مالك، ورد ما سوى ذلك، و ان كان مختلطا فكله هنيئا، فان المال مالك.

و نحوها رواية ابى الربيع الشامى.

(و) كيف كان ف (مما ذكرنا يظهر ان اطلاق الجماعة لحل ما يعطيه الجائر مع عدم العلم بحرمته عينا) اذ مع العلم بالحرمة عينا حرام قطعا بلا اشكال- (ان كان) كلامهم (شاملا لصورة العلم الاجمالى بوجود حرام فى الجائزة مردد بين هذا) المأخوذ (و بين غيره، مع انحصار الشبهة) فى المحصورة (فهو مستند الى حمل

ص: 193

تصرفه على الصحة.

او الى عدم الاعتناء بالعلم الاجمالى، لعدم ابتلاء المكلف بالجميع لا لكون هذه المسألة خارجة بالنص من حكم الشبهة المحصورة.

نعم: قد يخدش فى حمل تصرف الظالم على الصحيح من حيث انه مقدم على التصرف فيما فى يده من المال المشتمل على الحرام على وجه عدم المبالات بالتصرف فى الحرام فهو كمن اقدم على ما فى يده من المال المشتبه المختلط عنده بالحرام.

______________________________

تصرفه على الصحة) و انه انما اعطى من الحلال.

(او الى عدم الاعتناء بالعلم الاجمالى، لعدم ابتلاء المكلف بالجميع لا) ان حكمهم بالحلية (لكون هذه المسألة خارجة بالنص من حكم الشبهة المحصورة) و انها على خلاف القاعدة الاولية.

(نعم: قد يخدش فى حمل تصرف الظالم على الصحيح من حيث انه مقدم على التصرف فيما فى يده من المال المشتمل على الحرام على وجه عدم المبالات بالتصرف فى الحرام).

فالدليل الدال على الحمل على الصحة منصرف عنه، كانصراف دليل النسيان عمن لا يبالى، سواء كان ذاكرا أم ناسيا (فهو كمن اقدم على ما فى يده من المال المشتبه المختلط عنده بالحرام).

فانه اذا كان فى يد زيد مالين احدهما حرام و اقدم على التصرف فى احدهما لا يشمله دليل حمل فعل المسلم على الصحيح، لانا نعلم بعدم الصحة فى تصرفه، هذا، اذ قد تنجز فى حقه التكليف، و مع تنجز التكليف

ص: 194

و لم يقل احد بحمل تصرفه حينئذ على الصحيح.

لكن الظاهر ان هذه الخدشة غير مسموعة عند الاصحاب، فانهم لا يعتبرون فى الحمل على الصحيح احتمال تورع المتصرف عن التصرف الحرام، لكونه حراما بل يكتفون باحتمال صدور الصحيح منه و لو لدواع اخر.

______________________________

لا يحمل الفعل على الصحيح.

فكما يسقط الحمل على الصحة هنا، يسقط فيما اذا عرفنا منه عدم المبالات، و انه لا فرق عنده بين الحرام و الحلال فى تصرفه و عدم مبالاته

(و لم يقل احد بحمل تصرفه حينئذ) اى حين كان المال مختلطا عنده و تصرف فى بعض الاطراف (على الصحيح).

(لكن الظاهر) من مساق كلام الفقهاء (ان هذه الخدشة) فى الحمل على الصحة، اى الخدشة فى تصرف من لا يبالى- و عدم الحمل على الصحة- (غير مسموعة عند الاصحاب، فانهم لا يعتبرون فى الحمل على الصحيح احتمال تورع المتصرف عن التصرف الحرام) تورعا (لكونه) اى التصرف (حراما).

فقوله «لكون» علة «للتورع».

و الحاصل: ان احتمال التورع عن الحرام كاف فى حمل فعله على الصحة (بل يكتفون) فى الحمل على الصحة (باحتمال صدور الصحيح منه و لو لدواع اخر).

مثلا: اذا احتملنا ان زيدا الّذي لا يفرق عنده الحرام و الحلال،

ص: 195

و اما عدم الحمل فيما اذا اقدم المتصرف على الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده، فلفساد تصرفه فى ظاهر الشرع، فلا يحمل على الصحيح الواقعى

______________________________

اعطانى دينارا حلالا، و كان سبب اعطائه الحلال لا الحرام، ان الحلال كان اقرب تناولا بالنسبة إليه، لان الحرام كان فى صندوق مقفول، فكسل عن فتح الصندوق، لا انه تورع عن الحرام لكونه حراما، كان هذا الاحتمال كافيا فى حمل فعله على الصحيح.

و السبب فى اطلاق حملهم على الصحة- مع الاحتمال- اطلاق الادلة.

كقوله عليه السلام: ضع امر اخيك على احسنه.

و قوله عليه السلام: الاشياء كلها على ذلك الا ان تستبين او تقوم به البينة.

و قوله عليه السلام: و انى و الله اعلم ان اكثر هؤلاء لا يسمون، و للسيرة القطعية بطهارة العامة مع انهم لا يتورعون عن بعض النجاسات و بعض المحرمات عندنا الى غيرها من الادلة المذكورة فى مسألة حمل الفعل على الصحيح.

(و) ان قلت: فما هو الفارق بين هذه المسألة التى تحملون عمل الظالم فيها على الصحيح، و بين مسألة ما لو علمنا انه اقدم على التصرف فى احد المشتبهين المنجز عليه، حيث لا تحملون الفعل على الصحيح.

قلت: (اما عدم الحمل) لفعله على الصحيح (فيما اذا اقدم المتصرف على الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده، فلفساد تصرفه فى ظاهر الشرع) لان الشارع نهاه عن التصرف فى كل واحد من المشتبهين و هو يتصرف فيهما (فلا يحمل على الصحيح الواقعى) و ان كان محتملا للصحة واقعا

ص: 196

فتأمل، فان المقام لا يخلو عن اشكال.

و على اى تقدير فلم يثبت من النص، و لا الفتوى- مع اجتماع شرائط اعمال قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة- عدم وجوب الاجتناب فى المقام، و الغاء تلك القاعدة.

و اوضح ما فى هذا الباب من عبارات الاصحاب ما فى السرائر، حيث قال: اذا كان يعلم ان فيه شيئا مغصوبا، الا انه غير

______________________________

بان يكون هذا التصرف فى احدهما تصرفا فى الحلال الواقعى (فتأمل، فان المقام لا يخلو عن اشكال).

فان من علمنا انه لا يتورع عن الحرام، لا تكون يده أمارة على ما يظهر من حال اليد من انها أمارة فكيف نحكم بصحة تصرفاته.

اقول لكن قد عرفت اطلاق ادلة الحمل على الصحة، فلا اشكال فيه.

(و على اى تقدير) سواء قلنا بصحة قاعدة الحمل على الصحة فى يد الجائر، أم لا (فلم يثبت من النص، و لا الفتوى- مع اجتماع شرائط اعمال قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة-) بان كانت الاطراف محصورة، و كان كلها محل الابتلاء (عدم وجوب الاجتناب فى المقام) اى فى جوائز الجائر، و «عدم» فاعل «لم يثبت» (و الغاء تلك القاعدة) هذه جملة مستأنفة، اى ان النص و الفتوى تقتضى ابقاء قاعدة الاحتياط فى اطراف الشبهة المحصورة، و الجملة عطف على قوله «فلم يثبت».

(و اوضح ما فى هذا الباب من عبارات الاصحاب ما فى السرائر، حيث قال: اذا كان يعلم) الآخذ (ان فيه) اى فى مال الجائر (شيئا مغصوبا، الا انه غير

ص: 197

متميز العين، بل هو مخلوط فى غيره من امواله او غلاته التى يأخذها على جهة الخراج، فلا بأس بشرائه منه، و قبول صلته لانها صارت بمنزلة المستهلك، لانه غير قادر على ردها بعينها، انتهى.

و قريب منها ظاهر عبارة النهاية، بدون ذكر التعليل.

و لا ريب ان الحلى لم يستند فى تجويز اخذ المال المردد الى النص، بل الى ما زعمه من القاعدة.

و لا يخفى عدم تماميتها الا ان

______________________________

متميز العين) لدى الآخذ (بل هو) اى المغصوب (مخلوط فى غيره من امواله) اى اموال الغاصب (او) فى (غلاته التى يأخذها على جهة الخراج) بان كانت بعض الغلات له، و بعضها مغصوبة (فلا بأس بشرائه منه، و قبول صلته) و التصرف فى بعض امواله تصرفا باجازته (لانها) اى الغلة او الاموال المغصوبة (صارت بمنزلة المستهلك، لانه) اى الجائر (غير قادر على ردها بعينها، انتهى) عبارة السرائر.

(و قريب منها ظاهر عبارة النهاية، بدون ذكر التعليل) كما علل الحلى بانه صار بمنزلة المستهلك.

(و لا ريب ان الحلى لم يستند فى تجويز اخذ المال المردد) بين الحرام و الحلال (الى النص) كما يقول القائلون بحلية التصرف فى الجائزة مطلقا، خلافا لقاعدة وجوب الاجتناب فى اطراف الشبهة المحصورة (بل الى ما زعمه من القاعدة) بانه صار مستهلكا، فلا يقدر على رده.

(و لا يخفى عدم تماميتها) اى قاعدة الاستهلاك التى ذكرها (الا ان

ص: 198

يريد به الشبهة غير المحصورة بقرينة الاستهلاك، فتأمل.

[و أما الصورة الثالثة فهو أن يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه]

«و اما الصورة الثالثة» فهو ان يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه فلا اشكال فى حرمته حينئذ على الآخذ، الا ان الكلام فى حكمه اذا وقع فى يده.

فنقول: علمه بحرمته اما ان يكون قبل وقوعه فى يده، و اما ان يكون بعده.

فان كان قبله لم يجز له ان يأخذه بغير نية الرد الى صاحبه- سواء اخذه اختيار او تقية- لان اخذه بغير هذه النية تصرف لم يعلم

______________________________

يريد به الشبهة غير المحصورة بقرينة الاستهلاك) اذ فى المحصورة لا يتحقق الاستهلاك (فتأمل).

حيث ان فى غير المحصورة أيضا يتمكن الغاصب من الرد، اذ لا يلزم رد العين بذاتها، بل اللازم رد العين او البدل عند تعذر العين.

«و اما الصورة الثالثة» من الصور الاربع لاخذ الجائزة من الجائر (فهو ان يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه) بان يعلم ان عين هذا المال حرام مغصوب (فلا اشكال فى حرمته حينئذ على الآخذ) فاللازم ان لا يأخذه الا ان تكون هناك ضرورة او نحوها (الا ان الكلام فى حكمه) اى المال المحرم (اذا وقع فى يده) اختيارا عصيانا، او اضطرارا، او كان لا يعلم بانه حرام ثم علم بذلك.

(فنقول: علمه بحرمته اما ان يكون قبل وقوعه فى يده، و اما ان يكون بعده).

(فان كان) العلم (قبله لم يجز له ان يأخذه بغير نية الرد الى صاحبه- سواء اخذه اختيار او تقية-).

و انما تجب هذه النية (لان اخذه بغير هذه النية تصرف) فى مال الغير بغير اذن صاحبه، و (لم يعلم

ص: 199

رضا صاحبه به.

و التقية تتأدّى بقصد الردّ، فان اخذه بغير هذه النية، كان غاصبا ترتب عليه احكامه، و ان اخذه بنية الردّ كان محسنا، و كان فى يده امانة شرعية، و ان كان العلم به بعد وقوعه فى يده كان كذلك أيضا.

______________________________

رضا صاحبه به) اى بهذا التصرف.

(و) ان قلت: هذا انما يتم فى صورة الاختيار اما صورة التقية فهو مضطر.

قلت: (التقية تتأدّى بقصد الردّ) و الضرورات تقدر بقدرها (فان اخذه بغير هذه النية، كان غاصبا ترتب عليه) اى على الاخذ (احكامه) فان للغصب احكاما خاصة، كما ان للامانة الشرعية احكاما خاصة (و ان اخذه بنية الرد كان محسنا) و مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (و كان فى يده امانة شرعية) يجب ردها الى اصحابها او تسليمها الى الحاكم الشرعى.

و الظاهر انه يجوز الاخذ اختيارا بهذه النية و ان احتمل ان صاحبه لا يرضى بوضع اليد عليه لاصالة جواز اعانة المؤمن، الا ما علم بخروجه، فان عون الضعيف صدقة- كما فى الحديث-.

و لقوله سبحانه «مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» بل و لحسن الانقاذ، و كلما حكم به العقل حكم به الشرع اذا كان فى سلسلة العلل (و ان كان العلم به بعد وقوعه فى يده كان كذلك أيضا) فاذا قصد الرد كانت امانة شرعية، و ان لم يقصد الرد كان محكوما بحكم الغصب، لانه فى صورة قصد الرد، قبل ان يعلم بانه مال الناس جاز اخذه بحكم الشارع، فلم يمكن محكوما بانه غاصب، و بعد ان علم قصد الرد فصارت امانة شرعية.

ص: 200

و يحتمل قويا الضمان هنا لانه اخذه بنية التملك لا بنية الحفظ و الرد و مقتضى عموم: على اليد، الضمان.

و ظاهر المسالك عدم الضمان رأسا مع القبض جاهلا، قال: لانه يد امانة فيستصحب.

و حكى موافقته عن العلامة الطباطبائى ره فى مصابيحه لكن المعروف من المسالك، و غيره فى مسألة ترتب الا يدى على مال الغير ضمان كل منهم و لو مع الجهل.

______________________________

(و يحتمل قويا الضمان هنا) فى صورة ان علم بعد الاخذ بمعنى عدم كونه محكوما بحكم الامانة الشرعية، و ان قصد الردّ حين ان علم (لانه اخذه بنية التملك) لنفسه (لا بنية الحفظ و الرد) الى مالكه.

(و مقتضى عموم: على اليد) ما اخذت حتى تؤدى (الضمان).

(و) لكن (ظاهر المسالك عدم الضمان رأسا) اى اطلاقا (مع القبض جاهلا) بانه مال الناس (قال: لانه يد امانة) شرعية، لان الشارع اجاز له اخذ الجائزة فاخذه باذن الشارع، فى حال الجهل فهو امانة شرعية (فيستصحب) كونه امانة بعد العلم.

(و حكى موافقته) اى موافقة المسالك (عن العلامة الطباطبائى ره فى مصابيحه) هذا.

و (لكن المعروف من المسالك، و غيره فى مسألة ترتب الا يدى على مال الغير) كان وضع زيد يده على مال عمرو، ثم اعطاه لخالد، و خالد اعطاه لبكر، و هكذا (ضمان كل منهم) للمال (و لو مع الجهل) بانه مال

ص: 201

غاية الامر رجوع الجاهل على العالم اذا لم يقدم على اخذه مضمونا

و لا اشكال عندهم ظاهرا فى انه لو استمرّ جهل القابض المتهب الى ان تلف فى يده كان للمالك الرجوع عليه، و لا رافع يقينيا لهذا المعنى مع حصول العلم بكونه مال الغير، فيستصحب الضمان، لا عدمه.

و ذكر فى المسالك فيمن استودعه الغاصب مالا مغصوبا انه لا يرده

______________________________

الغير.

(غاية الامر رجوع الجاهل على العالم) بالغرامة (اذا لم يقدم) الجاهل (على اخذه مضمونا).

كما لو اباح زيد الغاصب المال لعمرو فاتلفه عمرو- ظانا انه مال زيد- فان صاحب المال اذا رجع الى عمرو الّذي عليه قرار الضمان لإتلافه و اخذ المال منه، كان لعمرو الحق فى الرجوع الى زيد الغارّ له، لان المغرور يرجع الى من غرّه.

(و لا اشكال عندهم ظاهرا فى انه لو استمر جهل القابض المتهب) اى الآخذ للمال هبة (الى ان تلف) المال (فى يده كان للمالك الرجوع عليه) فانه لو كان امانة شرعية- كما ذكر المسالك فى مسألة الجائزة- لم يكن وجه لضمان المتهب (و لا رافع يقينيا لهذا المعنى) اى الضمان، لانه وضع اليد على مال الغير (مع حصول العلم) للآخذ (بكونه مال الغير) حينما اخذ الجائزة من الجائر (ف) اذا علم بعد ذلك (يستصحب الضمان لا عدمه) كما قال المسالك.

(و ذكر فى المسالك فيمن استودعه الغاصب مالا مغصوبا انه لا يرده

ص: 202

إليه مع الامكان، و لو اخذه منه قهرا، ففى الضمان نظر، و الّذي يقتضيه قواعد الغصب ان للمالك الرجوع على ايّهما شاء و ان كان قرار الضمان على الغاصب، انتهى.

و الظاهر ان مورد كلامه ما اذا اخذ الودعى المال من الغاصب جهلا بغصبه، ثم تبين له.

و هو الّذي حكم فيه هنا بعدم الضمان لو استرده الظالم المجيز او تلف بغير تفريط.

______________________________

إليه مع الامكان) اى امكان عدم الرد (و لو اخذه) الغاصب (منه قهرا ففى الضمان نظر، و الّذي يقتضيه قواعد الغصب ان للمالك الرجوع على ايّهما شاء) الغاصب او المستودع عنده (و ان كان قرار الضمان على الغاصب) لانه المتلف له (انتهى) كلام المسالك (و الظاهر) من سوق العبارة (ان مورد كلامه) اى كلام المسالك (ما اذا اخذ الودعى المال من الغاصب جهلا بغصبه، ثم تبين له) انه غصب.

(و) كلامه هذا ينافى كلامه فى باب الجائزة- كما تقدم- اذ: مورد الغصب (هو الّذي حكم فيه هنا) فى باب الجائزة (بعدم الضمان لو استرده الظالم المجيز، او تلف بغير تفريط).

و يمكن ان يقال فى وجه الفرق ان الشارع اجاز الاخذ من الجائر مع الجهل، فاذا اخذ كانت امانة شرعية، بخلاف ما اذا اخذه من الغاصب، فان الشارع لم يجز الاخذ، و انما تخيل الآخذ ان الشارع اجازه.

ص: 203

و على اىّ حال فيجب على المجاز ردّ الجائزة بعد العلم بغصبيتها الى مالكها او وليه.

و الظاهر انه لا خلاف فى كونه فوريا.

نعم يسقط باعلام صاحبه به.

و ظاهر ادلة وجوب اداء الامانة وجوب الاقباض و عدم كفاية التخلية الا ان يدعى انها فى مقام حرمة الحبس، و وجوب التمكين، لا تكليف

______________________________

و فيه ان الشارع اجاز فى باب الغاصب أيضا حيث قال: احمل امر اخيك على الصحة و قال: لما قام للمسلمين سوق، و ما اشبه ذلك، فتأمّل.

(و على اى حال فيجب على المجاز ردّ الجائزة) او المأخوذ من السلطان بيعا، او ما اشبه (بعد العلم بغصبيتها الى مالكها او وليه) من الوارث، او الحاكم الشرعى، او من اشبه.

(و الظاهر انه لا خلاف فى كونه) اى وجوب الردّ (فوريا) حيث علم.

(نعم يسقط) لزوم الردّ فورا (باعلام صاحبه به) بان قال له: ما لك عندى خذه متى شئت، او آتيك به غدا، فيما اذا رضى المالك بالتأخير.

(و) هل اللازم ان يتحمل الآخذ تجشم الردّ؟ او يكفى ان يخلى بين المال و بين مالكه (ظاهر ادلة وجوب اداء الامانة) كقوله سبحانه:

إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا (وجوب الاقباض و عدم كفاية التخلية) لان التخلية ليست اداء (الا ان يدعى انها) اى التأدية ليس معناها الاعطاء، بل (فى مقام حرمة الحبس) و الحيلولة بين المالك و بين ماله (و وجوب التمكين) عطف على «حرمة» (لا تكليف

ص: 204

الامين بالاقباض.

و من هنا ذكر غير واحد- كما عن التذكرة، و المسالك، و جامع المقاصد- ان المراد بردّ الامانة رفع يده عنها و التخلية بينه و بينها.

و على هذا فيشكل حملها إليه لانه تصرف لم يؤذن فيه الا اذا كان الحمل مساويا لمكانه الموجود فيه، او احفظ.

فان الظاهر جواز نقل الامانة الشرعية من مكان الى ما لا يكون ادون من الاول فى الحفظ.

______________________________

الامين بالاقباض) و تجشّم صعوبة ذلك.

(و من هنا ذكر غير واحد) من الفقهاء (- كما عن التذكرة، و المسالك و جامع المقاصد- ان المراد بردّ الامانة رفع يده عنها و التخلية بينه) اى بين المالك (و بينها) اى الامانة.

(و على هذا) الّذي ذكروا من لزوم التخلية فقط (فيشكل حملها) اى الامانة (إليه) اى الى المالك (لانه تصرف لم يؤذن فيه الا اذا كان الحمل مساويا لمكانه الموجود فيه) من جهة الحفظ (او احفظ) و لم نعلم بان صاحبها غير راض حتى بهذا المقدار من التصرف، لوضوح ان كون المال فى الصندوق ليس تصرفا جديد امثل حمله فى جيبه، و لو بقصد الايصال الى صاحبه، لانه تصرف جديد.

(فان الظاهر جواز نقل الامانة الشرعية من مكان الى ما لا يكون ادون من الاول فى الحفظ) بل الى الادون أيضا اذا كان حرزا عرفا.

كما لو كان فى صندوقين من حديد فنقله الى صندوق حديدى.

ص: 205

و لو جهل صاحبه وجب الفحص مع الامكان، لتوقف الاداء الواجب بمعنى التمكين و عدم الحبس على الفحص.

مضافا الى الامر به فى الدين المجهول المالك

______________________________

و انما نقول: ان الظاهر جواز النقل، اذ الدليل انما دلّ على وجوب الحفظ و لم يدل على وجوب الحفظ فى المكان الاول.

نعم لو علمنا من المالك عدم رضاه بذلك لم يجز، لانه تصرف فى مال الغير بدون اذنه، و لو كان المكان الثانى احفظ.

(و لو) علم الاخذ للجائزة ان هذه الجائزة مغصوبة و (جهل صاحبه وجب الفحص مع الامكان) للفحص اما مع عدم الامكان كما لو علم انه لشخص فى الهند سقط الفحص، لانه من المال المتعذر الايصال عرفا

و انما يجب الفحص (لتوقف الاداء الواجب بمعنى التمكين) للمالك من قبض ماله (و عدم الحبس) للامانة (على الفحص) و ما يتوقف عليه الواجب واجب شرعا او عقلا.

(مضافا الى الامر به) اى بالفحص (فى الدين المجهول المالك).

و من المعلوم انه لا فرق بين الدين و العين.

و الرواية هى صحيحة معاوية المروية فى الفقيه عن ابى عبد الله عليه السلام فى رجل كان له على رجل حق، ففقده، و لا يدرى اين يطلب، و لا يدرى أ حيّ هو أم ميت، و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا، قال عليه السلام: اطلب، قال: قد طال فاتصدق به؟ قال عليه السلام:

اطلب.

ص: 206

ثم لو ادعاه مدع، ففى سماع قول من يدعيه لانه لا معارض له.

او مع الوصف تنزيلا له منزلة اللقطة.

او يعتبر الثبوت شرعا للاصل، وجوه.

و يحتمل غير بعيد عدم وجوب الفحص لاطلاق غير واحد من الاخبار.

______________________________

(ثم لو ادعاه) اى المال الّذي اخذه بالجائزة و علم انه مال مغصوب اذ مع عدم العلم جرت اصالة الصحة- كما تقدم- (مدع، ففى سماع قول من يدعيه مطلقا) سواء وصف المال، أم لا، او جاء بالدليل الشرعى لكونه ما له، أم لا (لانه لا معارض له) و الدعوى بدون المعارضة حجة.

(او) سماع قول من يدعيه (مع الوصف تنزيلا له منزلة اللقطة) التى ذكروا فيها كون السماع متوقفا على الوصف من المدعى.

(او يعتبر الثبوت شرعا) باقامة البينة و نحوها من المثبتات الشرعية (للاصل) فان الاصل عدم ثبوت كون الحق للمدعى، الا اذا جاء بالدليل الشرعى (وجوه) و احتمالات، و ان كان الثالث غير بعيد اذ قد اشتغلت ذمة الآخذ بهذا المال، فاللازم افراغ ذمته بالرد الى مالكه او التصدق به فالدفع بدون الامرين غير مبرأ للذمة، فتأمّل.

(و يحتمل غير بعيد عدم وجوب الفحص) عن المالك، و ان علم انه مغصوب (لاطلاق غير واحد من الاخبار) من قولهم عليهم السلام: فمن عرفت منهم رددت عليه، و من لم تعرف تصدقت عنه، فان عدم امره عليه السلام بالفحص بالنسبة الى من لم يعرف دليل عدم وجوب الفحص.

اللهم الا ان يقال: ان الخبر ليس مسوقا من هذه الجهة، فلا

ص: 207

ثم ان المناط صدق اشتغال الرجل بالفحص نظير ما ذكروه فى تعريف اللقطة.

و لو احتاج الفحص الى بذل مال، كاجرة دلال صائح عليه فالظاهر عدم وجوبه على الآخذ بل يتولاه الحاكم ولاية عن صاحبه و يخرج عن العين اجرة الدلال، ثم يتصدق بالباقى ان لم يجد صاحبه.

و يحتمل وجوبه عليه

______________________________

اطلاق فيه.

(ثم ان المناط صدق اشتغال الرجل بالفحص) بناء على وجوب الفحص (نظير ما ذكروه فى تعريف اللقطة) فلا حدّ خاص للفحص، و ينتهى وجوب الفحص باليأس عرفا، حتى لا يصدق انه لم يرد الامانة.

(و لو احتاج الفحص الى بذل مال، كاجرة دلال صائح عليه) او اجرة طبع فى الجريدة مثلا (فالظاهر عدم وجوبه على الآخذ) لادلة:

لا ضرر (بل يتولاه) اى اعطاء المال (الحاكم ولاية عن صاحبه و يخرج عن العين اجرة الدلال، ثم يتصدق بالباقى ان لم يجد صاحبه) و ان وجده اعطاه الباقى.

و انما يجوز للحاكم ان يفعل ذلك لانه ولى الغائب، و من اشبه، و اللازم عليه القيام بمصالحهم.

و يحتمل ان يكون ثمن الفحص على بيت المال، لانه المعد لمصالح المسلمين.

(و يحتمل وجوبه) اى بذل اجرة الدلال (عليه) اى على الواجد

ص: 208

لتوقف الواجب عليه.

و ذكر جماعة- فى اللقطة- ان اجرة التعريف على الواجد، لكن حكى عن التذكرة: انه ان قصد الحفظ دائما يرجع امره الى الحاكم، ليبذل اجرته من بيت المال، او يستقرض على المالك او يبيع بعضها ان رآه اصلح.

و استوجه ذلك جامع المقاصد.

ثم ان الفحص لا يتقيد بالسنة- على ما ذكره الاكثر هنا- بل حدّه:

اليأس، و هو مقتضى الاصل،

______________________________

(لتوقف) الاداء (الواجب عليه) و ما لا يتم الواجب الا به واجب.

(و) يؤيده انه (ذكر جماعة- فى اللقطة- ان اجرة التعريف على الواجد، لكن حكى عن التذكرة: انه) اى الواجد (ان قصد الحفظ) لما وجده (دائما) حتى يظفر بصاحبه، لانه مخير بين الحفظ و التعريف، و التصرف مع الضمان (يرجع امره الى الحاكم، ليبذل اجرته من بيت المال او يستقرض) الحاكم الاجرة (على المالك، او يبيع بعضها) اى بعض اللقطة (ان رآه) اى البيع (اصلح) من الاستقراض.

(و استوجه ذلك) اى البيع (جامع المقاصد) او المراد ان جامع المقاصد استوجه قول العلامة رحمه الله.

(ثم ان الفحص لا يتقيد بالسنة- على ما ذكره الاكثر هنا-) اى فى باب الجائزة، و ان قيدوه بالسنة فى باب اللقطة (بل حدّه) اى الفحص (اليأس، و هو مقتضى الاصل) الدال على عدم وجوب الفحص اكثر من

ص: 209

الا ان المشهور كما فى جامع المقاصد على انه اذا اودع الغاصب مال الغصب لم يجز الرد إليه، بل يجب رده الى مالكه، فان جهل عرف سنة ثم يتصدق به عنه مع الضمان.

و به رواية جعفر بن غياث، لكن موردها فيمن اودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا و اللص مسلم، فهل يرد عليه؟ قال: لا يرده، فان امكنه ان يرده على صاحبه فعل، و الا كان فى يده بمنزله اللقطة، يصيبها فيعرفها حولا، فان اصاب صاحبها، و الا تصدق بها فان جاء صاحبها

______________________________

ذلك (الا ان المشهور كما فى جامع المقاصد على انه اذا اودع الغاصب مال الغصب) عند احد (لم يجز الرد إليه) اى الرد الى الغاصب، لانه تكون امانة شرعية بيد الآخذ (بل يجب) عليه (رده الى مالكه، فان جهل) الآخذ المالك (عرف سنة، ثم يتصدق به عنه مع الضمان).

و مقتضى هذا ان يكون اللازم فى المقام أيضا التعريف سنة.

قال جامع المقاصد.

(و به) اى بلزوم التعريف سنة (رواية جعفر بن غياث) و لو ثبتت دلالة الرواية، كانت مقدمة على الاصل (لكن موردها فيمن اودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا و اللص مسلم، فهل يرد) الآخذ الدراهم (عليه؟

قال) عليه السلام (لا يرده، فان امكنه ان يرده على صاحبه فعل و الا كان فى يده بمنزلة اللقطة، يصيبها) الانسان اى يجدها (فيعرفها حولا، فان اصاب صاحبها) فهو (و الا تصدق بها) مع الضمان (فان جاء صاحبها

ص: 210

بعد ذلك خيّر بين الغرم، و الاجر.

فان اختار الاجر فالاجر له، و ان اختار الغرم، غرم له، و كان الاجر له.

و قد تقدم تعدى الاصحاب من اللص الى مطلق الغاصب بل الظالم و لم يتعدّوا من الوديعة المجهول مالكها الى مطلق ما يعطيه الغاصب و لو بعنوان غير الوديعة كما فى ما نحن فيه.

نعم ذكر فى السرائر فيما نحن فيه انه روى انه بمنزلة اللقطة، ففهم

______________________________

بعد ذلك خيّر) بصيغة المجهول (بين الغرم) اى يغرم الواجد بدلها للمالك، و الاجر للواجد (و الاجر) للمالك، لان ماله تصدق به.

(فان اختار الاجر) و ثواب الصدقة (فالاجر له) و لا غرامة على الواجد (و ان اختار الغرم، غرم) الواجد (له) اى للمالك (و كان الاجر له) اى للواجد، الى آخر الخبر.

(و قد تقدم تعدى الاصحاب من اللص) المذكور فى الرواية (الى مطلق الغاصب بل الظالم) فى وجوب التعريف سنة، ثم التصدق (و لم يتعدّوا من الوديعة المجهول مالكها) كما هو مورد الرواية (الى مطلق ما يعطيه الغاصب، و لو بعنوان غير الوديعة) كالجائزة (كما فى ما نحن فيه) او المعاملة، سواء عامل و هو عالم بان البائع غاصب- تساهلا- او لم يعلم ثم عرف بعد ذلك.

(نعم ذكر فى السرائر فيما نحن فيه) من الجائزة (انه روى انه بمنزلة اللقطة، ففهم

ص: 211

التعدى من الرواية.

و ذكر فى التحرير: ان اجراء حكم اللقطة فيما نحن فيه ليس ببعيد كما انه عكس فى النهاية و التحرير، فالحقا الوديعة بمطلق مجهول المالك.

و الانصاف ان الرواية يعمل بها فى الوديعة، او مطلق ما اخذ من الغاصب بعنوان الحسبة للمالك، لا مطلق ما اخذ منه حتى لمصلحة الآخذ، فان الاقوى فيه تحديد التعريف فيه باليأس، للاصل

______________________________

التعدى من الرواية) ان كان مراده من الرواية هذه الرواية التى ذكرناها

و يحتمل انه ظفر برواية اخرى فى مدينة العلم المفقود، او غيره لم نظفر بها.

(و ذكر فى التحرير: ان اجراء حكم اللقطة فيما نحن فيه ليس ببعيد) للمناط المستفاد من الرواية السابقة (كما انه عكس فى النهاية و التحرير، فالحقا الوديعة بمطلق مجهول المالك) كالغصب و اللقطة و السرقة، و نحوها، و انما الحاقاها بذلك للمناط.

(و الانصاف ان الرواية) المتقدمة عن حفص (يعمل بها فى الوديعة) كما هى موردها (او مطلق ما اخذ من الغاصب بعنوان الحسبة) اى قربة الى الله تعالى، بان اخذه ليحفظه (للمالك، لا) ان الرواية شاملة ل (مطلق ما اخذ منه) اى من الغاصب (حتى لمصلحة الآخذ) كالجائزة (فان الاقوى فيه تحديد التعريف فيه باليأس) عن صاحبه (للاصل) بعدم وجوب الزيادة على اليأس.

ص: 212

بعد اختصاص المخرج عنه بما عدا ما نحن فيه.

مضافا الى ما ورد من الامر بالتصدق بمجهول المالك مع عدم معرفة المالك، كما فى الرواية الواردة فى بعض عمّال بنى امية لعنهم الله من الامر بالصدقة بما لا يعرف صاحبه مما وقع فى يده من اموال الناس بغير حق.

ثم الحكم بالصدقة هو المشهور فيما نحن فيه اعنى جوائز الظالم.

______________________________

و حيث ان اليأس غالبا يحصل قبل الحول، كان الاصل عدم وجوب التعريف اكثر من ذلك، اما اذا لم يحصل اليأس الى الحول، فلا يشترط الزيادة قولا و احدا (بعد اختصاص المخرج عنه) اى عن الاصل (بما عدا ما نحن فيه).

فان المخرج و هو رواية حفص خاصة بغير صورة الاخذ لمصلحة الآخذ

(مضافا) على الاصل (الى ما ورد من الامر بالتصدق بمجهول المالك مع عدم معرفة المالك) من غير تقييد بالتعريف سنة (كما فى الرواية الواردة فى بعض عمّال بنى امية لعنهم الله من الامر بالصدقة بما لا يعرف صاحبه مما وقع فى يده من اموال الناس بغير حق).

(ثم) ان المصنف اشار الى جهة اخرى من البحث، و هى ان الحكم بعد اليأس عن صاحب الجائزة التصدق او غيره، و (الحكم بالصدقة هو المشهور فيما نحن فيه اعفى جوائز الظالم) حين علم الآخذ بالغصبية، و لم يجد صاحبها.

ص: 213

و نسبه فى السرائر الى رواية اصحابنا، فهى مرسلة مجبورة بالشهرة المحققة مؤيدة بان التصدق اقرب طرق الايصال.

و ما ذكره الحلّى من ابقائها امانة فى يده و الوصية به معرض للمال للتلف مع انه لا يبعد شهادة حال المالك للقطع برضاه بانتفاعه بماله فى الآخرة على تقدير عدم انتفاعه به فى الدنيا

______________________________

(و نسبه فى السرائر الى رواية اصحابنا، فهى) اى رواية السرائر (مرسلة مجبورة بالشهرة المحققة مؤيدة)- بصيغة المفعول- (بان التصدق اقرب طرق الايصال) لانه اذا لم يجد صاحبه فليوصل ثواب المال الى صاحبه.

لكن لا يخفى ان مطلق الثواب كالوقف، و بناء المسجد، و ما اشبه أيضا طريق، و لا دليل على ان الصدقة اقرب منها.

اللهم الا ان يراد بالصدقة الاعم من ذلك.

(و ما ذكره الحلى من ابقائها امانة فى يده) بعد اليأس عن صاحبها (و الوصية به) حين الموت ليوصلوها الى صاحبها ان ظفروا به (معرض للمال للتلف) و ذلك خلاف حفظ الامانة (مع انه لا يبعد شهادة حال المالك) الظاهر من الملاك لدى تجرّدهم عن عواطف حب عين المال بسبب يأسهم عن وصولهم الى مالهم (للقطع برضاه بانتفاعه بماله فى الآخرة) الحاصل بالتصدق.

و قوله «للقطع» متعلق ب «شهادة» اى يشهد حال المالك بالقطع برضاه الخ (على تقدير عدم انتفاعه به) اى بماله (فى الدنيا).

ص: 214

هذا.

و العمدة ما ارسله فى السرائر مؤيدا باخبار اللقطة و ما فى منزلتها

و ببعض الاخبار الواردة فى حكم ما فى يد بعض عمال بنى امية الشامل بإطلاقها لما نحن فيه من جوائز بنى امية حيث قال له عليه السلام اخرج من جميع ما اكتسبت فى ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت.

و يؤيده أيضا الامر بالتصدق بما يجتمع

______________________________

و (هذا) وجه اعتبارى.

(و) لكن (العمدة ما ارسله فى السرائر) كما تقدم (مؤيدا باخبار اللقطة و ما فى منزلتها) اى حكم اللقطة الدال على التصدق، بعد وحدة المناط فى الجميع، بل بما دل على انه يجعله ما لا لنفسه، فاذا جاز ذلك فالتصدق اولى، كما فى اخبار الدين.

(و) مؤيدا (ببعض الاخبار الواردة فى حكم ما فى يد بعض عمال بنى امية الشامل بإطلاقها لما نحن فيه من جوائز بنى امية) اذ ما فى يد العامل جائزة و غير جائزة.

و من المعلوم ان جوائز بنى امية لا خصوصية لها، بل هى كسائر جوائز الظلمة، كرواية على بن حمزة (حيث قال له عليه السلام: اخرج من جميع ما اكتسبت فى ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدقت) اى بماله عن قبله.

(و يؤيده) اى يؤيد وجوب التصدق (أيضا الامر بالتصدق بما يجتمع

ص: 215

عند الصياغين، من اجزاء النقدين،

و ما ورد من الامر بالتصدق بغلة الوقف المجهول اربابه.

و ما ورد من الامر بالتصدق بما يبقى فى ذمة الشخص لاجير استأجره

و مثله مصححة يونس فقلت: جعلت فداك كنّا مرافقين لقوم بمكة فارتحلنا عنهم، و حملنا بعض متاعهم

______________________________

عند الصياغين، من اجزاء النقدين) كرواية ميمون الصائغ، حيث سئل الامام عليه السلام فيما يكنس من التراب فابيعه، فما اصنع به؟ قال عليه السلام تصدق به.

(و ما ورد من الامر بالتصدق بغلة الوقف المجهول اربابه)

فقد سئل الامام عليه السلام: على بن راشد عن ضيعة اشتراها، ثم علم بانها وقف فقال عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف، و لا تدخل الغلة فى ملكك ادفعها الى من اوقفت عليه، قلت: لا أعرف لهاربا، فقال:

تصدق بغلتها، بناء على أنّ المراد ابقاء العين امانة عنده و التصدق بالغلة كل سنة، اذ التصدق بعين الوقف موجب لذهاب اثره، لأن الآخذ يتملكه فيسقط عن الوقفية.

(و ما ورد من الامر بالتصدق بما يبقى فى ذمة الشخص لاجير استأجره) كرواية الصدوق فى الفقيه، فانه ذكر بعد صحيح معاوية ما لفظه: و روى فى هذا خبر آخر، ان لم تجد وارثا، و علم اللّه منك الجهد فتصدق به فتأمل.

(و مثله) فى الدلالة على التصدق (مصححة يونس) قال: (فقلت:

جعلت فداك كنّا مرافقين لقوم بمكة فارتحلنا عنهم، و حملنا بعض متاعهم

ص: 216

بغير علم، و قد ذهب القوم و لا نعرفهم، و لا نعرف اوطانهم، و قد بقى المتاع عندنا فما نصنع به، قال: تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة، قال يونس: قلت له لست اعرفهم، و لا ندرى كيف نسأل عنهم قال: فقال (ع) بعه و اعط ثمنه اصحابك، قال فقلت: جعلت فداك اهل الولاية قال فقال نعم.

نعم يظهر من بعض الروايات ان مجهول المالك مال الامام عليه السلام كرواية داود بن ابى يزيد عن ابى عبد الله قال: قال له رجل انى قد اصبت مالا و انى

______________________________

بغير علم، و قد ذهب القوم و لا نعرفهم، و لا نعرف اوطانهم، و قد بقى المتاع عندنا فما نصنع به، قال) عليه السلام (تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة، قال يونس: قلت له) عليه السلام (لست اعرفهم و لا ندرى كيف نسأل عنهم) لانا لا نعرف اسمائهم، و لا بعض الخصوصيات المشخصة التى ان سئلناها دلونا عليهم (قال: فقال" ع" بعه و اعط ثمنه اصحابك، قال فقلت: جعلت فداك اهل الولاية) اى الشيعة (قال فقال) عليه السلام (نعم) بل لعل من هذا القبيل ما ورد فى ما وجد فى بعض بيوت مكة و هو خبر اسحاق بن عمار، قال سألت أبا ابراهيم عليه السلام، عن رجل نزل فى بيوت مكة، فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة، فلم نزل معه، و لم يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال يسأل عنها اهل المنزل لعلهم يعرفونها، قلت: فان لم يعرفوها قال: يتصدق بها.

(نعم يظهر من بعض الروايات ان مجهول المالك مال الامام عليه السلام، كرواية داود بن ابى يزيد عن ابى عبد الله قال: قال له رجل انى قد اصبت مالا، و انى

ص: 217

قد خفت منه على نفسى، فلو اصبت صاحبه دفعته إليه، و تخلصت عنه، قال: فقال له ابو عبد الله عليه السلام: لو اصبته كنت تدفعه إليه، فقال: اى و الله، فقال عليه السلام: و الله ما له صاحب غيرى، قال: فاستحلفه ان يدفعه الى من يأمره، قال: فحلف، قال: فاذهب، و قسّمه بين اخوانك، و لك الأمن مما خفته، قال: فقسمه بين اخوانه.

______________________________

قد خفت منه على نفسى) اى خوفا على دينى (فلو اصبت صاحبه دفعته إليه، و تخلصت عنه، قال: فقال له ابو عبد الله عليه السلام: لو اصبته كنت تدفعه إليه، فقال: اى و الله، فقال عليه السلام: و الله ما له صاحب غيرى، قال) الراوى (فاستحلفه) اى طلب الامام حلف السائل (ان يدفعه) اى المال (الى من يأمره) الامام عليه السلام بالدفع إليه (قال: فحلف) السائل ان يفعل كما يأمره الامام عليه السلام (قال) الامام (فاذهب، و قسّمه بين اخوانك، و لك الأمن مما خفته) من ان يكون لك العقاب بوضع يدك على هذا المال (قال) الراوى فسمع الواجد كلام الامام عليه السلام (فقسمه بين اخوانه) فان قوله عليه السلام: ما له صاحب غيرى ظاهر فى ان مجهول المالك للامام.

و احتمال كون هذا الشي ء الّذي وجده السائل كان قد ضاع من الامام عليه السلام كاحتمال ان المراد بكون الامام صاحبه كونه عليه السلام مالكا من باب: ملكهم لكل شي ء بتمليك الله لهم خلاف الظاهر.

ص: 218

هذا و اما ما ذكرناه فى وجه التصدق من انه احسان، و انه اقرب طرق الايصال، و ان الاذن فيه حاصل بشهادة الحال، فلا يصلح شي ء منها للتأييد، فضلا عن الاستدلال.

لمنع جواز كل احسان فى مال الغائب.

و منع كونه اقرب طرق الايصال، بل الاقرب دفعه الى الحاكم الّذي هو ولى الغائب.

و اما شهادة الحال فغير مطردة، ان

______________________________

(هذا و اما ما ذكرناه فى وجه التصدق) من المؤيدات (من انه احسان) و مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (و انه اقرب طرق الايصال) الى المالك (و ان الاذن فيه) اى فى التصدق (حاصل) من المالك (بشهادة الحال) و ان الانسان راض بان يدفع ماله صدقة اذا لم يتمكن من الايصال إليه (فلا يصلح شي ء منها) اى من الوجوه الثلاثة (للتأييد، فضلا عن الاستدلال) بها على جواز التصدق، و كفايته فى فراغ الذمة.

(لمنع جواز كل احسان فى مال الغائب).

فان الدليل انما دل على انه ما على المحسن سبيل و لكنه لا دليل على ان التصدق احسان.

(و منع كونه اقرب طرق الايصال، بل الاقرب دفعه الى الحاكم الّذي هو ولى الغائب) و لا تكليف بعد على الواجد ان يتصدق به الحاكم، او يفعل به شيئا آخر.

(و اما شهادة الحال) برضى المالك بالتصدق (فغير مطردة، ان

ص: 219

بعض الناس لا يرضى بالتصدق، لعدم يأسه عن وصوله إليه، خصوصا اذا كان المالك مخالفا او ذميا يرضى بالتلف و لا يرضى بالتصدق على الشيعة.

فمقتضى القاعدة- لو لا ما تقدم من النص- هو لزوم الدفع الى الحاكم، ثم الحاكم يتبع شهادة حال المالك، فان شهدت برضاه بالصدقة، او بالامساك عمل عليهما، و الا يخيّر بينهما لان كلا منهما تصرف لم يؤذن فيه من المالك، و لا بدّ من احدهما و لا ضمان فيهما.

______________________________

بعض الناس لا يرضى بالتصدق، لعدم يأسه عن وصوله إليه، خصوصا اذا كان المالك مخالفا او ذميا) بحيث (يرضى بالتلف) لماله (و لا يرضى بالتصدق على الشيعة) و بالاخص اذا كان ناصبيا، او ما اشبه.

(فمقتضى القاعدة) فى احترام مال الناس، و عدم جواز التصرف فيه الا برضاهم (- لو لا ما تقدم من النص-) الدال على جواز التصدق، بل وجوبه لانه طريق التخلص (هو لزوم الدفع الى الحاكم) لانه ولى الغائب و من اشبهه (ثم الحاكم يتبع شهادة حال المالك) مما يطمئن بها فيكون التصرف من باب الاطمينان بالرضا عن المالك فى هذا القسم من التصرف الخاص (فان شهدت) الحال (برضاه) اى المالك (بالصدقة، او بالامساك) و الحفظ (عمل عليهما) اى على ما شهدت الحال (و الا يخيّر) الحاكم (بينهما).

و انما نقول بالتخيير (لان كلا منهما) اى من التصدق و الامساك (تصرف لم يؤذن فيه من المالك، و لا بدّ من احدهما و لا ضمان فيهما).

ص: 220

و يحتمل قويا تعيّن الامساك لان الشك فى جواز التصدق يوجب بطلانه، لاصالة الفساد.

و اما بملاحظة ورود النص بالتصدق، فالظاهر عدم جواز الامساك امانة، لانه تصرف لم يؤذن فيه من المالك، و لا الشارع.

و يبقى الدفع الى الحاكم و التصدق.

______________________________

اذ لا دليل على الضمان الا على اليد، و هو ليس آت هنا بعد انجبار احد التصرفين.

(و يحتمل قويا تعيّن الامساك لان الشك فى جواز التصدق يوجب بطلانه) اى بطلان التصدق (لاصالة الفساد) فى كل معاملة لم نعلم شمول الادلة الشرعية له.

و لا يعارض هذا بالشك فى جواز الامساك لان الامساك ليس معاملة بالإضافة الى ان التصدق افناء، بخلاف الامساك، هذا كله بملاحظة القاعدة الاولية.

(و اما بملاحظة ورود النص بالتصدق، فالظاهر عدم جواز الامساك امانة، لانه) اى الامساك (تصرف) فى مال الغير (لم يؤذن فيه من المالك و لا) من (الشارع).

اذ الشارع يأمر بالتصدق، و المالك لا نعلم اجازته و رضاه بالتصدق

(و) على هذا ف (يبقى) التخيير بين (الدفع الى الحاكم و التصدق) فهل يلزم التصدق لامر النص بذلك؟ او يخير بين التصدق، و الدفع الى الحاكم.

ص: 221

و قد يقال: ان مقتضى الجمع بينه، و بين دليل ولاية الحاكم، هو التخيير بين الصدقة و الدفع الى الحاكم، فلكل منهما الولاية.

و يشكل بظهور النص فى تعيين التصدق.

نعم يجوز الدفع إليه من حيث ولايته على مستحقى الصدقة و كونه اعرف بمواقعها.

و يمكن ان يقال: ان اخبار التصدق واردة فى مقام اذن

______________________________

(و قد يقال: ان مقتضى الجمع بينه) اى بين النص الآمر بالتصدق (و بين دليل ولاية الحاكم) كقوله عليه السلام: فارجعوا فيها الى رواة حديثنا، و غيره من ادلة الرجوع الى الحاكم (هو التخيير بين الصدقة و الدفع الى الحاكم، فلكل منهما) اى من الآخذ و الحاكم (الولاية) فى الصرف لهذا المال.

(و يشكل) التخيير (بظهور النص) فى المقام (فى تعيين التصدق) و هذا النص اخص مطلقا عن ولاية الحاكم، فلا محل للجمع بينهما بالتخيير.

(نعم يجوز الدفع إليه) اى الى الحاكم (من حيث ولايته على مستحقى الصدقة) لان الحاكم هو المكلف بشئون الفقراء فالدفع إليه كانه دفع إليهم (و كونه) اى الحاكم (اعرف بمواقعها) اى مواقع الصدقة، فالدفع إليه استنابة له فى ايصال المال الى صاحبه الى الفقير.

(و يمكن ان يقال) فى توجيه الجمع بين اخبار الصدقة، و بين ما دل على انه للامام عليه السلام ب (ان اخبار التصدق واردة فى مقام اذن

ص: 222

الامام بالصدقة، او محمولة على بيان المصرف، فانك اذا تأملت كثيرا من التصرفات الموقوفة على اذن الحاكم وجدتها واردة فى النصوص على طريق الحكم العام كاقامة البينة و الاحلاف و المقاصة.

______________________________

الامام بالصدقة) فليس واجبا ابتدائيا.

و انما اذن الامام بالصدقة لانه مال الامام (او محمولة على بيان المصرف) لهذا المال من دون ان يكون ذلك منافيا لكونه مال الامام عليه السلام (فانك اذا تأملت كثيرا من التصرفات الموقوفة على اذن الحاكم وجدتها واردة فى النصوص على طريق الحكم العام) و انها واردة لبيان ان الحكم كذا، لا انها واردة فى مقابل اذن الحاكم (كاقامة البينة و الاحلاف و المقاصّة).

فان الرواية الواردة فى ان البينة على المدعى، لا يراد بها ان المدعى و المنكر يتمكنان من اقامة البينة و الحلف بانفسهما، او امام انسان جاهل- مثلا- بل انما اريد بها ان الحكم العام لهذا الموضوع هو البينة اما عند من تقام البينة، فالدليل ساكت عنه، و لذا لا يزاحم دليل البينة دليل لزوم كون الاقامة عند الحاكم.

و المقاصّة عبارة عن اخذ الشخص شيئا من مال غيره فى مقابل استيلاء الغير على مال الشخص بدون ان يستعد للدفع الى الشخص.

هذا ما فهمناه فى تفسير العبارة، و فى بعض الحواشى تفسير آخر لكن الاظهر عندى ما ذكرته، و الله العالم.

ص: 223

و كيف كان فالاحوط- خصوصا بملاحظة ما دل على ان مجهول المالك مال الامام عليه السلام- مراجعة الحاكم بالدفع إليه او استيذانه.

و يتأكد ذلك فى الدين المجهول المالك اذ الكلى لا يتشخص للغريم الا بقبض الحاكم الّذي هو وليه و ان كان ظاهر الاخبار الواردة فيه ثبوت الولاية للمديون.

______________________________

(و كيف كان) الجمع بين الاخبار (فالاحوط- خصوصا بملاحظة ما دل على ان مجهول المالك مال الامام عليه السلام- مراجعة الحاكم بالدفع إليه او استيذانه) اذا اراد الواجد التصدق بنفسه.

لانه ان كان التكليف التصدق فقد استناب الحاكم فى ذلك.

و ان كان التكليف الدفع الى الحاكم فقد عمل بالتكليف.

(و يتأكد ذلك) الاحتياط بمراجعة الحاكم (فى الدين المجهول المالك).

و انما يتأكد (إذ الكلي) فى الذمة (لا يتشخص للغريم) الّذي هو مالك الدين (الا بقبض الحاكم الّذي هو وليه) و هذا بخلاف العين الشخصية للمالك المجهول، فانه متشخص، لفرض ان العين له (و ان كان ظاهر الاخبار الواردة فيه) اى فى مجهول المالك (ثبوت الولاية للمديون) فى تشخيص الدين فى جزئى خارجى و اعطائه للفقير، و لو فرض ان ظاهر بعض الاخبار كونه للامام فقد اذن الامام اذنا عاما بان يدفعه المديون فلا حاجة الى مراجعة الحاكم، و لو شك فى الاحتياج الى اذن الحاكم، فالاصل عدمه

ص: 224

ثم ان حكم تعذر الايصال الى المالك المعلوم تفصيلا، حكم جهالة المالك و تردده بين غير محصورين فى التصدق استقلالا، او باذن الحاكم كما صرح به جماعة منهم المحقق فى الشرائع و غيره.

ثم ان مستحق هذه الصدقة هو الفقير، لانه المتبادر من اطلاق الامر بالتصدق.

و فى جواز اعطائها للهاشمي قولان من انها صدقة مندوبة على المالك

______________________________

(ثم ان حكم تعذر الايصال الى المالك المعلوم تفصيلا، حكم جهالة المالك).

مثلا: لو كان له مالك معلوم لكنا فقدناه، فلم ندر اين ذهب؟ او كان موجودا لكنه مسجون فى سجن مؤيد، لا يمكن الوصول إليه، او ما اشبه ذلك (و) حكم (تردده بين غير محصورين فى) وجوب (التصدق استقلالا) من الّذي عنده المال (او باذن الحاكم) الشرعى (كما صرح به جماعة منهم المحقق فى الشرائع و غيره).

و ذلك للمناط المستفاد من الاخبار الكثيرة الواردة فى الابواب المتفرقة، كما تقدم جملة منها.

(ثم ان مستحق هذه الصدقة هو الفقير، لانه) اى وجوب الاعطاء الى الفقير هو (المتبادر من اطلاق الامر بالتصدق).

(و فى جواز اعطائها للهاشمي قولان).

الجواز (من) جهة (انها صدقة مندوبة على المالك) و الصدقة المندوبة يجوز اعطائها للهاشمى

ص: 225

و ان وجب على من هى بيده، الا انه نائب كالوكيل و الوصى.

و من انها مال تعين صرفه بحكم الشارع لا بامر المالك حتى يكون مندوبة مع ان كونها من المالك غير معلوم، فلعلها ممن تجب عليه.

ثم ان فى الضمان لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق و عدمه مطلقا، او

______________________________

(و ان وجب) الاعطاء (على من هى بيده، الا انه نائب) عن المالك (كالوكيل و الوصى) فاذا اعطى زيد عمروا دينارا ليعطيه للفقير، كان عمرو نائبا عن زيد، فكما يجوز ان يعطيه بنفسه للسيد، كذلك يجوز ان يعطيه بواسطة وكيله.

(و) المنع (من) جهة (انها مال تعين صرفه بحكم الشارع لا بامر المالك حتى يكون مندوبة) بل هى صدقة واجبة (مع ان كونها من المالك) كما قال المجوّز (غير معلوم، فلعلها ممن تجب عليه) اى من نفس المعطى.

لكن لا يخفى ان الجواز اقرب أولا: من جهة انه كالنائب كما هو الظاهر من الفتاوى المستفادة من الادلة.

و ثانيا: لانه لا دليل على حرمة مطلق الصدقة الواجبة على الهاشمى لحصر بعض الاخبار ذلك فى الزكاة.

و ثالثا: على فرض التسليم، فاللازم تقييد ذلك بصورة كون احد الاثنين صاحب المال، و الّذي بيده غير هاشمى، و الا فلو كانا هاشميين فلا اشكال فى جواز اعطائه للهاشمى.

(ثم ان فى الضمان) للمالك بوجوب ردّ المتصدق مثله او قيمته (لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق) مطلقا (و عدمه مطلقا، او) التفصيل

ص: 226

بشرط عدم ترتب يد الضمان- كما اذا اخذه من الغاصب حسبة- لا بقصد التملك وجوها من اصالة براءة ذمة المتصدق، و اصالة لزوم الصدقة بمعنى عدم انقلابها عن الوجه الّذي وقعت عليه.

و من عموم ضمان من اتلف.

و لا ينافيه اذن الشارع، لاحتمال انه اذن فى التصدق على هذا الوجه

______________________________

بعدم الضمان (بشرط عدم ترتب يد الضمان- كما اذا اخذه من الغاصب حسبة-) اى قربة الى الله تعالى (لا) ما اذا اخذه (بقصد التملك) فانه يضمن لو ظهر صاحبه (وجوها).

وجه عدم الضمان مطلقا (من) جهة (اصالة براءة ذمة المتصدق) عن المثل او القيمة (و اصالة لزوم الصدقة بمعنى عدم انقلابها عن الوجه الّذي وقعت عليه) فانها وقعت صدقة عن المالك، فاذا قلنا بالضمان و اعطاء البدل انقلبت الصدقة عن كونها عن المالك الى كونها عن المتصدق

(و) وجه الضمان مطلقا (من) جهة (عموم ضمان من اتلف) مال الغير فهو له ضامن.

(و لا ينافيه) اى العموم (اذن الشارع).

وجه المنافات ان الشارع اذا اذن فقد اعطاه المكلف بامره، و مع امره لا يكون ضمان.

و وجه عدم المنافات (لاحتمال انه اذن فى التصدق على هذا الوجه) اى وجه الضمان، فكانه قال: تصدق بشرط انه اذا جاء صاحبه تعطيه

ص: 227

كاذنه فى التصدق باللقطة المضمونة بلا خلاف، و بما استودع من الغاصب.

و ليس هنا امر مطلق بالتصدق ساكت عن ذكر الضمان حتى يستظهر منه عدم الضمان مع السكوت عنه.

______________________________

بدله (كاذنه فى التصدق باللقطة المضمونة بلا خلاف) هناك فى الضمان.

و الحاصل: ان الامر بالصدقة لا ينافى الضمان، فالجمع بين دليلى الصدقة و الضمان يقتضي وجوب الضمان، و ان تصدق به (و) كاذنه (بما استودع من الغاصب) اى بالتصدق بما اودع الغاصب لدى الانسان فانه لا يرده الى الغاصب، بل يجب الفحص عن صاحبه فان لم يجده تصدق به، ثم اذا جاء صاحبه اعطاه بدله.

و هذا مثال آخر علاوة على اللقطة، لبيان عدم المنافات بين امر الشارع بالصدقة و بين الضمان.

(و) ان قلت: نسلم عدم التنافى بين الصدقة و الضمان عقلا، و لكنا نقول ظاهر الامر بالتصدق عدم الضمان.

قلت: (ليس هنا) فيما نحن فيه (امر مطلق بالتصدق ساكت عن ذكر الضمان، حتى يستظهر منه عدم الضمان مع السكوت عنه).

فليس الامر بالتصدق فى مقام البيان، بل فى مقام مصرف المال فى الجملة.

فاذا شك فى جهة من الجهات كان اللازم التمسك بالإطلاقات و الادلة العامة لا بدليل التصدق.

ص: 228

و لكن يضعف هذا الوجه ان ظاهر دليل الاتلاف: كونها علة تامة للضمان و ليس كذلك ما نحن فيه، و ايجابه للضمان مراعى بعدم اجازة المالك يحتاج الى دليل آخر.

الا ان يقال: انه ضامن بمجرد التصدق، و يرتفع باجازته، فتأمل.

هذا مع ان

______________________________

(و لكن يضعف هذا الوجه) اى الضمان ب (ان ظاهر دليل الاتلاف:

كونها علة تامة للضمان) بحيث ان من اتلف ضمن- مطلقا- (و ليس كذلك ما نحن فيه) اذ الضمان خاص بصورة عدم رضاية المالك بالتصدق، و عليه فلا يشمله دليل: من اتلف (و ايجابه للضمان مراعى بعدم اجازة المالك يحتاج الى دليل آخر) و الفرض انه لا دليل آخر فى المقام، فاصالة البراءة عن الضمان محكمة.

(الا ان يقال) ان نفس دليل: من اتلف، يشمل المقام بتقريب (انه ضامن بمجرد التصدق، و يرتفع) الضمان (باجازته) فهو تخصيص فى دليل:

من اتلف.

كما ان كل متلف لمال الغير اذا أبرأه المالك يرتفع ضمانه، و ليس هذا خروجا عن دليل: من اتلف (فتأمل).

فان الظاهر: من ادلة المقام انه ليس ضمان مطلقا الا ما خرج، بل الامر بالضمان معلق على عدم رضاية المالك فدليل المقام غير دليل: من اتلف.

(هذا مع ان) ادلة: من اتلف، لا تشمل المقام لوجه آخر، و هو ان

ص: 229

الظاهر من دليل الاتلاف اختصاصه بالاتلاف على المالك لا الاتلاف له و الاحسان إليه، و المفروض ان الصدقة انما قلنا بها لكونها احسانا و اقرب طرق الايصال بعد اليأس من وصوله إليه.

و اما احتمال كون التصدق مراعى كالفضولى.

فمفروض الانتفاء، اذ لم يقل احد برجوع المالك على الفقير مع بقاء العين.

______________________________

(الظاهر من دليل الاتلاف اختصاصه بالاتلاف على المالك) سواء اتلافا عمدا او خطأ (لا الاتلاف له و الاحسان إليه) كما فيما نحن فيه حيث يراد بالتصدق وصول الثواب إليه (و المفروض ان الصدقة انما قلنا بها لكونها احسانا) الى المالك (و اقرب طرق الايصال) للمال الى مالكه (بعد اليأس من وصوله إليه) اى وصول المال بنفسه الى المالك.

(و) ربما يقال: لبيان عدم الضمان انه حيث لا رضى من المالك لا يكون صدقة- اذ لا صدقة الا فى ملك- و حيث لا صدقة فلا اتلاف، و حيث لا اتلاف، لا يكون ضمان.

و الجواب انه لو كان كذلك لزم ان المالك له حق الرجوع الى الفقير لان ماله عنده، و لا يقول احد بذلك.

و الى هذا الوجه اشار بقوله (و اما احتمال كون التصدق مراعى كالفضولى) المتوقف على اجازة المالك.

(ف) الجواب عنه ان المراعى (مفروض الانتفاء، اذ لم يقل احد برجوع المالك على الفقير مع بقاء العين).

ص: 230

و انتقال الثواب من شخص الى غيره حكم شرعى.

و كيف كان، فلا مقتضى للضمان، و ان كان مجرد الاذن فى الصدقة غير مقتض لعدمه، فلا بد من الرجوع الى الاصل.

لكن الرجوع الى اصالة البراءة انما يصح فيما لم يسبق يد الضمان، و هو ما اذا اخذ المال من الغاصب حسبة.

______________________________

و انما قيد ببقاء العين لانه مع تلف العين تقتضى القاعدة عدم الرجوع إليه، اذ السبب اقوى من المباشر، اللهم الا اذا كان الفقير يعلم انه مراعى.

(و) ان قلت: يدل على كونه مراعى انه ان جاء المالك و رضى كان الثواب له، و ان لم يرض كان الثواب للمتصدق.

قلت: (انتقال الثواب من شخص الى غيره حكم شرعى) و ليس بسبب كون التصدق مراعى.

(و كيف كان، فلا مقتضى للضمان) فيما اذا وجد المالك (و ان كان مجرد الاذن فى الصدقة) من الشارع (غير مقتض لعدمه) اى لعدم الضمان.

لما عرفت من انه ربما يوجد الاذن و مع ذلك فالمتصدق ضامن (فلا بد من الرجوع الى الاصل) العملى لنرى هل يقتضي الضمان، أم لا.

(لكن الرجوع الى اصالة البراءة انما يصح فيما لم يسبق يد الضمان) لانه لو سبق يد الضمان كان الاستصحاب محكما (و هو) اى عدم سبق يد الضمان فى (ما اذا اخذ المال من الغاصب حسبة) اى قربة الى الله تعالى.

ص: 231

و اما اذا تملكه منه، ثم علم بكونه مغصوبا، فالاجود استصحاب الضمان فى هذه الصورة، لان المتيقن هو ارتفاع الضمان بالتصرف الّذي يرضى به المالك بعد الاطلاع لا مطلقا.

فتبين ان التفصيل بين يد الضمان، و غيرها اوفق بالقاعدة.

لكن الاوجه: الضمان مطلقا، اما تحكيما للاستصحاب حيث يعارض البراءة، و لو بضميمة عدم القول بالفصل.

______________________________

(و اما اذا تملكه منه، ثم علم بكونه مغصوبا، فالاجود) فى نظر المصنف (استصحاب الضمان فى هذه الصورة، لان المتيقن) مما دل على عدم الضمان (هو ارتفاع الضمان بالتصرف الّذي يرضى به المالك بعد الاطلاع) اى بعد اطلاع المالك، فان التملك موجب للضمان، لقاعدة على اليد (لا مطلقا) اى لا تيقن فى ارتفاع الضمان مطلقا، سواء رضى المالك أم لا.

(فتبين ان التفصيل بين يد الضمان) فيما اذا قصد التملك (و غيرها) فيما اذا اخذه حسبة (اوفق بالقاعدة) الاولية بعد عدم اطلاق للنص يقتضي عدم الضمان مطلقا.

(لكن الاوجه: الضمان مطلقا) سواء كانت اليد تملكية او حسبيّة (اما تحكيما للاستصحاب) للضمان (حيث يعارض البراءة) فى اليد التملكية (و لو بضميمة عدم القول بالفصل) بالنسبة الى اليد الحسبيّة، فانه لا مفصل فى المسألة، بل الكل اما قائلون بالضمان مطلقا، او عدم الضمان مطلقا.

و حيث نرى ان مقتضى القاعدة فى بعض الصور الضمان، كان اللازم

ص: 232

و اما للمرسلة المتقدمة عن السرائر.

و اما لاستفادة ذلك من خبر الوديعة ان لم نتعدّ عن مورده الى ما نحن فيه من جعله بحكم اللقطة.

لكن يستفاد منه ان الصدقة بهذا الوجه حكم اليأس عن المالك.

ثم الضمان هل يثبت بمجرد التصدق و اجازته رافعة؟ او يثبت بالرد من حينه، او من حين التصدق،

______________________________

ان نقول بالضمان فى بعض الصور الاخرى.

(و اما للمرسلة المتقدمة عن السرائر) حيث قال: روى اصحابنا انه يتصدق به، و المرسلة مجبورة بعمل الاصحاب.

(و اما لاستفادة ذلك) الضمان مطلقا (من خبر الوديعة) بتنقيح المناط، و عدم الفرق بين وديعة اللص و غيرها (ان لم نتعدّ عن مورده) اى مورد خبر الوديعة (الى ما نحن فيه) بان نقول ان الرواية بنفسها شاملة للمقام- لا بتنقيح المناط- و انما نتعدى لاجل عدم خصوصية للوديعة عرفا.

فقوله (من جعله بحكم اللقطة) وجه للتعدى.

(لكن يستفاد منه) اى من خبر الوديعة (ان الصدقة بهذا الوجه حكم اليأس عن المالك) لا مطلقا، كما هو مقتضى مرسلة السرائر و غيرها.

(ثم الضمان هل يثبت بمجرد التصدق) من الآخذ (و اجازته) اى المالك (رافعة) للضمان؟ (او يثبت) الضمان (بالرد) من المالك للتصدق (من حينه) اى حين الرد- مثل النقل- (او من حين التصدق) مثل

ص: 233

وجوه من دليل الاتلاف، و الاستصحاب.

و من اصالة عدم الضمان قبل الرد.

و من ظاهر الرواية المتقدمة فى انه بمنزلة اللقطة.

و لو مات المالك ففى قيام وارثه مقامه فى اجازة التصدق و رده، وجه قوى، لان ذلك من قبيل الحقوق المتعلقة بالاموال

______________________________

الكشف.

فلو اعطاه يوم الجمعة صدقة، فهل الضمان فى يوم الجمعة او فى يوم السبت حين رد المالك؟ او ان رده يوم السبت كاشف عن الضمان يوم الجمعة؟ (وجوه) و احتمالات.

وجه الضمان من حين التصدق (من دليل الاتلاف) فان الصدقة اتلاف فتوجب الضمان (و الاستصحاب) للضمان فيما اذا كانت اليد ضمانية.

(و) وجه الضمان من حين الردّ (من اصالة عدم الضمان قبل الرد) لان القدر المتيقن الضمان بالردّ.

(و) وجه كشف الردّ عن الضمان من حين التصدق (من ظاهر الرواية المتقدمة فى انه بمنزلة اللقطة) و هو رواية حفص، حيث قال عليه السلام و ان اختار الغرم غرم له، فان ظاهرها: ان الاختيار موجب للغرم على نحو الكشف، فتأمّل.

(و لو مات المالك) قبل الاجازة و الردّ (ففى قيام وارثه مقامه فى اجازة التصدق و رده، وجه قوى، لان ذلك) اى حق الاجازة و الردّ (من قبيل الحقوق المتعلقة بالاموال) كحق الرهن، و حق التحجير، و حق

ص: 234

فيورث كغيره من الحقوق.

و يحتمل العدم لفرض لزوم التصدق بالنسبة الى العين، فلا حق لاحد فيه.

و المتيقن من الرجوع الى القيمة هو المالك.

و لو مات المتصدق، فردّ المالك فالظاهر خروج الغرامة من تركته، لانه من الحقوق المالية اللازمة عليه بسبب فعله.

______________________________

الجناية، و ما اشبه (فيورث كغيره من الحقوق) لعموم ما تركه الميت فلوارثه.

(و يحتمل العدم) لتوريث هذا الحق، فينفذ تصدق المتصدق بلا امكان للرد (لفرض لزوم التصدق بالنسبة الى العين، فلا حق لاحد فيه) اى فى العين اذ الشارع امر بالتصدق بها- و الضمير المذكر راجع الى الشي ء-.

(و المتيقن من الرجوع الى القيمة) اى قيمة الشي ء المتصدق به بان يرجع المالك الى المتصدق (هو المالك) و قد فرض انه قد مات فرجوع الورثة لا دليل له.

(و لو مات المتصدق) قبل ردّ المالك (فردّ المالك) الصدقة بعد موته (فالظاهر خروج الغرامة) اى القيمة (من تركته، لانه) اى بدل العين- التى هى الغرامة- (من الحقوق المالية اللازمة عليه) اى على المتصدق (بسبب فعله) الّذي هو التصدق، فلا فرق فى ثبوت هذا الحق عليه بين كونه حيا او ميتا.

ص: 235

هذا كله على تقدير مباشرة المتصدق له.

و لو دفعه الى الحاكم، فتصدق به بعد اليأس فالظاهر عدم الضمان لبراءة ذمة الشخص بالدفع الى ولى الغائب.

و تصرف الولى كتصرف المولى عليه.

و يحتمل الضمان لان الغرامة هنا ليس لاجل ضمان المال و عدم نفوذ التصرف الصادر من المتصدق، حتى يفرق بين تصرف الولى و غيره

______________________________

(هذا) الّذي ذكرناه (كله) من صورة موت المتصدق قبل ردّ المالك او بعده (على تقدير مباشرة المتصدق له) اى للتصدق.

(و لو دفعه) الواجد (الى الحاكم، فتصدق به بعد اليأس) عن الظفر بصاحبه (فالظاهر عدم الضمان) على الواجد (لبراءة ذمة الشخص بالدفع الى ولى الغائب) الّذي هو الحاكم.

(و) من المعلوم: ان (تصرف الولى كتصرف المولى عليه) الّذي هو المالك، فكما انه اذا دفعه الواجد الى المالك لم يكن عليه ضمان، كذلك اذا دفعه الى الحاكم الّذي هو وليه.

(و يحتمل الضمان) أيضا فى صورة الدفع الى الحاكم (لان الغرامة هنا) حكم شرعى و لا ترتبط بتصرف الواجد بنفسه، ف (ليس) البدل (لاجل ضمان المال و عدم نفوذ التصرف الصادر من المتصدق، حتى يفرق بين تصرف الولى) الحاكم- بعدم الضمان- (و غيره) اى و تصرف غيره- الّذي هو الواجد- بالضمان.

و انما قلنا: بعدم الفرق بين تصرف الحاكم و تصرف الواجد

ص: 236

لثبوت الولاية للمتصدق فى هذا التصرف لان المفروض ثبوت الولاية له كالحاكم.

و لذا لا يسترد العين من الفقير اذا رد المالك.

فالتصرف لازم، و الغرامة حكم شرعى تعلق بالمتصدق كائنا من كان.

فاذا كان المكلف بالتصدق هو من وقع فى يده لكونه هو المأيوس و الحاكم وكيلا، كان الغرم على الموكل.

______________________________

(لثبوت الولاية للمتصدق فى هذا التصرف لان المفروض ثبوت الولاية له) اى للواجد (كالحاكم) فكلاهما وليان فى هذا التصرف.

فان كان تصرف الولى موجبا لسقوط حق المالك لزم ان يسقط حقه فيما اذا باشر الواجد الصدقة أيضا.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان الغرامة ليست لاجل ضمان المال، و انما هى حكم شرعى (لا يسترد العين من الفقير اذا ردّ المالك) مع وجود العين.

فان عدم الاسترداد دليل على انه ليست الغرامة لاجل الضمان فانها لو كانت لاجل الضمان كان اللازم استرداد العين.

(فالتصرف) بالتصدق (لازم) لا ينقض اذا ظهر المالك (و الغرامة حكم شرعى تعلق بالمتصدق كائنا من كان) واجدا او حاكما.

(فاذا كان المكلف بالتصدق هو من وقع فى يده) اى الواجد (لكونه هو المأيوس و الحاكم وكيلا) عنه فى مباشرة التصدق (كان الغرم على) (الموكل) الواجد.

ص: 237

و ان كان المكلف هو الحاكم- لوقوع المال فى يده قبل اليأس عن مالكه فهو المكلف بالفحص ثم التصدق- كان الضمان عليه.

[و أما الصورة الرابعة و هو ما علم إجمالا لاشتمال الجائزة على الحرام]

و اما الصورة الرابعة و هو ما علم اجمالا لاشتمال الجائزة على الحرام فاما ان يكون الاشتباه موجبا لحصول الاشاعة.

و اما ان لا يكون.

و على الاول فالقدر و المالك اما معلومان، او مجهولان

______________________________

(و ان كان المكلف) بالتصدق (هو الحاكم- لوقوع المال فى يده قبل اليأس عن مالكه فهو المكلف بالفحص) عن المالك (ثم التصدق- كان الضمان عليه).

و لا يبعد ان يكون الضمان حين قلنا بكونه على الحاكم فى بيت المال.

ثم انه ربما يحتمل استرداد العين مع وجودها لانصراف الادلة من صورة وجود العين، نعم مع التلف و لو بالتبديل لا وجه للرجوع الى الفقير.

(و اما الصورة الرابعة) من صور جائزة الظالم (و هو ما علم اجمالا لاشتمال الجائزة على الحرام، ف) اقسامه أربعة.

لانه (اما ان يكون الاشتباه موجبا لحصول الاشاعة) و الاشتراك كما لو علم ان بعض السمن الّذي اعطاه السلطان حرام، و بعضه الآخر حلال

(و اما ان لا يكون) كما لو علم ان احد الفرسين اللذين اعطاهما السلطان له هو لزيد، و الفرس الآخر للسلطان نفسه.

(و على الاول) اى المشاع (فالقدر) للحرام (و المالك اما معلومان) كما لو علم ان ربع السمن لزيد (او مجهولان) كما لو لم يعلم ان الحرام ربع

ص: 238

او مختلفان.

و على الاول فلا اشكال.

و على الثانى فالمعروف اخراج الخمس على تفصيل مذكور فى باب الخمس.

و لو علم القدر فقد تقدم فى القسم الثالث و لو علم المالك وجب التخلص معه بالمصالحة.

______________________________

او ثلث، او ازيد، او اقل، و لم يعلم بالمالك هل هو زيد، او غيره سواء كان غير محصور او محصور (او مختلفان) بان علم المالك و لم يعلم القدر او علم القدر و لم يعلم المالك.

(و على الاول) و هو ما اذا كان القدر و المالك معلومين (فلا اشكال) فى وجوب ردّ المال الى مالكه.

(و على الثانى) و هو ما اذا كان القدر و المالك مجهولين (فالمعروف) بين الفقهاء (اخراج الخمس) للروايات الواردة فى الحلال المختلط بالحرام (على تفصيل مذكور فى باب الخمس).

و هنا فرق بين الشبهة المحصورة و غير المحصورة، كما قرر فى كتاب الخمس، و قد ذكرنا تفصيله فى شرح العروة فراجع.

(و) على الثالث اى المختلفين (لو علم القدر) دون المالك (فقد تقدم فى القسم الثالث) حكمه- اى الصورة الثالثة- و حكمه التصدق به لانه مجهول المالك (و لو علم المالك) دون القدر (وجب التخلص معه بالمصالحة) و نحوها.

ص: 239

و على الثانى فيتعين القرعة، او البيع و الاشتراك فى الثمن و تفصيل ذلك كله فى كتاب الخمس.

و اعلم ان اخذ ما فى يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الاخذ الى الاحكام الخمسة.

و باعتبار نفس المال الى المحرم و المكروه و الواجب.

______________________________

(و على الثانى) و هو ما لو لم يكن مشتركا مشاعا كالفرسين (فيتعين القرعة) لتمييز احد الحقين، لانها لكل امر مشكل (او البيع) للمجموع (و الاشتراك فى الثمن) او التصالح، او ما اشبه ذلك (و تفصيل ذلك كله فى كتاب الخمس) هذا تمام الكلام فى صور الجائزة.

(و اعلم ان اخذ ما فى يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الاخذ) لا باعتبار المأخوذ- الّذي هو اما حلال او حرام او مختلط- (الى الاحكام الخمسة) التكليفية.

(و باعتبار نفس المال الى المحرم و المكروه و الواجب).

اما انقسام الاخذ الى الاحكام الخمسة فلانه قد يجب اذا كان الاخذ لنفقة نفسه، و نفقة عياله الواجبى النفقة، و لم يكن له شي ء آخر.

و قد يستحب اذا كان الاخذ لزيارة الحسين عليه السلام مثلا.

و قد يكره اذا كان المال مشتبها لقاعدة الاحتياط الاستحبابى.

و قد يحرم اذا كان المال حراما و لم يأخذه لاجراء تكليفه على المال.

و قد يباح اذا اخذه للامور المباحة.

ص: 240

فالمحرم ما علم كونه مال الغير مع عدم رضاه بالاخذ.

و المكروه المال المشتبه.

و الواجب ما يجب استنقاذه من يده من حقوق الناس حتى انه يجب على الحاكم الشرعى استنقاذ ما فى ذمته من حقوق السادة، و الفقراء، و لو بعنوان المقاصّة

______________________________

و اما انقسام المال الى الاقسام الثلاثة.

(فالمحرم ما علم كونه مال الغير مع عدم رضاه بالاخذ) و كون المال حراما حكم وضعى و كون الاخذ حراما حكم تكليفى فلا يقال: لا معنى لوجود حرمتين

(و المكروه المال المشتبه) بالحرام، مما لا يكون مخلوطا قطعا بالحرام، فان المال المشتبه مكروه كما لا يخفى.

(و الواجب ما يجب استنقاذه من يده من حقوق الناس) الواجبة الاستنقاذ.

و انما قيدناه بهذا القيد، لانه لا يجب على كل احد استنقاذ اموال المظلومين من ايدى الظالمين (حتى انه يجب على الحاكم الشرعى استنقاذ ما فى ذمته) اى ذمة من تعلق بذمته الحقوق (من حقوق السادة) و الامام (و الفقراء) من الخمس و الزكاة (و لو بعنوان المقاصّة) بان كان الاخذ من غير المال الّذي تعلق به الحق.

و انما يجب ذلك لان الحاكم ولى الفقراء و المكلف بمصالح المسلمين و لا يمكن ادارة امورهم الا بالمال الّذي قرره الله تعالى لهم.

فاللازم على الولى القيام بمصالحهم، و العمل بالغبطة بالنسبة إليهم

ص: 241

بل يجوز ذلك لآحاد الناس خصوصا نفس المستحقين مع تعذر استيذان الحاكم.

و كيف كان فالظاهر: انه لا اشكال فى كون ما فى ذمته من قيم المتلفات غصبا

______________________________

و الحاصل: ان ذلك لازم الولاية عرفا فيدل عليه ما دلّ على الولاية بالملازمة العرفية.

الا ترى ان الوالى اذا لم يقم بمثل ذلك- فى الحكومات الحاضرة- عدّ غير مؤدّ لتكليفه لدى السلطان (بل يجوز ذلك) الاستنقاذ و المقاصة (لآحاد الناس) من باب الامر بالمعروف و النهى عن المنكر.

فانه كما يجب الامر بالمعروف يجب ايجاد المعروف، و كما يجب النهى عن المنكر يجب دفع المنكر، و هذا من باب ولاية عدول المؤمنين مع عدم الحاكم الشرعى (خصوصا نفس المستحقين) لانهم باعتبار كونهم اصحاب الحق اولى (مع تعذر استيذان الحاكم) و الا فمع امكان استيذانه فهو عمل الحاكم، و يدل على جواز التقاص لآحاد الناس دليل جواز ذلك للحاكم اما بدون استيذان الحاكم مع وجوده فهو مشكل لعدم الولاية حينئذ و مع نهيه اولى بالاشكال.

(و كيف كان) الامر بالنسبة الى انقسام المال الى الاقسام الثلاثة و الاخذ الى الاحكام الخمسة (فالظاهر: انه لا اشكال) بالنسبة الى الجائر نفسه- بعد تمام الكلام بالنسبة الى اخذ المال من الجائر- (فى كون ما فى ذمته من قيم المتلفات غصبا) اى ما اتلفه بعنوان الغصب من الناس

ص: 242

من جملة ديونه نظير ما استقر فى ذمته بقرض، او ثمن مبيع، او صداق، او غيرها.

و مقتضى القاعدة كونها كذلك بعد موته، فيقدم جميع ذلك على الارث و الوصية الا انه ذكر بعض الاساطين ان ما فى يده من المظالم تالفا لا يلحقه حكم الديون فى التقديم على الوصايا و المواريث لعدم انصراف الدين إليه و ان كان منه.

______________________________

(من جملة ديونه).

فهى (نظير ما استقر فى ذمته بقرض، او ثمن مبيع، او صداق، او غيرها) كالكفارة، و الارش، و الدية.

و انما تكون قيم المتلفات من جملة ديونه، لشمول ادلة: من اتلف مال الغير فهو له ضامن، لها.

(و مقتضى القاعدة كونها) اى قيم المتلفات (كذلك) من جملة الديون (بعد موته، فيقدم جميع ذلك على الارث و الوصية) لان الترتيب هو أو لا:

الدين، ثم الوصية، ثم الارث (الا انه) خلافا للقاعدة (ذكر بعض الاساطين ان ما فى يده من المظالم تالفا) اى ما تلف فى يده (لا يلحقه حكم الديون فى التقديم على الوصايا و المواريث).

و ذلك (لعدم انصراف الدين) فى قوله سبحانه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* (إليه) اى الى هذا النحو من الدين (و ان كان) قيم المتلفات (منه) اى من الدين حقيقة.

ص: 243

و بقاء عموم الوصية و الميراث على حاله.

و للسيرة المأخوذة يد ابيد، من مبدأ الاسلام الى يومنا هذا.

فعلى هذا لو اوصى بها بعد التلف اخرجت من الثلث.

و فيه: منع الانصراف، فانا لا نجد- بعد مراجعة العرف- فرقا بين ما اتلفه هذا الظالم عدوانا، و بين ما اتلفه نسيانا

و لا بين ما اتلفه هذا الظالم

______________________________

(و) عليه فاللازم ان نقول: ب (بقاء عموم الوصية و الميراث على حاله) فى عدم تأخرهما عن هذا الدين.

(و للسيرة المأخوذة يد ابيد، من مبدأ الاسلام الى يومنا هذا).

فانه اذا مات الظالم يقسمون امواله بين ورثته بعد وصاياه من دون ان يلاحظوا مظالمه و يخرجونها ثم ينفذون الوصية، و الميراث فيما بقى.

(فعلى هذا) الّذي ذكرناه من عدم كون قيم المتلفات من الدين (لو اوصى بها بعد التلف) مقابل ما لو اوصى بها و هى اعيان موجودة (اخرجت من الثلث) اذ ليست من الاصل، لانها ليست بدين يقدم على الوصية و الارث انتهى كلام بعض الاساطين.

(و فيه: منع الانصراف، فانا لا نجد- بعد مراجعة العرف- فرقا بين ما اتلفه هذا الظالم عدوانا، و بين ما اتلفه) هو (نسيانا).

فهل يمكن لاحد ان يقول: ما اتلفه نسيانا يخرج من الاصل و ما اتلفه عدوانا يخرج من الثلث؟.

(و لا) نجد فرقا، عند العرف- أيضا- (بين ما اتلفه هذا الظالم

ص: 244

عدوانا و بين ما اتلفه شخص آخر من غير الظلمة.

مع انه لا اشكال فى جريان احكام الدين عليه فى حال حياته من جواز المقاصة من ماله كما هو المنصوص و لعدم تعلق الخمس و الاستطاعة و غير ذلك.

فلو تم الانصراف لزم اهمال الاحكام المنوطة بالدين وجود او عدما

______________________________

عدوانا و بين ما اتلفه شخص آخر من غير الظلمة) فلم الفرق اذا بين الدين و بين ما اتلفه الظالم.

(مع) ان هناك وجها آخر لتزييف الانصراف، و هو (انه لا اشكال فى جريان احكام الدين عليه) اى على ما اتلفه الظالم (فى حال حياته من جواز المقاصة) لصاحب المال (من ماله) اى مال الجائر (كما هو المنصوص) كخبر داود بن رزين قال: قلت لابى الحسن عليه السلام: انى اخالط السلطان فتكون عندى الجارية فيأخذونها، و الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها، ثم يقع لهم عندى المال، فلى ان آخذه، قال عليه السلام:

خذ مثل ذلك و لا تزد عليه (و لعدم تعلق الخمس و الاستطاعة) فانه لا يتعلق به الخمس اذا كان دينه مساويا او ازيد من ارباحه.

و كذلك لا يستطيع للحج اذا لم يكن له مال ازيد من دينه (و غير ذلك) كالفطرة و نحوها.

(فلو تم الانصراف) المذكور (لزم اهمال الاحكام المنوطة بالدين) بفتح الدال (وجودا و عدما) فوجوده ليس كوجود الدين، و عدمه ليس

ص: 245

من غير فرق بين حياته و موته.

و ما ادعاه من السيرة فهو ناش من قلة مبالات الناس، كما هو ديدنهم فى اكثر السير التى استمروا عليها.

و لذا لا يفرقون فى ذلك بين الظلمة، و غيرهم، ممن علموا باشتغال ذمته بحقوق الناس من جهة حق السادة و الفقراء، او من جهة العلم بفساد اكثر معاملاته

______________________________

كعدم الدين (من غير فرق بين حياته و موته).

اذ لا وجه لان نقول: انه ما دام حيا يكون عليه دين ما اتلفه فاذا مات لم يعامل مع ما اتلفه معاملة الدين.

(و) اما (ما ادعاه من السيرة) على فرض وجودها (فهو ناش من قلة مبالات الناس، كما هو) اى عدم الاكتراث و قلة المبالات (ديدنهم فى اكثر السير التى استمروا عليها) فهذه السيرة لم تكن سيرة المتدينين التى علم اتصالها بزمان المعصوم.

(و لذا) الّذي ذكرناه من ان سيرتهم مع الظلمة ناش من قلة المبالات (لا يفرقون فى ذلك) اى فى عدم ملاحظة الديون للميت، فلا يقدمونها على الارث (بين الظلمة، و غيرهم، ممن علموا باشتغال ذمته بحقوق الناس من جهة حق السادة و الفقراء) بل يتصرفون تصرف الارث فى كل اموال الميت، و ان علموا بانه مشغول الذمة بالخمس و الزكاة (او من جهة العلم بفساد اكثر معاملاته) مما سبّب اشتغال ذمته باطراف معاملاته، فانهم لا يرضونهم و لا يصالحونهم، بل يتصرفون فى ما تركه

ص: 246

و لا فى انفاذ وصايا الظلمة، و توريث ورثتهم بين اشتغال ذممهم بعوض المتلفات و ارش الجنايات، و بين اشتغالها بديونهم المستقرة عليهم من معاملاتهم و صدقاتهم الواجبة عليهم، و لا بين ما علم المظلوم فيه تفصيلا، و بين ما لم يعلم.

فانك اذا تتبعت احوال الظلمة وجدت ما استقر فى ذممهم من جهة المعاوضات و المداينات مطلقا، او من جهة وجود اشخاص معلومين تفصيلا او مشتبهين فى محصور كافية فى استغراق تركتهم المانع من التصرف فيها بالوصية او الارث.

______________________________

بلا مبالات (و) كذلك (لا) يبالون (فى انفاذ وصايا الظلمة، و توريث ورثتهم) من دون فرق (بين اشتغال ذممهم بعوض المتلفات و ارش الجنايات، و بين اشتغالها) اى ذممهم (بديونهم المستقرة عليهم من معاملاتهم و صدقاتهم الواجبة عليهم، و لا بين ما علم المظلوم فيه تفصيلا، و بين ما لم يعلم) مما يدل على مبالاتهم اطلاقا، حتى فيما لا يقول بعض الاساطين بعدم اشتغال ذممهم فيه كديون المعاملات، و الصدقات، و ما اشبه.

(فانك اذا تتبعت احوال الظلمة وجدت) ان (ما استقر فى ذممهم من جهة المعاوضات و المداينات مطلقا، او) خصوص ما استقر فى ذممهم (من جهة وجود اشخاص معلومين تفصيلا، او مشتبهين فى محصور) مما يلزم التخلص من حقوقهم قطعا (كافية فى استغراق تركتهم المانع) ذلك الاستغراق (من التصرف فيها) اى فى التركة (بالوصية او الارث).

ص: 247

و بالجملة فالتمسك بالسيرة المذكورة اوهن من دعوى الانصراف السابقة.

فالخروج بها عن القواعد المنصوصة المجمع عليها غير متوجه.

[المسألة الثالثة ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة]

اشارة

الثالثة ما يأخذه السلطان المستحل لاخذ الخراج و المقاسمة

______________________________

و مع ذلك ترى اوصيائهم و ورثتهم لا يبالون بذلك، فكما ان سيرتهم ليست حجة- لاعتراف بعض الاساطين بذلك- كذلك ليست سيرتهم حجة بالنسبة الى قيم المتلفات.

(و بالجملة فالتمسك بالسيرة المذكورة اوهن من دعوى الانصراف السابقة) اى انصراف ادلة الدين من قيم متلفات الغاصب.

(فالخروج بها) اى بدعوى السيرة (عن القواعد المنصوصة المجمع عليها) من ضمان التالف حيا كان أو ميتا، غاصبا او غير غاصب (غير متوجه) قطعا.

(الثالثة) من مسائل الخاتمة (ما يأخذه السلطان المستحل لاخذ الخراج و المقاسمة) لانه يرى نفسه ولى الامر و ان كان فى قرارة نفسه يعرف نفسه كاذبا، لا دعائه المقام الّذي ليس له.

و المراد بالخراج ما يعينه السلطان بمقدار معين على كل مقدار من الارض الزارعية المفتوحة عنوة مثلا على كل جريب من الارض عشرة دنانير.

و المقاسمة ما يأخذه السلطان بالكسر المشاع مثلا يقول: لى فى ارض الزراعة الربع من الحاصل.

و سبب ذلك ان الاراضى المفتوحة عنوة ملك للمسلمين فاللازم ان

ص: 248

من الاراضى باسمهما.

و من الانعام باسم الزكاة يجوز ان يقبض منه مجانا او بالمعاوضة و ان كان مقتضى القاعدة حرمته، لانه غير مستحق لاخذه.

فتراضيه مع من عليه الحقوق المذكورة فى تعيين شي ء من ماله لاجلها فاسد

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 4، ص: 249

______________________________

يصرف واردها فى مصالحهم بعد ان يكون للعامل فيها حصة أيضا لقاء عمله (من الاراضى باسمهما) اى باسم الخراج و المقاسمة.

(و) ما يأخذه (من الانعام) الثلاث: الابل، و البقر، و الغنم (باسم الزكاة يجوز ان يقبض) الانسان (منه) اى من السلطان (مجانا) بعنوان الجائزة، و نحوها (او بالمعاوضة) بان يبيعه شيئا فى مقابل ثمن من الخراج.

و اعلم ان الخراج و المقاسمة: يطلق احدهما على الآخر، فاذا اختلفا اجتمعا، و اذا اجتمعا اختلفا، كالظرف و الجار و المجرور، و المسكين و الفقير- (و ان كان مقتضى القاعدة) الاولية (حرمته) اى حرمة الاخذ من الجائر (لانه) اى السلطان الجائر (غير مستحق لاخذه) اى اخذ الخراج، لان اخذ الخراج من وظائف الامام العادل.

(فتراضيه) اى الجائر (مع من عليه الحقوق المذكورة) الخراج و المقاسمة و الزكاة (فى تعيين شي ء من ماله) اى مال من عليه الحقوق المذكورة (لاجلها) اى لاجل تلك الحقوق، كما لو تراضى السلطان مع زيد الزارع على ان يعطى له من زرعه الربع (فاسد) لانه تراض من غير اهله، فان

ص: 249

كما اذا تراضى الظالم مع مستأجر دار الغير فى دفع شي ء إليه عوض الاجرة.

هذا مع التراضي.

و اما اذا قهره على اخذ شي ء بهذه العنوانات ففساده اوضح.

و كيف كان فما يأخذه الجائر باق على ملك المأخوذ منه و مع ذلك يجوز قبضه عن الجائر بلا خلاف يعتد به بين الاصحاب، و عن بعض حكاية الاجماع عليه.

______________________________

اهله الامام العادل.

فيكون تراضيه (كما اذا تراضى الظالم مع مستأجر دار الغير) مع زيد المستأجر لدار عمرو (فى دفع شي ء) كمأة دينار (إليه) اى الى الظالم اجارة للدار (عوض الاجرة) التى يجب ان تدفع الى صاحب الدار، فكما ان هذا التراضي فاسد، كذلك التراضي فى ارض الخراج.

(هذا) وجه فساد المال- على القاعدة- (مع التراضي) بين الزارع و السلطان.

(و اما اذا قهره) بدون رضاه (على اخذ شي ء بهذه العنوانات) الخراج و المقاسمة، و الزكاة (ففساده اوضح) من ان يخفى، لوجود وجهين للفساد ان الاخذ ليس من اهله، و انه مأخوذ بالقهر.

(و كيف كان فما يأخذه الجائر باق على ملك المأخوذ منه) على القاعدة الاولية (و مع ذلك يجوز قبضه عن الجائر بلا خلاف يعتد به بين الاصحاب) و المخالف فى المسألة خلاف المشهور (و عن بعض حكاية الاجماع عليه)

ص: 250

قال فى محكى التنقيح لان الدليل على جواز شراء الثلاثة من الجائر- و ان لم يكن مستحقا له- النص الوارد عنهم عليهم السلام، و الاجماع و ان لم يعلم مستنده.

و يمكن ان يكون مستنده ان ذلك حق للأئمة و قد اذنوا لشيعتهم فى شراء ذلك، فيكون تصرف الجائر كتصرف الفضولى اذا انضم إليه اذن المالك، انتهى.

اقول: و الاولى ان يقال: اذا انضم إليه اذن متولى الملك.

______________________________

(قال فى محكى التنقيح) فى وجه جواز ذلك (لان الدليل على جواز شراء الثلاثة) الخراج و المقاسمة و الزكاة (من الجائر- و ان لم يكن) الجائر (مستحقا له- النص الوارد عنهم عليهم السلام، و الاجماع و ان لم يعلم مستنده) اى مستند النص او الاجماع، من القواعد، اى لم يعلم كيف ينطبق النص على القواعد الاوّلية، و انه هل هو استثناء عن القواعد او منطبق على بعض القواعد؟.

(و يمكن ان يكون مستنده) اى مستند الجواز، من القواعد (ان ذلك) الاخذ و التصرف (حق للأئمة) عليهم السلام (و قد اذنوا لشيعتهم فى شراء ذلك، فيكون تصرف الجائر كتصرف الفضولى) الّذي لا يصح ابتداءً حيث يصح (اذا انضم إليه اذن المالك، انتهى) كلام التنقيح.

(اقول: و الاولى ان يقال) بدل «اذا انضم إليه اذن المالك» (اذا انضم إليه اذن متولى الملك) لان الأئمة عليهم السلام هم اولياء الخراج، و المقاسمة، و الزكاة و هم ملكوها لعامة المسلمين.

ص: 251

كما لا يخفى.

و فى جامع المقاصد: ان عليه اجماع فقهاء الامامية، و الاخبار المتواترة عن الأئمة الهداة.

و فى المسالك: اطبق عليه علمائنا، و لا نعلم فيه مخالفا.

و عن المفاتيح: انه لا خلاف فيه.

و فى الرياض: انه استفاض نقل الاجماع عليه و قد تأيدت دعوى هؤلاء بالشهرة المحققة بين الشيخ، و من تأخر عنه.

______________________________

اقول: كما ان الاولى ان يقول «كتصرف الغاصب اذا اذن المتولى لشخص» اذ فرق بين الفضولى و بين الجائر، فان تصرف الفضولى يصح باذن المالك، و تصرف الجائر لا يصح باذن الامام للشيعة، و انما الجائر معاقب على تصرفه، و يصح للشيعة فقط لاذنهم عليهم السلام لهم (كما لا يخفى).

(و) كيف كان، ف (فى جامع المقاصد: ان عليه) اى على جواز الاخذ من الجائر و المعاوضة عليه (اجماع فقهاء الامامية، و الاخبار المتواترة عن الأئمة الهداة).

(و) قال (فى المسالك: اطبق عليه علمائنا، و لا نعلم فيه مخالفا).

(و) المحكى (عن المفاتيح: انه لا خلاف فيه).

(و) قال (فى الرياض: انه استفاض نقل الاجماع عليه).

اقول (و قد تأيدت دعوى هؤلاء) الاجماع، و عدم الخلاف (بالشهرة المحققة بين الشيخ، و من تأخر عنه).

ص: 252

و يدل عليه قبل الاجماع مضافا «1» الى لزوم الحرج العظيم فى الاجتناب عن هذه الاموال، بل اختلال النظام.

و «2» الى الروايات المتقدمة لاخذ الجوائز من السلطان خصوصا الجوائز العظام التى لا يحتمل عادة ان يكون من غير الخراج و كان الامام عليه السلام يأبى عن اخذها احيانا، معللا بان فيها حقوق الامة روايات.

منها صحيحة الحذاء عن ابى جعفر عليه السلام، قال: سألته عن

______________________________

(و يدل عليه قبل الاجماع مضافا «1» الى لزوم الحرج العظيم فى الاجتناب عن هذه الاموال، بل اختلال النظام) لابتلاء غالب الناس بها حتى اذا اريد الاجتناب عنها وقع الغالب او الجميع فى العسر و الحرج مما لا يستبعد ان يكون من العسر الرافع للتكليف مطلقا لا من قبيل العسر الرافع للتكليف الشخصى، فهو مثل مشقة السواك، لا مثل مشقة الوضوء.

(و «2» الى الروايات المتقدمة لاخذ الجوائز من السلطان خصوصا الجوائز العظام التى لا يحتمل عادة ان يكون من غير الخراج) فان الجائزة و المعاوضة من واد واحد، فاذا جاز اخذ الجائزة جازت المعاوضة (و كان الامام عليه السلام يأبى عن اخذها احيانا، معللا بان فيها حقوق الامة) كما مرّ فى الصورة الثانية من الجوائز.

و اباء الامام لم يكن إلا تنزها، لا لان ذلك حرام، و الا لم يأخذوا عليهم السلام هم بانفسهم، و لم يأذنوا لشيعتهم بالاخذ (روايات) فاعل «يدل».

(منها صحيحة الحذاء عن ابى جعفر عليه السلام، قال: سألته عن

ص: 253

الرجل منّا يشترى من عمال السلطان من ابل الصدقة و غنمها، و هو يعلم انهم يأخذون منهم اكثر من الحق الّذي يجب عليهم، فقال ما الابل و الغنم الا مثل الحنطة و الشعير؟ و غير ذلك لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه، فيجتنب.

قلت: فما ترى من مصدق يجيئنا، فيأخذ منّا صدقات اغنامنا، فنقول بعناها فيبيعنا اياها، فما ترى فى شرائها منه، فقال: ان كان قد اخذها و عزلها فلا بأس.

______________________________

الرجل منّا يشتر يمن عمال السلطان من ابل الصدقة و غنمها و هو يعلم انهم) اى السلطان و اعوانه (يأخذون منهم اكثر من الحق الّذي يجب عليهم، قال: فقال) عليه السلام (ما الابل و الغنم الا مثل الحنطة و الشعير؟) اللتين يأخذونهما زكاة و خراجا من الناس (و غير ذلك لا بأس به) بان تشترى من السلطان (حتى يعرف الحرام بعينه، فيجتنب).

و هذا أيضا دليل آخر على عدم حلية الجائزة المعلومة حرمتها- كما تقدم فى مبحث الجوائز-.

(قلت: فما ترى فى مصدق) اى العامل لاخذ الصدقات (يجيئنا، فيأخذ منّا صدقات اغنامنا، فنقول بعناها) اى بعها لنا (فيبيعنا اياها، فما ترى فى شرائها) اى الاغنام (منه، فقال) عليه السلام (ان كان قد اخذها و عزلها فلا بأس) لانه قبل الاخذ و العزل كلّى، و هو مجهول، فيكون من بيع الغرر.

ص: 254

قيل له فما ترى فى الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم، فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه، فيعزله بكيل فما ترى فى شراء ذلك الطعام منه؟ فقال:

ان كان قد قبضه بكيل و انتم حضور فلا بأس بشرائه منه من غير كيل دلت هذه الرواية على ان شراء الصدقات من الانعام و الغلات من عمال السلطان كان مفروغ الجواز عند السائل.

و انما سئل أولا عن الجواز مع العلم الاجمالى بحصول الحرام فى ايدى العمال.

______________________________

(قيل له فما ترى فى الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم) للقسمة بيننا و بين السلطان ليأخذ حصة المقاسمة (فيقسم لنا حظنا، و يأخذ حظه، فيعزله بكيل فما ترى فى شراء ذلك الطعام منه؟) بعد التعيين و العزل (فقال) عليه السلام (ان كان قد قبضه بكيل و انتم حضور فلا بأس بشرائه منه من غير كيل).

و انما قيد بانتم حضور، لئلا يكون كيله باطلا، فيكون الشراء منه باطلا اذ ما يكال يلزم اشترائه بالكيل.

فقد (دلت هذه الرواية على ان شراء الصدقات من الانعام و الغلات من عمال السلطان كان مفروغ الجواز عند السائل) لانه لم يسأل عنه بل اجرى اسئلته ارسالا للحكم بعد مسلّميّة الجواز، و الامام لم يردع ما فى ذهنه بل قرره.

(و انما سئل أولا عن الجواز مع العلم الاجمالى بحصول الحرام فى ايدى العمال) حيث قال «يأخذون منهم اكثر من الحق»

ص: 255

و ثانيا من جهة توهم الحرمة او الكراهة فى شراء ما يخرج فى الصدقة كما ذكر فى باب الزكاة.

و ثالثا من جهة كفاية الكيل الاول.

و بالجملة ففى هذه الرواية- سؤالا و جوابا- اشعار بان الجواز كان من الواضحات غير المحتاجة الى السؤال، و الا لكان اصل الجواز اولى بالسؤال، حيث ان ما يأخذونه باسم الزكاة معلوم الحرمة تفصيلا.

______________________________

(و ثانيا من جهة توهم الحرمة او الكراهة فى شراء ما يخرج فى الصدقة كما ذكر فى باب الزكاة) حيث قال «فما ترى فى شراء ذلك منه».

فقد ذكروا فى باب الزكاة روايات تدل على النهى عن شراء ما اخرجه صدقة.

و حملت على الكراهة جمعا بين الاخبار، احتياطا على الفقير، او تنزها عما وصف بكونه من اوساخ الناس ثم لا يخفى انه وسخ بالنسبة الى المالك لا بالنسبة الى الفقير فهو كما يقال: «ان مال الناس للغاصب نار» فان المراد انه نار للغاصب و ان كان ما لا طيبا بالنسبة الى المالك

(و ثالثا من جهة كفاية الكيل الاول) حيث قال «فيعزله بكيل» و قال الامام «ان كان قد قبضه بكيل و انتم حضور».

(و بالجملة ففى هذه الرواية- سؤالا و جوابا- اشعار بان الجواز) للاشتراء من السلطان الجائر (كان من الواضحات غير المحتاجة الى السؤال، و الا) فلو كان الجواز محل الاشكال (لكان اصل الجواز اولى بالسؤال، حيث ان ما يأخذونه باسم الزكاة معلوم الحرمة تفصيلا) لانهم

ص: 256

فلا فرق بين اخذ الحق الّذي يجب عليهم و اخذ اكثر منه.

و يكفى قوله عليه السلام: حتى يعرف الحرام منه فى الدلالة على مفروغية حل ما يأخذونه من الحق و ان الحرام هو الزائد.

و المراد بالحلال، هو الحلال بالنسبة الى ما ينتقل إليه و ان كان حراما بالنسبة الى الجائر الآخذ له بمعنى معاقبته على اخذه، و ضمانه و حرمة التصرف فى ثمنه.

______________________________

ليسوا اهلا للأخذ.

(فلا فرق بين اخذ) مقدار (الحق الّذي يجب عليهم) اى على المأخوذ منهم (و اخذ اكثر منه) فلما ذا خصص السائل سؤاله بقوله «يأخذون منهم اكثر من الحق الّذي يجب عليهم».

هذا كله وجه دلالة السؤال على مفروغية الحلّ عند السائل.

(و) اما وجه دلالة جواب الامام عليه السلام، ف (يكفى قوله عليه السلام: حتى يعرف الحرام منه فى الدلالة على مفروغية حل ما يأخذونه من الحق و) مفروغية (ان الحرام هو الزائد) فقط.

(و) لا يخفى ان (المراد بالحلال، هو الحلال بالنسبة الى ما ينتقل إليه) كالمشترى و آخذ الجائزة (و ان كان حراما بالنسبة الى الجائر الآخذ له بمعنى معاقبته) فى الآخرة (على اخذه، و ضمانه) فى الدنيا وضعا (و حرمة التصرف فى ثمنه) تكليفا.

لما قد عرفت انه غاصب لا يحق له، و ان الجواز للاخذ من قبيل تجويز الولى لاخذ المال من الغاصب.

ص: 257

و فى وصفه عليه السلام للمأخوذ بالحلية دلالة على عدم اختصاص الرخصة بالشراء، بل يعم جميع انواع الانتقال الى الشخص.

فاندفع ما قيل من ان الرواية مختصة بالشراء، فليقتصر فى مخالفة القواعد عليه.

ثم الظاهر من الفقرة الثالثة السؤال و الجواب عن حكم المقاسمة، فاعتراض الفاضل القطيفى الّذي صنف فى الردّ على رسالة المحقق الكركى المسمى بقاطعة اللجاج فى حل الخراج، رسالة زيف فيها جميع ما فى الرسالة من ادلة الجواز بعدم دلالة الفقرة الثالثة على حكم المقاسمة.

______________________________

(و) لا يخفى: ان (فى وصفه عليه السلام للمأخوذ بالحلية) فى قوله «لا بأس بذلك» (دلالة على عدم اختصاص الرخصة بالشراء، بل يعم جميع انواع الانتقال الى الشخص) بيعا او صلحا او هبة او جائزة او ثمن اجارة او ما اشبه.

(فاندفع ما قيل من ان الرواية مختصة بالشراء، فيقتصر فى مخالفة القواعد عليه) و لا يتعدى الى سائر انحاء الانتقال.

(ثم الظاهر من الفقرة الثالثة) و هو قوله «قيل له» (السؤال و الجواب عن حكم المقاسمة، فاعتراض الفاضل القطيفى الّذي صنف فى الردّ على رسالة المحقق الكركى المسمى بقاطعة اللجاج فى حل الخراج، رسالة زيف) و ابطل (فيها جميع ما فى الرسالة) للكركى (من ادلة الجواز) التى جاء بها الكركى (بعدم دلالة الفقرة الثالثة على حكم المقاسمة) «بعدم» متعلق ب «اعتراض».

ص: 258

و احتمال كون القاسم هو مزارع الارض او وكيله، ضعيف جدا.

و تبعه على هذا الاعتراض المحقق الاردبيلى، و زاد عليه ما سكت هو عنه: من عدم دلالة الفقرة الاولى على حل شراء الزكاة، بدعوى ان قوله عليه السلام: لا بأس حتى تعرف الحرام منه، لا تدل الاعلى جواز شراء ما كان حلالا، بل مشتبها، و عدم جواز شراء ما كان معروفا انه حرام بعينه

______________________________

(و احتمال كون القاسم هو مزارع الارض او وكيله) فلا علاقة بالسلطان الجائر.

و انما سؤاله عن صاحب الارض الّذي يقاسم مع الزارع فى ان يكون لكل منهما حصّة من الحاصل (ضعيف جدا).

اذ «القاسم» اصطلاح فى عامل السلطان و الا لا يسمى المزارع لغة و لا عرفا بالقاسم.

و كلامه هذا مثل ان يقول «المصدق» معناه آخذ الصدقة، اى الفقير لا عامل السلطان.

(و تبعه على هذا الاعتراض) على الكركى (المحقق الاردبيلى، و زاد عليه) اى على هذا الاعتراض (ما سكت هو) القطيفى (عنه: من عدم دلالة الفقرة الاولى على حل شراء الزكاة، بدعوى ان قوله عليه السلام) فى جواب اخذ العامل اكثر من حقه (لا بأس حتى تعرف الحرام منه، لا تدل الا على جواز شراء ما كان حلالا، بل) جواز شراء ما كان (مشتبها) من غير وجود العلم الاجمالى الجامع لشرائط التنجيز (و عدم جواز شراء ما كان معروفا انه حرام بعينه).

ص: 259

و لا تدل على جواز شراء الزكاة بعينها صريحا.

نعم ظاهرها ذلك، لكن لا ينبغى الحمل عليه لمنافاته العقل و النقل و يمكن ان يكون سبب الاجمال فيه التقية.

و يؤيد عدم الحمل على الظاهر انه غير مراد بالاتفاق، اذ ليس بحلال ما اخذه الجائر فتأمل

______________________________

فالرواية لاعطاء حكم كلى و لا علاقة لها بمسألة ما يأخذه الجائر من الخراج و المقاسمة و الزكاة (و لا تدل على جواز شراء الزكاة بعينها صريحا) حتى تدل على خلاف قاعدة عدم صحة ما يأخذه الجائر.

(نعم ظاهرها ذلك) الشراء للزكاة (لكن لا ينبغى الحمل عليه) اى على هذا الظاهر (لمنافاته العقل و النقل).

اما النقل فلعمومات الادلة الدالة على عدم جواز تصرف غير الامام و نائبه، امثال هذه التصرفات.

و اما العقل فلقبح تصرف غير ذى الحق.

(و يمكن ان يكون سبب الاجمال فيه) اى فى هذا الحديث بان لم يردّ الامام السائل فلم يقل له: ان الشراء حرام صراحة (التقية) لان الامام عليه السلام لا يتمكن ان يقول ان عمل الخلفاء الجائرين حرام.

(و يؤيد عدم الحمل على الظاهر) اى عدم حمل الرواية على ظاهرها الّذي يدل على الجواز (انه) اى ظاهرها (غير مراد بالاتفاق، اذ ليس بحلال ما اخذه الجائر) فاذا لم يكن حلالا للجائر، لم يكن حلالا للآخذ (فتأمل) لعله اشار الاردبيلى الى انه يمكن ان يكون حلالا للآخذ، و

ص: 260

انتهى.

و انت خبير بانه ليس فى العقل ما يقتضي قبح الحكم المذكور.

و اى فارق بين هذا، و بين ما احلوه لشيعتهم، مما فيه حقوقهم و لا فى النقل، الا عمومات قابلة للتخصيص بمثل هذا الصحيح و غيره المشهور بين الاصحاب رواية و عملا، مع نقل الاتفاق عن جماعة.

و اما الحمل على التقية فلا يجوز بمجرد معارضة العمومات كما لا يخفى

______________________________

ان كان حراما للجائر (انتهى) كلام الاردبيلى قدس سره.

(و انت خبير) بعدم ورود اشكاله (بانه ليس فى العقل ما يقتضي قبح الحكم المذكور) بان يحكم الامام عليه السلام توسعة للشيعة بصحّة اعمالهم و تصرفاتهم، و ان كان عمل السلطان حراما و باطلا.

(و اى فارق بين هذا) الحكم و هو حلية اخذ الآخذ ببدل او غير بدل الزكاة و الخراج و المقاسمة (و بين ما احلوه لشيعتهم، مما فيه حقوقهم) كالانفال و المساكن و المتاجر و المناكح، مما فصّل فى باب الخمس، مع ان الاستيلاء من شأن الامام فلا يحق للمسلمين محاربة الكفار بدون اذنه عليه السلام (و لا فى النقل، الا عمومات قابلة للتخصيص بمثل هذا الصحيح و غيره المشهور بين الاصحاب رواية و عملا، مع نقل الاتفاق) على ذلك (عن جماعة) تقدمت اسمائهم، بل و غيرهم أيضا.

(و اما الحمل على التقية) بعد الظهور- كما سلّمه الاردبيلى رحمه الله- (فلا يجوز بمجرد معارضة العمومات، كما لا يخفى) لانه انما يحمل الخبر على التقية، اذ لم يمكن الجمع الدلالى.

ص: 261

و منها رواية اسحاق بن عمار، قال سألته عليه السلام عن الرجل يشترى من العامل و هو يظلم، قال: يشترى منه ما لم يعلم انه ظلم فيه احدا.

وجه الدلالة: ان الظاهر من الشراء من العامل شراء ما هو عامل فيه، و هو الّذي يأخذه من الحقوق من قبل السلطان.

نعم لو بنى على المناقشة احتمل ان يريد السائل شراء املاك العامل منه مع علمه بكونه ظالما غاصبا، فيكون سؤالا عن معاملة الظلمة.

______________________________

و من المعلوم ان بين العام و الخاص جمعا دلاليا عرفيا، فلا مجال للتقية اصلا.

(و منها رواية اسحاق بن عمار، قال سألته عليه السلام عن الرجل يشترى من العامل) للسلطان (و هو يظلم، قال) عليه السلام (يشترى منه ما لم يعلم انه ظلم فيه احدا) «فيه» اى فى هذا الشي ء الّذي يشتريه منه بالذات.

(وجه الدلالة: ان الظاهر من الشراء من العامل شراء ما هو عامل فيه، و هو الّذي يأخذه من الحقوق من قبل السلطان) زكاة او خراجا او مقاسمة او ما اشبه.

(نعم لو) رفع اليد عن الظهور العرفى، و (بنى على المناقشة احتمل ان يريد السائل) بالشراء (شراء املاك العامل منه مع علمه) اى علم المشترى (بكونه) اى العامل (ظالما غاصبا، فيكون سؤالا عن معاملة الظلمة) و لا علاقة له بما نحن فيه.

ص: 262

لكنه خلاف الانصاف و ان ارتكبه صاحب الرسالة.

و منها رواية ابى بكر الحضرمى، قال دخلت على ابى عبد الله عليه السلام، و عنده ابنه اسماعيل، فقال: ما يمنع ابن ابى سماك ان يخرج شباب الشيعة، فيكفونه ما يكفى الناس، و يعطيهم ما يعطى الناس، قال ثم قال: لى لم تركت عطائك قال: قلت: مخافة على دينى، قال: ما منع ابن ابى سماك ان يبعث أليك بعطائك، أ ما علم ان لك فى بيت المال نصيبا، فان ظاهره حل ما يعطى من بيت المال عطاء او اجرة للعمل فيما

______________________________

(لكنه خلاف الانصاف و ان ارتكبه صاحب الرسالة) الفاضل القطيفى

(و منها رواية ابى بكر الحضرمى، قال دخلت على ابى عبد الله عليه السلام، و عنده ابنه اسماعيل، فقال) عليه السلام: (ما يمنع ابن ابى سماك ان يخرج شباب الشيعة) اى شبانهم و هو جمع شاب (فيكفونه ما يكفى الناس) اى يعملون له كما يعمل الناس له (و يعطيهم) العطاء و الاجر (ما يعطى الناس، قال: ثم قال) ابو عبد الله عليه السلام (لى، لم تركت عطائك) من بيت المال و لم تأخذه (قال: قلت: مخافة على دينى) لان العطاء خليط من الحرام و الحلال فهو مشتبه (قال) عليه السلام (ما منع ابن ابى سماك ان يبعث أليك بعطائك، أ ما علم ان لك فى بيت المال نصيبا، فان ظاهره) حيث قال عليه السلام: و يعطيهم و قال لم تركت عطائك، و قال عليه السلام: يبعث أليك بعطائك (حل ما يعطى من بيت المال عطاء) مجانا (او اجرة للعمل) فى مقابل التعب (فيما

ص: 263

يتعلق به.

بل قال المحقق الكركى ان هذا الخبر نص فى الباب، لانه عليه السلام بيّن ان لا خوف على السائل فى دينه، لانه لم يأخذ إلا نصيبه من بيت المال.

و قد ثبت فى الاصول تعدى الحكم بتعدى العلة المنصوصة انتهى.

______________________________

يتعلق به) اى بيت المال.

و من المعلوم: ان بيت المال هو الخراج و الزكاة و المقاسمة و الجزية و نحوها، مما لا يجوز للظلمة جبايتها.

و قوله فيما يتعلق به مقابل المال الّذي يأخذونه من الناس مصادرة و ظلما محضا.

(بل قال المحقق الكركى ان هذا الخبر نص فى الباب) الّذي هو حلية ما يؤخذ من السلطان الجائر، خلافا لما قلناه من ان هذا الخبر ظاهر فى الباب (لانه عليه السلام بيّن ان لا خوف على السائل فى دينه لانه لم يأخذ إلا نصيبه من بيت المال) فى جواب السائل الّذي قال تركت نصيبى خوفا على دينى.

(و قد ثبت فى الاصول تعدى الحكم بتعدى العلة المنصوصة).

فانه و ان كان فى مقام العطاء، الا انه عام شامل للعطاء و غيره، اذ عدم الخوف على الدين من جهة هذا المال يشمل غير العطاء أيضا (انتهى) كلام الكركى.

ص: 264

و ان تعجب منه الاردبيلى و قال: انا ما فهمت منه دلالة ما و ذلك لان غايتها ما ذكر ذلك.

و قد يكون من بيت مال، يجوز اخذه و اعطائه للمستحقين، بان يكون منذورا او وصية لهم بان يعطيهم ابن ابى سماك، و غير ذلك، انتهى.

و قد تبع فى ذلك صاحب الرسالة حيث قال: ان الدليل لا اشعار فيه

______________________________

(و ان تعجب منه الاردبيلى و قال: انا ما فهمت منه دلالة ما) على الحلية، فكيف يدعى الكركى النصوصية (و ذلك لان غايتها) اى غاية الرواية و منتهى ما يستفاد منها (ما ذكر) ه الكركى (ذلك) من ان العطاء من بيت المال، و بيت المال من الخراج و الزكاة.

(و) لكن كون بيت المال الّذي كان بيد ابن ابى سماك كان من الخراج و نحوه اوّل الكلام.

اذ (قد يكون من بيت مال) ليس من الخراج بل (يجوز اخذه و اعطائه للمستحقين، بان يكون منذورا) لهم (او وصية لهم بان يعطيهم ابن ابى سماك، و غير ذلك) كالوقف لهم.

و الحاصل: ان اخذ الجائر للخراج حرام، و اعطائه حرام.

و الرواية انما تدل على ان للراوى عطاء فى بيت المال و ذلك لا يدل على ان بيت مال ابن ابى سماك كان من الخراج و نحوه (انتهى) كلام الاردبيلى رحمه الله.

(و قد تبع فى ذلك) الاشكال على الكركى (صاحب الرسالة) و هو الفاضل القطيفى (حيث قال: ان الدليل لا اشعار فيه

ص: 265

بالخراج.

اقول: الانصاف ان الرواية ظاهرة فى حل ما فى بيت المال مما يأخذه الجائر.

و منها: الاخبار الواردة فى احكام تقبل الخراج من السلطان على وجه يستفاد من بعضها: كون اصل التقبل مسلّم الجواز عندهم.

______________________________

بالخراج) فضلا عن كونه نصا.

(اقول: الانصاف ان الرواية ظاهرة فى حل ما فى بيت المال مما يأخذه الجائر).

و حيث علمنا من الخارج ان غالب ما فى بيت المال هو الخراج و المقاسمة و الزكاة و الجزية كانت الرواية دالة على حل ذلك للآخذ و ان كان تصرف الجائر اخذا و عطاء حراما، لانه تصرف من غير اهله الذين هم الأئمة عليهم السلام و نوابهم.

(و منها: الاخبار الواردة فى احكام تقبل الخراج من السلطان) بان يأخذ الخراج زيد- مثلا- فى مقابل شي ء يعطيه للسلطان، كان يعطيه الف دينار كل سنة و يأخذ هو خراج الاهواز مثلا (على وجه يستفاد من بعضها: كون اصل التقبل مسلم الجواز عندهم).

و وجه الدلالة انه لو لم يجز اخذ الخراج من السلطان، لم يكن وجه لجواز تقبله بالمال.

و أليك جملة من هذه الاخبار.

ص: 266

فمنها: صحيحة الحلبى عن ابى عبد الله عليه السلام فى جملة حديث، قال: لا بأس بان يتقبل الرجل الارض و اهلها من السلطان و عن مزارعة اهل الخراج بالنصف و الثلث و الربع قال: نعم، لا بأس به، و قد قبل رسول الله صلى الله عليه و آله خيبرا اعطاها اليهود، حيث فتحت عليه بالخبر، و الخبر هو النصف.

______________________________

(فمنها: صحيحة الحلبى عن ابى عبد الله عليه السلام فى جملة حديث، قال: لا بأس بان يتقبل الرجل الارض و اهلها) تقبل الاهل باعتبار الجزية، و نحوها (من السلطان، و) سأله عليه السلام (عن مزارعة اهل الخراج بالنصف و الثلث و الربع) بان يصالح المزارعون فى الارض المفتوحة عنوة مع السلطان بان يزرعوا ثم يكون لهم النصف و للسلطان النصف، او لاحدهما الثلث او الربع، او ما اشبه (قال) عليه السلام (نعم لا بأس به، و قد قبل رسول الله صلى الله عليه و آله خيبرا اعطاها اليهود حيث فتحت عليه بالخبر، و الخبر هو النصف) فان الرسول صلى الله عليه و آله لما فتح خيبرا طلب اليهود المزارعين و قرر معهم ان يزارعوا اراضيهم بان يكون لهم النصف و للرسول صلى الله عليه و آله النصف.

اقول: قال فى كتاب «محمد صلى الله عليه و آله پيغمبرى كه از نو بايد شناخت» ان هذه الطريقة التى استعملها الرسول صلى الله عليه و آله هو احسن الطرق، و قد اتبعها الاتحاد السوفيتى بعد الف و بضع من السنين.

و كيف كان فدلالة هذا الخبر على المطلوب انه لو لم يكن تصرف

ص: 267

و منها: الصحيح عن اسماعيل بن الفضل عن ابى عبد الله عليه السلام، قال سألته عن الرجل يتقبل بخراج الرجال و جزية رءوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصايد و السمك و الطير، و هو لا يدرى لعل هذا لا يكون ابدا، أ يشتريه؟ و فى اى زمان يشتريه؟ و يتقبل، قال اذا

______________________________

السلطان بالنسبة الى متقبل الخراج نافذا كان اللازم بطلان تقبل الارض منه، اذ ما يأخذه الجائر من الارض ظلم، فيكون صاحب الارض مديونا بكل الخراج.

و يكون حاله حينئذ حال من يأخذ دار زيد و يعطى لعمرو الغاصب اجارة الدار، فان ذمة آخذ الدار لا تبرأ من الايجار لصاحب الملك، و «الخبر» فى الحديث من «المخابرة» بمعنى المزارعة على النصيب المعين من نصف او ثلث او نحوهما، و الخاء فيه مكسورة.

(و منها: الصحيح عن اسماعيل بن الفضل عن ابى عبد الله عليه السلام، قال سألته عن الرجل يتقبل بخراج الرجال و جزية رءوسهم) بالنسبة الى اهل الذمة و قوله «بجزية رءوسهم» عطف بيان (و خراج النخل و الشجر و الآجام) جمع اجمة محل القصب (و المصايد) اى المحلات التى يمكن الصيد فيها (و السمك و الطير، و هو لا يدرى، لعل هذا) الشي ء الّذي تقبله (لا يكون ابدا) فلا يحصل على طير، او سمك، او نحوهما (أ يشتريه؟) أم لا (و فى اى زمان يشتريه؟) هل بعد وقت السمك و مجى ء الطير او يجوز الاشتراء قبل ذلك؟ (و يتقبل) اى يتقبله من السلطان، عطف على «يشتريه» (قال) عليه السلام (اذا

ص: 268

علمت من ذلك شيئا واحدا قد ادرك، فاشتره، و تقبل به.

و نحوها الموثق المروى فى الكافى و التهذيب عن اسماعيل بن الفضيل الهاشمى بادنى تفاوت.

و رواية الفيض بن المختار، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام:

جعلت فداك، ما تقول فى الارض، اتقبلها من السلطان ثم او اجراها من اكرتى؟ على ان ما اخرج الله تعالى من شي ء لى من ذلك النصف، او الثلث بعد حق السلطان، قال: لا بأس، كذلك اعامل اكرتى، الى غير ذلك من الاخبار الواردة فى باب قبالة الارض و استيجار ارض الخراج

______________________________

علمت من ذلك شيئا واحدا قد ادرك، فاشتره، و تقبل به) فان الامام عليه السلام اجاز التقبل، كما بين وقت التقبل بادراك شي ء واحد مما ذكره.

(و نحوها الموثق المروى فى الكافى و التهذيب عن اسماعيل بن الفضيل الهاشمى بادنى تفاوت) فى الالفاظ مع الرواية السابقة.

(و رواية الفيض بن المختار، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام:

جعلت فداك، ما تقول فى الارض، اتقبلها من السلطان ثم او اجراها من اكرتى؟) اكرة على وزن بررة- بفتح الهمزة- جمع «اكار» بالفتح أيضا المزارعون (على ان ما اخرج الله تعالى من شي ء لى من ذلك) المخرج (النصف، او الثلث بعد حق السلطان) بان يخرج أولا حق السلطان من خراج و نحوه، فما يبقى يقسم نصفين، او ما اشبه (قال) عليه السلام (لا بأس كذلك اعامل اكرتى) فان الظاهر منها جواز التقبل من السلطان (الى غير ذلك من الاخبار الواردة فى باب قبالة الارض و استيجار ارض الخراج

ص: 269

من السلطان، ثم اجارتها للزارع بازيد من ذلك.

و قد يستدل بروايات اخر لا تخلو عن قصور فى الدلالة.

منها: الصحيح عن جميل بن صالح، قال ارادوا بيع تمر عين ابى زياد، و اردت ان اشتريه، فقلت: لا حتى استأمر

______________________________

من السلطان، ثم اجارتها للزارع بازيد من ذلك) المقدار الّذي آجرها.

كصحيحة الهاشمى عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن الرجل استأجر من السلطان من ارض الخراج بدراهم مسمّاة، او بطعام مسمّى ثم آجرها و شرط لمن يزرعها ان يقاسمه النصف، او اقل من ذلك او اكثر، و له فى الارض بعد ذلك فضل، أ يصلح له ذلك، قال عليه السلام: نعم، اذا حفر لهم نهرا، او عمل لهم شيئا، يعينهم بذلك فله ذلك.

قال: و سألته عن الرجل استأجر ارضا من ارض الخراج بدراهم مسمّاة او بطعام معلوم، فيؤاجرها قطعة قطعة، او جريبا جريبا بشي ء معلوم فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان و لا ينفق شيئا، او يؤاجر تلك الارض قطعا على ان يعطيهم البذر و النفقة، فيكون له فى ذلك فضل على اجارته، و له تربة الارض او ليست له؟ فقال عليه السلام: اذا استأجرت ارضا فانفقت فيها شيئا او رمّمت فيها، فلا بأس بما ذكرت.

(و قد يستدل بروايات اخر لا تخلو عن قصور فى الدلالة).

(منها: الصحيح عن جميل بن صالح، قال ارادوا بيع تمر عين ابى زياد، واردت ان اشتريه، فقلت) فى نفسى (لا) اشتريه (حتى استأمر

ص: 270

أبا عبد الله عليه السلام، فسألت معاذا ان يستأمره، فقال: قل له:

يشتره، فانه ان لم يشتره اشتراه غيره.

و دلالته مبنية على كون عين زياد من الاملاك الخراجية، و لعله من الاملاك المغصوبة من الامام او غيره الموقوف اشتراء حاصلها على اذن الامام (ع).

و يظهر من بعض الاخبار: ان عين زياد كان ملكا لابى عبد الله عليه السلام.

______________________________

أبا عبد الله عليه السلام) اى اطلب امره و اذنه (فسألت معاذا ان يستأمره فقال) ابو عبد الله عليه السلام (قل له: يشتره، فانه ان لم يشتره اشتراه غيره).

(و) وجه قصور الدلالة فى هذا الخبر: ان (دلالته مبنية على كون عين زياد من الاملاك الخراجية و) ليس على ذلك دليل.

اذ (لعله من الاملاك المغصوبة من الامام او غيره الموقوف اشتراء حاصلها على اذن الامام" ع").

(و) يؤيد ذلك ما (يظهر من بعض الاخبار: ان عين زياد كان ملكا لابى عبد الله عليه السلام).

الظاهر ان مراده من بعض الاخبار: ما رواه فى الوسائل فى باب استحباب ثلم حائط البستان عن يونس عن ابى عبد الله عليه السلام قال:

قلت له: بلغنى انك تفعل فى غلة عين زياد شيئا، و انا احب ان اسمعه منك، قال: فقال لى: نعم، كنت، الى آخر الخبر.

ص: 271

و منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لى ابو الحسن عليه السلام: ما لك لا تدخل مع عليّ فى شراء الطعام؟ انى اظنك ضيقا، قلت: نعم، و ان شئت وسعت على قال: اشتره.

و بالجملة ففى الاخبار المتقدمة غنى عن ذلك.

[ينبغى التنبيه على أمور.]
اشارة

ينبغى التنبيه على امور.

[الأول: أن ظاهر عبارات الأكثر بل الكل أن الحكم مختص بما يأخذه السلطان]

الاول: ان ظاهر عبارات الاكثر بل الكل ان الحكم مختص بما يأخذه السلطان فقبل اخذه للخراج لا يجوز المعاملة عليه بشراء ما فى ذمة مستعمل

______________________________

و لا يخفى ان المصادرة لاموال الناس كانت كثيرة فى زمان الخلفاء كما يظهر ذلك لمن راجع كتاب «التمدن الاسلامى» و غيره من التواريخ.

(و منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لى ابو الحسن عليه السلام: ما لك لا تدخل مع عليّ فى شراء الطعام؟ انى اظنك ضيقا) اى عندك ضيق الصدر من ذلك، لاجل الاشكال فى الطعام (قلت: نعم و ان شئت وسعت على) بان تجيزنى على ذلك (قال: اشتره) لكن لا دلالة فيه أيضا، كما لا يخفى.

(و بالجملة) سواء دلت هذه الاخبار، أم لا (ففى الاخبار المتقدمة غنى عن ذلك) الاستدلال بهذه الاخبار.

(ينبغى التنبيه على امور) مربوطة بهذه المسألة.

(الاول: ان ظاهر عبارات الاكثر بل الكل ان الحكم) بالجواز لاخذ الشي ء من السلطان المستحل للخراج (مختص بما يأخذه السلطان فقبل اخذه للخراج لا يجوز) للشخص (المعاملة عليه بشراء ما فى ذمة مستعمل

ص: 272

الارض، او الحوالة عليه و نحو ذلك.

و به صرح السيد العميد فيما حكى عن شرحه على النافع، حيث قال:

انما يحل ذلك بعد قبض السلطان او نائبه و لذا قال المصنف يأخذه، انتهى.

لكن صريح جماعة عدم الفرق، بل صرح المحقق الثانى بالاجماع على عدم الفرق بين القبض، و عدمه.

و فى الرياض صرح بعدم الخلاف، و هذا هو الظاهر

______________________________

الارض) بان يقول للمزارع: انا ادفع الخراج عنك و آخذ الخراج منك، فيأخذه قبل ان يقبضه السلطان (او الحوالة عليه) بان يحول هذا الانسان الّذي تقبله من السلطان على المزارع بان يدفع الخراج الى زيد مثلا، قبل ان يقبضه السلطان او نائبه و عامله (و نحو ذلك) كجعل الخراج ثمن الايجار، و بدل الجعالة، و هكذا.

(و به) اى بعدم الجواز (صرح السيد العميد فيما حكى عن شرحه على النافع، حيث قال: انما يحل ذلك) الخراج (بعد قبض السلطان او نائبه و لذا قال المصنف) و هو العلامة رحمه الله (يأخذه، انتهى) كلام العميد.

(لكن صريح جماعة عدم الفرق، بل صرح المحقق الثانى بالاجماع على عدم الفرق بين القبض) اى قبض السلطان (و عدمه) فى حلية القبالة و اخذ الانسان له.

(و فى الرياض صرح بعدم الخلاف، و هذا) اى عدم الفرق (هو الظاهر

ص: 273

من الاخبار المتقدمة الواردة فى قبالة الارض، و جزية الرءوس، حيث دلت على انه يحل ما فى ذمة مستعمل الارض من الخراج لمن تقبل الارض من السلطان.

و الظاهر من الاصحاب فى باب المساقات- حيث يذكرون ان خراج السلطان على مالك الاشجار الا ان يشترط خلافه- اجراء ما يأخذه الجائر منزلة ما يأخذه العادل فى براءة ذمة مستعمل الارض الّذي استقر عليه اجرتها باداء غيره.

______________________________

من الاخبار المتقدمة الواردة فى قبالة الارض، و جزية الرءوس، حيث دلت) هذه الاخبار (على انه يحل ما فى ذمة مستعمل الارض من الخراج لمن تقبل الارض من السلطان).

و من المعلوم انه لم يقبضه السلطان، مضافا الى ان الأئمة عليهم السلام حلّلوا ذلك، و هذا لا يناط بقبض السلطان الجائر.

(و الظاهر من الاصحاب فى باب المساقات- حيث يذكرون ان خراج السلطان على مالك الاشجار) لا الساقى (الا ان يشترط خلافه-) بان يكون كلا او بعضا على الساقى (اجراء ما يأخذه الجائر منزلة ما يأخذه العادل فى براءة ذمة مستعمل الارض) الخراجية و «اجراء» خبر «الظاهر» (الّذي استقر عليه) اى على مستعمل الارض (اجرتها باداء غيره) «باداء» متعلق ب «براءة» فان الاجرة على المستعمل و تبرأ ذمة المستعمل باداء الساقى

و الحاصل: انه لو لا الحلية دون القبض، كان اللازم ان نقول بعدم حلية الخراج لمستعمل الارض، و الحال انه لم يعطه للجائر ثم يقبضه منه

ص: 274

بل ذكروا فى المزارعة أيضا: ان خراج الارض- كما فى كلام الاكثر- او الارض الخراجية- كما فى الغنية و السرائر- على مالكها و ان كان يشكل توجيهه من جهة عدم المالك للاراضى الخراجية.

و كيف كان.

فالاقوى: ان المعاملة على الخراج جائزة و لو قبل

______________________________

(بل ذكروا فى المزارعة أيضا: ان خراج الارض- كما فى كلام الاكثر- او) خراج (الارض الخراجية- كما فى الغنية و السرائر- على مالكها) اى مالك الزراعة.

و يستفاد من هذا انهم اجروا الجائر- الّذي يأخذ الخراج- منزلة العادل، فى ان ذمة المالك مشغولة به، فاذا كانت ذمته مشغولة به صح التعامل بالخراج قبل قبض المالك له الى السلطان (و ان كان يشكل توجيهه) اى توجيه قولهم «على مالكها» (من جهة) ان ظاهر هذه العبارة كون الشخص يملك ارض الخراج مع وضوح (عدم المالك للاراضى الخراجية).

و الاوجه: ما ذكرناه من ارجاع الضمير فى «مالكها» الى مالك الزارعة

و لو صرح بعضهم ب «مالك الارض» اراد به من له حق التصرف بقرينة المقام، فلا اشكال.

(و كيف كان) سواء كانت ظواهر عبائرهم اشتراط القبض فى صحة التعامل، أم لا.

(فالاقوى: ان المعاملة على الخراج جائزة) لكل انسان (و لو قبل

ص: 275

قبضها.

و اما تعبير الاكثر بما يأخذه، فالمراد به اما الاعم مما يبنى على اخذه و لو لم يأخذه فعلا و اما المأخوذ فعلا.

لكن الوجه فى تخصيص العلماء العنوان به جعله كالمستثنى من جوائز السلطان التى حكموا بوجوب ردها على مالكها اذا علمت حراما بعينها

______________________________

قبضها) اى قبض الخراج و المقاسمة للسلطان الجائر.

(و اما تعبير الاكثر بما يأخذه) الجائر، الظاهر منه لزوم القبض فى حلية المعاملة (فالمراد به) اى بما يأخذه، ليس خصوص المأخوذ، بل (اما الاعم مما يبنى) الجائر (على اخذه، و لو لم يأخذه فعلا) و عليه فلا يشترط القبض فى صحة التعامل (و اما) المراد (المأخوذ فعلا).

(لكن الوجه فى تخصيص العلماء العنوان) اى عنوان حل الخراج (به) اى بالمأخوذ، مع انهم لا يقصدون المأخوذ فقط، بل الاعم من المأخوذ و المبنى على اخذه (جعله كالمستثنى من جوائز السلطان التى حكموا بوجوب ردها على مالكها اذا علمت حراما بعينها).

فانهم فى مقام ان ما يأخذه الجائر اذا علم كونه حراما وجب رده، الا اذا كان خراجا، فانه و ان كان حراما- لعدم حق للجائر فى اخذه- الا انه حلال للآخذ سواء اخذه بعنوان الجائزة، أم بعنوان التعامل.

و حيث ان المستثنى منه «المأخوذ» كان المستثنى أيضا «المأخوذ» لا انهم يريدون خصوصية للمأخوذ، و ان غير المأخوذ ليس بحكم المأخوذ

ص: 276

فافهم.

و يؤيد الثانى سياق كلام بعضهم حيث يذكرون هذه المسألة عقيب مسألة الجواز خصوصا عبارة القواعد، حيث صرح بتعميم الحكم بقوله: و ان عرفت اربابه.

و يؤيد الاول ان المحكى عن الشهيد فى حواشيه على القواعد: انه علق على قول العلامة ان الّذي يأخذه الجائر- الى آخر قوله- و ان لم يقبضها الجائر، انتهى.

______________________________

فى صحة التعامل (فافهم) فانهم لو ارادوا الاعم لم تصرح الجماعة المتقدمة باشتراط الاخذ فى صحة التعامل.

(و يؤيد) الاحتمال (الثانى) الّذي بينه بقوله: «و اما المأخوذ فعلا» (سياق كلام بعضهم حيث يذكرون هذه المسألة) اى مسألة حلية اخذ الخراج من الجائر (عقيب مسألة الجوائز).

و من المعلوم: ان الجوائز عبارة عما يعطيه السلطان بعد اخذه من الناس، فليكن المراد بالخراج أيضا ما يأخذه خراجا، ثم يعطيه (خصوصا عبارة القواعد، حيث صرح بتعميم الحكم) بالجواز (بقوله: و ان عرفت اربابه) فانه حلال، فان العبارة كالنص فى ان «المستثنى منه» المأخوذ

(و يؤيد الاول) الّذي ذكره بقوله «اما الاعم» (ان المحكى عن الشهيد فى حواشيه على القواعد: انه علق على قول العلامة ان الّذي يأخذه الجائر- الى آخر قوله- و ان لم يقبضها الجائر انتهى) حيث صرح بعدم قبض الجائر، حتى كان مراد العلامة: الاعم من المقبوض، و مما يبنى على

ص: 277

[الثانى هل يختص حكم الخراج من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما، بمن ينتقل إليه]

الثانى هل يختص حكم الخراج من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما، بمن ينتقل إليه، فلا استحقاق للجائر فى اخذه اصلا فلم يمض الشارع من هذا المعاملة إلا حل ذلك للمنتقل إليه، او يكون الشارع قد امضى سلطنة الجائر عليه فيكون منعه عنه، او عن بدله المعوض عنه فى العقد معه حراما

______________________________

قبضه و ان لم يأخذه فعلا.

(الثانى) من الامور التى ينبغى التنبيه عليها (هل يختص حكم الخراج من حيث الخروج) اى خروجه (عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما بمن ينتقل إليه) «بمن» يتعلق ب «يختص» اى يختص حلية الخراج بالآخذ من السلطان (فلا استحقاق للجائر فى اخذه اصلا).

و انما تجرى القاعدة الاولية من حيث الحرمة بالنسبة الى الجائر (فلم يمض الشارع من هذه المعاملة) التى هى بين السلطان و بين الناس (الا حلّ ذلك) الخراج (للمنتقل إليه) فقط (او يكون الشارع قد امضى سلطنة الجائر عليه) اى على الخراج (فيكون منعه عنه) بان لا يعطى زارع الارض- مثلا- الخراج للجائر (او عن بدله المعوض عنه) اى عن ذلك الخراج (فى العقد معه) اى مع الجائر.

كما لو عقد الزارع مع السلطان ان يعطيه عوض الخراج الف دينار مثلا- ثم يمنع الجائر عن اعطائه الألف (حراما).

و لا يخفى انه لا يراد بالاحتمال الثانى ان للجائر الحق فى هذه التصرفات، و انما يراد ان الشارع لمصلحة المسلمين جعل الجائر بمنزلة

ص: 278

صريح الشهيدين، و المحكى عن جماعة، ذلك.

قال المحقق الكركى فى رسالته ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم- لا سيّما شيخنا الاعظم الشيخ على بن هلال ره-: انه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته و لا جحوده، و لا منعه و لا شي ء منه لان ذلك حق واجب عليه انتهى.

و فى المسالك فى باب الارضين و ذكر الاصحاب: انه لا يجوز لاحد جحدها

______________________________

العادل فى امر الخراج و المقاسمة و الزكاة و الجزية، و ان كان الجائر و اعوانه معاقبين حتى على اخذهم الجزية و الزكاة و الخراج.

ف (صريح الشهيدين، و المحكى عن جماعة) هو (ذلك) الاحتمال الثانى بامضاء الشارع سلطة الجائر على الخراج، فلا يجوز منعه منه.

(قال المحقق الكركى فى رسالته ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيّما شيخنا الاعظم الشيخ على بن هلال ره-: انه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته و لا جحوده) و انكاره و انه ليس عليه الخراج (و لا منعه) بالقوة مع الاعتراف بانه عنده (و لا) منع (شي ء) و جزء (منه) كان يدعى ان عليه الف دينار، و الحال ان عليه الفا و خمسمائة- مثلا- (لان ذلك) الخراج (حق واجب عليه) اى على من عليه الخراج، فكيف يجحده او يمنعه (انتهى) كلام الكركى.

(و فى المسالك فى باب الارضين) جمع الارض، قال (و ذكر الاصحاب:

انه لا يجوز لاحد جحدها) اى المقاسمة او كل ما يجب دفعه الى السلطان

ص: 279

و لا منعها، و لا التصرف فيها بغير اذنه بل ادعى بعضهم الاتفاق عليه، انتهى.

و فى آخر كلامه أيضا ان ظاهر الاصحاب ان الخراج و المقاسمة لازم للجائر حيث يطلبه، او يتوقف على اذنه، انتهى.

و على هذا عوّل بعض الاساطين فى شرحه على القواعد حيث قال: و يقوى حرمة سرقة الحصة و خيانتها و الامتناع عن تسليمها و عن تسليم ثمنها بعد شرائها الى الجائر و ان حرمت عليه و دخل تسليمها فى الاعانة

______________________________

(و لا منعها، و لا التصرف فيها بغير اذنه) اى اذن السلطان (بل ادعى بعضهم الاتفاق عليه، انتهى).

(و فى آخر كلامه أيضا) قال (ان ظاهر الاصحاب ان الخراج و المقاسمة لازم للجائر حيث يطلبه) اى يلزم ان يعطى له اذا طلبه (او يتوقف على اذنه) اذا اراد المالك ان يتصرف فيه.

و الحاصل: ان الجائر كالعادل فى وجوب الدفع إليه او استيذانه (انتهى) كلام المسالك.

(و على هذا) و هو عدم جواز منع الجائر عن الخراج (عوّل بعض الاساطين فى شرحه على القواعد حيث قال: و يقوى حرمة سرقة الحصة) التى للسلطان من الزراعة (و خيانتها و الامتناع عن تسليمها و عن تسليم ثمنها بعد شرائها) من السلطان (الى الجائر) متعلق ب: تسليم (و ان حرمت) الحصة من الخراج (عليه) اى على الجائر، و «ان» وصلية (و دخل تسليمها) الى الجائر (فى) عنوان (الاعانة

ص: 280

على الاثم بالبداية، او الغاية لنص الاصحاب على ذلك، و دعوى الاجماع عليه، انتهى.

اقول ان اريد منع الحصة مطلقا، فيتصرف فى الارض من دون اجرة، فله وجه لانها ملك المسلمين، فلا بد لها من اجرة تصرف فى مصالحهم.

و ان اريد منعها من خصوص الجائر، فلا

______________________________

على الاثم) لانه تقوية للسلطان الجائر (بالبداية) اذا قلنا بان مجرد قبض الجائر حرام، فان اعطائه للحصة اعانة على الاثم (او الغاية) لو قلنا: بان اخذه ليس بحرام، لانه تسليط للجائر من المالك، و انما يحرم تصرف الجائر الّذي هو غاية تسلّمه للحصة، و على اى حال يكون الاعطاء له اعانة على الاثم.

و انما قلنا بحرمة سرقة الحصة- مع ان القاعدة الاولية تقتضى حرمة الاعطاء للجائر- (لنص الاصحاب على ذلك) و انه يجب اعطاء الجائر الخراج و المقاسمة (و دعوى الاجماع عليه) فبالاجماع نخرج عن مقتضى القاعدة الاولية (انتهى) كلام بعض الاساطين.

(اقول ان اريد) من حرمة سرقة الحصة (منع الحصة مطلقا) بان لا يعطيها لا للجائر، و لا للعادل (فيتصرف) المزارع (فى الارض) المفتوحة عنوة (من دون اجرة، فله وجه) وجيه (لانها) اى الارض (ملك المسلمين فلا بد لها من اجرة تصرف فى مصالحهم) فيكون منع الحصة خيانة بالنسبة الى المسلمين اصحاب الارض.

(و ان اريد) بالتحريم (منعها) اى الحصة (من خصوص الجائر، فلا

ص: 281

دليل على حرمته لان اشتغال ذمة مستعمل الارض بالاجرة لا يوجب دفعها الى الجائر، بل يمكن القول بانه لا يجوز مع التمكن، لانه غير مستحق، فيسلم الى العادل، او نائبه الخاص، او العام.

و مع التعذر يتولى صرفه فى المصالح حسبة مع ان فى بعض الاخبار ظهورا فى جواز الامتناع.

مثل صحيحة زرارة، اشترى ضريس بن عبد الملك و اخوه ارزا

______________________________

دليل على حرمته).

و الاجماع الّذي ادعاه منظور فيه صغرى و كبرى (لان اشتغال ذمة مستعمل الارض بالاجرة) لكونها للمسلمين (لا يوجب دفعها) اى الاجرة (الى الجائر، بل يمكن القول بانه) اى الدفع الى الجائر (لا يجوز) اطلاقا (مع التمكن) من الامتناع عن الجائر (لانه) اى الجائر (غير مستحق) للاجرة، بل لعلّه حرام من جهتين، جهة انه غير مستحق، وجهة انه موجب لتقوية سلطان الباطل (فيسلم) الاجرة (الى) السلطان (العادل او نائبه الخاص، او العام) و هو المجتهد الجامع للشرائط.

(و مع التعذر) عن وصوله الى العادل و النائب (يتولى) نفس المستأجر (صرفه فى المصالح) للمسلمين (حسبة) اى احتسابا و قربة الى الله تعالى.

هذا كله مقتضى القاعدة الاولية (مع ان فى بعض الاخبار ظهورا فى جواز الامتناع) عن اعطاء الحصة للجائر.

(مثل صحيحة زرارة) قال: (اشترى ضريس بن عبد الملك و اخوه ارزا

ص: 282

من هبيرة بثلاثمائة الف درهم قال: فقلت له: و يلك او ويحك انظر الى خمس هذا المال، فابعث به إليه و احتبس الباقى، فابى عليّ وادى المال و قدم هؤلاء، فذهب امر بنى امية، قال: فقلت ذلك لابى، عبد الله عليه السلام: فقال: مبادرا للجواب هو له، فقلت له: انه قد ادّاها فعضّ على اصبعه.

فان اوضح محامل هذا الخبر ان يكون الارز من المقاسمة.

______________________________

من هبيرة) و كان من عمال بنى امية (بثلاثمائة الف درهم) او دينار (قال:

فقلت له: و يلك او ويحك انظر الى خمس هذا المال، فابعث به إليه) اى الى الامام «ع» بان تعطيه ستين الف فقط (و احتبس الباقى) من الثمن، و قد كان قادرا على ذلك لاضطراب حسابات الولاة فى ذلك الوقت لاشتغالهم بالملاهى و الترف (فابى عليّ) مقالتى (وادى المال) الى هبيرة كاملا (و قدم هؤلاء) اى بنو العباس الى الحكم (فذهب امر بنى امية، قال: فقلت ذلك لابى عبد الله عليه السلام: فقال) الصادق عليه السلام قبل ان ابين له ان «ضريس» ادّى المال الى هبيرة (مبادرا للجواب) اى اسرع فى الجواب، قبل انتهاء كلامى (هو) اى المال (له) اى لضريس، فلا يعطيه لهبيرة (فقلت له: انه قد ادّاها) و اعطاها (فعضّ) الصادق عليه السلام (على اصبعه) تحسّر الذهاب المال من كف ضريس.

(فان اوضح محامل هذا الخبر ان يكون الارز من المقاسمة) فيدل الخبر على جواز منع الجائر عن المال.

ص: 283

و اما حمله على كونه مال الناصب، اعنى هبيرة او بعض بنى امية فيكون دليلا على حلّ مال الناصب بعد اخراج خمسه، كما استظهره فى الحدائق.

فقد ضعف فى محله بمنع هذا الحكم، و مخالفته لاتفاق اصحابنا- كما تحقق فى باب الخمس- و ان ورد به غير واحد من الاخبار.

______________________________

(و اما حمله على كونه مال الناصب، اعنى هبيرة او بعض بنى امية) الذين كانوا نواصب (فيكون) الخبر (دليلا على حلّ مال الناصب بعد اخراج خمسه، كما استظهره فى الحدائق).

و تؤيده الاخبار الواردة بحلية مال الناصب بعد اخراج الخمس و انه لا خمس فى مال المقاسمة، كما تؤيده القرينة الحالية، و هى ان بنى امية و عمالهم كانوا من اظهر مصاديق النواصب الا من شذ منهم.

(فقد ضعف فى محله) جواب «اما» (بمنع هذا الحكم) اى وجوب تخميس مال الناصب لمن وجده، و باقيه حلال له (و مخالفته لاتفاق اصحابنا- كما تحقق فى باب الخمس-) فانهم لا يقولون بالخمس الا فى اشياء معيّنة معلومة (و ان ورد به) اى باعطاء الخمس من مال الناصب (غير واحد من الاخبار).

كقول الصادق عليه السلام فى خبر ابن البخترى-: خذ مال الناصب حيث وجدته و ادفع إلينا الخمس.

و قد حملوا هذه الاخبار على محامل، من جملتها ان مال الناصب حلال لمن اخذ، و ليس عليه شي ء الا الخمس الثابت على زيادة الفوائد- و

ص: 284

و اما الامر باخراج الخمس فى هذه الرواية فلعلّه من جهة اختلاط مال المقاسمة لغيره من وجوه الحرام، فيجب تخميسه، او من جهة احتمال اختلاطه بالحرام فيستحب تخميسه، كما تقدم فى جوائز الظلمة.

و ما روى من ان على بن يقطين قال له الامام عليه السلام: ان كنت و لا بدّ فاعلا

______________________________

تفصيل الكلام فى باب الخمس-.

(و اما الامر باخراج الخمس فى هذه الرواية) مع ان المقاسمة لا خمس فيها (فلعله من جهة اختلاط مال المقاسمة لغيره من وجوه الحرام، فيجب تخميسه) من باب تخميس الحلال المختلط بالحرام (او من جهة احتمال اختلاطه بالحرام فيستحب تخميسه، كما تقدم فى جوائز الظلمة).

او المراد خمس الفائدة، اما من جهة بيان انه لا شي ء عليه الا الخمس فى وقته، او من جهة ان الخمس- ابتداءً- على كل فائدة، و يجوز تأخيره الى السنة.

ثم ان الخمس هو كلام زرارة و لا يجب ان يعمل به لانه ليس نقلا عن المعصوم، و انما نحترمه حيث نظن ظنا قويا بان زرارة لا يقول الا ما سمعه من المعصوم.

و كيف كان فالخبر دليل على جواز الامتناع عن تسليم المقاسمة للظالم.

(و) مثله (ما روى من ان على بن يقطين قال له الامام عليه السلام ان كنت و لا بدّ فاعلا) للولاية من قبل العباسيين

ص: 285

فاتق اموال الشيعة و انه كان يجبيها من الشيعة علانية، و يردّ عليهم سرا

قال المحقق الكركى- فى قاطعة اللجاج-: انه يمكن ان يكون المراد به ما يجعل عليهم من وجوه الظلم المحرمة.

و يمكن ان يراد به وجوه الخراج و المقاسمات و الزكوات، لانها و ان كانت حقا عليهم لكنها ليست حقا للجائر، فلا يجوز جمعها لاجله الا عند الضرورة و ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الاعظم، الى آخر ما تقدم نقله عن مشايخه.

______________________________

(فاتق اموال الشيعة) فلا تأخذها (و انه كان يجبيها من الشيعة علانية و يردّ عليهم سرا) فانه يدل على جواز الامتناع عن اعطاء المقاسمة للظالم اذ لو لا الجواز لم يجز ارجاعه إليهم بدون اجازة الجائر.

(قال المحقق الكركى- فى قاطعة اللجاج-: انه يمكن ان يكون المراد به) اى بالمال الّذي كان يجبيه على بن يقطين، ثم يرده (ما يجعل عليهم من وجوه الظلم المحرمة) كالضرائب الباطلة.

(و يمكن ان يراد به وجوه الخراج و المقاسمات و الزكوات، لانها و ان كانت حقا عليهم) شرعا لانها ملك عامة المسلمين (لكنها ليست حقا للجائر فلا يجوز) لابن يقطين (جمعها لاجله) اى لاجل الجائر (الا عند الضرورة) و لا ضرورة مع امكان ردّ ابن يقطين لهم سرا- كما كان يفعل- (و ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الاعظم، الى آخر ما تقدم نقله عن مشايخه) انتهى كلام الكركى.

ص: 286

اقول: ما ذكره من الحمل على وجوه الظلم المحرمة مخالف لظاهر العام، فى قول الامام عليه السلام: فاتق اموال الشيعة.

فالاحتمال الثانى اولى، لكن بالنسبة الى ما عدا الزكوات لانها كسائر وجوه الظلم المحرمة خصوصا بناء على عدم الاجتزاء بها عن الزكاة الواجبة، لقوله عليه السلام: انما هؤلاء قوم غصبوكم اموالكم، و انما الزكاة لاهلها.

و قوله عليه السلام: لا تعطوهم

______________________________

(اقول: ما ذكره) أولا (من الحمل على وجوه الظلم المحرمة مخالف لظاهر العام، فى قول الامام عليه السلام: فاتق اموال الشيعة) اذ الاموال عام شامل للخراج، و المظالم، و غيرهما.

(فالاحتمال الثانى) و هو الخراج، و المقاسمة، و غيرهما (اولى لكن بالنسبة الى ما عدا الزكوات، لانها كسائر وجوه الظلم المحرمة) صفة للوجوه (خصوصا بناء على عدم الاجتزاء بها عن الزكاة الواجبة) اذا دفعها للجائر (لقوله عليه السلام: انما هؤلاء) الخلفاء (قوم غصبوكم اموالكم، و انما الزكاة لاهلها).

فان الخراج و المقاسمة لمطلق مصالح المسلمين، فاخذ الجائر لها لا يكون غصبا لمال الفقراء من الشيعة، بخلاف الزكاة فانها خاصة لفقراء الشيعة فيكون اخذ الوالى لها، غصبا لها، فتكون الزكاة من قبيل سائر وجوه الظلم، لا من قبيل الخراج و المقاسمة.

(و قوله عليه السلام: لا تعطوهم) من الزكاة- اذا طلبها العمال-

ص: 287

شيئا ما استطعتم، فان المال لا ينبغى ان يزكى مرّتين.

و فيما ذكر المحقق من الوجه الثانى دلالة على ان مذهبه ليس وجوب دفع الخراج و المقاسمة الى خصوص الجائر، و جواز منعه عنه و ان نقل بعد

______________________________

(شيئا ما استطعتم، فان المال لا ينبغى ان يزكى مرّتين).

اذ الاعطاء للعمال لا يكفى، فاللازم ان يزكى مرة ثانية.

و لذا ورد فى الاحاديث ان المخالف اذا استبصر يعيد الزكاة، لانه وضعها فى غير موضعها.

و الحاصل: ان المحقق الثانى كان اللازم ان يدخل الزكاة فى الاحتمال الاول، اى ما يجعل عليهم من وجوه الظلم، لا فى الاحتمال الثانى، لان اخذ الزكاة ظلم، كما ان اخذ ضريبة اضافية ظلم، فادخاله الزكاة فى الاحتمال الثانى منظور فيه.

(و فيما ذكر المحقق) الثانى (من الوجه الثانى) بقوله «و يمكن ان يراد به» (دلالة على ان مذهبه ليس وجوب دفع الخراج و المقاسمة الى خصوص الجائر، و جواز منعه عنه) و «جواز» عطف على «ليس».

و انما دلّ كلام المحقق الثانى على ذلك، لانه لو كان مذهبه وجوب الدفع الى الجائر، لم يكن يحتمل انطباق «اتق اموال الشيعة» على الخراج، فان معنى الاتقاء ان لا يأخذ، و معنى وجوب الدفع الى الجائر ان يأخذ.

فاحتمال شمول الاتقاء للخراج ينافى وجوب الدفع الى الجائر (و ان نقل بعد) اى بعد الاحتمال الثانى

ص: 288

عن مشايخه فى كلامه المتقدم ما يظهر منه خلاف ذلك.

لكن يمكن، بل لا يبعد ان يكون مراد مشايخه: المنع عن سرقة الخراج او جحوده رأسا، حتى عن نائب العادل، لا منعه عن خصوص الجائر، مع دفعه الى نائب العادل، او صرفه حسبة فى وجوه بيت المال.

كما يشهد لذلك تعليل المنع بكونه حقا واجبا عليه فان وجوبه عليه انما يقتضي حرمة منعه رأسا، لا عن خصوص الجائر، لانه ليس حقا واجبا له.

______________________________

(عن مشايخه فى كلامه المتقدم ما يظهر منه خلاف ذلك) و انه يجب على الانسان دفع خراجه الى الجائر، فانه ينافى احتمال منع الجائر- المستفاد من اتق اموال الشيعة-.

(لكن يمكن، بل لا يبعد ان يكون مراد مشايخه: المنع عن سرقة الخراج او جحوده رأسا) بان لا يدفعه اطلاقا (حتى عن نائب العادل، لا) ان مرادهم حرمة (منعه عن خصوص الجائر، مع دفعه الى نائب العادل، او صرفه حسبة) و قربة الى الله- فيما اذا لم يكن نائب العادل- (فى وجوه بيت المال) التى هى عبارة عن مصالح المسلمين.

(كما يشهد لذلك) اى لان مراد مشايخه حرمة منعه رأسا، لا ان مرادهم حرمة منعه عن الجائر و ان دفعه الى العادل (تعليل المنع) اى تعليل حرمة الجحود و السرقة (بكونه حقا واجبا عليه) اى على من بذمته الخراج.

وجه الشهادة هو ما ذكره بقوله: (فان وجوبه) اى الخراج (عليه) اى على من بذمته (انما يقتضي حرمة منعه رأسا، لا) حرمة منعه (عن خصوص الجائر، لانه ليس حقا واجبا له) اى لخصوص الجائر.

ص: 289

و لعل ما ذكرنا هو مراد المحقق حيث نقل هذا المذهب عن مشايخه ره، بعد ما ذكره من التوجيه المتقدم بلا فصل من دون اشعار بمخالفته لذلك الوجه.

و مما يؤيد ذلك ان المحقق المذكور بعد ما ذكران هذا، يعنى حلّ ما يأخذه الجائر من الخراج و المقاسمة مما وردت به النصوص و اجمع عليه الاصحاب بل المسلمون قاطبة، قال: فان قلت:

______________________________

(و لعل ما ذكرنا) من ان المراد منعه رأسا، لا عن خصوص الجائر (هو مراد المحقق) الثانى (حيث نقل هذا المذهب) اى مذهب حرمة جحود الخراج (عن مشايخه ره، بعد ما ذكره من التوجيه المتقدم) اى توجيه قوله عليه السلام «اتق اموال الشيعة» بانّها «و ان كانت حقا عليهم الخ» (بلا فصل) بين التوجيه و بين كلام المشايخ (من دون اشعار) فى كلام المحقق (بمخالفته) اى مخالفة نقله عن المشايخ (لذلك الوجه) الّذي ذكره بقوله «و ان كانت حقا عليهم» فانه لو قلنا ان مراد المشايخ المنع رأسا كان التوافق بين التوجيه و بين كلام المشايخ، و الا كان التنافى

و حيث لم يشعر المحقق الثانى بالتنافى، كان اللازم ان نقول بالتوافق، و ان مراد المشايخ أيضا المنع مطلقا لا خصوص المنع عن الجائر

(و مما يؤيد ذلك) و ان مراد المحقق الثانى حرمة المنع رأسا المنع عن خصوص الجائر مع اعطائه للعادل (ان المحقق المذكور بعد ما ذكر ان هذا- يعنى حلّ ما يأخذه الجائر من الخراج و المقاسمة- مما وردت به النصوص، و اجمع عليه الاصحاب بل المسلمون قاطبة، قال: فان قلت:

ص: 290

فهل يجوز ان يتولى من له النيابة حال الغيبة ذلك اعنى الفقيه الجامع للشرائط؟ قلنا: لا نعرف للاصحاب فى ذلك تصريحا.

لكن من جوّز للفقهاء حال الغيبة تولى استيفاء الحدود، و غير ذلك من توابع منصب الامامة ينبغى له تجويز ذلك بطريق اولى، لا سيّما و المستحقون لذلك موجودون فى كل عصر، و من تأمل فى احوال كبراء علمائنا الماضين مثل علم الهدى، و علم المحققين نصير الملة و الدين، و بحر العلوم جمال الملة و الدين العلامة رحمه الله و غيرهم نظر متأمل منصف لم يشك فى انهم كانوا يسلكون هذا المسلك

______________________________

فهل يجوز ان يتولى من له النيابة حال الغيبة) للامام عليه السلام (ذلك) الاخذ للخراج (اعنى) بمن له النيابة (الفقيه الجامع للشرائط؟

قلنا: لا نعرف للاصحاب فى ذلك تصريحا) و انه يجوز، او لا يجوز.

(لكن من جوّز للفقهاء حال الغيبة تولى استيفاء الحدود، و غير ذلك من توابع منصب الامامة) كالجهاد، و نحوه (ينبغى له تجويز ذلك) التولى لجمع الخراج، و نحوه (بطريق اولى) لان الدماء اصعب من الاموال (لا سيّما و المستحقون لذلك) الخراج، و نحوه (موجودون فى كل عصر، و من تأمل فى احوال كبراء علمائنا الماضين مثل علم الهدى) السيد المرتضى (و علم المحققين نصير الملة و الدين) الطوسى (و بحر العلوم جمال الملة و الدين العلامة) الحلى (رحمه الله و غيرهم نظر متأمل منصف لم يشك فى انهم كانوا يسلكون هذا المسلك) من تجويز تولى الفقيه لجمع الخراج و المقاسمة و غيرهما.

ص: 291

و ما كانوا يودعون فى كتبهم الا ما يعتقدون صحته، انتهى.

و حمل ما ذكره من تولى الفقيه على صورة عدم تسلط الجائر خلاف الظاهر.

و اما قوله: و من تأمل الخ، فهو استشهاد على اصل المطلب و هو حل ما يؤخذ من السلطان من الخراج على وجه الاتهاب، و من الاراضى على وجه الانقطاع و لا دخل له بقوله: فان قلت، و قلته اصلا.

فان علمائنا المذكورين و غيرهم لم يعرف منهم الاستقلال على

______________________________

او المراد بهذا المسلك ما سيأتى من المصنف رحمه الله (و) لم يشك فى انهم (ما كانوا يودعون فى كتبهم الا ما يعتقدون صحته انتهى).

(و) هذا الكلام دال على احتماله، بل ترجيحه اعطاء العادل و المنع عن الجائر، و (حمل ما ذكره) المحقق (من تولى الفقيه على صورة عدم تسلط الجائر خلاف الظاهر) بل الظاهر منه، اما الاطلاق و اما خصوص صورة تسلط الجائر، كما لا يخفى.

(و اما قوله: و من تأمل الخ، فهو استشهاد على اصل المطلب و هو حلّ ما يؤخذ من السلطان من الخراج على وجه الاتهاب) اى هبة سلطان الجور للانسان (و من الاراضى على وجه الانقطاع) بان يقطع الجائر قطعة من الارض لاحد الاشخاص، فلا يأخذ منه الخراج- مثلا- (و لا دخل له بقوله: فان قلت، و قلته اصلا) و انما نقول انه مربوط باصل المطلب

(فان علمائنا المذكورين و غيرهم لم يعرف منهم الاستقلال على

ص: 292

اراضى الخراج بغير اذن السلطان.

و ممن يتراءى منه القول بحرمة منع الخراج عن خصوص الجائر شيخنا الشهيد رحمه الله فى الدروس، حيث قال رحمه الله: يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج و الزكاة و المقاسمة، و ان لم يكن مستحقا له

ثم قال: و لا يجب رد المقاسمة و شبهها على

______________________________

اراضى الخراج بغير اذن السلطان).

اقول: لا يبعد ان يكون كلام المحقق مربوطا بقول السلطان العادل و لذا مثل بهؤلاء الثلاثة من العلماء دون غيرهم، و الا فالمشهور بين الفقهاء: الحل، و لا وجه لتخصيص الحل بهؤلاء الثلاثة.

و مما يؤيد ذلك ان السيد المرتضى كان يتولى نقابة الطالبين، و نصير الدين كان يتولى الوزارة فى عهد هلاكو، و العلامة الحلّى و بعض الفقهاء الآخرين تصالحوا مع المغوليين فى ان لا يمسّوا الحلة بسوء فى قضايا مفصلة مذكورة فى الكتب، فكان تصرفاتهم تصرفا من نائب الامام لا من عامل السلطان، كما لا يخفى.

(و ممن يتراءى منه القول بحرمة منع الخراج عن خصوص الجائر) و ان بذله المانع الى العادل (شيخنا الشهيد رحمه الله) الاول (فى الدروس، حيث قال رحمه الله: يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج و الزكاة و المقاسمة، و ان لم يكن) الجائر (مستحقا له) لان هذه الاشياء للمسلمين و المتولى عليها الامام او نائبه الخاص او العام.

(ثم قال: و لا يجب رد المقاسمة و شبهها) كالزكاة و الخراج (على

ص: 293

المالك و لا يعتبر رضاه، و لا يمنع تظلمه من الشراء.

و كذا لو علم ان العامل يظلم الا ان يعلم الظلم بعينه.

نعم يكره معاملة الظلمة، و لا يحرم لقول الصادق عليه السلام: كل شي ء فيه حلال و حرام، فهو حلال حتى تعرف الحرام بعينه.

و لا فرق بين قبض الجائر اياها

______________________________

المالك) فيما اذا اخذ الجائر من زيد مثلا: الزكاة، فاشتريت تلك الزكاة من الجائر، لا يجب عليّ ردّها على زيد (و لا يعتبر رضاه) اى رضا زيد- كما فى المثال- فى اخذ الجائر منه، فانه سواء رضى، أم لا، صح اشترائى من الجائر (و لا يمنع تظلمه) اى تظلم زيد- فى المثال- عن زيد الجائر (من الشراء) بل يجوز لى الشراء، و ان تظلم و تشكى زيد عن الجائر.

فقوله «من» متعلق ب «يمنع».

(و كذا لو علم) المشترى من الظالم (ان العامل يظلم) فيأخذ الفا مكان خمسمائة مثلا (الا ان يعلم) المشترى (الظلم بعينه).

كما لو علم ان هذه الشاة بعينها مغصوبة، فانه لا يجوز للانسان شرائها، و اذا اشتراها وجب ردها الى مالكها.

(نعم يكره معاملة الظلمة، و لا يحرم).

و انما قلنا: بعدم الحرمة (لقول الصادق عليه السلام: كل شي ء فيه حلال و حرام، فهو حلال حتى تعرف الحرام بعينه).

و المفروض ان المشترى من الجائر لا يعرف ان ما اشتراه حرام بعينه (و لا فرق) فى جواز الشراء فى الجائر (بين قبض الجائر اياها) اى

ص: 294

او وكيله، و بين عدم القبض.

فلو احاله لها و قبل الثلاثة او وكله فى قبضها، او باعها و هى فى يد البائع، او فى ذمته جاز التناول و يحرم على المالك المنع.

و كما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات و الوقف و الهبة و الصدقة و لا يحل تناولها بغير ذلك، انتهى.

لكن الظاهر من قوله: و يحرم على المالك المنع، انه عطف على قوله: جاز

______________________________

للمقاسمة، و نحوها (او وكيله، و بين عدم القبض).

(فلو احاله) اى احال الجائر- مثلا: زيدا على عمرو (بها) اى بالمقاسمة (و قبل الثلاثة) المحيل و المحال، و المحال عليه.

او المراد الزكاة و الخراج و المقاسمة- فتأمل- (او وكله فى قبضها) كان و كل الجائر زيدا فى قبض المقاسمة (او باعها و هى فى يد البائع) بان باع المقاسمة من المزارع نفسه (او فى ذمته) لا فى يده (جاز التناول) لذلك الشي ء الّذي تصرف فيه الجائر (و يحرم على المالك المنع) و عدم الجرى على مقتضى تصرف الجائر.

(و كما يجوز الشراء) من الجائر (يجوز سائر المعاوضات) كالاجارة و الصلح و الرهن (و الوقف و الهبة و الصدقة) من الجائر (و لا يحل تناولها) اى المقاسمة، و نحوها (بغير ذلك) النحو من التصرف الّذي تصرف فيها الجائر (انتهى) كلام الشهيد.

(لكن الظاهر من قوله: و يحرم على المالك المنع انه عطف على قوله: جاز

ص: 295

التناول فيكون من احكام الاحالة بها و التوكيل و البيع، فالمراد منع المالك المحال و المشترى عنهما.

و هذا لا اشكال فيه، لان اللازم من فرض صحة الاحالة و الشراء تملك المحال و المشترى.

فلا يجوز منعهما عن ملكهما.

و اما قوله ره: و لا يحل تناولها بغير ذلك، فلعل المراد به ما تقدم فى

______________________________

التناول) لا انه جملة مستأنفة لاصل حكم الخراج و المقاسمة و الزكاة (فيكون من احكام الاحالة بها) اى بالثلاثة (و التوكيل و البيع، فالمراد) بجملة «يحرم» (منع المالك، المحال و المشترى عنهما) اى عما احيل عليه، و اشترى من الجائر.

(و هذا لا اشكال فيه) و انه يحرم المنع (لان اللازم من فرض صحة الاحالة و الشراء تملك المحال و المشترى) لمال المقاسمة الّذي بيد الزارع- مثلا-.

(فلا يجوز) للزارع (منعهما عن ملكهما) الّذي انتقل إليهما بسبب بيع السلطان و حوالته.

و هذا بخلاف ما لو جعلنا الجملة مستأنفة، لان معناها حينئذ تحريم منع المالك الخراج و المقاسمة و الزكاة عن السلطان الجائر مطلقا و ان اداها الى العادل.

(و اما قوله ره: و لا يحل تناولها بغير ذلك) الاذن من السلطان الجائر (فلعل المراد به ما تقدم فى

ص: 296

كلام مشايخ المحقق الكركى من إرادة تناولها بغير اذن احد، حتى الفقيه النائب عن السلطان العارف.

و قد عرفت ان هذا مسلم، فتوى، و نصا، و ان الخراج لا يسقط من مستعملى اراضى المسلمين.

ثم ان ما ذكره من جواز الوقف، لا يناسب ذكره فى جملة التصرفات فيما يأخذه الجائر.

و ان اراد وقف الارض المأخوذة منه اذا نقلها السلطان إليه لبعض مصالح المسلمين فلا يخلو عن اشكال

______________________________

كلام مشايخ المحقق الكركى من إرادة) حرمة (تناولها بغير اذن احد حتى الفقيه النائب عن السلطان العارف).

(و قد عرفت ان هذا) بان يمنع المالك الخراج عن كل احد حتى الفقيه (مسلم، فتوى، و نصا، و) عرفت (ان الخراج لا يسقط من مستعملى اراضى المسلمين).

(ثم ان ما ذكره) الشهيد رحمه الله (من جواز الوقف، لا يناسب ذكره فى جملة التصرفات فيما يأخذه الجائر) و الظاهر انه لا بأس به لجواز وقف الشاة المأخوذة زكاة و هكذا.

(و ان اراد وقف الارض المأخوذة منه) اى من الجائر (اذا نقلها السلطان إليه لبعض مصالح المسلمين) بان رأى السلطان مصلحة فى ان يعطى الارض لبعض الناس، لان فى هذا الاعطاء صلاح حال المسلمين (فلا يخلو عن اشكال) و انه هل يحق للسلطان مثل هذا التصرف

ص: 297

و اما ما تقدم من المسالك من نقل الاتفاق على عدم جواز المنع و الجحود.

فالظاهر منه أيضا ما ذكرنا من جحود الخراج، و منعه رأسا، لا عن خصوص الجائر، مع تسليمه الى الفقيه النائب عن العادل، فانه ره بعد ما نقلنا عنه من حكاية الاتفاق، قال بلا فصل: و هل يتوقف التصرف فى هذا القسم منها على اذن الحاكم الشرعى اذا كان متمكنا فى صرفها فى وجهها بناء على كونه نائبا عن المستحق، و مفوضا إليه ما هو اعظم من ذلك، الظاهر ذلك.

______________________________

أم لا؟

(و اما ما تقدم من المسالك من نقل الاتفاق على عدم جواز المنع) عن الجائر (و الجحود) و الانكار للخراج مما ظاهره عدم الجواز مطلقا و ان كان يؤديها الى الفقيه.

(فالظاهر منه أيضا) كالظاهر من الشهيد الاول (ما ذكرنا من جحود الخراج، و منعه رأسا) بان لا يدفعه اصلا لا الى الجائر، و لا الى العادل (لا) ان المراد منعه (عن خصوص الجائر، مع تسليمه الى الفقيه النائب عن) السلطان (العادل، فانه) اى الشهيد الثانى (ره بعد ما نقلنا عنه من حكاية الاتفاق، قال بلا فصل) ما لفظه: (و هل يتوقف التصرف فى هذا القسم منها على اذن الحاكم الشرعى اذا كان متمكنا فى صرفها فى وجهها) بان لم يخف الجائر (بناء على كونه) اى الحاكم الشرعى (نائبا عن المستحق و مفوضا إليه ما هو اعظم من ذلك) اى من امر الخراج، كامور الدفاع و الحدود بل و الجهاد ابتداءً- على قول- (الظاهر ذلك) اى توقف التصرف على

ص: 298

و حينئذ فيجب عليه صرف حاصلها فى مصالح المسلمين.

و مع عدم التمكن امرها الى الجائر.

و اما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل واحد من المسلمين، فبعيد جدا، بل لم اقف على قائل به لان المسلمين بين قائل بأولوية الجائر، و توقف التصرف على اذنه، و بين مفوض الامر الى الامام (ع) فمع غيبته يرجع الامر الى نائبه فالتصرف بدونهما لا دليل عليه انتهى.

______________________________

اذن الحاكم.

(و حينئذ فيجب عليه صرف حاصلها) اى حاصل الارض من خراج و مقاسمة (فى مصالح المسلمين) من اعطاء الفقراء، و ابناء السبيل و تعمير القناطر و تجهيز الجيش، و ما اشبه.

(و مع عدم التمكن) من صرفها على وجهها (امرها) راجع (الى الجائر).

(و اما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل واحد من المسلمين، فبعيد جدا، بل لم اقف على قائل به) لعدم مساعدة الدليل على ذلك.

فان الدليل الاولى دال على انه يعطى للامام.

و الدليل الثانوى على انه يعطى للجائر (لان المسلمين بين قائل بأولوية الجائر، و توقف التصرف على اذنه) و هم العامة الذين يرون الجائرين خلفاء و ولاة الامر (و بين مفوض الامر الى الامام (ع) فمع غيبته يرجع الامر الى نائبه) و هم الشيعة (فالتصرف بدونهما لا دليل عليه انتهى).

و لا يجوز لكل احد ان يقوم بالتصرف استقلالا.

و الظاهر: ان مراده ليس عدم جواز تصرف عدول المؤمنين فى صورة

ص: 299

و ليس مراده رحمه الله من التوقف: التوقف على اذن الحاكم بعد الاخذ من الجائر، و لا خصوص صورة عدم استيلاء الجائر على الارض، كما لا يخفى.

و كيف كان فقد تحقق مما ذكرناه ان غاية ما دلت عليه النصوص و الفتاوى كفاية اذن الجائر فى حلّ الخراج.

و كون تصرفه بالاعطاء، و المعاوضة، و الاسقاط، و غير ذلك نافذا.

______________________________

عدم وجود النائب، لان ذلك من توابع القول باحقية الامام، بالإضافة الى ان الاعطاء للجائر اضطرارى، فاذا امكن المنع عنه وجب لعدم حقه أولا، و لانه تقوية للظالمين ثانيا.

(و ليس مراده رحمه الله من التوقف) على اذن الحاكم الشرعى (التوقف على اذن الحاكم بعد الاخذ من الجائر، و لا خصوص صورة عدم استيلاء الجائر على الارض، كما لا يخفى) حتى يدل على الاحتياج الى اذن الجائر مطلقا، بل مراده التوقف عند من يرى احقية الامام و هم الشيعة.

(و كيف كان) و سواء دلت عبارة الشهيد على المراد أو لا (فقد تحقق مما ذكرناه ان غاية ما دلت عليه النصوص و الفتاوى: كفاية اذن الجائر فى حل الخراج) لمن اذن له الجائر، سواء كان بالاعطاء، او المعاملة، او ما اشبه.

(و كون تصرفه) اى الجائر (بالاعطاء، و المعاوضة، و الاسقاط، و غير ذلك) كالارث (نافذا) و لا يعارض ذلك بمقالة الامام امير المؤمنين عليه السلام فى قطائع عثمان: و الله لو رايته قد تزوج به الاماء، الى آخره، لانه لا اشكال فى ولاية الامام فى الابقاء، و الانتزاع كولايته فى الاجازة

ص: 300

اما انحصاره بذلك فلم يدل عليه دليل، و لا أمارة، بل لو نوقش فى كفاية تصرفه فى الحلية و عدم توقفها على اذن الحاكم الشرعى مع التمكن، بناء على ان الاخبار الظاهرة فى الكفاية منصرفة الى الغالب من عدم تيسر استيذان الامام عليه السلام، او نائبه امكن ذلك، الا ان المناقشة فى غير محلها، لان المستفاد من الاخبار الاذن العام من الائمة بحيث لا يحتاج بعد ذلك الى اذن خاص- فى الموارد الخاصة- منهم عليهم السلام، و لا من نوابهم.

______________________________

و المنع، أو لا (اما انحصاره) اى انحصار الحلّ (بذلك) الاذن من الجائر (فلم يدل عليه دليل، و لا أمارة) اى قرينة تساعد على ذلك (بل لو نوقش فى كفاية تصرفه) اى الجائر (فى الحلية) للخراج (و عدم توقفها) اى الحلية (على اذن الحاكم الشرعى مع التمكن) من استيذان الحاكم (بناء على ان الاخبار الظاهرة فى الكفاية) لاذن الجائر (منصرفة الى الغالب من عدم تيسر استيذان الامام عليه السلام، او نائبه) الخاص، او العام.

اما مع تيسر ذلك لا يحلّ التصرف بدون استيذان الحاكم الشرعى (امكن ذلك) النقاش (الا ان المناقشة فى غير محلّها، لان المستفاد من الاخبار الاذن العام من الائمة) فى جواز التصرف فى ما يعطيه الجائر خراجا كان او غيره- الا اذا كان مالا معلوم المالك، على التفصيل المتقدم- (بحيث لا يحتاج بعد ذلك) الاذن العام (الى اذن خاص- فى الموارد الخاصة- منهم عليهم السلام، و لا من نوابهم).

ص: 301

هذا كله مع استيلاء الجائر على تلك الارض، و التمكن من استيذانه.

و اما مع عدم استيلائه على ارض خراجية لقصور يده عنها لعدم انقياد اهلها له ابتداءً، او طغيانهم عليه بعد السلطنة عليهم.

فالاقوى- خصوصا مع عدم الاستيلاء ابتداءً- عدم جواز استيذانه، و عدم مضى اذنه فيها، كما صرح به بعض الاساطين حيث قال- بعد بيان ان الحكم مع حضور الامام- مراجعته و مراجعة الجائر مع التمكن:

______________________________

(هذا كله) الّذي ذكرنا من كفاية تصرف الجائر و استيذانه فى الحلية (مع استيلاء الجائر على تلك الارض) الخراجية (و التمكن من استيذانه).

الظاهر: ان المراد التمكن الفعلى بمعنى ان الاستيلاء يحقق موضوع الاستيذان، اذ بدون التمكن لا يقول احد بصحة التصرفات كما عرفت.

(و اما مع عدم استيلائه على ارض خراجية لقصور يده عنها) كالامويين الذين كانوا فى الاندلس بالنسبة الى اراضى العراق (لعدم انقياد اهلها له ابتداءً، او طغيانهم عليه بعد السلطنة) للجائر (عليهم) كالعراق بعد خلعها للامويين.

(فالاقوى- خصوصا مع عدم الاستيلاء ابتداءً- عدم جواز) اى عدم نفوذ (استيذانه، و عدم مضى اذنه فيها) اى فى ارض الخراج (كما صرح به بعض الاساطين) كما ان الظاهر عدم نفوذ اذن جائر فى غير القطر بالنسبة الى القطر الآخر، كعدم نفوذ اذن بنى العباس فى مصر الفاطمية مثلا- (حيث قال- بعد بيان ان الحكم مع حضور الامام- مراجعته و مراجعة الجائر) أيضا (مع التمكن) جمعا بين الدليلين

ص: 302

و اما مع فقد سلطان الجور او ضعفه عن التسلط، او عدم التمكن من مراجعته، فالواجب الرجوع الى الحاكم الشرعى، اذ ولاية الجائر انما ثبت على من دخل فى قسم رعيته، حتى يكون فى سلطانه، و يكون مشمولا لحفظه من الاعداء و حمايته، فمن بعد عن سلطانهم، او كان على الحد فيما بينهم او قوى عليهم فخرج عن مأموريتهم فلا يجرى عليه حكمهم اقتصارا على المقطوع به من الاخبار، و كلام الاصحاب فى قطع الحكم بالاصول و القواعد.

______________________________

(و اما مع فقد سلطان الجور او ضعفه عن التسلط، او عدم التمكن من مراجعته) بالنسبة الى ما فى يد الانسان من الخراج و شبهه (فالواجب الرجوع الى الحاكم الشرعى) فقط (اذ ولاية الجائر انما ثبت على من دخل فى قسم رعيته، حتى يكون فى سلطانه، و يكون) الانسان الداخل فى سلطة الجائر (مشمولا لحفظه) اى حفظ الجائر له (من الاعداء و حمايته، فمن بعد عن سلطانهم) لكونه فى قطر آخر (او كان على الحد فيما بينهم) بحيث لا يشمله سلطان هذا و لا ذاك (او قوى عليهم فخرج عن مأموريتهم) اى كونه مأمورا تحت ايديهم (فلا يجرى عليه) الضمير عائد الى «من» فانه يجوز فى ضمير: من، و ما، مراعات اللفظ و المعنى (حكمهم) اى حكم الجائرين فى لزوم مراجعتهم فى امر الخراج (اقتصارا على المقطوع به من الاخبار، و كلام الاصحاب فى قطع الحكم بالاصول و القواعد) اى ان المقطوع به من مخالفة الاصول و القواعد- التى تقتضى عدم سلطة الجائر- هو صورة كون الانسان تحت سلطة الجائر.

اما صورة عدم سلطة الجائر فباقية على الاصل، من عدم استيذان

ص: 303

و تخصيص ما دل على المنع عن الركون إليهم و الانقياد لهم.

[الثالث: أن ظاهر الأخبار و إطلاق الأصحاب: حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الأراضى التي يعتقد الجائر كونها خراجية]

«الثالث:» ان ظاهر الاخبار و اطلاق الاصحاب: حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الاراضى التى يعتقد الجائر كونها خراجية و ان كانت عندنا من الانفال و هو الّذي يقتضيه نفى الحرج.

______________________________

الجائر فى امر الخراج.

(و تخصيص ما دل على المنع عن الركون إليهم) بقوله سبحانه «وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (و الانقياد لهم) قوله «و تخصيص» عطف على «الاخبار».

فان القدر المتيقن من التخصيص صورة سلطتهم، اما غير صورة سلطتهم، فالمرجع عموم: لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا.

«الثالث» من التنبيهات (ان ظاهر الاخبار) المطلقة للجواز (و اطلاق الاصحاب: حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الاراضى التى يعتقد الجائر كونها خراجية) اى يعامل معها معاملة اراضى الخراج.

اما الاعتقاد بذلك، فغير لازم، لوضوح ان كثيرا من الجائرين يعتقدون العقائد الصحيحة، و لكن جحدوا بها بعد ما استيقنتها انفسهم (و ان كانت عندنا من الانفال) التى هى راجعة للامام، لا للمسلمين (و) الاطلاق فى الحلية (هو الّذي يقتضيه نفى الحرج) اذ الانفال أيضا مما كانت تحت يد الخلفاء و كان الناس مبتلين بها، فاذا اراد و الاجتناب وقعوا فى حرج شديد.

اللهم الا ان يقال: ان الحرج شخصى، و ليس بنوعى بحيث ترفعه الشريعة، فاللازم ملاحظته بالنسبة الى كل انسان انسان، بالإضافة الى ان

ص: 304

نعم مقتضى بعض ادلتهم، و بعض كلماتهم، هو الاختصاص.

فان العلامة قد استدل فى كتبه على حل الخراج و المقاسمة، بان هذا ما لم يملكه الزارع، و لا صاحب الارض، بل هو حق الله اخذه غير مستحقه فبرئت ذمته، و جاز شرائه.

و هذا الدليل و ان كان فيه ما لا يخفى من الخلل الا انه كاشف عن اختصاص محل الكلام بما كان من الاراضى التى لها حق على الزارع

______________________________

الحرج انما يرفع الحكم التكليفى لا الوضعى.

(نعم مقتضى بعض ادلتهم، و بعض كلماتهم، هو الاختصاص) بما ليست من الانفال.

(فان العلامة قد استدل فى كتبه على حل الخراج و المقاسمة، بان هذا) المال الّذي يعطيه الجائر بما جمعه من الخراج (ما لم يملكه الزارع و لا صاحب الارض) و هو الّذي تقبل الخراج من السلطان، و اخذ الارض ليزرعها، و الزارع مباشر للزراعة (بل هو حق الله اخذه غير مستحقه) الّذي هو الجائر (فبرئت ذمته) اى ذمة المعطى، لانه اعطاه حسب ما امره الشرع فان الشارع امره باعطائه الجائر (و جاز شرائه) من الجائر الّذي هو غير مستحق، لكنه اجاز الشارع اعطائه اياه.

(و هذا الدليل و ان كان فيه ما لا يخفى من الخلل) اذ اخذ غير المستحق لا يكفى فى صحة الشراء، بل يحتاج الى مقدمة اخرى، و هى ما ذكرناها بقولنا «لانه اعطاه حسب ما امره الشارع» (الا انه كاشف عن اختصاص محل الكلام بما كان من الاراضى التى لها حق على الزارع) بان تكون من المفتوحة

ص: 305

و ليس الانفال كذلك لكونها مباحة للشيعة.

نعم: لو قلنا بان غيرهم يجب عليه اجرة الارض، كما لا يبعد، امكن تحليل ما يأخذه الجائر منهم بالدليل المذكور لو تم.

و مما يظهر منه الاختصاص ما تقدم من الشهيد، و مشايخ المحقق الثانى من حرمة جحود الخراج و المقاسمة، معللين ذلك بان ذلك حق عليه فان الانفال لا حق و لا اجرة فى التصرف فيها.

______________________________

عنوة (و ليس الانفال كذلك) فانها ليست فيها حق على الزارع (لكونها مباحة للشيعة) لما ورد من الادلة انها للامام، و قد اباحها عليه السلام للشيعة.

(نعم: لو قلنا بان غيرهم) اى غير الشيعة من الذين يتصرفون فى الانفال (يجب عليه اجرة الارض، كما لا يبعد) هذا القول (امكن تحليل ما يأخذه الجائر منهم) اى من غير الشيعة (بالدليل المذكور) فى كلام العلامة (لو تم) الدليل، و لم يرد عليه ما اشرنا إليه بقولنا «فيه ما لا يخفى من الخلل».

(و مما يظهر منه الاختصاص) للحلية بما ليست بانفال (ما تقدم من الشهيد، و مشايخ المحقق الثانى من حرمة جحود الخراج و المقاسمة، معللين ذلك) اى تحريم الجحود و الانكار (بان ذلك) المال الّذي يدفعه الى السلطان (حق عليه).

و انما يظهر من هذا الكلام الاختصاص (فان الانفال لا حق) فيها على المتصرف (و لا اجرة فى التصرف فيها) لإباحة الائمة عليهم السلام للشيعة.

ص: 306

و كذا ما تقدم من التنقيح حيث ذكر بعد دعوى الاجماع على الحكم ان تصرف الجائر فى الخراج و المقاسمة من قبيل تصرف الفضولى اذا اجاز المالك.

و الانصاف: ان كلمات الاصحاب بعد التأمل فى اطرافها ظاهرة فى الاختصاص باراضى المسلمين، خلافا لما استظهره المحقق الكركى قدس سره، من كلمات الاصحاب و اطلاق الاخبار مع ان الاخبار اكثرها لا عموم فيها و لا اطلاق.

نعم: بعض الاخبار الواردة فى المعاملة على الاراضى الخراجية-

______________________________

(و كذا ما تقدم من التنقيح) فانه يستفاد منه الاختصاص (حيث ذكر بعد دعوى الاجماع على الحكم) اى إباحة التقبل من الجائر عطية او شراء او ما اشبه (ان تصرف الجائر فى الخراج و المقاسمة من قبيل تصرف الفضولى اذا اجاز المالك) فان ذكره للخراج و المقاسمة فقط دليل على عدم ارادته الانفال.

(و الانصاف: ان كلمات الاصحاب بعد التأمل فى اطرافها) دليلا و مدلولا، و نقضا وردا (ظاهرة فى الاختصاص) لحكم الحلية (باراضى المسلمين) المفتوحة عنوة (خلافا لما استظهره المحقق الكركى قدس سره، من كلمات الاصحاب و اطلاق الاخبار) حيث عمم الحكم للانفال (مع ان الاخبار اكثرها لا عموم فيها و لا اطلاق) بحيث يشمل الانفال أيضا.

(نعم: بعض الاخبار الواردة فى المعاملة على الاراضى الخراجية-

ص: 307

التى جمعها صاحب الكفاية- شاملة لمطلق الارض المضروب عليها الخراج من السلطان.

نعم لو فرض انه ضرب الخراج على ملك غير الامام، او على ملك الامام لا بالامامة، او على الاراضى التى اسلم اهلها عليها طوعا لم يدخل فى منصرف الاخبار قطعا.

______________________________

التى جمعها صاحب الكفاية-) السبزوارى قدس سره (شاملة لمطلق الارض المضروب عليها الخراج من السلطان).

و من المعلوم ان الجائر يضرب الخراج على الانفال كضربه على المفتوحة عنوة.

كصحيحة محمد بن مسلم، و ابى بصير، عن ابى جعفر عليه السلام، انهما قالا له هذه الارض التى يزرع اهلها ما ترى فيها؟ فقال عليه السلام:

كل ارض دفعها أليك السلطان فما حرثته فيها فعليك مما اخرج الله منها الّذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما اخرج الله منها العشر، انما عليك العشر فيما يحصل فى يدك بعد مقاسمته لك، و مثل هذه الرواية غيرها.

(نعم لو فرض انه ضرب الخراج على ملك غير الامام) كالاملاك التى غصبها من اصحابها الشرعيين (او على ملك الامام لا بالامامة) كالارض التى اشتراها الامام او ورثها من مورثه (او على الاراضى التى اسلم اهلها عليها طوعا) كما كانت عادة بنى امية حتى زمن عمر بن عبد العزيز فابطله، و لما مات رجع الامر الى ما كان (لم يدخل فى منصرف الاخبار قطعا) فلا يحل الا برضى اصحابها.

ص: 308

و لو اخذ الخراج من الارض المجهولة المالك معتقدا لاستحقاقه اياها، ففيه وجهان.

[الرابع ظاهر الاخبار و منصرف كلمات الأصحاب الاختصاص بالسلطان المدعى للرئاسة العامة و عماله]

«الرابع» ظاهر الاخبار.

و منصرف كلمات الاصحاب الاختصاص بالسلطان المدعى للرئاسة العامة و عماله، فلا يشمل: من تسلط على قرية او بلدة خروجا على سلطان الوقت فيأخذ منهم حقوق المسلمين.

نعم ظاهر الدليل المتقدم من العلامة شموله له.

______________________________

(و لو اخذ) الجائر (الخراج من الارض المجهولة المالك معتقدا لاستحقاقه اياها) اى اعتقد الجائر استحقاقه لتلك الارض و خراجها (ففيه وجهان).

من اطلاق بعض الاخبار، فيحل كسائر اقسام الخراج.

و من انصراف الاخبار و كلمات الفقهاء الى اراضى الخراج، لا مطلقا.

«الرابع»: من التنبيهات (ظاهر الاخبار) انصرافا الى سلاطين الجور المعاصرين للأئمة الطاهرين عليهم السلام.

(و منصرف كلمات الاصحاب الاختصاص) للحكم بحلية ما يعطون و يعاملون على الخراج و المقاسمة (بالسلطان المدعى للرئاسة العامة و عماله، فلا يشمل) الحكم المذكور (من تسلط على قرية او بلدة خروجا على سلطان الوقت فيأخذ منهم حقوق المسلمين) فالحكم بالنسبة إليه تابع للقواعد الاولية المقتضية لبطلان تصرفاته.

(نعم ظاهر الدليل المتقدم من العلامة) فى التنبيه الثالث (شموله) اى الحكم (له) اى للمتسلط على قرية او بلدة و هو قوله «بان هذا مال لا يملكه الزارع».

ص: 309

لكنك عرفت انه قاصر عن افادة المدعى.

كما ان ظاهره عدم الفرق بين السلطان المخالف، المعتقد لاستحقاق اخذ الخراج، و المؤمن، و الكافر، و ان اعترفا بعدم الاستحقاق الا ان ظاهر الاخبار الاختصاص بالمخالف.

و المسألة مشكلة من اختصاص موارد

______________________________

(لكنك عرفت انه قاصر عن افادة المدعى) فلا يمكن التمسك به للمقام بطريق اولى اقول: و لكن لا يخفى ان مقتضى الاطلاقات العموم، و لا انصراف، اذ تصرف الخلفاء المعاصرين للأئمة عليهم السلام فى الامور لا يوجب الا الانصراف البدوى، كيف و كثير من الاصحاب كانوا معاصرين لملوك الطوائف الّذي لا يزيد ملك احدهم من أمارة صغيرة.

نعم لا اعتبار بثائر افسد فى قطعة من الارض و لم يستقر فيها للانصراف القطعى عن مثله.

(كما ان ظاهره) اى ظاهر الدليل المتقدم عن العلامة (عدم الفرق بين السلطان المخالف) اى العامى (المعتقد لاستحقاق اخذ الخراج، و المؤمن) الشيعى (و الكافر) المتسلط على بلاد المسلمين (و ان اعترفا) اى المؤمن و الكافر (بعدم الاستحقاق) للخراج، لان المؤمن لا يرى نفسه ولى الامر، و الكافر لا يعتقد بالخراج و المقاسمة (الا ان ظاهر الاخبار الاختصاص بالمخالف) من جهة الانصراف الى سلاطين الجور الذين كانوا معاصرين للأئمة الطاهرين عليهم السلام.

(و المسألة مشكلة) فوجه التخصيص بالمخالف (من) جهة (اختصاص موارد

ص: 310

الاخبار المعتقد لاستحقاق اخذه و لا عموم فيها لغير المورد، فيقتصر فى مخالفة القاعدة عليه.

و من لزوم الحرج.

و دعوى الاطلاق فى بعض الاخبار المتقدمة مثل قوله عليه السلام فى صحيحة الحلبى: لا بأس بان يتقبل الرجل الارض و اهلها من السلطان.

و قوله عليه السلام فى صحيحة محمد بن مسلم: كل ارض دفعها أليك سلطان، فعليك فيما اخرج الله منها الّذي قاطعك عليه، و غير ذلك.

______________________________

الاخبار بالمخالف المعتقد) اعتقادا صوريا (لاستحقاق اخذه) للخراج، فان خلفاء الجور كانوا يظهرون انهم يعتقدون كونهم مستحقين لاخذ الخراج (و لا عموم فيها) اى فى تلك الاخبار (لغير المورد) لها، فلا تشمل المؤمن و الكافر (فيقتصر فى مخالفة القاعدة) الاولية التى تقتضى حرمة تصرف غير الامام و نائبه (عليه) اى على المخالف.

(و) وجه التعميم بالنسبة الى كل سلطان (من) جهة (لزوم الحرج) فى الاختصاص بالمخالف.

(و) جهة (دعوى الاطلاق) الشامل للكافر و المؤمن أيضا (فى بعض الاخبار المتقدمة مثل قوله عليه السلام فى صحيحة الحلبى: لا بأس بان يتقبل الرجل الارض و اهلها من السلطان) فانه لا وجه لاختصاص السلطان بالمخالف.

(و قوله عليه السلام فى صحيحة محمد بن مسلم: كل ارض دفعها أليك سلطان، فعليك فيما اخرج الله منها) اى فعليك فى حاصلها (الّذي قاطعك عليه) اى المقدار الّذي صار من المقرر ان تعطيه له (و غير ذلك)

ص: 311

و يمكن ان يرد لزوم الحرج بلزومه على كل تقدير، لان المفروض ان السلطان المؤمن- خصوصا فى هذه الازمنة- يأخذ الخراج عن كل ارض و لو لم تكن خراجية و انهم يأخذون كثيرا من وجوه الظلم المحرمة منضما الى الخراج، و ليس الخراج عندهم ممتازا عن سائر ما يأخذونه ظلما من العشور و سائر ما يظلمون به الناس كما لا يخفى على من لاحظ سيرة عمالهم، فلا بد اما من الحكم كله لدفع الحرج.

______________________________

من الاخبار المطلقة.

(و يمكن ان يرد) دليل الجواز بالنسبة الى المؤمن و الكافر، و هو (لزوم الحرج بلزومه على كل تقدير) و لو عممنا الجواز بالنسبة الى غير المخالف (لان المفروض ان السلطان المؤمن) اى الاثنى عشرى (- خصوصا فى هذه الازمنة-) التى ضعف فيها حكم الاسلام عند السلاطين و الحكام (يأخذ الخراج عن كل ارض و لو لم تكن خراجية) بان كانت انفالا، و لم تكن مفتوحة عنوة (و انهم يأخذون كثيرا من وجوه الظلم المحرمة منضما الى الخراج) كالضرائب التى ما انزل الله بها من سلطان (و ليس الخراج عندهم ممتازا عن سائر ما يأخذونه ظلما من العشور) «من» بيان «ما» (و سائر ما يظلمون به الناس) عطف على «سائر» (كما لا يخفى) هذا الظلم و الاختلاط بين الخراج و غيره (على من لاحظ سيرة عمالهم) و اعمالهم.

و حينئذ (فلا بد اما من الحكم) بحل ذلك (كله لدفع الحرج) الّذي يلزم من الحكم بالحرمة، لابتلاء الناس باموال السلاطين و احتياجهم الى معاملتهم فى الخراج و فى غير الخراج.

ص: 312

و اما من الحكم بكون ما فى يد السلطان و عماله من الاموال المجهولة المالك.

و اما الاطلاقات فهى مضافا الى امكان دعوى انصرافها الى الغالب كما فى المسالك مسوقة لبيان حكم آخر كجواز ادخال اهل الارض الخراجية فى تقبل الارض فى صحيحة الحلبى لدفع توهم حرمة ذلك

______________________________

(و اما من الحكم بكون ما فى يد السلطان و عماله من الاموال المجهولة المالك) الّذي يجب ان يعامل معها معاملة سائر المجهول مالكه.

لكن الحكم بالحلية المطلقة لا وجه له.

و الحكم بانها مجهولة المالك موجب للحرج أيضا.

فقوله رحمه الله: الحرج لازم على كل تقدير، معناه انه سواء قلنا بحلية الخراج، أم لا، يلزم الحرج.

اما ان قلنا بحلية الخراج فيلزم الحرج من سائر اموال السلاطين.

و اما ان قلنا بعدم حلية الخراج يلزم الحرج من الخراج و غيره من اموال السلاطين.

(و اما الاطلاقات) التى استدل بها لعموم الحكم للمؤمن و الكافر- أيضا- (فهى مضافا الى امكان دعوى انصرافها الى الغالب) فى زمن ورود الروايات، و هم السلاطين المخالفون (كما فى المسالك) ليس لها اطلاق اصلا، لانها (مسوقة لبيان حكم آخر كجواز ادخال اهل الارض الخراجية فى تقبل الارض فى صحيحة الحلبى) بان يقبل متقبّل الارض و اهلها بان يعطى شيئا للسلطان فى قبال اخذه خراج الارض، و جزية الرءوس الكافرة الموجودة فيها (لدفع توهم حرمة ذلك) اى ادخال اهل الارض فى

ص: 313

كما يظهر من اخبار اخر، و كجواز اخذ اكثر ما تقبل به الارض من السلطان فى رواية الفيض بن المختار، و كغير ذلك من احكام قبالة الارض و استيجارها فيما عداها من الروايات.

و الحاصل: ان الاستدلال بهذه الاخبار على عدم البأس باخذ اموالهم، مع اعترافهم بعدم الاستحقاق مشكل.

______________________________

خراج الارض (كما يظهر من اخبار اخر) جواز ذلك، كصحيح اسماعيل المتقدم (و كجواز اخذ اكثر ما تقبل به الارض من السلطان) كان يأخذ الارض من السلطان بالف و يعطيها لغيره بالف و خمسمائة- و هذا عطف على قوله «كجواز ادخال».

كما (فى رواية الفيض بن المختار) المتقدمة (و كغير ذلك من احكام قبالة الارض و استيجارها فيما عداها من الروايات).

و من المعلوم ان الرواية لو كانت فى بيان جهة خاصة لا اطلاق لها كما قالوا فى قوله تعالى «فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» انه لا اطلاق لها من حيث حلية محرمات الذبيحة.

حيث انها ليست فى مقام الاطلاق من جهة ذلك، بل انما هى مسوقة لبيان اصل حلية الصيد.

(و الحاصل: ان الاستدلال بهذه الاخبار على عدم البأس باخذ اموالهم) اى اموال السلاطين المؤمن و الكافر (مع اعترافهم) من نفس السلاطين (بعدم الاستحقاق) لتلك الاموال فى مقابل السلطان المخالف الّذي يدعى استحقاقه (مشكل).

ص: 314

و مما يدل على عدم شمول كلمات الاصحاب ان عنوان المسألة فى كلامهم ما يأخذه الجائر لشبهة المقاسمة او الزكاة- كما فى المنتهى- او باسم الخراج او المقاسمة- كما فى غيره-.

و ما يأخذه الجائر المؤمن، ليس لشبهة الخراج و المقاسمة، لان المراد بشبهتهما شبهة استحقاقهما الحاصلة فى مذهب العامة.

نظير شبهة تملك سائر ما يأخذون مما لا يستحقون، لان مذهب الشيعة ان

______________________________

لكن الانصاف انه لا اشكال فى ذلك، للاطلاق و الاعتقاد لفظا فى الجميع.

فان كل جائر يأخذ المال، يقول بانى استحق الاخذ، و عدم الاعتقاد واقعا فى الجميع أيضا، حتى ان خلفاء بنى امية، و بنى العباس كانوا يعرفون انهم ليسوا على حق، و لكنهم حليت الدنيا فى اعينهم، و راقهم زبرجها- كما قال الامام المرتضى عليه الصلاة و السلام-.

(و مما يدل على عدم شمول كلمات الاصحاب ان عنوان المسألة فى كلامهم) ب (ما يأخذه الجائر لشبهة المقاسمة او الزكاة- كما فى المنتهى- او باسم الخراج او المقاسمة- كما فى غيره-) قوله «ان عنوان» مبتدأ متأخر لقوله «مما يدل».

(و) من المعلوم: ان (ما يأخذه الجائر المؤمن، ليس لشبهة الخراج و المقاسمة، لان المراد بشبهتهما شبهة استحقاقهما الحاصلة) تلك الشبهة (فى مذهب العامة) حيث يرون انفسهم اولياء الامور.

(نظير شبهة تملك سائر ما يأخذون) من اموال الناس (مما لا يستحقون).

و انما قلنا: باختصاص الشبهة بالمخالف (لان مذهب الشيعة ان

ص: 315

الولاية فى الاراضى الخراجية انما هى للامام او نائبه الخاص او العام، فما يأخذه الجائر و المعتقد لذلك انما هو شي ء يظلم به فى اعتقاده، معترفا بعدم براءة ذمة زارع الارض من اجرتها شرعا.

نظير ما يأخذه من الاملاك الخاصة التى لا خراج عليها اصلا و لو فرض حصول شبهة الاستحقاق لبعض سلاطين الشيعة من بعض الوجوه لم يدخل بذلك فى عناوين الاصحاب قطعا، لان مرادهم من الشبهة الشبهة

______________________________

الولاية فى الاراضى الخراجية انما هى للامام او نائبه الخاص او العام) كالفقيه الجامع للشرائط (فما يأخذه الجائر و المعتقد لذلك) اى كون الولاية للامام او نائبه (انما هو شي ء يظلم به فى اعتقاده) فى حالكون السلطان الشيعى (معترفا بعدم براءة ذمة زارع الارض من اجرتها شرعا) للزوم دفع الاجرة- باسم الخراج او المقاسمة- الى الامام او نائبه.

(نظير) اعتقاده فى (ما يأخذه) الشيعى (من الاملاك الخاصة التى لا خراج عليها اصلا) مما يعلم انه لا يستحقه (و لو فرض حصول شبهة الاستحقاق) لما يأخذه من الخراج و المقاسمة (لبعض سلاطين الشيعة) بان حصلت الشبهة (من بعض الوجوه).

مثل كون ولاية الامام خاصة بزمان حضوره، اما زمان الغيبة فالولاية للمتسلط، لانه ينظم امور الناس مما لا يقدر الفقيه على تنظيمها، او ما اشبه كما هو الشائع فى زماننا هذا- (لم يدخل) السلطان الشيعى (بذلك) اى بحصول تلك الشبهة له (فى عناوين الاصحاب) كعنوان المنتهى المتقدم (قطعا، لان مرادهم من الشبهة) الحاصلة للسلطان (الشبهة

ص: 316

من حيث المذهب التى امضاها الشارع للشيعة، لا الشبهة فى نظر شخص خاص، لان الشبهة الخاصة ان كانت عن سبب صحيح، كاجتهاد او تقليد فلا اشكال فى حليته له و استحقاقه للاخذ، بالنسبة إليه، و الا كانت باطلة غير نافذة فى حق احد.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 4، ص: 317

و الحاصل ان آخذ الخراج و المقاسمة لشبهة الاستحقاق- فى كلام الاصحاب- ليس الا الجائر المخالف.

و مما يؤيّده أيضا عطف الزكاة عليها مع ان الجائر الموافق لا يرى لنفسه ولاية

______________________________

من حيث المذهب التى امضاها الشارع للشيعة) بان اباح لهم التصرف فى المال الّذي وصل إليهم بواسطة سلطان له شبهة الاستحقاق (لا الشبهة فى نظر شخص خاص) كالشيعى الّذي حصلت له شبهة فردية (لان الشبهة الخاصة ان كانت عن سبب صحيح، كاجتهاد او تقليد) صارا سببا لشبهة الشيعى فى استحقاقه (فلا اشكال فى حليته له) اى لصاحب الشبهة (و استحقاقه للاخذ، بالنسبة إليه) الجار متعلق ب «لا اشكال» (و الا) تكن الشبهة عن سبب صحيح (كانت باطلة غير نافذة فى حق احد) لا السلطان، و لا المتقبل.

(و الحاصل ان آخذ الخراج و المقاسمة لشبهة الاستحقاق- فى كلام الاصحاب-) الذين عنونوا المسألة هكذا (ليس الا الجائر المخالف) فلا يشمل كلامهم المؤمن.

(و مما يؤيده أيضا عطف الزكاة عليها مع) وضوح (ان الجائر الموافق) الشيعى (لا يرى لنفسه ولاية

ص: 317

جباية الصدقات.

و كيف كان فالذى اتخيل كلما ازداد المنصف التأمل فى كلماتهم، يزداد له هذا المعنى وضوحا، فما اطنب به بعض فى دعوى عموم النص و كلمات الاصحاب مما لا ينبغى ان يغتربه.

و لاجل ما ذكرنا و غيره

______________________________

جباية) و جمع (الصدقات) اى الزكاة، و قوله «مع» ليس الا بقية المؤيد، لا انه مؤيد جديد كما لا يخفى.

(و كيف كان فالذى اتخيل) انه (كلما ازداد المنصف التأمل فى كلماتهم يزداد له هذا المعنى) و هو اختصاص الحلية بالمخالف، لا الموافق (وضوحا، فما اطنب به بعض فى دعوى عموم النص و كلمات الاصحاب مما لا ينبغى ان يغتربه).

لكن الظاهر صحة ما ذكره البعض.

اما النص فقد عرفت عموم جملة منها.

و اما كلمات الاصحاب فقد رأيت ان الشيخ انما اتى بكلام العلامة، و بعض آخر فقط.

و استدل بكلامهما لما فهمه استدلالا، لا ان كلامهما كان صريحا فى المطلب، خصوصا و ان كثيرا من الاصحاب كانوا معاصرين لسلاطين الشيعة كآل بويه، و خدا بنده، و الحمد انيين، و الصفويين، و غيرهم، و قد اطلقوا.

(و لا جل ما ذكرنا) من اختصاص الحكم بالمخالف (و غيره) اى غير ما

ص: 318

فسر صاحب إيضاح النافع فى ظاهر كلامه المحكى: الجائر فى عبارة النافع: بمن تقدم على امير المؤمنين عليه السلام و اقتفى اثر الثلاثة.

فالقول بالاختصاص كما استظهر فى المسالك، و جزم به فى إيضاح النافع، و جعله الاصح فى الرياض، لا يخلو عن قوة.

______________________________

ذكرنا من سائر الشواهد (فسر صاحب إيضاح النافع فى ظاهر كلامه المحكى: الجائر فى عبارة النافع: بمن تقدم على امير المؤمنين عليه السلام و اقتفى اثر الثلاثة) الذين تقدموا على الامام.

لكن لا يخفى عدم دلالة هذا الكلام أيضا، اذ خلفاء بنى العباس المتأخرون منهم بعد سنة المائتين و خمسة و خمسين لم يزحزحوا إماما، و انما كانوا كامراء الشيعة فى انهم لم يتركوا المقام لنائب الامام.

فان قال الشيخ بشمول كلام الايضاح لاؤلئك الخلفاء لزم منه شمول كلامه للامراء أيضا.

و ان قال: بالاختصاص بالذين زحزحوا الائمة عليهم السلام، لزم ان يكون الحكم بالحلية خاصا بالخلفاء المعاصرين للأئمة عليهم السلام و هذا مما لا يقول به.

(فالقول بالاختصاص) لحكم الحلية بالجائر المخالف (كما استظهره فى المسالك، و جزم به فى إيضاح النافع، و جعله الاصح فى الرياض، لا يخلو عن قوة) عند المصنف، و ان كان الا قوى عندنا تبعا لاطلاق الاخبار و الاصحاب و بعض المؤيدات الاخر عدم الاختصاص.

ص: 319

فينبغى فى الاراضى التى بيد الجائر الموافق، فى المعاملة على عينها، او على ما يؤخذ عليها، مراجعة الحاكم الشرعى و لو فرض ظهور سلطان مخالف لا يرى نفسه مستحقا لجباية تلك الوجوه، و انما اخذ ما يأخذ، نظير ما يأخذ على غير الاراضى الخراجية من الاملاك الخاصة فهو أيضا غير داخل فى منصرف الاخبار، و لا فى كلمات الاصحاب، فحكمه حكم السلطان الموافق

______________________________

(فينبغى فى الاراضى التى بيد الجائر الموافق، فى المعاملة على عينها) اى مقدار الخراج، و ما اشبه (او) المعاملة (على ما يؤخذ عليها) بان اراد تبديل الخراج، و ما اشبه (مراجعة الحاكم الشرعى) لانه النائب عن الامام عليه السلام، و قد كان الوالد رحمه الله يرى مساهلة الحاكم الشرعى مع المستأجر، و نحوه، من جهة ان الارض التى استولى عليها الجائر لا تسوى بالمقدار الّذي تسوى سائر الاراضى، فاذا كان خراجها الواقعى الفا آجرها الحاكم بخمسين مثلا، لان الخمسين هى القيمة العرفية لارض استولى عليها جائر يأخذ منها الألف، فتأمل (و لو فرض ظهور سلطان مخالف لا يرى نفسه مستحقا لجباية تلك الوجوه، و انما اخذ ما يأخذ) من الضرائب، ضريبة اجبارية (نظير ما يأخذ على غير الا راضى الخراجية من الاملاك الخاصة) بالناس، لا العامة لكل المسلمين (فهو أيضا غير داخل فى منصرف الاخبار، و لا فى كلمات الاصحاب) لما عرفت من لزوم كون الاخذ لشبهة- كما فى كلام العلامة- (فحكمه) اى هذا السلطان المخالف (حكم السلطان الموافق) الشيعى، هذا كله فى

ص: 320

و اما السلطان الكافر فلم اجد فيه نصا.

و ينبغى لمن تمسك بإطلاق النص و الفتوى التزام دخوله فيهما.

لكن الانصاف انصرافهما الى غيره، مضافا الى ما تقدم فى السلطان الموافق، من: اعتبار كون الاخذ بشبهة الاستحقاق.

و قد تمسك فى ذلك بعض بنفى السبيل للكافر على المؤمن، فتأمل.

______________________________

الموافق.

(و اما السلطان الكافر فلم اجد فيه نصا) من الاصحاب.

(و ينبغى لمن تمسك بإطلاق النص و الفتوى) فى الموافق (التزام دخوله) اى الكافر (فيهما) اى فى اطلاق النص و الفتوى.

(لكن الانصاف انصرافهما الى غيره) اى غير الكافر (مضافا الى ما تقدم فى السلطان الموافق، من: اعتبار كون الاخذ بشبهة الاستحقاق) و لا شبهة عند الكافر.

(و قد تمسك فى ذلك) اى فى خروج الكافر عن الحكم بالحلية (بعض بنفى السبيل للكافر على المؤمن).

فانه لو قلنا بحلية الخراج الّذي يأخذه الكافر يلزم منه ان يكون للكافر سبيل على المؤمن بتقدير الخراج، و تقبل الارض و ما اشبه ذلك (فتأمل).

اذ: القول بعدم الحلية اقرب الى كونه سبيلا، مضافا الى ان الحلية، لمنفعة المسلم، لا انها امضاء لسيطرة الكافر- كما لا يخفى-.

ص: 321

[الخامس الظاهر أنه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ، أن يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الآخذ للأخذ.]

الخامس الظاهر انه لا يعتبر فى حل الخراج المأخوذ، ان يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الآخذ للاخذ.

فلا فرق حينئذ بين المؤمن، و المخالف، و الكافر، لاطلاق بعض الاخبار المتقدمة، و اختصاص بعضها الآخر بالمؤمن، كما فى روايتى الحذاء، و اسحاق بن عمار، و بعض روايات قبالة الا راضى الخراجية.

______________________________

(الخامس) من التنبيهات (الظاهر) من اطلاق النص و الفتوى (انه لا يعتبر فى حل الخراج المأخوذ، ان يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الآخذ للاخذ).

فلو اخذ المؤمن شيئا من الخراج من كافر اخذه هو من السلطان المخالف، كان حلالا للمؤمن، و ان كان الكافر الآخذ لا يعتقد استحقاق المخالف للخراج.

(فلا فرق حينئذ) اى حين كان الآخذ مؤمنا (بين) كون الّذي اخذه من السلطان المخالف (المؤمن، و المخالف، و الكافر، لاطلاق بعض الاخبار المتقدمة) الشامل لكل آخذ (و اختصاص بعضها الآخر بالمؤمن، كما فى روايتى الحذاء، و اسحاق بن عمار، و بعض روايات قبالة الا راضى الخراجية) و «اختصاص» عطف على «لاطلاق» و هو علة لقوله «لا يعتبر» و هذا علة ثانية.

لان المؤمن لا يرى استحقاق الجائر، فتحليل الامام عليه السلام للخراج الّذي يأخذه المؤمن من المخالف، دليل على انه لا يعتبر ان يكون الآخذ يرى السلطان مستحقا للاخذ.

ص: 322

و لم يستبعد بعض اختصاص الحكم بالمأخوذ من معتقد استحقاق الاخذ مع اعترافه بان ظاهر الاصحاب التعميم.

و كانه ادخل هذه المسألة- يعنى مسألة حل الخراج و المقاسمة فى القاعدة المعروفة من الزام الناس بما الزموا به انفسهم، و وجوب المضى معهم فى احكامهم على ما

______________________________

(و لم يستبعد بعض) و هو الفاضل القطيفى (اختصاص الحكم بالمأخوذ من معتقد استحقاق الاخذ).

فاذا اخذ الخراج من السلطان مخالف يرى استحقاق السلطان كان حلالا لنا ان نأخذه منه، لان المخالف يرى استحقاق السلطان.

اما اذا اخذه من السلطان شيعى لا يرى استحقاق السلطان لا يحل لنا ان نأخذه من ذلك الشيعى (مع اعترافه بان ظاهر الاصحاب التعميم) لمن يرى استحقاق السلطان، و لمن لا يرى استحقاقه.

(و كانه) رحمه الله (ادخل هذه المسألة- يعنى مسألة حل الخراج و المقاسمة- فى القاعدة المعروفة من الزام الناس) بما التزموا به، او (بما الزموا به انفسهم) كما ورد بذلك النص و الفتوى و يذكرونه فى كتاب النكاح و الطلاق (و وجوب المضى معهم) اى مع الناس (فى احكامهم) بترتيب آثار الصحة على الصحيح عندهم، سواء كان صحيحا لدينا، أم باطلا، فاذا طلق زوجته طلاقا باطلا عندنا جاز لنا تزوجها، و اذ اورث من قريب له إرثا لا يصح عندنا، صح لنا ان نعامل مع ذلك المال معاملة ماله، و اذا باع خراجا جاز لنا ان نأخذ الثمن منه باعتبار كونه ماله، و هكذا (على ما

ص: 323

يشهد به تشبيه بعضهم ما نحن فيه باستيفاء الدين من الذمى من ثمن ما باعه من الخمر و الخنزير.

و الاقوى: ان المسألة اعم من ذلك و انما الممضى فيما نحن فيه تصرف الجائر فى تلك الاراضى مطلقا.

[السادس ليس للخراج قدر معين]

السادس ليس للخراج قدر معين، بل المناط فيه ما تراضى فيه السلطان و مستعمل الارض

______________________________

يشهد به) اى بكون اختصاص الحلية من باب ادخال المسألة فى مسألة «ما التزموا به» (تشبيه بعضهم ما نحن فيه ب) باب (استيفاء الدين من الذمّى) او سائر الكفار غير المحاربين (من ثمن) عين (ما باعه من الخمر و الخنزير).

فان ثمن الخمر غير صحيح عندنا، لان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه.

لكن حيث انه يصح عند الذمى جاز لنا ان نتعامل مع الثمن معاملة الصحيح.

(و) لكن (الاقوى: ان المسألة اعم من ذلك) و لا اختصاص للحلية بصورة كون الآخذ يرى السلطان مستحقا للاخذ (و انما الممضى) من قبل الائمة الطاهرين عليهم السلام (فيما نحن فيه) بالنسبة الى الآخذين (تصرف الجائر فى تلك الاراضى) الخراجية (مطلقا) سواء كان طرف الجائر من يعتقد استحقاقه، أم لا.

(السادس) من التنبيهات (ليس للخراج قدر معين، بل المناط فيه ما تراضى فيه السلطان و مستعمل الارض) نصفا او ثلثا او ربعا او اقل او

ص: 324

لان الخراج هى اجرة الارض فينوط برضى المؤجر و المستأجر.

نعم لو استعمل احد الارض قبل تعيين الاجرة، تعين عليه اجرة المثل، و هى مضبوطة عند اهل الخبرة.

و اما قبل العمل فهو تابع لما يقع التراضي عليه.

و نسب ما ذكرناه الى ظاهر الاصحاب، و يدل عليه قول ابى الحسن عليه السلام- فى مرسلة حماد بن عيسى-: و الارض التى اخذت عنوة بخيل و ركاب فهى موقوفة متروكة فى يد من يعمرها و يحييها على صلح ما يصالحهم الوالى على قدر طاقتهم من

______________________________

اكثر (لان الخراج هى اجرة الارض فينوط برضى المؤجر و المستأجر) قلّت الاجرة او كثرت.

(نعم لو استعمل احد الارض قبل تعيين الاجرة، تعين عليه اجرة المثل) من حيث المؤجر و المستأجر، و الارض و الزمان و المكان، و سائر المقدمات للاجرة بنظر العرف (و هى مضبوطة عند اهل الخبرة).

(و اما قبل العمل فهو تابع لما يقع التراضي عليه) زاد عن اجرة المثل او نقص.

(و نسب ما ذكرناه) من عدم قدر خاص للأجرة (الى ظاهر الاصحاب و يدل عليه قول ابى الحسن عليه السلام- فى مرسلة حماد بن عيسى-:

و الارض التى اخذت عنوة) و قهرا (بخيل) الفرس (و ركاب) الابل (فهى موقوفة) اى لاتباع (متروكة) لشأنها لا تنتقل (فى يد من يعمرها، و يحييها على صلح) و مقدار مال (ما يصالحهم) عليه (الوالى على قدر طاقتهم من

ص: 325

الخراج النصف او الثلث او الثلثان، و على قدر ما يكون لهم صالحا، و لا يضرّ بهم، الحديث.

و يستفاد منه انه اذا جعل عليهم من الخراج او المقاسمة ما يضرّ بهم، لم يجز ذلك كالذى يؤخذ من بعض مزارعى بعض بلادنا، بحيث لا يختار الزارع الزراعة من كثرة الخراج، فيجبرونه على الزراعة.

و حينئذ ففى حرمة كلما يؤخذ او المقدار الزائد على ما يضرّ الزيادة عليه، وجهان

______________________________

الخراج) بيان «ما» (النصف او الثلث او الثلثان، و على قدر ما يكون لهم صالحا، و لا يضرّ بهم) مما يتبين منه بالإضافة الى اشتراط المقدار المصالح عليه لزوم ان لا يكون الخراج مما يضربهم (الحديث).

(و يستفاد منه انه اذا جعل عليهم من الخراج او المقاسمة ما يضرّ بهم لم يجز ذلك).

و ذلك (كالذى يؤخذ من بعض مزارعى بعض بلادنا، بحيث لا يختار الزارع الزراعة من كثرة الخراج، فيجبرونه على الزراعة).

و ليت الشيخ رحمه الله كان يرى هذا الزمان الّذي يأخذون فيه الضرائب التصاعدية و احيانا تصل الى التسعين فى المائة بالإضافة الى سائر القيود و الشروط التى ما انزل الله بها من سلطان.

(و حينئذ) اى حين جعلوا عليهم ما يضرّ بحالهم (ففى حرمة كلما يؤخذ) لان المجموع اجرة، و الحال ان الشارع لم يأذن لمثل هذه الاجر (او المقدار الزائد على ما يضرّ الزيادة عليه وجهان) فما تضرّ الزيادة عليه الف- مثلا- و المقدار الزائد خمسمائة، فيما اذا اباعه بالف و خمسمائة.

ص: 326

و حكى عن بعض انه يشترط ان لا يزيد على ما كان يأخذه المتولى له الامام العادل الا برضاه.

و التحقيق ان مستعمل الارض بالزرع و الغرس ان كان مختارا فى استعمالها فمقاطعة الخراج و المقاسمة، باختياره و اختيار الجائر.

فاذا تراضيا على شي ء فهو الحق قليلا كان او كثيرا، و ان كان لا بدّ له من استعمال الارض، لانها كانت مزرعة له مدة سنين، و يتضرر بالارتحال عن تلك القرية الى غيرها

______________________________

(و حكى عن بعض انه يشترط ان لا يزيد على ما كان يأخذه المتولى له الامام العادل الا برضاه) اى يرضى المستعمل للارض.

(و التحقيق ان مستعمل الارض بالزرع و الغرس ان كان مختارا فى استعمالها) كما لو اراد ان يتقبل هذه الارض فعلا بدون استعمال سابق لها (فمقاطعة الخراج و المقاسمة، باختياره و اختيار الجائر) لانهما طرفا العقد.

(فاذا تراضيا على شي ء فهو الحق) الّذي يجب ان يعطيه المستعمل و للجائر ان يأخذه (قليلا كان او كثيرا، و ان كان لا بد له من استعمال الارض، لانها مزرعة له مدة سنين، و يتضرر بالارتحال عن تلك القرية الى غيرها) و ان لم يكن جبر فى البين- بمعناه الشرعى- بل الانجبار كان بمعناه العرفى.

فان الزارع- خصوصا اذا كان أبا عن جدّ- مجبور مضطر للبقاء فى نفس الارض التى اعتاد زراعتها، لانه لا يتمكن تمكنا عرفيا ان ينتقل الى

ص: 327

فالمناط ما ذكر فى المرسلة من عدم كون المضروب عليهم مضرا بان لا يبقى لهم بعد اداء الخراج ما يكون بإزاء ما انفقوا على الزرع من المال و بذلوا له من ابدانهم الاعمال.

[السابع ظاهر إطلاق الأصحاب: أنه لا يشترط- فيمن يصل إليه الخراج أو الزكاة من السلطان على وجه الهدية أو يقطعه الأرض الخراجية إقطاعا- أن يكون مستحقا له.]

السابع ظاهر اطلاق الاصحاب: انه لا يشترط- فيمن يصل إليه الخراج او الزكاة من السلطان على وجه الهدية او يقطعه الارض الخراجية اقطاعا- ان يكون مستحقا له.

و نسبه الكركى ره فى رسالته الى اطلاق الاخبار و الاصحاب، و لعله اراد اطلاق ما دل

______________________________

ارض اخرى، او عمل آخر (فالمناط ما ذكر فى المرسلة من عدم كون المضروب عليهم مضرا) و المضر عبارة (بان لا يبقى لهم بعد اداء الخراج ما يكون بإزاء ما انفقوا على الزارع من المال، و بذلوا له من ابدانهم الاعمال) او كان الباقى لهم شيئا يسيرا لا يعد فى مقابل تعبهم و عملهم كما لو كان مقتضى القاعدة ان يبقى لهم الف فبقى لهم خمسون مثلا.

(السابع) من التنبيهات (ظاهر اطلاق الاصحاب: انه لا يشترط فيمن يصل إليه الخراج او الزكاة من السلطان) وصولا (على وجه الهدية او يقطعه الارض الخراجية اقطاعا-) بان يعطيها اياه بدون اخذ ثمن و اجرة (ان يكون مستحقا له) فلا يشترط ان يكون فقيرا فى باب الزكاة، مثلا.

(و نسبه الكركى ره فى رسالته) قاطعة اللجاج (الى اطلاق الاخبار و الاصحاب، و لعله اراد اطلاق ما دل) من الاخبار و كلمات الاصحاب

ص: 328

على حل جوائز السلطان و عماله، مع كونها غالبا من بيت المال.

و الا فما استدلوا به لاصل المسألة انما هى الاخبار الواردة فى جواز ابتياع الخراج و المقاسمة و الزكاة، و الواردة فى حل تقبيل الارض الخراجية من السلطان.

و لا ريب فى عدم اشتراط كون المشترى و المتقبل مستحقا لشي ء من بيت المال.

و لم يرد خبر فى حل ما يهبه السلطان من الخراج حتى يتمسك

______________________________

(على حل جوائز السلطان و عماله، مع كونها غالبا من بيت المال) الّذي فيه الخراج و الجزية و الزكاة.

(و الا) يكن مراده اخبار الجوائز (ف) لا اخبار اخر فى البين لها اطلاق يمكن التمسك بها لهذه المسألة.

اذ (ما استدلوا به لاصل المسألة) اى مسألة حلية الخراج (انما هى الاخبار الواردة فى جواز ابتياع الخراج و المقاسمة و الزكاة، و) الاخبار (الواردة فى حلّ تقبيل الارض الخراجية من السلطان).

(و) هاتان الطائفتان لا دلالة فيهما على مسألتنا.

اذ (لا ريب فى عدم اشتراط كون المشترى و المتقبل مستحقا لشي ء من بيت المال).

لانهما انما يتعاملان معاملة، و لا يأخذان عطية او هدية.

(و لم يرد خبر فى حل ما يهبه السلطان من الخراج) مطلقا (حتى يتمسك

ص: 329

بإطلاقه، عدا اخبار جوائز السلطان مع ان تلك الاخبار واردة أيضا فى اشخاص خاصة، فيحتمل كونهم ذوى حصص من بيت المال.

فالحكم بنفوذ تصرف الجائر على الاطلاق فى الخراج من حيث البذل و التفريق كنفوذ تصرفه على الاطلاق فيه بالقبض و الاخذ و المعاملة عليه مشكل.

و اما قوله عليه السلام- فى رواية الحضرمى السابقة-: ما يمنع ابن ابى سماك ان يبعث أليك بعطائك، أ ما علم ان لك نصيبا من بيت المال،

______________________________

بإطلاقه) لكون الآخذ مستحقا للاخذ، او غير مستحق له (عدا اخبار جوائز السلطان مع ان تلك الاخبار) لا دلالة لها أيضا لمسألتنا.

فانها (واردة أيضا فى اشخاص خاصة، فيحتمل كونهم ذوى حصص من بيت المال).

فهى كما لو ورد: ان الامام اعطى زيدا دينارا من الزكاة، فانه لا دلالة فى ذلك على جواز اعطاء كل احد، و لو كان غنيا.

(فالحكم بنفوذ تصرف الجائر على الاطلاق) بالنسبة الى الآخذ سواء كان مستحقا، أم لا (فى الخراج من حيث البذل) و الاعطاء (و التفريق) لمال بيت المال بين الناس (كنفوذ تصرفه على الاطلاق فيه بالقبض و الاخذ) للخراج و الزكاة (و المعاملة عليه) بتقبيل الارض الخراجية (مشكل) اذ لا اطلاق، و مقتضى القاعدة عدم جواز الاخذ الا لمستحقه.

(و اما قوله عليه السلام- فى رواية الحضرمى السابقة-: ما يمنع ابن ابى سماك ان يبعث أليك بعطائك، أ ما علم ان لك نصيبا من بيت المال)

ص: 330

فانما يدل على ان كل من له نصيب فى بيت المال، يجوز له الاخذ لا ان كل من لا نصيب له لا يجوز اخذه.

و كذا تعليل العلامة رحمه الله- فيما تقدم من دليله- بان الخراج حق للّه اخذه غير مستحقه.

فان هذا لا ينافى امضاء الشارع لبذل الجائر اياه كيف شاء.

______________________________

فلا يدل على ان لكل احد نصيبا من بيت المال (فانما يدل على ان كل من له نصيب فى بيت المال، يجوز له الاخذ) و (لا) يدل على (ان كل من لا نصيب له لا يجوز اخذه) حتى يستدل به على عدم جواز اخذ كل احد الا الّذي له نصيب.

(و كذا تعليل العلامة رحمه الله- فيما تقدم من دليله- بان الخراج حق لله اخذه غير مستحقه) لا يدل على اشتراط استحقاق الاخذ- فانه ربما يستدل بتعليل الرواية و تعليل العلامة على اشتراط كون الآخذ مستحقا-.

(فان هذا) التعليل من العلامة (لا ينافى امضاء الشارع لبذل الجائر اياه كيف شاء) سواء كان الآخذ مستحقا، أم لا.

و الحاصل: انا استدللنا على عدم جواز اخذ غير المستحق، بمقتضى القاعدة الاولية.

و بعض اضاف على استدلالنا، الاستدلال بالرواية و كلام العلامة لكن لا دلالة فيهما، فمن المحتمل ان ينفذ تصرف الجائر مطلقا.

ص: 331

كما ان للامام (ع) ان يتصرف فى بيت المال كيف شاء، فالاستشهاد بالتعليل المذكور فى الرواية المذكورة و المذكور فى كلام العلامة ره على اعتبار استحقاق الاخذ بشي ء من بيت المال كما فى الرسالة الخراجية، محل نظر.

ثم اشكل من ذلك تحليل الزكاة المأخوذة منه لكل احد كما هو ظاهر اطلاقهم القول بحل اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة.

و فى المسالك: انه يشترط ان يكون صرفه لها على وجهها المعتبر عندهم بحيث لا يعدّ عندهم عاصيا، اذ يمتنع الاخذ منه عندهم أيضا.

______________________________

(كما ان للامام (ع) ان يتصرف فى بيت المال كيف شاء فالاستشهاد بالتعليل المذكور فى الرواية المذكورة) للحضرمى (و المذكور فى كلام العلامة ره على اعتبار استحقاق الاخذ بشي ء من بيت المال كما) استدل بهذين الدليلين (فى الرسالة الخراجية، محل نظر).

لما عرفت من عدم منافاتهما لجواز اخذ غير المستحق.

(ثم اشكل من ذلك) التقييد باستحقاق الاخذ (تحليل الزكاة المأخوذة منه) اى من بيت المال (لكل احد) و لو كان غنيا (كما هو ظاهر اطلاقهم القول بحل اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة).

اذ كيف يمكن الخروج عن مقتضى القاعدة بما لم يعلم اطلاقه.

(و فى المسالك: انه يشترط ان يكون صرفه لها) اى للزكاة (على وجهها المعتبر عندهم) اى عند العامة (بحيث لا يعدّ عندهم عاصيا، اذ يمتنع) حينئذ (الاخذ منه عندهم أيضا) و الادلة انما دلت على نفوذ ما يصح

ص: 332

ثم قال و يحتمل الجواز مطلقا، نظرا الى اطلاق النص و الفتوى.

قال و يجي ء مثله فى المقاسمة و الخراج فان مصرفها بيت المال و له ارباب مخصوصون عندهم أيضا، انتهى.

[الثامن أن كون الأرض الخراجية بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من أحكام الخراج و المقاسمة، يتوقف على أمور ثلاثة.]
اشارة

الثامن ان كون الارض الخراجية بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من احكام الخراج و المقاسمة، يتوقف على امور ثلاثة.

______________________________

عندهم، لا مطلقا.

(ثم قال) المسالك (و يحتمل الجواز) للآخذ (مطلقا) سواء جاز عند الاخذ، أم لا، و سواء جاز عندهم، أم لا (نظرا الى اطلاق النص) فى الجائزة (و الفتوى).

فاذا اعطى الجائر الزكاة للغنى، و كان بحيث لا يجوز عند الجائر أيضا، جاز الاخذ منه.

(قال) المسالك (و يجي ء مثله) اى على الاطلاق (فى المقاسمة و الخراج، فان مصرفها بيت المال و له ارباب مخصوصون عندهم أيضا، انتهى).

فاذا خالف الجائر و اعطى منه لغير المستحق بنظره جاز الاخذ منه لاطلاق النص و الفتوى.

و يحتمل عدم الجواز تمشيا مع مقتضى القاعدة الاولية.

(الثامن) من التنبيهات (ان كون الارض الخراجية بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من احكام الخراج و المقاسمة، يتوقف على امور ثلاثة) و الا لم يكن المأخوذ منه خراجا، و لم يجر على المأخوذ احكام الخراج، مما

ص: 333

[الأول: كونها مفتوحة عنوة أو صلحا]

الاول: كونها مفتوحة عنوة او صلحا على ان يكون الارض للمسلمين اذ: ما عداهما من الارضين لا خراج عليها.

نعم لو قلنا بان حكم ما يأخذه الجائر من الانفال حكم ما يأخذه من ارض الخراج دخل ما يثبت كونه من الانفال فى حكمها، فنقول: يثبت الفتح عنوة بالشياع الموجب للعلم

______________________________

تقدم، و غيره مما ذكروه فى كتب الفقه المفصلة.

(الاول: كونها مفتوحة عنوة او صلحا) بان يقهر المسلمون الكافرين على فتحها، و الصلح بان يصالحوا معهم باعطائهم الجزية، او عدم التعرض لهم اذا سلموهم الارض، او ما اشبه ذلك (على ان يكون الارض للمسلمين).

و انما نشترط هذا الشرط (اذ: ما عداهما من الارضين لا خراج عليها) و انما هى لاهلها، او للامام، او لمن احياها.

(نعم لو قلنا بان حكم ما يأخذه الجائر من الانفال) التى هى للامام كبطون الاودية، و الآجام، و شطوط الانهار، و ما اشبه (حكم ما يأخذه من ارض الخراج) كما تقدم تفصيل الكلام حول ذلك (دخل ما يثبت كونه من الانفال فى حكمها) اى حكم اراضى الخراج فى كون خراج الانفال أيضا كخراج المفتوحة عنوة.

و كيف كان (فنقول: يثبت الفتح عنوة بالشياع الموجب للعلم) لحجية العلم، كما ذكروا فى مبحث القطع من الاصول.

و انما يذكرون الشياع مع انه لا خصوصية له، لانه من الطرق العادية

ص: 334

و بشهادة العدلين، و بالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم، بناء على كفايته فى كل ما يعسر اقامة البينة عليه كالنسب و الوقف و الملك المطلق.

و اما ثبوتها بغير ذلك من الامارات الظنية، حتى قول من يوثق به من المؤرخين، فمحل اشكال،

______________________________

للعلم (و بشهادة العدلين) لانه ثبت شرعا حجيتهما مطلقا، الا ما خرج بالدليل مما يحتاج الى ازيد من عدلين كما فصل فى كتاب القضاء و الشهادات (و بالشياع المفيد للظن المتاخم) اى المتقارب (للعلم، بناء على) القول ب (كفايته فى كل ما يعسر اقامة البينة عليه).

لانه من الاستبانة المنصوصة فى قوله عليه السلام: الا ان تستبين، او تقوم به البينة.

و كبعض العلل المنصوصة، او المستنبطة الواردة فى روايات مذكورة فى باب ما يثبت بالشياع (كالنسب و الوقف و الملك المطلق) و ما اشبه، و لانه طريق عقلائى لم يردع الشارع عنه فيكون حجة، و قد فصلنا الكلام فى مسألة حجية الشياع فى كتاب التقليد من شرح العروة (و اما ثبوتها) اى كون الارض مفتوحة عنوة (بغير ذلك من الامارات الظنية، حتى قول من يوثق به من المؤرخين، فمحل اشكال) هذا بناء على ما اختاره الشيخ فى الاصول من احتياج الثبوت فى كل شي ء الى العدد، و العدالة حتى فى اهل الخبرة.

اما على قول المشهور من حجية قول اهل الخبرة مطلقا الا ما خرج- كالبينة- و لذا يعمل بقولهم فى الروايات و سائر الامور.

ص: 335

لان الاصل عدم الفتح عنوة، و عدم تملك المسلمين.

نعم الاصل عدم تملك غيرهم أيضا.

فان فرض دخولها بذلك فى الانفال و الحقناها بارض الخراج فى الحكم فهو.

و الا فمقتضى القاعدة حرمة تناول ما يؤخذ قهرا من زراعها.

______________________________

فمقتضى القاعدة ثبوت الفتح عنوة بقولهم: (لان الاصل عدم الفتح عنوة) فانه حادث فاذا شك فيه كان الاصل عدمه (و) الاصل أيضا (عدم تملك المسلمين) لانه مسبوق بالعدم فاذا شك فيه كان الاصل عدمه.

(نعم الاصل عدم تملك غيرهم أيضا) لانه أيضا حادث.

(فان فرض دخولها) اى هذه الارض المشكوكة (بذلك) الاصل فى عدم تملك المسلمين، و عدم تملك غيرهم (فى الانفال) لان كل ارض لا مالك لها فهى من الانفال، سواء علمنا بعدم مالك لها، او كان مقتضى الاصل ذلك (و الحقناها) اى الانفال (بارض الخراج فى الحكم) كما تقدم احتمال ذلك (فهو) بان كان اللازم ان يعامل مع هذه الارض معاملة اراضى الخراج.

(و الا فمقتضى القاعدة) الاولية (حرمة تناول ما يؤخذ قهرا من زراعها) لاصالة بقاء النتاج فى ملك الزارع.

اللهم الا اذا كان الزارع مخالفا معتقد الصحة ما يفعله السلطان المخالف و ذلك لقاعدة: الزموهم، بل اطلاقات ادلة الخراج مع العلم ان المستفتين للأئمة عليهم السلام، لم يكونوا يعلمون باحوال الاراضى

ص: 336

و اما الزراع، فيجب عليهم مراجعة حاكم الشرع، فيعمل فيها معهم على طبق ما يقتضيه القواعد عنده، من كونه مال الامام (ع) او مجهول المالك، او غير ذلك.

و المعروف بين الامامية بلا خلاف ظاهر: ان ارض العراق فتحت عنوة و حكى ذلك عن التواريخ المعتبرة.

و حكى عن بعض العامة انها فتحت صلحا.

______________________________

الخراجية، و ان أية ارض للخراج، و أية ارض لا خراج عليها، و انما يأخذون منهم جبرا، او تسالما.

(و اما الزراع فيجب عليهم مراجعة حاكم الشرع، فيعمل فيها) اى فى تلك الاراضى التى بيدهم (معهم على طبق ما يقتضيه القواعد عنده، من كونه مال الامام «ع») لانه راى ان مقتضى الاصل: انها ليست لاحد فهى من الانفال (او مجهول المالك، او غير ذلك) مما ثبت لديه ان الارض من ذلك القسم، اذ الارضون على اقسام، كما ثبت فى كتاب الجهاد.

(و المعروف بين الامامية بلا خلاف ظاهر: ان ارض العراق فتحت عنوة و حكى ذلك) الفتح عنوة (عن التواريخ المعتبرة) كالطبرى، و ابن اثير و ابن الجوزى، و اليعقوبى، و جرجى زيدان، و المسعودى، و غيرهم.

(و حكى عن بعض العامة انها فتحت صلحا).

و لا يبعد عدم المنافات بينهما لفتح بعضها عنوة، و فتح بعضها صلحا

كما ان مكة كذلك حيث فتح جانب منها عنوة و جانب منها صلحا- كما يدل على ذلك مقاومة خالد بن الوليد و اصحابه للمسلمين فى احدى

ص: 337

و ما دل على كونها ملكا للمسلمين، يحتمل الامرين.

ففى صحيحة الحلبى انه سئل ابو عبد الله عليه السلام عن ارض السواد ما منزلته؟ فقال هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم مسلم، و لمن يدخل فى الاسلام بعد اليوم و لمن يخلق بعد.

و رواية ابى الربيع الشامى: لا تشتر من ارض السواد شيئا الا من كانت له ذمة، فانما هى فى ء للمسلمين.

______________________________

جوانب مكة-.

(و ما دل) من الاخبار (على كونها ملكا للمسلمين، يحتمل الامرين) الصلح و القهر.

(ففى صحيحة الحلبى انه سئل ابو عبد الله عليه السلام عن ارض السواد) اى العراق، و كانت تسمى سواد الكثرة زرعها، لان الزرع الاخضر يميل الى السواد فى نظر الناظر (ما منزلته؟) اى ما حكمه (فقال هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم مسلم، و لمن يدخل فى الاسلام بعد اليوم) من الكفار (و لمن يخلق بعد) من المسلمين.

(و رواية ابى الربيع الشامى: لا تشتر من ارض السواد شيئا الا من كانت له ذمة) فان الذمى لا مانع لديه من الاشتراء، لانه لا يدين بالاسلام، و حكام الجور ما كان لهم مانع عن البيع، لانهم كانوا يريدون المال (فانما هى فى ء للمسلمين) من: فاء، اذا رجع، فان الارض للّه و الكفار يتصرفون فيها باطلا فاذا صارت بيد المسلمين كانت راجعة الى اربابها.

ص: 338

و قريب منها صحيحة ابن الحجاج.

و اما غير هذه الارض مما ذكر، و اشتهر فتحها عنوة فان اخبر به عدلان يحتمل حصول العلم لهما من السماع و الظن المتاخم من الشياع، اخذ به على تامل فى الاخير.

كما فى العدل الواحد، و الا فقد عرفت الاشكال فى الاعتماد على مطلق الظن.

______________________________

(و قريب منها صحيحة ابن الحجاج) و غيرها، فانها تدل على كون العراق مفتوحة عنوة.

(و اما غير هذه الارض مما ذكر، و اشتهر) بين المؤرخين (فتحها عنوة فان اخبر به عدلان يحتمل) السامع (حصول العلم لهما من السماع او الظن المتاخم) اى القريب الى العلم (من الشياع، اخذ به).

لان قول العدلين المستند الى الحسّ حجة، و كذا الشياع الظنى المتاخم للعلم (على تامل فى الاخير) اى الشياع، لما تقدم من الاشكال فيه.

(كما) يكون التأمل (فى العدل الواحد).

من ان الشارع انما جعل الحجة قول عدلين.

و من ان قول اهل الخبرة حجة و ان كان واحدا لانه من الاستنابة المذكورة فى الرواية المتقدمة (و الا فقد عرفت الاشكال فى الاعتماد على مطلق الظن) فى مثل هذه الابواب بل قوله تعالى: إِنَّ الظَّنَّ لٰا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً،* محكما الا ان يثبت المخرج عنه، و ليس بثابت فى المقام.

ص: 339

و اما العمل بقول المؤرخين بناء على ان قولهم فى المقام نظير قول اللغوى فى اللغة، و قول الطبيب و شبههما فدون اثباته خرط القتاد.

و اشكل منه اثبات ذلك باستمرار السيرة على اخذ الخراج من ارض لان ذلك اما من جهة ما قيل من كشف السيرة عن ثبوت ذلك من الصدر الاول من غير نكير.

______________________________

(و اما العمل بقول المؤرخين بناء على ان قولهم فى المقام نظير قول اللغوى فى اللغة، و قول الطبيب و شبههما) كالمهندس (فدون اثباته خرط القتاد).

القتاد شوك مؤلم، و خرطه القبض من اعلاه، و امرار اليد الى اسفله لازالة الاشواك.

و من المعلوم صعوبة مثل هذا العمل.

و وجه عدم اثبات ذلك بقول المؤرخ انه لا يفيد الا الظن، و الظن ليس بحجة

اللهم الا ان يقال بالحجية من باب بناء العقلاء و عدم ردع الشارع

(و اشكل منه اثبات ذلك) اى كون الارض مفتوحة عنوة (باستمرار السيرة على اخذ الخراج من ارض).

وجه الا شكلية (لان ذلك) الاثبات بالسيرة (اما من جهة ما قيل من كشف السيرة عن ثبوت ذلك) اى كون الارض مفتوحة عنوة (من الصدر الاول من غير نكير).

فاذا ثبت الفتح عنوة ترتب عليه احكامه.

ص: 340

اذ لو كان شيئا حادثا لنقل فى كتب التواريخ لاعتناء اربابها بالمبتدعات و الحوادث.

و اما من جهة وجوب حمل تصرف المسلمين و هو اخذهم الخراج على الصحيح.

و يرد على الاول مع ان عدم التعرض يحتمل كونه لاجل عدم اطلاعهم الّذي لا يدل على العدم ان هذه الامارات ليس باولى من تنصيص اهل التواريخ الّذي عرفت حاله.

و على الثانى انه ان اريد بفعل المسلم: تصرف السلطان باخذ الخراج فلا

______________________________

(اذ لو كان) ضرب الخراج على هذه الارض (شيئا حادثا لنقل) كونه حادثا (فى كتب التواريخ لاعتناء اربابها بالمبتدعات و الحوادث) فاذ لم ينقلوا انه حادث مبتدع، دل ذلك على كونها مفتوحة عنوة حقيقة.

(و اما من جهة وجوب حمل تصرف المسلمين و هو اخذهم الخراج على الصحيح) لقوله عليه السلام: ضع امر اخيك على احسنه.

(و يرد على الاول) اى كشف السيرة (مع ان عدم التعرض) بكون الخراج بدعة، من ارباب التواريخ (يحتمل كونه لاجل عدم اطلاعهم الّذي لا يدل على العدم) اى عدم الابتداع فى وضع الخراج (ان هذه الامارات ليس باولى من تنصيص اهل التواريخ الّذي عرفت حاله) و انه ليس بحجة، لما عرفت من اعتبار العدد و العدالة فى التاريخ.

(و) يرد (على الثانى) اى حمل فعل المسلم على الصحيح (انه ان اريد بفعل المسلم: تصرف السلطان باخذ الخراج، فلا

ص: 341

ريب ان اخذه حرام، و ان علم كون الارض خراجية فكونها كذلك لا يصحح فعله.

و دعوى ان اخذه الخراج من ارض الخراج اقل فسادا من اخذه من غيرها، توهم.

لان مناط الحرمة فى المقامين واحد، و هو اخذ مال الغير من غير استحقاق.

______________________________

ريب ان اخذه حرام) و مع العلم بالحرمة، لا مجال لاجراء اصالة الصحة (و ان علم كون الارض خراجية) «ان» وصلية (فكونها كذلك) خراجية (لا يصحح فعله) فلا مجال للتمسك باصل الصحة.

(و دعوى) انه من الممكن التفكيك بين كون السلطان مرتكبا الحرامين لان الارض ليست خراجية فالمال و الاخذ حرامان، و بين كونه مرتكبا حراما واحدا، و هو كون الارض خراجية مما يستلزم كون الاخذ حراما، لا كون المال حراما.

و من المعلوم ان ارتكاب شخص لمحرم واحد، لا يوجب حمل سائر افعاله على غير الصحيح.

ف (ان اخذه الخراج من ارض الخراج اقل فسادا من اخذه) الخراج (من غيرها) اى غير الارض الخراجية (توهم) خبر «دعوى».

(لان مناط الحرمة فى المقامين) اخذ الخراج من ارض الخراج، و اخذه من غير ارض الخراج (واحد، و هو اخذ مال الغير من غير استحقاق) سواء كان الاخذ و المال حراما، أم مجرد الاخذ حراما.

ص: 342

و اشتغال ذمة المأخوذ منه باجرة الارض الخراجية و عدمه فى غيرها لا يهوّن الفساد.

نعم بينهما فرق من حيث الحكم المتعلق بفعل غير السلطان، و هو من يقع فى يده شي ء من الخراج بمعاوضة، او تبرع، فيحل فى الارض الخراجية دون غيرها

______________________________

(و) من المعلوم: ان (اشتغال ذمة المأخوذ منه باجرة الارض الخراجية) فان الزارع مشغول الذمة بالاجرة، فيما اذا كانت الارض خراجية (و عدمه) اى عدم اشتغال ذمته (فى غيرها) اى غير الارض الخراجية (لا يهون الفساد).

لان اخذ السلطان الفاسد اخذه لا يصحح باشتغال ذمة الزارع، او عدم اشتغال ذمته.

فهما من قبيل اللص الّذي يأخذ المال من الانسان الّذي لا يخمس و الانسان الّذي يخمس، فكما ان الخمس غير مربوط باللص و اخذه حرام على كل تقدير- و ان قصد ان ما يأخذه خمس- كذلك الخراج غير مربوط بالجائر، ففعله حرام، سواء كانت ذمة الزارع مشغولة بالخراج، أم لا.

(نعم بينهما) اى كون الارض خراجية، أم لا (فرق من حيث الحكم المتعلق بفعل غير السلطان، و هو من يقع فى يده شي ء من الخراج بمعاوضة) كما لو اشترى زيد الخراج من السلطان (او تبرع) كما لو اعطاه السلطان الخراج بعنوان الجائزة (فيحل) المال (فى الارض الخراجية) لانه حق للمسلمين، و قد اباحه الأئمة عليهم السلام (دون غيرها) لانه

ص: 343

مع انه لا دليل على وجوب حمل الفاسد على اقل فسادا اذا لم يتعدد عنوان الفساد كما لو دار الامر بين الزنا مكرها للمرأة، و بين الزنا برضائها حيث ان الظلم محرم آخر غير الزنا بخلاف ما نحن فيه.

______________________________

مال أخذ من صاحبه قهرا، و لا دليل على الحلية.

هذا (مع انه) بعد تمامية ان اخذ الخراج من الارض الخراجية، اقل فسادا من اخذ الخراج من الارض غير الخراجية (لا دليل على وجوب حمل الفاسد على اقل فسادا).

فان الدليل انما دل على وجوب الحمل على الصحة، فيما شك فى انه صحيح، أم لا، و لم يدل على وجوب الحمل على اقل فسادا فيما علم انه فاسد (اذا لم يتعدد عنوان الفساد) بان دار الامر بين عنوانين و عنوان واحد، فان فى هذا المقام يمكن القول بان العنوان المشكوك الاصل عدمه (كما لو دار الامر) فى من نعلم بانه زنى بامرأة (بين الزنا مكرها للمرأة، و بين الزنا برضائها) فان عنوان الفساد متعدد هنا (حيث ان) الاكراه ظلم، و (الظلم محرم آخر غير الزنا).

فاذا شك فى انه زنا و ظلم، او زنا فقط، كان اللازم ان ننفى الظلم و لا نرتب عليه الاحكام المربوطة بالظلم، الا اذا ثبت ذلك بدليل خارجى (بخلاف ما نحن فيه) فان الاخذ حرام، و ليس عنوانين فيما اذا كانت الارض غير خراجية- كما لا يخفى- بل العنوان واحد، و هو تناول مال الغير بدون الاستحقاق.

ص: 344

مع ان اصالة الصحة لا يثبت الموضوع، و هو كون الارض خراجية.

الا ان يقال: ان المقصود ترتب آثار الاخذ الّذي هو اقلّ فساد او هو حل تناوله من الاخذ، و ان لم يثبت كون الارض خراجية بحيث يترتب عليه الآثار الاخر مثل وجوب دفع اجرة الارض الى حاكم الشرع ليصرفه فى المصالح

______________________________

(مع ان اصالة الصحة لا يثبت الموضوع، و هو كون الارض خراجية) لان الاصول لا تثبت لوازمها.

فهو كما لو شك فى ان زيدا سلّم او شتم، فان حمل فعل المسلم على الصحيح، يقتضي ان يقال: انه لم يشتم، اما انه سلّم فيجب جوابه فلا كما حقق فى محلّه.

(الا ان يقال: ان المقصود) من اجراء اصل الصحة (ترتب آثار الاخذ) اى اخذ الجائر للخراج (الّذي هو اقلّ فسادا).

يعنى انا و ان علمنا ان اخذ الجائر للمال فاسد، الا ان اخذه قد يكون اقل فسادا- فيما اذا كانت الارض خراجية- و قد يكون اخذه اكثر فسادا- فيما اذا كانت الارض غير خراجية-.

فمقصودنا من اصل الصحة ترتيب اثر الاقل فسادا (و هو حل تناوله) اى ما اعطاه الجائر (من الاخذ) فان الارض اذا كانت خراجية جاز تناول الاخذ من السلطان للمال (و ان لم يثبت كون الارض خراجية) بسبب اجراء اصالة الصحة (بحيث يترتب عليه الآثار الاخر) لارض الخراج (مثل وجوب دفع اجرة الارض الى حاكم الشرع ليصرفه فى المصالح) للمسلمين

ص: 345

اذا فرض عدم السلطان الجائر، و مثل حرمة التصرف فيه من دون دفع اجرة اصلا، لا الى الجائر، و لا الى حاكم الشرع.

و ان اريد بفعل المسلم تصرفا لمسلمين فيها يتناولونه من الجائر من خراج هذه الارض.

ففيه انه لا عبرة بفعلهم، اذا علمنا بانهم لا يعلمون حال هذه

______________________________

(اذا فرض عدم السلطان الجائر، و مثل حرمة التصرف فيه) اى فى هذا الموضوع- اى الارض- (من دون دفع اجرة اصلا، لا الى الجائر، و لا الى حاكم الشرع).

و ذلك لما تحقق فى محله من ان الاصل انما يثبت مجراه دون لوازمه الاخر.

فاصالة الصحة فى عمل السلطان المسلم الجائر تصحح حلية التصرف فى المال، لا ان الارض خراجية حتى تثبت سائر آثار الارض الخراجية هذا كله ان اريد بصحة فعل المسلم تصرف السلطان.

(و ان اريد بفعل المسلم) الموجب لحمله على الصحة (تصرف المسلمين فيما يتناولونه من الجائر من خراج هذه الارض) لانه اذا لم تكن الارض خراجية، لم يجز تصرفهم فى ما يعطيه السلطان لهم مما اخذه من تلك الارض.

فاذا رأيناهم تصرفوا فى عطاء السلطان، دلّ ذلك على كون الارض للخراج حملا لفعلهم على الصحيح.

(ففيه انه لا عبرة بفعلهم، اذا علمنا بانهم لا يعلمون حال هذه

ص: 346

الاراضى، كما هو الغالب فى محل الكلام.

اذ نعلم بفساد تصرفهم من جهة عدم احراز الموضوع.

و لو احتمل تقليدهم لمن يرى تملك الارض الخراجية لم ينفع.

و لو فرض احتمال علمهم بكونها خراجية، كان اللازم من ذلك جواز

______________________________

الاراضى، كما هو الغالب فى محل الكلام).

فانك اذا سألت من المسلمين الآخذين للمال من السلطان، هل تعلمون ان ارض البحرين- مثلا- التى اعطى السلطان لكم من خراجها، مفتوحة عنوة، أم لا؟ تريهم يجيبون بالنفى و انهم لا يعلمون ذلك.

(اذ نعلم بفساد تصرفهم من جهة عدم احراز الموضوع).

فانا نريهم يتصرفون فى هذه الاراضى تصرف الملاك، مع انهم لم يحرزوا انها ليست مفتوحة عنوة.

فحمل فعلهم على الصحة، لا مجال له بعد ان علمنا فساد تصرفاتهم فتأمل-.

(و لو احتمل تقليدهم لمن يرى تملك الارض الخراجية لم ينفع) لان ما يحتاج الى المخرج لا ينفع فيه احتمال المخرج.

فمن رايناه يبيع الوقف لا يصح ان نشترى منه الا اذا علمنا انه يبيعه على وجه صحيح.

(و لو فرض احتمال علمهم بكونها خراجية، كان اللازم من ذلك جواز

ص: 347

التناول من ايديهم، لا من يد السلطان كما لا يخفى.

[الثانى أن يكون الفتح بإذن الإمام عليه السلام]

الثانى ان يكون الفتح باذن الامام عليه السلام، و الا كان المفتوح مال الامام (ع) بناء على المشهور.

بل عن المجمع، انه كاد يكون اجماعا، و نسبه فى المبسوط الى رواية اصحابنا، و هى مرسلة العباس الوراق، و فيها انه اذا غزا قوم بغير اذن الامام (ع) فغنموا، كانت الغنيمة كلها للامام.

قال فى المبسوط و على هذه الرواية يكون جميع ما فتحت بعد النبي «ص»-

______________________________

التناول من ايديهم) لان احتمال الصحة كاف فى حمل فعل المسلم على الصحيح (لا من يد السلطان) لانا نعلم ان يد السلطان باطلة (كما لا يخفى) لمن تدبّر.

(الثانى) من الامور الثلاثة التى توجب كون الارض خراجية (ان يكون الفتح باذن الامام عليه السلام) او نائبه الخاص او العام و فى المجتهد خلاف (و الا كان) المحلّ (المفتوح) من الاراضى (مال الامام «ع» بناء على المشهور) بالنسبة الى هذا الشرط.

(بل عن المجمع، انه كاد يكون اجماعا، و نسبه) اى نسب هذا الشرط (فى المبسوط الى رواية اصحابنا، و هى مرسلة العباس الوراق و فيها انه اذا غزا قوم بغير اذن الامام «ع» فغنموا، كانت الغنيمة كلها للامام) و الغنيمة شاملة للمنقول و للارض- كما لا يخفى-.

(قال فى المبسوط و على هذه الرواية يكون جميع ما فتحت بعد النبي «ص»-

ص: 348

الا ما فتحت فى زمان الوصى- من مال الامام «ع» انتهى.

اقول: فيبتنى حل المأخوذ منها خراجا على ما تقدم من حل الخراج المأخوذ من الانفال.

و الظاهر: ان ارض العراق، مفتوحة بالاذن، كما يكشف عن ذلك ما دل على انها للمسلمين.

و اما غيرها مما فتحت فى زمان خلافة الثانى- و هى اغلب ما فتحت- فظاهر

______________________________

الا ما فتحت فى زمان الوصى- من مال الامام «ع» انتهى).

اقول: لم تذكر التواريخ انه فتحت فى زمان الوصى شي ء من البلاد.

اذ المراد بزمان الوصى ان كان فى زمن الثلاثة، فالامام لم يباشر حربا، و لم يجهز جيشا، و ان كان بعد الثلاثة فالجمل و الصفين و نهروان اشغلت الامام عن الفتوح، بل لعل الامام عليه السلام كان من نظره الدعوة الى الاسلام، ثم الحرب، و لذا ترك الحرب الابتدائية.

(اقول: فيبتنى حل المأخوذ منها خراجا على ما تقدم من حل الخراج المأخوذ من الانفال).

اذ لو لا ذلك، فالاراضى للامام، و قد اباحوها لشيعتهم.

(و الظاهر: ان ارض العراق، مفتوحة بالاذن) من الامام امير المؤمنين (ع) فتكون من المفتوحة عنوة (كما يكشف عن ذلك ما دل على انها للمسلمين) من الروايات التى تقدم بعضها.

(و اما غيرها) اى غير العراق (مما فتحت فى زمان خلافة الثانى- و هى اغلب ما فتحت-) فى زمن الخلفاء الثلاثة (فظاهر

ص: 349

بعض الاخبار كون ذلك أيضا باذن مولانا امير المؤمنين عليه السلام و امره

ففى الخصال فى ابواب السبعة- فى باب ان الله تعالى- يمتحن اوصياء الأنبياء فى حياة الأنبياء فى سبعة مواطن و بعد وفاتهم فى سبعة مواطن- عن ابيه و شيخه، عن سعد بن عبد الله عن احمد بن الحسين ابن سعيد، عن جعفر بن محمد النوفلى، عن يعقوب الرائد عن ابى عبد الله جعفر بن احمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن على بن عبد الله بن جعفر ابن ابى طالب، عن يعقوب بن عبد الله الكوفى، عن موسى بن عبيد، عن عمرو بن ابى المقدام، عن جابر الجعفى، عن ابى جعفر عليه

______________________________

بعض الاخبار كون ذلك) الفتح (أيضا باذن مولانا امير المؤمنين عليه السلام و امره).

(ففى الخصال فى ابواب السبعة- فى باب ان الله تعالى يمتحن اوصياء الأنبياء فى حياة الأنبياء فى سبعة مواطن، و بعد وفاتهم فى سبعة مواطن- عن ابيه) اى والد الصدوق، و هو على بن بابويه (و شيخه عن سعد بن عبد الله عن احمد بن الحسين بن سعيد، عن جعفر بن محمد النوفلى، عن يعقوب الرائد).

و لا يخفى ان ذكر السند فى كتب الاستدلال للتذكر لاهل العلم بالاسانيد، و الا فمحل ذكر الاسناد كتب الاخبار (عن ابى عبد الله جعفر ابن احمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن على بن عبد الله بن جعفر بن ابى طالب، عن يعقوب بن عبد الله الكوفى، عن موسى بن عبيد، عن عمرو ابن ابى المقدام، عن جابر الجعفى، عن ابى جعفر) الامام الباقر (عليه

ص: 350

السلام: انه اتى يهودى امير المؤمنين عليه السلام فى منصرفه عن وقعة نهروان، فسأله عن تلك المواطن و فيه قوله عليه السلام و اما الرابعة- يعنى من المواطن الممتحن بها بعد النبي صلى الله عليه و آله،- فان القائم بعد صاحبه- يعنى عمر بعد ابى بكر- كان يشاورنى فى موارد الامور و مصادرها فيصدرها عن امرى، و يناظرنى فى غوامضها، فيمضيها عن رأيى لا يعلمه احد، و لا يعلمه اصحابى و لا يناظرنى غيره الخبر.

و الظاهر ان عموم الامور اضافى بالنسبة الى ما لا يقدح فى رئاسته مما يتعلق بالسياسة.

______________________________

السلام: انه اتى يهودى امير المؤمنين عليه السلام فى منصرفه عن وقعة نهروان، فسأله عن تلك المواطن) السبعة، و السبعة التى اختبر الله سبحانه الامام فيها (و فيه قوله عليه السلام و اما الرابعة- يعنى من المواطن الممتحن بها بعد النبي صلى الله عليه و آله،- فان القائم بعد صاحبه- يعنى عمر بعد ابى بكر- كان يشاورنى فى موارد الامور) جمع مورد (و مصادرها فيصدرها عن امرى) و يعملها حسب اشارتى (و يناظرنى فى غوامضها، فيمضيها عن رأيى لا يعلمه احد) اى لا يعلم بانه يشاورنى احد (و لا يعلمه اصحابى) لان الثانى كان يأنف من ذلك (و لا يناظرنى غيره) اى بمثل مناظرته و استفهامه الى آخر (الخبر).

(و الظاهر ان عموم الامور) فى كلام الامام عليه السلام (اضافى بالنسبة الى ما لا يقدح فى رئاسته مما يتعلق بالسياسة) و الا فمن المعلوم انه كان يخالف الامام عليه السلام فى كثير من الموارد.

ص: 351

و لا يخفى ان الخروج الى الكفار و دعائهم الى الاسلام من اعظم تلك الامور، بل لا اعظم منه.

و فى سند الرواية جماعة تخرجها عن حدّ الاعتبار الا ان اعتماد القميين عليها و روايتهم لها مع ما عرف من حالهم لمن تتبعها من انهم لا يثبتون فى كتبهم رواية فى راويها ضعف، الا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها جابر لضعفها فى الجملة.

______________________________

ثم ان وجه الابتلاء و الامتحان فى ذلك ان الامام عليه السلام كان مأمورا من قبل الله تعالى بتقديم الاسلام و لو كان ذلك يحسب فى حساب غير الامام ممن يناوئ الامام و يغصب مكانه، و هذا من اعظم الابتلاء ان يساعد الانسان عدوه بما ترجع بالنسبة، الحسنة إليه، فيقول الناس فعل فلان كذا، بينما ان التخطيط و التفكير من الامام عليه السلام بحيث لولاه لم يكن من الاسلام عين و لا اثر.

(و) هذه الرواية و ان لم تصرح باسم الحروب و الفتوح.

و لكن (لا يخفى ان الخروج الى الكفار و دعائهم الى الاسلام من اعظم تلك الامور، بل لا اعظم منه) هذا من جهة الدلالة.

(و فى سند الرواية جماعة تخرجها عن حدّ الاعتبار) لعدم وثاقتهم (الا ان اعتماد القميين عليها و روايتهم لها مع ما عرف من حالهم) اى حال القميين (لمن تتبعها من انهم لا يثبتون فى كتبهم رواية فى راويها ضعف الا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها) من القرائن الحالية او المقالية (جابر لضعفها فى الجملة) و ان لم يوصلها الى حدّ الصحاح.

ص: 352

مضافا الى ما اشتهر من حضور ابى محمد الحسن عليه السلام، فى بعض الغزوات و دخول بعض خواص امير المؤمنين عليه السلام من الصحابة، كعمار فى امرهم.

و فى صحيحة محمد بن مسلم، عن ابى جعفر عليه السلام، قال سألته عن سيرة الامام (ع) فى الارض التى فتحت بعد رسول الله صلى الله عليه و آله، فقال ان امير المؤمنين عليه السلام قد سار فى اهل العراق بسيرة فهى امام لسائر الارضين الخبر.

______________________________

(مضافا الى ما اشتهر من حضور ابى محمد الحسن عليه السلام، فى بعض الغزوات) بل فى الجواهر و غيره ان الامام الحسن عليه السلام كما ينقل- صلى فى مسجد اصفهان، و فى جملة من التواريخ ان الامامين الحسن و الحسين عليهما السلام حضرا غزوات افريقيا (و دخول بعض خواص امير المؤمنين عليه السلام من الصحابة، كعمار فى امرهم) الّذي يظن منه انه كان باذن الامام عليه السلام، و الا لم يكن يشترك مثله فى هذه الغزوة.

(و فى صحيحة محمد بن مسلم، عن ابى جعفر عليه السلام، قال سألته عن سيرة الامام (ع)) اى ما هى طريقة تصرفه (فى الارض التى فتحت) عنوة (بعد رسول الله صلى الله عليه و آله، فقال) عليه السلام (ان امير المؤمنين عليه السلام قد سار فى اهل العراق بسيرة فهى امام) و اسوة (لسائر الارضين) المفتوحة عنوة الى آخر (الخبر).

ص: 353

و ظاهرها ان سائر الارضين المفتوحة بعد النبي (ص) حكمها حكم ارض العراق.

مضافا الى انه يمكن الاكتفاء عن اذن الامام المنصوص فى مرسلة الوراق بالعلم بشاهد الحال برضا امير المؤمنين و سائر الأئمة بالفتوحات الاسلامية الموجبة لتأيّد هذا الدين، و قد ورد ان الله تعالى يؤيد هذا الدين باقوام لا خلاق لهم منه بحمل الصادر من الغزات من فتح البلاد على وجه صحيح، و هو كونه بامر الامام (ع).

______________________________

(و ظاهرها) بالإضافة الى كون العراق مفتوحة عنوة (ان سائر الارضين المفتوحة بعد النبي «ص» حكمها حكم ارض العراق) مما يدل على وجود اذن الامام فى الفتح حقيقة، او ان المأمور به العمل بموازين الفتح، و ان كانت للامام واقعا- لانه لم يؤذن فى فتحها-.

(مضافا الى انه يمكن الاكتفاء عن اذن الامام المنصوص فى مرسلة الوراق) اشتراطه فى اجراء احكام المفتوحة عنوة (بالعلم بشاهد الحال برضا امير المؤمنين) عليه السلام (و سائر الأئمة) عليهم السلام (بالفتوحات الاسلامية الموجبة) تلك الفتوحات (لتأيّد هذا الدين، و قد ورد ان الله تعالى يؤيّد هذا الدين باقوام لاخلاق) اى لا نصيب (لهم منه) اى من الدين، كالامويين و من اشبههم.

و اذا علمنا بالرضا منهم عليهم السلام، و كان الرضا قائما مقام الاذن صح كونها مفتوحة عنوة (بحمل) الفعل (الصادر من الغزات من فتح البلاد على وجه صحيح، و هو كونه بامر الامام (ع)).

ص: 354

مع انه يمكن ان يقال: ان عموم ما دل من الاخبار الكثيرة على تقيد الارض المعدودة من الانفال بكونها مما لا يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و على ان ما اخذت بالسيف من الارضين يصرف حاصلها فى مصالح المسلمين، معارض بالعموم من وجه لمرسلة الوراق فيرجع الى عموم قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ الآية، فيكون

______________________________

(مع انه يمكن ان يقال) و هذا وجه ثالث لاجراء حكم المفتوحة عنوة على هذه الارضين المفتوحة بعد النبي صلى الله عليه و آله (ان عموم ما دل من الاخبار الكثيرة على تقيد الارض المعدودة من الانفال بكونها مما لا يوجف) اى لم يسر- من الوجف و هو السير بسرعة- (عليه بخيل) اى الفرس (و لا ركاب) اى الابل (و) ما دل (على ان ما اخذت بالسيف من الارضين يصرف حاصلها فى مصالح المسلمين، معارض بالعموم من وجه لمرسلة الوراق).

لان المرسلة شاملة للاراضى الخراجية و غيرها، و اخبار الفتح خاصة بالاراضى الخراجية.

ثم ان اخبار الفتح اعم من اذن الامام و عدمه، و المرسلة خاصة باذن الامام، فبينهما عموم من وجه.

و مادة التعارض الاراضى التى غنمها المسلمون بدون اذن الامام (فيرجع) فى مادة التعارض التى تقتضى اخبار الفتح كونها للمسلمين و المرسلة كونها للامام (الى عموم قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ، الآية، ف) الخمس لهم و (يكون

ص: 355

الباقى للمسلمين، اذ ليس لمن قاتل شي ء من الارضين نصا و اجماعا.

[الثالث أن يثبت كون الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام (ع) محياة حال الفتح]

الثالث ان يثبت كون الارض المفتوحة عنوة باذن الامام (ع) محياة حال الفتح ليدخل فى الغنائم و يخرج منها الخمس أولا، على المشهور و يبقى الباقى للمسلمين.

فان كانت حينئذ مواتا كانت للامام، كما هو المشهور بل المتفق عليه على

______________________________

الباقى) اى الاربعة الاخماس الاخر (للمسلمين، اذ) امر الباقى دائر بين الامام و المسلمين و المقاتلين، لكن الامام له الخمس فقط بظاهر الآية.

و (ليس لمن قاتل شي ء من الارضين نصا و اجماعا) و انما للمقاتلين المنقولات فلم يبق الا ان تكون الارضين لجميع المسلمين.

اقول لا يخفى ما فى هذا الوجه اذ مرسلة الوراق على فرض تماميتها حاكمة، و لا تلاحظ النسبة بين الحاكم و المحكوم، كما قرر فى الاصول.

من شروط كون الارض خراجية (ان يثبت كون الارض المفتوحة عنوة باذن الامام «ع» محياة حال الفتح ليدخل فى الغنائم و يخرج منها الخمس أولا، على المشهور) مقابل انه لا يخرج من الارض الخمس و قد فصلنا ذلك فى كتاب الخمس من شرح العروة، فراجع (و يبقى الباقى للمسلمين) و تكون من اراضى الخراج.

(فان كانت حينئذ) اى حين الفتح (مواتا كانت للامام كما هو المشهور) و تكون من الانفال، كما حقق فى كتاب الخمس (بل المتفق عليه على

ص: 356

الظاهر المصرح به عن الكفاية، و محكى التذكرة، و يقتضيه اطلاق الاجماعات المحكية على ان الموات من الانفال، لاطلاق الاخبار الدالة على ان الموات- بقول مطلق- له (ع).

و لا يعارضها اطلاق الاجماعات، و الاخبار الدالة على ان المفتوحة عنوة للمسلمين، لان موارد الاجماعات هى الارض المغنومة عن الكفار، كسائر الغنائم التى يملكونها منهم، و يجب فيها الخمس، و ليس الموات من اموالهم، و انما هى مال الامام.

و لو فرض جريان ايديهم عليه، كان بحكم المغصوب لا يعدّ فى الغنيمة

______________________________

الظاهر المصرح به عن الكفاية، و محكى التذكرة، و يقتضيه اطلاق الاجماعات المحكية على ان الموات من الانفال) فهى للامام، لا للمسلمين (لاطلاق الاخبار الدالة على ان الموات- بقول مطلق- له «ع») بدون تقييد بعدم كونها فى المفتوحة عنوة.

(و لا يعارضها اطلاق الاجماعات، و الاخبار الدالة على ان المفتوحة عنوة للمسلمين) حتى يقال بوقوع التعارض حينئذ بين الطائفتين من الاخبار (لان موارد الاجماعات) الدالة على ان المغنومة للمسلمين (هى الارض المغنومة عن الكفار، كسائر الغنائم التى يملكونها منهم، و يجب فيها الخمس، و) الحال انه (ليس الموات من اموالهم، و انما هى مال الامام) حتى قبل الفتح.

(و لو فرض جريان ايديهم) اى الكفار (عليه، كان بحكم المغصوب) و (لا يعدّ فى الغنيمة) فلا يشمل الموات دليل الغنائم أصلا حتى يقع

ص: 357

و ظاهر الاخبار خصوص المحياة مع ان الظاهر عدم الخلاف.

نعم لو مات المحياة حال الفتح، فالظاهر بقائها على ملك المسلمين

بل عن ظاهر الرياض استفادة عدم الخلاف فى ذلك من السرائر لاختصاص ادلة الموات بما اذا لم يجر عليه ملك مسلم، دون ما عرف صاحبه.

ثم انه يثبت الحياة حال الفتح بما كان يثبت به الفتح عنوة.

______________________________

التعارض بينه و بين دليل الانفال.

(و ظاهر الاخبار) ان للمسلمين (خصوص المحياة) من الاراضى المغنومة (مع ان الظاهر عدم الخلاف) فى كون الموات للامام.

(نعم لو مات المحياة حال الفتح، فالظاهر بقائها على ملك المسلمين) استصحابا، و لا يدخل فى الانفال بسبب الموت.

(بل عن ظاهر الرياض استفادة عدم الخلاف فى ذلك من السرائر) لابن ادريس (لاختصاص ادلة الموات) الدالة على كونها من الانفال (بما اذا لم يجر عليه ملك مسلم) و هو: اعم مما كان له صاحب خاص، أم لا (دون ما عرف صاحبه) اى لا تخصص ادلة الموات- التى هى للامام- بما عرف صاحبه، حتى يقال: ان المفتوحة عنوة حيث لم يكن لها صاحب خاص، فهى داخلة فى عموم الموات التى هى للامام.

(ثم انه يثبت الحياة) للارض (حال الفتح بما كان يثبت به الفتح عنوة) من البينة العادلة- كما تقدم-.

ص: 358

و مع الشك فيها، فالاصل العدم و ان وجدناها الآن محياة لاصالة عدمها حال الفتح.

فيشكل الامر فى كثير من محياة اراضى البلاد المفتوحة عنوة.

نعم ما وجد منها فى يد مدّع للملكية حكم بها له.

اما اذا كانت بيد السلطان، او من اخذها منه، فلا يحكم لاجلها بكونها خراجية، لان يد السلطان عادية على الاراضى الخراجية أيضا.

______________________________

(و مع الشك فيها) اى فى الحياة حال الفتح (فالاصل العدم) لان الحياة حالة طارئة لا يعلم بها حال الفتح (و ان وجدناها الآن محياة لاصالة عدمها حال الفتح) فان هذه الحياة جديدة بلا اشكال، و ليس المقام من مجهولى التاريخ، بل تاريخ الفتح معلوم و تاريخ الحياة مجهولة.

(ف) حيث ان الاصل عدم الحياة (يشكل الامر فى كثير من محياة اراضى البلاد المفتوحة عنوة) حيث لم يعلم حياتها حال الفتح حتى يجرى عليها احكام المفتوحة عنوة فى الخراج، و غيرها.

(نعم ما وجد منها) اى من تلك الاراضى (فى يد مدّع للملكية حكم بها له) لاجراء اصالة الصحة.

(اما اذا كانت بيد السلطان، او من اخذها منه، فلا يحكم لاجلها) اى لاجل يد السلطان (بكونها خراجية، لان يد السلطان عادية على الاراضى الخراجية أيضا) و اليد العادية لا تحمل على الصحة، لان الحمل على الصحة انما هو فى المشكوك، لا فى المتيقن فساده.

ص: 359

و ما لا يد لمدعى الملكية عليها، كان مردّدا بين المسلمين و مالك خاص مردد بين الامام، لكونها تركة من لا وارث له، و بين غيره، فيجب مراجعة حاكم الشرع فى امرها و وظيفة الحاكم فى الاجرة المأخوذة منها اما القرعة، و اما صرفها فى مصرف مشترك بين الكل، كفقير يستحق الانفاق من بيت المال لقيامه ببعض مصالح المسلمين.

ثم اعلم: ان ظاهر الاخبار تملك المسلمين لجميع ارض العراق المسمى بارض السواد، من غير تقييد بالعامر فينزل

______________________________

(و ما لا يد لمدعى الملكية عليها) لا من السلطان و لا من سائر الناس (كان مرددا بين المسلمين) لكونها مفتوحة عنوة (و) بين (مالك خاص) و هو (مردد) أيضا (بين الامام، لكونها تركة من لا وارث له) فيصل الى الامام (و بين غيره، فيجب مراجعة حاكم الشرع فى امرها) لمن يريد التصرف فيها (و وظيفة الحاكم فى الاجرة المأخوذة منها اما القرعة) بين المسلمين و الامام و مجهول المالك، لانها لكل امر مشكل (و اما صرفها فى مصرف مشترك بين الكل، كفقير يستحق الانفاق من بيت المال لقيامه ببعض مصالح المسلمين).

فاذا كان مجهول المالك، كان مصرفه الفقير.

و اذا كان سهم الامام او من بيت المال كان مصرفه من يقوم ببعض مصالح المسلمين.

(ثم اعلم: ان ظاهر الاخبار تملك المسلمين لجميع ارض العراق المسمّى بارض السواد، من غير تقييد بالعامر) فقط (فينزل) تلك الاخبار

ص: 360

على ان كلها كانت عامرة حال الفتح.

و يؤيده انهم ضبطوا ارض الخراج- كما فى المنتهى و غيره- بعد المساحة، بستة او اثنين و ثلاثين الف الف جريب.

و حينئذ فالظاهر ان البلاد الاسلامية المبنية فى العراق هى و ما يتبعها من القرى، من المحياة حال الفتح التى تملكها المسلمون.

و ذكر العلامة ره فى كتبه تبعا لبعض ما عن المبسوط، و الخلاف: ان حدّ سواد العراق ما بين منقطع الجبال بحلوان الى طرف القادسية

______________________________

(على ان كلها كانت عامرة حال الفتح) بعد ان عرفت انه لو كانت غير عامرة تكون من الانفال و للامام عليه السلام.

(و يؤيده انهم ضبطوا ارض الخراج- كما فى المنتهى و غيره- بعد المساحة، بستة او اثنين و ثلاثين الف الف جريب) و الجريب ستون ذراعا فى ستين ذراعا، و المسّاح هو عثمان بن حنيف بامر الثانى.

(و حينئذ فالظاهر ان البلاد الاسلامية المبنية فى العراق هى و ما يتبعها من القرى، من المحياة حال الفتح التى تملكها المسلمون) «من المحياة» خبر «ان البلاد».

(و ذكر العلامة ره فى كتبه) كالمنتهى و التذكرة و التحرير و غيرها (تبعا لبعض ما عن المبسوط، و الخلاف: ان حدّ سواد العراق) المفتوحة عنوة (ما بين منقطع الجبال بحلوان) اى آخر الجبال.

و حلوان بلد بينه و بين بغداد خمس مراحل من طرف المشرق (الى طرف القادسية) و هى الطرف الغربى من العراق، و هى بلدة معروفة

ص: 361

المتصل بعذيب من ارض العرب عرضا، و من تخوم الموصل الى ساحل البحر ببلاد عباد ان طولا.

و زاد العلامة ره قوله من شرقى دجلة، فاما الغربى الّذي يليه البصرة، فانما هو اسلامى مثل شطّ عثمان بن ابى العاص و ما والاها، كانت مماتا فاحياها عثمان.

و يظهر من هذا التقييد ان ما عدا ذلك كانت محياة.

كما يؤيده ما تقدم من تقدير الارض المذكورة بعد المساحة بما ذكر من الجريب.

______________________________

الى الآن (المتصل بعذيب من ارض العرب عرضا، و من تخوم الموصل) اى حدودها، جمع تخم كفلس و فلوس (الى ساحل البحر ببلاد عباد ان طولا).

(و زاد العلامة ره) على التحديد المذكور (قوله من شرقى دجلة فاما الغربى الّذي يليه البصرة، فانما هو اسلامى) اى عمّر فى زمان الاسلام (مثل شطّ عثمان بن ابى العاص و ما والاها، كانت مماتا) حال الفتح (فاحياها عثمان).

و المراد بالاحياء اجراء النهر و الزرع و العمارة و ما اشبهها.

(و يظهر من هذا التقييد) فى كلام العلامة (ان ما عدا ذلك) الّذي استثناه من غربى دجلة (كانت محياة) حال الفتح.

(كما يؤيده ما تقدم من تقدير الارض المذكورة بعد المساحة بما ذكر من الجريب) المقدر بستة و ثلاثين مليون.

ص: 362

فما قيل من ان البلاد المحدثة بالعراق مثل بغداد، و الكوفة و الحلة و المشاهد المشرفة اسلامية بناها المسلمون و لم تفتح عنوة، و لم يثبت ان ارضها يملكها المسلمون بالاستغنام.

و التى فتحت عنوة، و اخذت من الكفار قهرا، قد انهدمت، لا يخلو عن نظر، لان المفتوح عنوة لا يختص بالابنية، حتى يقال: انها انهدمت.

فاذا كانت البلاد المذكورة و ما يتعلق بها من قراها غير مفتوحة عنوة فاين ارض العراق المفتوحة عنوة المقدر بستة و ثلاثين الف الف جريب.

______________________________

(فما قيل من ان البلاد المحدثة بالعراق مثل بغداد، و الكوفة و الحلة و المشاهد المشرفة اسلامية بناها المسلمون) بعد ان كانت مواتا حال الفتح (و لم تفتح عنوة) فى حال كونها محياة (و لم يثبت ان ارضها يملكها المسلمون بالاستغنام) اى لم يثبت انهم غنموها.

(و التى فتحت عنوة، و اخذت من الكفار قهرا، قد انهدمت) و محى اثرها، فلا يجرى عليه حكم المفتوح عنوة (لا يخلو عن نظر، لان المفتوح عنوة) المحياة (لا يختص بالابنية، حتى يقال: انها انهدمت) اذ المحياة تكون بالماء و الزرع و ما اشبه، و ما ينهدم لا يخرج عن كونه للمسلمين، كما تقدم.

(فاذا كانت البلاد المذكورة) بغداد و الحلة و المشاهد (و ما يتعلق بها من قراها غير مفتوحة عنوة) كما ذكره هذا البعض (فاين ارض العراق المفتوحة عنوة المقدر بستة و ثلاثين الف الف جريب) خصوصا بعد التحديد المذكور عرضا و طولا- كما عرفت-.

ص: 363

و أيضا من البعيد عادة ان يكون بلد المدائن على طرف العراق، بحيث يكون الخارج منها مما يليه البلاد المذكورة مواتا، غير معمورة وقت الفتح و الله العالم و لله الحمد أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

______________________________

(و أيضا من البعيد عادة) كلام العلامة (ان يكون بلد المدائن) فى بغداد عاصمة كسرى (على طرف العراق، بحيث يكون الخارج منها) فى الطرف الغربى (مما يليه البلاد المذكورة مواتا، غير معمورة وقت الفتح).

و يمكن ان يكون كلامه رحمه الله هذا اشكالا آخر على من يقول بخروج حلة و المشاهد و بغداد عن المفتوحة عنوة (و الله العالم و لله الحمد أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا).

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

تم بيد شارحه: محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

فى مدينة كربلاء المقدسة 25/ ج 2

ص: 364

الى هنا تمت اجزاء المكاسب المحرمة الاربعة لكتابنا (ايصال الطالب الى المكاسب).

و بعد ذلك يشرع فى البيع، و هو الجزء الخامس من الكتاب.

و اللّه ولى التوفيق.

الناشر

ص: 365

ص: 366

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

مقدمة الشارح 3

فى التنبيه الثالث من تنبيهات الولاية 6

فى التنبيه الرابع من تنبيهات الولاية 12

فى التنبيه الخامس من تنبيهات الولاية 13

فيما ينبغى للوالى العمل به 19

فى حرمة هجاء المؤمن 50

فى ما يجب على الانسان فعله عينا او كفاية 57

فى جواز اخذ الاجرة على الواجبات 94

فى حرمة بيع المصحف 138

فى جوائز السلطان 158

ص: 367

الموضوع الصفحة

فى تطهير المال بالخمس 169

فى ما لو علم تفصيلا حرمة ما يأخذه 199

فى ما لو علم اجمالا اشتمال الجائزة على الحرام 238

فى الخراج و المقاسمة و الزكاة 248

فى تنبيهات الخراج و المقاسمة 272

محتويات الكتاب 367

ص: 368

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.